أحد أكبر شهوات الحياة، إنه المال، قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فالمال أحد أكبر الشهوات التي أودعها الله فينا، والمال أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل.
المال قوام الحياة
المال قوام الحياة، وإذا أحرزت النفس قوتها اطمأنت، ولأن الله سبحانه وتعالى من حِكَمه البالغة أنه أودع فينا حاجات، حاجة إلى الطعام والشراب، وحاجة إلى الجنس، وحاجة إلى تأكيد الذات، وهذه الحاجات الثلاث تحتاج إلى المال، فكأنه دفعنا إلى كسب المال، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ـ لكن النبي عليه الصلاة والسلام رفيق قال: وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ)) المال قوام الحياة، فينبغي أن تكون ذا مال إذا كان طريق كسبه وفق منهج الله، المال قوة، ومعنى قوة أن الخيارات المتاحة للغني في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعل الغني المؤمن قريباً من درجة العالم العامل. ((لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ وآنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ النّهَار)) فلسفة المال في الإسلام أن هذا المال أحد أكبر أسباب التقرب على الله، أن هذا المال يمكن أن ترقى به إلى أعلى عليين، ويمكن أن تهوي به إلى أسفل سافلين المال نفسه. الآية الدقيقة جداً التي تبين قيمة المال: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ المال قوام الحياة، فلا تحتقر المال، المال مِن نعمِ الله الكبرى إذا كان كسبه مشروعاً، وكان إنفاقه في وجوه الخير. لذلك هذا الذي لا يعمل لا مكان له في مجتمع المسلمين، سيدنا عمر يقول: << إني أرى الرجل لا عمل له يسقط من عيني >>.
المال حياديٌّ:
المال حيادي، الغنى خير؟ نعم ولا، إذا أنفق المال في طاعة الله فهو خير، وإذا أنفق في معصية الله فهو شر، المال ليس نعمة وليس نقمة، ولكنه موقوف على طريقة إنفاقه، بل على طريقة كسبه أيضاً، لذلك الإنسان يوم القيامة يُسأَل عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ يسأل عن عمره، وعن شبابه، وعن علمه، أما عن ماله فيسأل سؤالان: من أين اكتسبه، وفيمَ أنفقه؟
كسب المال من العبادات والطاعات:
كل واحد منا في عمله الذي يكسب منه رزقه، في حرفته التي يحترفها، في مهنته التي يمتهنها، في حركته التي يتحركها، في مشيه في الأسواق، أن كل واحد منا بإمكانه وبيسر أن يجعل من عمله المهني الحرفي عبادة إذا كانت الحرفة في الأصل مشروعة، وسلكت بها الطرق المشروعة، لا كذب فيها، ولا غش، ولا احتيال، ولا إيهام، ولا احتكار، ولا تدليس، ولا بيع على بيع، ولا تلقي الركبان، ولا كتم عيب، إذا نجا المؤمن من معاصي البيع والشراء كلها، وكانت حرفته في الأصل مشروعة، يبيع قماشاً، يبيع طعاماً وشراباً، يبيع خشباً، يبيع حديداً، وابتغى منها كفاية نفسه وأهله وخدمة المسلمين كانت عبادة. هذه الحرفة، وتلك المهنة، وهذه الوظيفة، وهذا الطب، وهذه المحاماة، وهذه الهندسة، وهذا التدريس عبادة، طبعاً ولم تشغله عن فريضة، ولا عن واجب، ولا عن عمل صالح، عادات المؤمن عبادات.
كثرة المال ليس دليلَ حبِّ الله:
هناك أشياء ثانوية وأشياء تسمى رفاهاً وزيادة، فإذا لم يأكل الإنسان بعض أنواع الفواكه الغالية والنادرة هل يموت من جوعه؟ لا، لكنه يأتي بهذه الفواكه. ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ فيقول، وهذه مقولته، كأن الله عز وجل ما قبِل هذا الجواب: ﴿كَلَّا﴾ إذا آتى الله الإنسان المال، وما كان مستقيما، وكان منحرفا، يقول لك: الله يحبني، لأنه أعطاني المال، مَن قال لك ذلك؟ قارون أغنى منك: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب، ما دام الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب إذاً لا يمكن أن يكون المال مقياساً لمحبة الله، ولا يمكن أن يكون نقص المال مقياساً لبغض الله عز وجل.
إنفاق المال أحد أسباب التقرُّب إلى الله:
يجب أن تعلم علم اليقين يقيناً قطعياً أن أحد أكبر أسباب التقرب إلى الله إنفاق المال، الدليل قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ ﴾ تحتمل هذه الكلمة: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ معنيين: إما آتى المال وهو يحبه، أو آتى المال حباً في الله. آتى المال على حبه شيء، وإيتاء الزكاة شيء آخر، إيتاء الزكاة فرض، أما آتى المال على حبه فهو تطوع، وعلامة محبتك لله أن تنفق من مالك فضلاً عن أموال الزكاة صدقةً. وقال تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾. إذاً: أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل إنفاق المال.
المال قوة:
إذا كان طريق كسب المال الحلال سالكاً وفق منهج الله فالأرجح أنه ينبغي أن تكون غنياً، لأن الغنى قوة، ولأن فرص العمل الصالح التي تتاح أمام الغني كثيرة جداً، وليست متاحة أمام الفقير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)) أما إذا كان طريق الغنى على حساب دينك وقيمك ومبادئك فالفقر وسام شرف لك، هذا منهج الله.
المال مسؤولية كبيرة:
المال الإنسان محاسب عنه محاسبة شديدة، وقد مرّ معي أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى على السرير تمرة قال: يا عائشة لولا أني أخشى أنها من تمر الصدقة لأكلتها، اشتهى أن يأكلها، فالإنسان مسؤول مسؤولية كبيرة عن كسب المال، ما قولكم أن إنساناً ضحى في حياته فكان شهيداً، قدّم أثمن ما يملكه الإنسان، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ)) حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟)). اشتريت طعامك بمال حلال كسبته من طريق مشروع، هذا الطعام الذي اشتري بمال حلال الله عز وجل يبارك لك فيه. ((يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)).
ليس المال للزهو والافتخار والاستعلاء على الناس:
المال من أجل الرفاه، المال من أجل الزهو، المال من أجل البذخ، من أجل الاستعلاء، هذه كلها أمراض نفسية، هذا الذي يستعلي بماله هذا شيطان يتكلم.
النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق كانت غرفته لا تكفي لصلاته ونوم زوجته، فإن أراد أن يصلي انزاحت جانباً، مَن هو؟ سيد الخلق. قائد القوات الإسلامية في الشام أمين هذه الأمة عبيدة بن الجراح رضي الله عنه دخلوا إلى بيته فوجدوه غرفة فيها جلد غزال وقدرا مغطى برغيف خبز، وسيفا معلَّقا، قالوا: ما هذا يا أمين الأمة؟ قال: هو للدنيا، وعلى الدنيا كثير، ألا يبلغنا المقيل؟
هناك إنسان يستعلي بالمال ويفتخر، يزهو، يصغر الآخرين. تروى قصة رمزية عن إنسانٍ جلس مع زوجته يأكلان الدجاج، فطرق الباب سائلٌ، همت الزوجة أن تعطيه قطعة من الطعام، فنهرها زوجها، ومنعها، وقال: اطرديه، بعد حين ساءت العلاقة بين الزوجين، فطلقها، ثم جاء مَن يخطبها، وجلست معه وفي وقت من الأوقات كان يأكلان الدجاج، طرق الباب، فذهبت لتفتحه، فرجعت مضطربة، قال: مَن الطارق؟ قالت: السائل، قال: مَن هو، ارتبكت، قالت: زوجي الأول، قال: هل تعلمين من أنا؟ أنا السائل الأول.