بحث

الإنسان وشهوة الجنس

الإنسان وشهوة الجنس

بسم الله الرحمن الرحيم

     من مقومات التكليف الكون، والعقل وهو أداة معرفة الله، والفطرة وهي أداة معرفة الخطأ والصواب، الشهوة، وننتقل اليوم إلى الشهوة الثانية، إن صح التعبير، وهي شهوة الجنس. 

     الإنسان كائن متحرك، لماذا هو متحرك؟ لأن الله أودع فيه الشهوات، أول شهوة، شهوة الطعام والشراب حفاظاً على وجوده، والشهوة الثانية شهوة الجنس، المرأة حفاظاً على النوع، لولا هذه الشهوة لانقرض النوع البشري، وهذه الشهوة متغلغلة في أعماق الإنسان، هذا التغلغل يشير إليه الحديث الشريف:  ((إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير)) لو أقمتم عقبات كأداء أمام زواج الشباب ماذا يحدث؟ يحدث الفساد. ثمة أشياء إذا منعتها يمتنع الإنسان عنها، لكن هناك أشياء متغلغلة في أعماق النفس، فلذلك لا بد من ترشيدها. أؤكد لكم أن الإنسان لأنه المخلوق المكرَّم، ومن خصائص هذا المخلوق أنه مخيّر، ما دام الإنسان مخيراً فكلّ شهواته حيادية، يمكن أن تكون سلماً يرقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن تكون دركات يهوي بها إلى أسفل سافلين. وفي بكل بلد دُور دعارة، وزنا، والزانية امرأة ساقطة، تخجل من نفسها، للمرأة جمال الحشمة، جمال العفة، تشعر المرأة العفيفة الشريفة الحرة أنها ملكة، والمرأة الساقطة شيء مبتذل، شيء ساقط شيء، لا أحد يأبه له. الوقود السائل في المركبة إن وضع في المستودعات المحكَمة، وسال في الأنابيب المحكَمة، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب ولَّدَ حركة نافعة، تقلُّك أنت وأهلك إلى مكان جميل، وإذا صبَّ هذا الوقود على المركبة، وأصابها شرارة أحرق المركبة ومَن فيها، الوقود هُوهو، قوة نافعة، قوة مهلكة مدمرة.  

     ترى إنسانا يتزوج، ويحب زوجته، تنجب له أولادا يملؤون البيت سروراً، أسعد لحظات الزوج إذا جلس مع أهله وأولاده البريئين الطاهرين، لهم كلام لطيف جداً، لهم حركات لطيفة، والأم امرأة جميلة متزينة أمام زوجها هكذا ترتيب الله عز وجل، إذا صح التعبير: التصميم إلهي الذكر والأنثى صُمِّما في الأصل ليكونا زوجين، نحن في العالم الإسلامي عندنا الفتاة إما أنها أم، أو أنها أخت، أو أنها بنت ما عندنا خليلة ما عندنا عشيقة، ما عندنا امرأة تمتهن الزنا، معها بطاقة، معها شهادة صحية، لها نقابة، هذا الشيء ليس عندنا ليس نحن في بلاد المسلمين لا نشرع المعصية ببطاقات ونقابات وشهادة صحية.   عندنا الفتاة إما أنها أم أو أنها أخت أو أنها بنت، عندنا زوجة، وخالة وعمة، وبنت أخت، وبنت أخ، وبنت ابن، وبنت بنت، المرأة مقدَّسة، هل تصدقون أن الرجل إذا قاتل دون عرضه فهو شهيد، الذي يدافع عن زوجته، أو عن ابنته، أو عن أخته يعدُّ عند الله شهيداً.  

     بمحاكمة منطقية معقول لشاب في ريعان الشباب، شهوته متأججة، يغض بصره عن محارم الله، ويرتاد بيوت الله، وبعيد عن كل المعاصي والآثام، هذا الشاب الذي عف عن الحرام، ومنع نفسه عن كل إثم، وخاف من الله عز وجل، معقول أن يعامل هذا الشاب في زواجه كما يعامل شاب منحرف له خبرات مع النساء قبل الزواج؟ ذوّاق. قال تعالى:  ﴿ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ورد في بعض الأحاديث: لعن الله الذواقين والذواقات، يعبَّر عنها الآن بتعبير آخر، عنده خبرة. الشاب المؤمن طاهر مطهر، عفته وسام شرف له، غض بصره وسام شرف له.  ((ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب))  يقول الله عز وجل للملائكة: " انظروا عبدي، ترك شهوته من أجلي ". حينما يستقيم الشاب قبل الزواج أول مكافأة له زوجة تسره إن نظر إليها، وتطيعه إن أمرها، وتحفظه إن غاب عنها. المرأة الصالحة حسنة الدنيا، ستيرة عفيفة قنوعة ((أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً)) الصحابية الجليلة التي كانت تودِّع زوجها، وتقول: <<  اتقِ الله فينا، نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام  >>. 

     ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل اللهُ لها قناة نظيفة تسري خلالها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((... إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي))  فيمكن أن تتحرك فيها مئة وثمانين درجة، لكن المؤمن يوقع حركته بدافع شهوته في الحيز الذي سمح الله به، هذا يكون بالصبر، الإيمان نصفه صبر، ونصفه شكر، الصبر إيقاع الحركة بدافع الشهوة في الحيز الذي سمح الله به، مسموح لك أن تتزوج، لذلك الآية الكريمة:  ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ المعنى المعاكس الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه، فمن الممكن أن تتزوج، ويصير لقاء، وأن تستيقظ لقيام الليل، وأن تبكي في الصلاة، لأنك ما فعلت شيئاً، فعلت شيئاً وفق منهج الله، وفق أمر الله ونهيه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:  (( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة )) والحب تصنعه أنت بيدك، كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، كان يقول:  ((فإنهن المؤنسات الغاليات)) .

     ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، هذا من فضل الله علينا جميعاً فلا حرمان في الإسلام، ولا قيود، ولا حواجز بين الزوجين، مباح لها أن تتزين له كما يبدو لها، لأنها حلال له، بلا في قيد ولا في شرط، إلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:  ((اتقوا الحيضة والدبر)) والباقي لا داعي للتفاصيل المحرجة، هذان شيئان محرمان فقط، والباقي مسموح، الزواج سنة رسول الله، والزوجة الصالحة حسنة الدنيا، ومحبة الزوجة من فروع محبة الله. 

     الفكرة الدقيقة أن الشيطان له نشاطات كثيرة، من يقول لي أخطر نشاط له، وأكبر نشاط؟ هو التفريق بين الزوجين.  ﴿ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ لذلك عمل الشيطان أن يكرِّهك بزوجتك، بينما الإيمان يدعوك أن تحب زوجتك، أنا أرفض أشد الرفض مقولة يتداولها بعض الناس: أن بعد فترة يألف الزوجين بعضهما، هذا كلام ليس صحيحا، إن كان كذلك فهناك خطأ استراتيجي في العلاقة بينهما، الحب الزوجي يتنامى، وفي كل سن المرأة لها جمال، وهي عروس لها جمال، وهي أم، وهي جدة، وهي أكبر امرأة في الأسرة يسمونها عميدة الأسرة، لها جمال من نوع آخر. فلذلك المرأة بالزواج لها مستقبل، لكن بالزنا ما دام فيها مسحة جمال حينما يزوي جمالها تلقى في الطريق، فلا مستقبل للمرأة من دون زواج.  

     أقدس عقد على الإطلاق في الأرض عقد الزواج، لأن هذا عقد ينتج عنه أولاد وأحفاد، وتنشأ عنه ذرية، وأكثر مكافأة للزوجين:  ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ إنسان يفكر أن يتزوج زواجا مؤقتا الإمام الأوزاعي يرى أنك إذا عقدت عقداً، وفي نيتك التطليق بعد حين لقيتَ الله وأنت زان، عقد الزواج على التأبيد، لذلك بل إن عقد الزواج أقدس عقد على الإطلاق، قال تعالى:  ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾.

     شاب يطلب العفاف الأمر ميسر من قِبل الله عز وجل، لا تقلق ما دمت تطلب العفاف، فالأمر ميسَّر، قال النبي صلى الله عليه وسلم:  (( ومن تزوج ثقة بالله، واحتسابا كان حقا على الله تعالى أن يعينه، وأن يبارك له )) على كلٍّ شهوة المرأة يمكن أن نرقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن يكون لنا أولاد طاهرون.  (( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )).



المصدر: العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 26 - الشهوة -12- شهوة الجنس -1- العلاقة بين الرجل والأنثى وفق منهج الله