إن الشهوة حيادية يمكن أن تكون سلماً نرقى بها أو دركات نهوي بها، وأنه لولا الشهوات لما ارتقينا على رب الأرض والسماوات، وإن أحد أكبر شهوات الحياة هو المال.
قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
فالمال أحد أكبر الشهوات التي أودعها الله فينا، والمال أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل.
المال مِن مقوِّمات الحياة:
لكن بادئ ذي بدء المال قوام الحياة، فحينما تعمل تكسب مالاً حلالاً تشتري به بيتاً، وتتزوج، تنجب أولاداً، وتسعد بأهلك وبأولادك، هذا المشروع الكبير أساسه أن لك عملاً ترتزق منه، فالمال قوام الحياة.
أيها الإخوة الكرام، لا بد من إيضاح دقيق لدور المال في حياة المؤمن.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ـ
لكن النبي عليه الصلاة والسلام رفيق قال: وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ .
المال قوام الحياة، فينبغي أن تكون ذا مال إذا كان طريق كسبه وفق منهج الله، المال قوة، ومعنى قوة أن الخيارات المتاحة للغني في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، بماله يزوج شاباً، بماله يعالج مريضاً، بمال يرعى أرملة، بماله يطعم يتيماً، بماله ينشئ معهداً، بماله يؤسس ميتماً، بماله يفعل الخير، الخيارات المتاحة لصاحب المال لا تعد ولا تحصى، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعل الغني المؤمن قريباً من درجة العالم العامل.
لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَ آنَاءَ النّهَار .
فلسفة المال في الإسلام أن هذا المال أحد أكبر أسباب دخول الجنة، أن هذا المال أحد أكبر أسباب التقرب على الله، أن هذا المال يمكن أن ترقى به إلى أعلى عليين، ويمكن أن تهوي به إلى أسفل سافلين المال نفسه.
لكن أيها الإخوة، الآية الدقيقة جداً التي تبين قيمة المال: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا
موطن الشاهد: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا
تقوم حياتك على دخل تشتري طعاماً لأهلك وأولادك، تشتري كساءً تستأجر بيتاً، يعني المال قوام الحياة، إذاً هذا الذي يدعي أنه لا يحب المال أنا لا أصدقه.
لقد أودع الله في الإنسان حب المال، وهذا شيء متغلغل في أعماق النفس، لكن هناك من يعترف، وهناك من لا يعترف، ولكن شهوة المال مودعة في كل إنسان اعترف أو لم يعترف، صرح أو لم يصرح، الحقيقة الأولى أن المال قوام الحياة، فلا تحتقر المال، المال مِن نعمِ الله الكبرى إذا كان كسبه مشروعاً، وكان إنفاقه في وجوه الخير.
أيها الإخوة، الحقيقة الأولى: المال قوام الحياة، وإذا أحرزت النفس قوتها اطمأنت، ولأن الله سبحانه وتعالى من حِكَمه البالغة أنه أودع فينا حاجات، حاجة إلى الطعام والشراب، وحاجة إلى الجنس، وحاجة إلى تأكيد الذات، وهذه الحاجات الثلاث تحتاج إلى المال، فكأنه دفعنا إلى كسب المال، والفكرة الدقيقة أن الله عز وجل حينما وصف بشرية الأنبياء قال: وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ
هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون في ثمن الطعام إلى المشي في الأسواق، لذلك هذا الذي لا يعمل لا مكان له في مجتمع المسلمين،
سيدنا عمر يقول: إني أرى الرجل لا عمل له يسقط من عيني
المال حياديٌّ:
أيها الإخوة، شيء آخر في موضوع المال، هو أن المال حيادي، الغنى خير ؟ نعم ولا، إذا أنفق المال في طاعة الله فهو خير، وإذا أنفق في معصية الله فهو شر، المال ليس نعمة وليس نقمة، ولكنه موقوف على طريقة إنفاقه، بل على طريقة كسبه أيضاً، لذلك الإنسان يوم القيامة يُسأَل عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه ؟ يسأل عن عمره، وعن شبابه، وعن علمه، أما عن ماله فيسأل سؤالان: من أين اكتسبه، و فيمَ أنفقه ؟
أيها الإخوة، المال حيادي، أركز على هذا، قيمته موقوفة على طريقة كسبه وإنفاقه، هو نعمة ونقمة، هو سلم ترقى به أو دركات تهوي بها،
العمل لكسب المال من العبادات:
لكن بادئ ذي بدء، أحب أن أطمئنكم أن كل واحد منا في عمله الذي يكسب منه رزقه، في حرفته التي يحترفها، في مهنته التي يمتهنها، في حركته التي يتحركها، في مشيه في الأسواق، أن كل واحد منا بإمكانه وبيسر أن يجعل من عمله المهني الحرفي عبادة، إذا كانت الحرفة في الأصل مشروعة، وسلكت بها الطرق المشروعة، لا كذب فيها، ولا غش، ولا احتيال، ولا إيهام، ولا احتكار، ولا تدليس، ولا بيع على بيع، ولا تلقي الركبان، ولا كتم عيب، إذا نجا المؤمن من معاصي البيع والشراء كلها، وكانت حرفته في الأصل مشروعة، يبيع قماشاً، يبيع طعاماً وشراباً، يبيع خشباً، يبيع حديداً، إذا كانت الحرفة في الأصل مشروعة،وسلك بها المسلم الطرق المشروعة، وابتغى منها كفاية نفسه وأهله وخدمة المسلمين كانت عبادة.
كان السلف الصالح حينما يفتح محله التجاري يقول: نويت خدمة الناس
إنسان يمضي ثماني ساعات في محله التجاري وهو في عبادة ؟ لأنه نوى في هذا العمل كفاية نفسه، وكفاية أهله، وحبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي، نوى كفاية نفسه وأهله، ونوى خدمة الناس، هذه الحرفة، وتلك المهنة، وهذه الوظيفة، وهذا الطب، وهذه المحاماة، وهذه الهندسة، وهذا التدريس عبادة، طبعاً ولم تشغله عن فريضة، ولا عن واجب، ولا عن عمل صالح، وقد قيل: عادات المؤمن عبادات وعبادات المنافق سيئات
هل هناك واحد في الأرض لا يعمل؟ إلا حالات نادرة، انظر إلى الطرقات صباحاً المؤمن وغير المؤمن، والمنافق والعاصي والمستقيم يتحرك، هذا إلى مدرسته مدرسًا، وهذا إلى معمله عاملا، وهذا إلى مكتبه محاميًا، هذا إلى عيادته طبيبا، كلهم يتحركون، فبيْنَ أن تكون هذه الحركة عند الله عبادة ترقى بها إلى أعلى عليين، وأن تكون هذه الحرفة سبباً كافياً لدخول الجنة.
أيها الإخوة، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، من دكانك، من وظيفتك، من مكتبك الهندسي، من عيادتك كطبيب، من حقلك من معملك، من أي مكان، إذا كان العمل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، لا غش فيه،ولا كذب، ولا احتيال، ولا تدليس،ولا احتكار، ولا مديحًا كاذبًا ولا إيهام، ولا استغلال، ولا تلقي الركبان، ولا بيع على بيع، إذا كانت الحركة في هذه المهنة مشروعة، والحرفة في أصلها مشروعة، ونويت بها كفاية نفسك وأهلك وخدمة الناس، ولم تشغلك عن فريضة ولا عن واجب ولا عن عمل صالح انقلبت إلى عبادة،
ليس كسبُ المال دليلَ حبِّ الله للعبد:
قال الله تعالى: فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ
فيقول، وهذه مقولته، كأن الله عز وجل ما قبِل هذا الجواب: كَلَّا
إذا آتى الله الإنسان المال، وما كان مستقيما، وكان منحرفا، يقول لك: الله يحبني، لأنه أعطاني المال، مَن قال لك ذلك ؟ قارون أغنى منك: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ
الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب، ما دام الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب إذاً لا يمكن أن يكون المال مقياساً لمحبة الله، ولا يمكن أن يكون نقص المال مقياساً لبغض الله عز وجل، أعطى الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، وزويت عمّن يحب وعمّن لا يحب، إذاً: ليست مقياساً.
فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ
الجواب الإلهي: كَلَّا
كلا أداة ردع، فضلاً عن أنها أداة نفي، قال لك رجل جائع: هل أنت جائع ؟ تقول له: لا، لا سمح الله ولا قدر لو قال لك هل: أنت سارق ؟ هل يكفي أن تقول له: لا ؟ تقول له: كلاّ، فكلمة كلاّ تنفي الرغبة والإقرار والموافقة إطلاقاً، كأن الله عز وجل يقول: ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، الدليل: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ
إنفاق المال أحد أسباب التقرُّب إلى الله:
أيها الإخوة، يجب أن تعلم علم اليقين يقيناً قطعياً أن أحد أكبر أسباب التقرب إلى الله إنفاق المال،
الدليل قال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ
وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ
قال علماء التفسير: تحتمل هذه الكلمة: عَلَى حُبِّهِ
معنيين:
إما آتى المال وهو يحبه،
أو آتى المال حباً في الله.
على كلٍّ قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ
دققوا الآن تتمة الآية: وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ
آتى المال على حبه شيء، وإيتاء الزكاة شيء آخر، إيتاء الزكاة فرض، أما آتى المال على حبه فهو تطوع، وعلامة محبتك لله أن تنفق من مالك فضلاً عن أموال الزكاة صدقةً.
وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ
إذاً: أيها الإخوة، أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل إنفاق المال، وورد في بعض الآثار:
أن عبدي أعطيتك مال فماذا صنعت فيه ؟ يقول: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي ـ شر الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً ـ فيقول الله له: ألم تعلم بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهمـ يسأل عبد آخر ـ أعطيتك مالاً فماذا صنعت في ؟ يقول: يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين، لثقتي بأنك خير حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله له: أنا الحافظ لأولادك من بعدك .
قال تعالى: آَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ
المال قوّةٌ:
فإنفاق المال أحد أكبر أسباب القرب من الله، والمال قوة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ .
أقول لكم هذه الحقيقة، دققوا: إذا كان طريق كسب المال الحلال سالكاً وفق منهج الله فالأرجح أنه ينبغي أن تكون غنياً، لأن الغنى قوة، ولأن فرص العمل الصالح التي تتاح أمام الغني كثيرة جداً، وليست متاحة أمام الفقير.
المال قوة، لك أن تنشئ مشروعا خيريا، أن تعمل تنشئ ميتما، أن تبني معهدا شرعيا، أن تبني مستوصفا، وهذا المال إذا كان طريق كسبه سالكاً وفق منهج الله بعمل مشروع، بتجارة مشروعة فهو شيء وفق منهج الله، أما إذا كان طريق الغنى على حساب دينك وقيمك ومبادئك فالفقر وسام شرف لك، هذا منهج الله.
إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله فالأرجح والأكمل أن تسلك هذا الطريق، لأنك إذا كنت غنياً فالغنى قوة، وفرص العمل الصالح المتاحة أمامك لا تعد ولا تحصى، كيف أن القوي بتوقيع يحل مشكلة، بتوقيع يقر معروفاً، ويزيل منكراً، بتوقيع يقرب مخلصاً ناصحاً، ويبعد فاجراً منافقاً، والمال يمكن أن تملأ قلب الناس محبة لك بإنفاقه.
يا داود، ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حبِّ مَن أحسن إليها وبغض من أساء إليها
المال مسؤولية كبيرة:
أيها الإخوة، كما أن المال أعظم قربة إلى الله عز وجل، المال نفسه مسؤولية كبيرة.
بالمناسبة الممكَّن في الأرض كلمة عامة، فإذا كنت غنياً فأنت ممكَّن في الأرض، وإذا كنت قوياً فأنت ممكَّن في الأرض، وإذا كنت عالماً فأنت ممكَّن في الأرض، الممكَّن في الأرض له حساب خاص، إذا أحسن له أجران، وإذا أساء فعليه وِزران.
سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته، وقال: إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله لا أوتين بواحد واقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني
فصارت القرابة من عمر مصيبة.
فالذي يحسن له أجران، أجر نفسه ومَن قلده، لأنه غني، الأغنياء يقلَّدون دائماً، الأغنياء يحتلون مرتبة عالية في أي مجتمع، فالناس ينظرون إليهم هكذا، فإذا قلد فقير غنياً في معصية فعليه إثمه وإثم مَن قلّده، وإذا قلّد فقير غنياً في طاعة لله فله أجره وأجرُ مَن قلّده، لذلك من أروع ما سمعت: العدل حسن، لكن في الأمراء أحسن، والسخاء حسن، لكن الأغنياء أحسن، والتوبة حسن، لكن في الشباب أحسن، والصبر حسن، لكن في الفقراء أحسن، والحياء حسن، لكن في النساء أحسن
أيها الإخوة، الإنسان مسؤول مسؤولية كبيرة عن كسب المال وإنفاقه،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ .
والله زرت مرة صديقي، وكان والده حاضراً، قال لي: أنا عمري ستٌّ وتسعون سنة، وأجريت فحصا كاملا شاملا للدم فكانت النتائج كلها طبيعية، ثم عقّب فقال: والله في كل حياتي تلك ما أكلت حراماً، ولا عرفت حراماً، يقصد ما أكل حراماً مالاً، ولا عرف حراماً في النساء، من عاش تقياً عاش قوياً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة .
اشتريت طعامك بمال حلال كسبته من طريق مشروع، هذا الطعام الذي اشتري بمال حلال الله عز وجل يبارك لك فيه.
والله أيها الإخوة، يمكن بدخل معقول محدود أن يكفي إذا بارك الله عز وجل فيه، ودخل غير محدود مع المعاصي والآثام لا يكفي، كلمة بركة ما أحد يضعها في حساباته، مع أنه ليس في الآلات الحاسبة مكان مكتوب فيه بركة، فيها جمع طرح ضرب تقسيم نسب جذر، لكن ما فيها بركة، أما البركة فشيء حقيقي، بدخل حلال الله عز وجل يبارك لك فيه.
وعند الله عز وجل شيء يسمى الرزق السلبي، الله عز وجل حفظ لك صحتك وصحة أولادك، فأيّ مرض يحتاج إلى ألوف مؤلفة، وهناك أمراض الإبرة ثمنها مئة ألف، الأورام الخبيثة الجرعة قيمتها مئة ألف ليرة، يحتاج كل شهر إلى جرعة، فحينما يكون الإنسان مستقيما، ودخله حلالا، واشترى به طعاما طيبا بثمن الحلال، فالله عز وجل يكافئه برزق سلبي، فيحفظ له صحته وصحة أهله وأولاده، وصحة مَن يلوذ به، ينجو من احتراق المحل التجاري، أو احتراق البيت، ينجو من أن يخضع لظالم يأخذ كل ما عنده.
أيها الإخوة، إذاً: المال الإنسان محاسب عنه محاسبة شديدة، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا فَوَجَدَ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِهِ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَتَضَوَّرُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، وقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِي فَأَكَلْتُهَا فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ .
من هنا قال صلى الله عليه وسلم: وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط .
المخلط خلط عملاً صالحاً بعمل سيئ.
أيها الإخوة الكرام، قضية المال تحتاج إلى فهم عميق، قضية المال تحتاج أن تفهم فلسفة المال في الإسلام، المال قوام الحياة، والمال محبب للنفس، والمال حيادي سلم ترقى به أو دركات تهوي بها، والمال وراءه مسؤولية كبيرة جداً، والمال أحد أكبر القرب إلى الله عز وجل، هذه فلسفة المال في الإسلام.
حقوق المال بين الناس لا يغفرها الله:
ما قولكم أن إنساناً ضحى في حياته فكان شهيداً، قدّم أثمن ما يملكه الإنسان، قال الشاعر:
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
***
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ .
حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة
ليس المال للزهو والافتخار والاستعلاء على الناس:
لكن لما يتصور الإنسان أن المال من أجل متعته، الآن أضع بين أيديكم تصورا آخر، المال من أجل الرفاه، المال من أجل الزهو، المال من أجل البذخ، من أجل الاستعلاء، هذه كلها أمراض نفسية،
ورد في بعض الآثار:
يحشر الناس أربع فرق يوم القيامة،
فريق جمع المال من حلال -تجارة مشروعة- وأنفقه على الموائد الخضراء في الليالي الحمراء، فيقال: خذوه إلى النار، -المجتمع المخملي حسابه سهل-
وفريق جمع المال من حرام، -عنده ملهى، عنده راقصات ومغنون وخمر، لكن تزوج واشترى بيتا وعاش حياة، شراء البيت حلال- وأنفقه في حلال، -أيضاً حسابه سهل جداً- خذوه إلى النار،
والثالث والعياذ بالله جمع المال من حرام، وأنفقه في حرام، -أيضاً حسابه سهل جداً- خذوه إلى النار، -بقي الأخير
الفريق الرابع- جمع المال من حلال، وأنفقه في حلال، قال: هذا قفوه واسألوه
الأول والثاني والثالث الحساب سريع جداً، أما الرابع فقفوه واسألوه، هل تاه بماله على مَن حوله ؟
قد تقول لغيرك: أين تسكن ؟ هو ساكن بحي راق جداً، بيت ثمنه ثمانون مليونًا، فترى المسؤول يخجل، مرة قال لي أحدُهم: أنا ساكن بمنطقة متوسطة المستوى، جلست مع جماعة ساكنين بأرقى أحياء المدينة، فقال لي: أنت أين تسكن ؟
وأراد أن يصغر المسؤول بمكان سكنه، وربما يسأل آخر من أجل أن يصغرك بمساحة بيتك، أو براتبك، كم تأخذ راتبا، يصغّرك، هذا الذي يستعلي بماله هذا شيطان يتكلم.
والله أيها الإخوة، بإمكانك أن تطيب قلب أيّ إنسان، وأنا أذكر أني دخلت إلى بيت أحد إخواننا الكرام غرفة الضيوف صدق أنه يجلس فيها أربعة أشخاص بصعوبة بالغة، فهو خجل، قلت له: يا بني
النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق كانت غرفته لا تكفي لصلاته ونوم زوجته، فإن أراد أن يصلي انزاحت جانباً،
مَن هو؟ سيد الخلق.
قائد القوات الإسلامية في الشام أمين هذه الأمة عبيدة بن الجراح رضي الله عنه دخلوا إلى بيته فوجدوه غرفة فيها جلد غزال وقدرا مغطى برغيف خبز، وسيفا معلَّقا، قالوا: ما هذا يا أمين الأمة؟ قال: هو للدنيا، وعلى الدنيا كثير، ألا يبلغنا المقيل؟
هناك إنسان يستعلي بالمال ويفتخر، يزهو، يصغر الآخرين، الله كبير.
جاء صهر إلى رجلٍ من أرقى الناس، ودخله جيد، لكن هو عنده تجارة واسعة جداً، فقال: كم دخلك في الشهر ؟ قال له فرضاً: خمسون ألفا، قال: لا يكفي هذا المبلغ ابني يومًا، الله كبير، دارت الأيام وصودرت أملاكه، واضطر أن يتوسط بهذا الذي خطب ابنته أن يقبل العمل عنده، فلما قبِل عمل عنده محاسباً، الله كبير، إياك أن تزهو بمالك.
تروى قصة رمزية عن إنسانٍ جلس مع زوجته يأكلان الدجاج، فطرق الباب سائلٌ، همت الزوجة أن تعطيه قطعة من الطعام، فنهرها زوجها، ومنعها، وقال: اطرديه، بعد حين ساءت العلاقة بين الزوجين، فطلقها، ثم جاء مَن يخطبها، وجلست معه، وفي وقت من الأوقات كان يأكلان الدجاج، طرق الباب، فذهبت لتفتحه، فرجعت مضطربة، قال: مَن الطارق ؟ قالت: السائل، قال: مَن هو، ارتبكت، قالت: زوجي الأول، قال: هل تعلمين من أنا؟ أنا السائل الأول.
الله كبير، إياك أن تزهو بمالك.
والله حدثني أخ قال: أنا عندي معمل، وعندي سيارة كبيرة للسفر، وسيارة أخرى، وسيارة للمعمل، قال: ما دخلت الحلويات بيتي إلا بأكبر كمية كبيرة والفواكه بأكبر كمية، حدَّث عن حياته الناعمة، أقسم لي بالله الآن أنه ينقّب في القمامة ليأكل، قصة طويلة وواقعية،
إياك أن تزهو بمالك، المؤمن إذا أغناه الله يزداد تواضعاً لله، يزداد تواضعاً للفقراء، ما أعظم سخاء الأغنياء على الفقراء، وأعظم منه عفة الفقراء عن مال الأغنياء.
المال أراده الله عز وجل أن يكون متداولاً بين كل الناس:
الحقيقة الصارخة الدقيقة أن الله عز وجل أراد أن يكون المال متداولاً بين كل الناس، هذا المعنى تؤكده الآية الكريمة: لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ
إذا كان هذا المال متداولاً بين الأغنياء هلكت الأمة، موفور عند الأغنياء والحاجات لا يستطيعها إلا الأغنياء وبقية الناس في فقر مدقع، المال ليس بأيديهم وقد عبّر عن هذه الحقيقة بأن واحداً يملك مليوناً ومليوناً لا يملكون واحداً، الوضع الطبيعي، الوضع الصحي، الوضع الذي يرضي الله، الوضع الذي يحقق مصالح الناس جميعاً أن يكون المال متداولاً بين كل شرائح الأمة، وإن أردتم مقياساً للتقدم الحقيقي في الدنيا كلما ضاقت المسافة بين الأغنياء والفقراء وبين الأقوياء والضعفاء كان المجتمع بخير، وكلما ابتعدت المسافة بين الفقير والغني وبين القوي والضعيف هناك شر مستطير، وهناك أخطار تنتظر الأمة.
لماذا فرض الله الزكاة على المسلم؟ أو ما حكم الزكاة؟ معك مئة ألف عليها زكاة كل عام اثنين ونصف بالمئة لو أنك خزنت هذا المال وكنزته ولم تطرحه للعمل والتداول ولم تنفع به أحداً، الزكاة تأكله في أربعين عاماً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة
فكأن حكمة الزكاة أن هذا المال الذي بين يديك يجب أن تجعله متداولاً، إنسان معه مليون ليرة متقاعد ودخله التقاعدي يكفي، اطمأن عليه، أودعه في مكان أمين أي كنزه، لو فرضنا شاب في مقتبل الحياة يتأجج نشاطاً وحيوية، ويحمل اختصاصاً، ومعه خبرة، معه شهادة عليا، يحتاج في مشروع إلى مليون ليرة، فجاء صاحب هذا المليون قدّمه إلى هذا الشاب، الشاب وجد عملاً استخدم خبرته وليكن مهندساً زراعياً، استخدم خبرته ومعه هذا المال لو ربح هذا المشروع أربعمئة ألف، مئتا ألف لصاحب المال ومئتا ألف للمهندس الذي استخدم علمه وجهده، ما الذي حصل؟ صاحب المال انتفع، وهذا المهندس كان على مشارف البطالة فانتفع بهذا المال، ولما انتفع تزوج، واستأجر بيتاً صاحب البيت انتفع بالأجرة، واشترى حاجات الطفل، ترى العجلة دارت، هذا المليون ما دام أعطاه لهذا المهندس الأمين المستقيم الخبير، وعمل بهذا المليون وربحوا أربعمئة ألف وتقاسم صاحب المال وصاحب الجهد هذا الربح إذاً هذا المال أصبح متداولاً بين أطراف عديدة ,.
المشروع يحتاج لمحل تجاري استأجروا محلاً تجارياً، صاحب المحل انتفع، المشروع بحاجة إلى محاسب عينوا محاسباً، هيئوا فرصة عمل، المشروع بحاجة إلى مستودع، استأجر مستودعاً، بحاجة إلى مطبوعات، المطبعة اشتغلت.
بدأنا من واحد معه مليون أعطاها لشاب يتأجج حيوية ونشاطاً، معه اختصاص، وعنده خبرة، الشاب انتفع والشاب تزوج واستأجر بيتاً واشترى أثاثاً للبيت انتفع النجار بغرفة النوم، انتفع من يعمل في التمديدات الصحية، انتفع من يعمل في أواني المطبخ، يعني مئة أو مئتا مشروع انتفع من هذا المليون، المحل التجاري والمستودع ومكتب الاستيراد والطباعة والدعاية، هذا المليون حرّك عدداً كبيراً فصار هذا الربح متداولاً بين شريحة كبيرة.
لذلك أيها الأخوة، الآية الأولى: لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ
والشرع فرض علينا الزكاة لأنك إن لم تستثمر هذا المال تأكله الزكاة كله، الزكاة من أجل ألا تخزن المال وألا تكنز المال، ولئلا يكون معطلاً عن الانتفاع به من قبل الناس.
مثلاً ما الذي يمنع إذا إنسان غني معه أموال طائلة قام بمشروع تنموي، أنا هذه الملايين الخمسة لا أحتاجها لخمس سنوات، أقرضوها لمشاريع مبلغه معقول لكن إنسان يحتاج إلى خمسمئة ألف، إنسان لمليون اشترى محلاً صغيراً، انطلق بمشروع، هذا المال نفع به أناساً كثيرين، وبقي له، ما لم نفكر هذا التفكير التعاوني، ما لم نفكر في الشباب، في مستقبل الشباب، في زواج الشباب، في سكن الشباب، في فرص عمل الشباب، فنحن على خطر، لأن الشباب طاقة كبيرة، الشباب رمز المستقبل، والشباب عماد الأمة.
إذاً الزكاة تدفع الإنسان إلى وضع ماله في الاستثمار، المال حينما يوضع في الاستثمار ينمو، فإذا نما عليه زكاة من ينتفع بهذه الزكاة؟ الفقراء،
الدخل المشروع و الدخل غير المشروع:
عندنا حقيقة دقيقة، حديث يكثر حول الدخل المشروع والدخل غير المشروع، يا ترى في عندنا قاعدة واضحة تحدد الدخل المشروع، وقاعدة أخرى تنتظم كل أنواع الدخل غير المشروع، قواعد كلية؟ الجواب نعم، أية منافع متبادلة في الأعم الأغلب الدخل مشروع، وأية منفعة بنيت على مضرة في الأعم الأغلب الدخل غير مشروع، منفعة متبادلة أنت ساكن بأحد أحياء دمشق في دكان صغير في أحد الأحياء استأجرتها، صاحب المحل أعطيته أجرة، جيد، أمنت دخلاً لصاحب هذا المحل، أنت اشتريت بضاعة ولتكن طعاماً وشراباً، ذهبت إلى منابع البضاعة واشتريتها وجئت بهذه البضاعة لهذا الحي، جيران هذه الدكان وجدوا حاجاتهم قريبة مترين، خمسة أمتار، عشرة أمتار، وفرت له وقته و لم يتكلف أن يذهب إلى مكان بعيد ليشتري هذه البضاعة، جانب البيت تحتاج إلى حليب، إلى بيض، إلى جبن، إلى طعام، فأنت أضفت على الرأسمال مبلغاً ربحت، أتيت بالطعام إلى أهلك، ابنك يحتاج إلى قسط أمنت له إياه، تحتاج إلى مصروف كهرباء أمنته، أنت ربحت، صاحب المحل ربح، و الجيران انتفعوا فيك، أمنت لهم حاجاتهم إلى جانب البيت، الجيران انتفعوا و صاحب المحل انتفع و أنت انتفعت، نسمي هذه العلاقة منافع متبادلة، هذه مشروعة،
أوضح منفعة متبادلة المضاربة، و النبي عليه الصلاة والسلام ضارب بمال خديجة، أول مُضارب في الإسلام، أول شريك جهد في الإسلام النبي الكريم، أول شريك مال السيدة خديجة، انتفعت و انتفع النبي بهذه التجارة، طبعاً و كل المصاريف عبارة عن إدخال شريحة كبيرة جداً في هذا الربح.
أنت عندك مزرعة ظهرت حشرة يجب أن تكافحها، ذهبت إلى مركز زراعي، طلبت من صاحب المحل مهندساً زراعياً ليرى ما هذه الحشرة؟ يوجد آفة، هذا المهندس له راتب من صاحب المحل كشف الآفة، أعطاك اسم الدواء ذهبت و اشتريته، الذي استورده باع و انتفع، أي ربح هذه المزرعة توزع بين المهندس و بين صاحب الدواء، فالله عز وجل بهذه الطريقة تجد الربح توزع، ناله عدد كبير من أصحاب الحرف هذه يسمونها العجلة، عجلة الاقتصاد دارت.
مرة سألت صاحب مطعم كيف الوضع عندكم؟ قال لي: و الله سيئ جداً، ما السبب؟ قال لي الأمطار قليلة، ما علاقة المطر بالمطعم؟ قال لي أمطار قليلة إذاً المحاصيل قليلة إذاً الربح قليل إذاً الإنسان دائماً يتعشى دائماً ببيته لا يأتي لعندنا.
أمطار غزيرة، غلات كبيرة، أرباح جيدة، أحياناً يأكل الإنسان بمطعم، أو يحضر طعاماً جاهزاً، عجلة.
إذاً الكسب المشروع بشكل أو بآخر منفعة متبادلة، الكسب غير المشروع سرقة.
شخص زرع أرضاً ثمانية أشهر، زرع و سقى و عشّب و عالج الأمراض الزراعية بالأدوية و تعب ثمانية أشهر حتى جمع المحصول، أخذه إلى السوق و باعه، و بجيبه يوجد فرضاً مئتا ألف هم جهد ثمانية أشهر ليلاً نهاراً هو و أولاده و زوجته، جاء شخص و سرقهم، شخص مات ألف ميتة و الثاني أخذهم بلا جهد، هذا حرام لأنها منفعة بنيت على مضرة، أنا أعطيك القواعد الثابتة، الحلال منفعة متبادلة، الحرام منفعة بنيت على مضرة،
لعبة ( يا نصيب ) قد يربح الرجل منها خمسين مليونًا، والبقية دفعوا، وما ربحوا، هذه مضرة، المنفعة بنيت على مضرة، تركوا الناس كلهم يتعلقون بالجائزة الأولى، مثلاً، فأيّ مال يُبنى عليه مضرة، فيه شبهة كبيرة، أو فيه حرمة صارخة، أو حرمة ماحقة، أو شبهة كبيرة، عندئذ لا يبارك الله في هذه الأموال، وإذا لم يبارك بها أتلفها، حتى في المال معنى دقيق جداً، يجري بالنية، فمَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، أخذ مالا استثمارا، ونوى أن يربح،صاحب المال هذه النية التي يعلمها الله منه أحد أسباب التوفيق، أما إذا أخذ مالا كبيرا، وقال: هذا غني، ما أردّ له شيئًا، ثم أكذب عليه،أقول له: ما ربحنا، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها، المنطق: أتلفها الله، وأتلفه الله.
هناك قوانين دقيقة، أيها الإخوة، قوانين دقيقة جداً تحكم هذه الحياة، الله موجود بأدق الدقائق، المنفعة التي تبنى على مضرة حرام، وأوضح شيء السرقة، أوضح منفعة تبنى على مضرة السرقة، ثاني أوضح منفعة تبنى على مضرة الغش، مصدر البضاعة دولة عظمى متفوقة بهذه البضاعة، وهذا المصدر مزور، أنت اشتريت البضاعة من دولة متخلفة جداً، لكن كتبت عليها: ( صنعت في ألمانية )، هذا غش، فالغش أحد أسباب أن تجتمع الأموال في أيدي قليلة، وتحرم منها الكثرة الكثيرة، فأنت بهذا عكست الحكمة الإلهية من أن تكون هذه الأموال متداولة بين الناس.
المال ميدان معركة بين الحق والباطل:
اليوم العلاقة في فريق، نحن فريق المؤمنين فريق في الأرض، وفي فريق آخر، والطرف الآخر يتناقض مع المؤمنين، وهذا من حكمة الله عز وجل، لحكمة بالغة أراد أن يكون الطرفان معاً في الأرض، مؤمن وغير مؤمن، خير وشر، مستغِل ومُستَغل، ظالم ومظلوم، منتج ومستهلك، هذه الاثنينية، أراد الله أن نكون معاً، ومن نتائج هذا الجمع بين الفريقين معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل، هذا قدرنا.
كنت أقول دائماً: ليست البطولة أن يكون هناك باطل، هناك باطل، الباطل قديم، وكان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام باطل، لكن البطولة ألاّ ينفرد في الساحة، أحياناً تستمع إلى أعمال الأغنياء المؤمنين والله تذوب شوقاً لأنْ تكون مثلهم، إنفاق منضبط معتدل، فهذه الأموال الطائلة تحل بها المشكلات، تفتح ميتما، أو معهدا، أو مستشفى، أو تزوج مئة شاب، وتنشئ بيوتا للشباب، أو تبني مصحّا، هذا كله ممكن، فلذلك حينما تنوي أن تجمع المال لحل مشكلات الناس فالله عز وجل يفتح عليك أبواب الرزق.
ختاماً:
لا أتمنى أن يكون هدفُ الأخ أن يتزوج فقط، هدفه أن يسكن في بيت، فإذا تزوج وسكن في بيت انتهت كل مشكلاته، لكن أقول لكم: عندما يسكن في بيت ملكًا له طبعاً، يتزوج، بعد أن تحققت هذه الأهداف المادية المحدودة يبدأ شقاءه، يشعر بتفاهته.
تصور رجلاً قال له ملِك: اطلب مني ما تريد، فكر الرجل مليًّا، جمع وطرح وقسم وضرب، قال له: قلم رصاص، ثمنه عشرون قرشًا فقط، الإله العظيم خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض ليس لك طلب عنده إلا أن تتزوج، وبيت فقط؟
أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ
قبِلت أنت؟ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ
نريد طموحًا.
بعض كبار التجار والصناعيين بدؤوا من الصفر، لكن فكر بخدمة الخلق، فكر إذا كان معك مال أن تحل مشكلات الناس، بمشروع خيري، صحي، اجتماعي، تؤسس عملا، تؤسس دعوة، تنشئ مسجدا، أو معهدا، ولا تقل: ما معي شيء، والرجال العظام ما كان معهم شيء، ولو قرأتَ تاريخ المتفوقين تندهش، لأن معظمهم بدؤوا من الصفر، لكن لهم قلب كبير، وأهداف كبيرة، ونيات كبيرة، وهناك آلاف الشواهد لأناس بدؤوا من لا شيء، من الصفر، بدأ حياة كلها حرمان، كلها بعدٌ عن الدين، ثم صار علَمًا كبيرا من أعلام الأمة.
مرة التقيت بإنسان قال لي: أنا أَصلُ عملي عتال بسوق الخضرة، الآن عنده أسطول من البرادات لنقل الفواكه من بلد إلى بلد، وهو أكبر تاجر فواكه في بلد ضخم، قال: لكن ما فاتني فرض صلاة في حياتي، ولا عرف الحرام، وله أعمال كبيرة، وبنى مراكز تعليم في إفريقية، وأسس مشاريع خيرية كثيرة.
لا ترض أن تكون شخصا عاديا من عامة الناس، لا ترضَ أن تكون شخصًا هدفك أن تشتري بيتا، هدفك تتزوج، أنت واحد من ستة آلاف مليون جاءوا إلى الدنيا، وغادروها، ولم يعلم بهم أحد، كن شيئاً مذكوراً، كن إنسانا يشار لك بالبنان، لا من باب الكِبر، بل من باب الخير.
إذا كان متاحا لك أن تكون قوياً فينبغي أن تكون قوياً، أما إذا سعيت جهدك، ولم تصل إلى القوم فهذا من قضاء الله وقدره، عندئذ تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل إذا بذلت كل جهدك، ولم تصِل إلا إلى هذا المستوى، أنا لا أقول لك:أن تعاند القدر، لا، لكن أنا أتألم أشد التألم بما يسمى بفقر الكسل، يؤجل الرجُ كلَّ شيء، ويسمى إرجائي، يقول: غداً، غداً.
مرة قال رجل للنبي: غداً، قال: ويحك، أو ليس الدهر كله غداً، الآنَ الآن.
هناك تأجيل، وعدم إتقان، وعدم تطوير، وإهمال، ومواعيد غير مضبوطة، وعمل غير متقن، وتواكل، وعزوُ الخطأ لغيره، مثل هذا الإنسان قد يكون فقيراً، لكن هذا الفقر ليس قدراً له، بل من جراء إهماله وتقصيره، هذا يسمى فقر الكسل، أما فقر القدر فإنسان معه عاهة، صاحبه معذور، وفقير الكسل مذموم، أما فقير الإنفاق فمحمود، هذه حالات نادرة، أنفق كل ماله قال: يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: أبقيت الله ورسوله. فقال عليه الصلاة والسلام: ما طلعت شمس على نبي أفضل من أبي بكر وكذلك أيها الأخوة الكرام، تسعة أعشار المعاصي في كسب المال والعلاقة بالنساء، تسعة أعشار المعاصي وتسعة أعشار الأحكام الفقهية في كسب المال وإنفاق المال والعلاقة بالنساء، عفواً بتاريخ البشرية في عندنا شيء اسمه فضيحة، الفضيحة ما هي؟ إما فضيحة جنسية أو مالية، في غير هذا، المؤمن أغلق هذه الثغرة حصّن نفسه في خطأ من كسب المال وخطأ في إنفاقه وفي خطأ من علاقته بالنساء.
بشكل أو بآخر ما من مشكلة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب مخالفة لمنهج الله وما من مخالفة لمنهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان.