عظمة الإسلام أنه جاء بالمثالية الواقعية :
أيها الأخوة الكرام، الحق الذي نزل على سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام، نزل على إنسان قم بطبيقه، والذي يثير فينا الشوق إلى طاعة الله أن هذا الحق مطبقاً، لو بقي نظرياً وفي الكتب لا يثير هذه الرغبة في طاعة الله عز وجل،
لذلك قال تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً
ما قيمة السيرة؟ قيمة السيرة أنها حقائق طبقها النبي عليه الصلاة والسلام ولا تتأثر أنت إلا بالحقيقة المطبقة، هذا نسميه مثالية واقعية، بحياتنا الآن مثالية تخيلية، واقع مر، الواقع المر مكروه والمثالية التخيلية غير واقعية، كأنها غير موجودة كلام بكلام، فالمثاليات التي جاءت عند المفكرين والمصلحين مثاليات حالمة غير واقعية، والواقع الذي يعيشه البشر واقع مر، عظمة الإسلام أنه جاء بالمثالية الواقعية، أي قيل: القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي.
الأنبياء جاؤوا بالكلمة الصادقة فقلبوا وجه الأرض:
نحن نريد إنساناً مسلماً نراه أمامنا، هذا الذي يؤثر، أي ما الذي حصل في هذه العصور؟
الناس كفروا بالكلمة،
الأنبياء بماذا جاؤوا؟
الآن هناك دول عظمى عندها أقمار صناعية، عندها مفاعلات نووية، صانعة غواصات، حاملات طائرات، عندها صواريخ عابرة للقارات، عندها أسلحة متنوعة جداً، عندها إنجازات كبيرة جداً، عندها جسور عملاقة، وعندها صناعات استراتيجية،
الأنبياء جاؤوا, قد لا تصدقون جاؤوا بالكلمة، كلمة فقط لكنها كلمة صادقة، لكنها كلمة مخلصة:
قال الله تعالى في القرآن الكريم: مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ .
جاء الأنبياء بالكلمة لكنها صادقة، فقلبوا وجه الأرض
في هذا العصر، الكذب انتشر، والتمثيل، التمثيل بمعنى أن هناك أشخاص يمثلون أدواراً في أعلى درجة من الأخلاقية وهم ليسوا كذلك، فصار هناك كذباً بالأقوال وتمثيلاً في الأفعال والأمور، اختلطت ببعضها فكفر الناس بالكلمة، لذلك الآن لا يمكن أن نحيي قيمة الكلمة إلا بالتطبيق، لا يمكن أن نحيي الكلمة التي ماتت قيمتها في هذا العصر إلا بالتطبيق، التطبيق يحيي هذه الكلمة، ويجعلها متألقة، ويجعلها منارة للناس، لذلك لو أنك كنت أخلاقياً لو لم تنطق ببنت شفة اقتدى الناس بك، وأنا أقول دائماً: يمكن أن تكون هناك دعوة صامتة، إنسان مستقيم، استقامته دعوة، إنسان صادق، صدقه دعوة، إنسان أمين، أمانته دعوة، إنسان رحيم، رحمته دعوة، الناس كفروا بالكلمة وكفروا بالخطابات.
الدين جماعي فردي في آن واحد :
لكي ينجح المؤمنين يجب أن تكون القدوة قبل الدعوة، وأن يكون الإحسان قبل البيان، وأن تكون الأصول قبل الفروع، وأن تكون المضامين لا العناوين، والمبادئ لا الأشخاص، والتدرج لا الطفرة، وأن يكون الترغيب لا الترهيب، والإيجابيات لا السلبيات، والتيسير لا التعسير.
هذا الدين دين جماعي فردي بآن واحد ، لو أن الأمة أعرضت عنه كما هو الحال الآن، ماذا أفعل أنا كمسلم؟ هذا الدين جماعي فردي بآن واحد، إذا لم تطبقه الجماعة طبقه أنت وحدك، فتقطف كل ثماره، إله عادل طبقه أنت وحدك تقطف كل ثماره، لا تفكر أن يكون الدين كلاماً أو نصوصاً أو معلومات، الدين واقع متحرك، الدين إنسان مسلم يمشي على قدمين، ترى فيه الصدق، الأمانة، العفة، الاستقامة، الرحمة، الحلم، فأنا أقول هذه الأحاديث كلها لا تجدي إلا بحالة واحدة، إذا أردت أن تفعل ما تسمع عندئذ يكون لك تأثير كبير جداً، وكلكم يعلم أنه ما من عمل أعظم عند الله من أن تكون داعية إلى الله
قال الله تعالى في القرآن الكريم: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
أكبر خطأ وقع به المسلمون أنهم توهموا أن الإسلام عبادات شعائرية فقط :
أكبر غلطة وقع بها المسلمون أنهم توهموا أن الإسلام عبادات شعائرية، صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، ونطق بالشهادة، لا، الإسلام بنود كثيرة، أحد هذه البنود : وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
تواصوا بالحق، هذه الدعوة أحد أركان النجاة، بل ربع أركان النجاة، ربع أركان النجاة الدعوة إلى الله، الدعوة كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، مع من تعرف؛ الأصدقاء، والجيران، والأقارب، والزملاء، ولست مكلفاً أكثر من ذلك، مكلف أن تقيم الإسلام في نفسك، وفي بيتك، وفي عملك، أنت لست مكلفاً فوق ذلك، فوق ذلك تعاطف، فوق ذلك تألم، لا يوجد مانع، فوق ذلك تمنى، لكن كتكليف، كمحاسبة لا:
قال الله تعالى في القرآن الكريم: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا .
وسعك أن تقيم الإسلام في نفسك، وسعك أن تقيمه في بيتك، وسعك أن تقيمه في عملك.
الدين النصيحة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدِّينُ النَّصِيحَةُ
ضغط النبي عليه الصلاة والسلام الدين بكلمة واحدة، أحياناً يكون عند بائع القماش ثوب لا يباع معه، لأن لونه لم يعجب أحداً، يأتي لعنده إنسان ساذج، يقول له: أريد لوناً جيداً انصحني، يقول له: على عيني، هذا أحلى لون، والله خان الأمانة، باختيار لون خنت الأمانة.
النبي الكريم جعل الخيرية المطلقة للأهل :
شيء عجيب يتوهم الناس الدين في الجامع، الدين بمكان عملك، ببيتك، بحقلك، بعلاقاتك، ببيعك، بشرائك، بزواجك، هناك ظاهرة جديدة لا أعرف تفسيراً لها، تجده في الصف الأول من رواد المسجد، له أعمال جليلة، وفي بيته وحش، معقول؟ هذه المرأة المسكينة، التي هي زوجتك، ليس لها أحد غيرك، من يبتسم بوجهها إلا أنت؟ من يرحمها إلا أنت؟ لا يرحمها، يضربها، والله أنا لكثرة ما تأتيني اتصالات من زوجات يشتكين على أزواجهن بالقسوة والعنف، أكاد لا أصدق ما هذا المجتمع الإسلامي؟
النبي عليه الصلاة والسلام قال: خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي
جعل النبي الخيرية المطلقة للأهل، لأنه خارج البيت يهمك مكانتك، سمعتك، شخصيتك، أنيق، تبتسم، أما في البيت لا يوجد رقيب عليك، بطولتك في البيت.
الإسلام ليس معلومات فحسب إنما حركة وسلوك وانضباط وحب :
الإسلام ليس معلومات فحسب، ولا كلام يقال، الإسلام حركة، سلوك، الإسلام انضباط، الإسلام حب، الإسلام رحمة، هذه المثل العليا التي فتح بها الصحابة الكرام الأرض،
والله أقول دائماً: لو أن الصحابة الكرام فهموا الإسلام كما نفهمه نحن لما خرج الدين الإسلامي من مكة، وصل لأطراف الدنيا بالاستقامة،
إنسان سأل سيدنا عمر أتحبني؟ قال: لا والله لا أحبك، قال له: وهل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال: لا والله.
والله كنت في السوق مرة لمحت بائع دجاج يمسك الدجاجة يضعها بماء مغلي وهي حية، حتى ينفصل ريشها بسهولة، أنا أعدها جريمة، يجب أن تسكن، يجب بعد الذبح أن تسكن جنوبها، ثم تعالجها، لا يوجد رحمة، النبي عليه الصلاة والسلام رأى إنساناً يذبح شاة أمام أختها، فغضب، قال له: هلا حجبتها عن أختها؟ أتريد أن تميتها مرتين ؟ الإسلام كله رحمة،
الإسلام ليس عبادات شعائرية
أنا أتعجب كيف انقلب الإسلام لعبادات شعائرية فقط،
بقي الدين طقوساً، ما معنى طقوس؟ حركات، وسكنات، وإيماءات، وتمتمات، لا تقدم ولا تؤخر، نحن عندنا عبادات لا يوجد عندنا طقوس، عندنا صلة بالله، عندنا استقامة على أمر الله، عندنا صوم عن كل المحرمات، ولا تعبأ بالآخرين فهموا أم لم يفهموا، طبقوا أو لم يطبقوا، طبقه وحدك تقطف كل ثماره، مبدئياً كن مع الآخرين لا يوجد مانع، انصحهم، دلهم على الله، لكن إذا لم تجد استجابة لا تيئس، هذا الدين يصلح لك وحدك، كلامي دقيق يصلح لك وحدك، أقم الإسلام في بيتك، وفي عملك، تنجو عند ربك.
الدين الإسلامي دين عمل ومواقف وتطبيق وإخلاص :
أيها الأخوة الكرام، هذا الدين دين عمل، دين مواقف، دين تطبيق، دين قرب من الله، دين إخلاص، دين نوايا طيبة، دين إنجاز، لا تجعله دين طقوس، حدثني أخ كان في بلد إسلامي قال: والله شرب الخمر وأحياناً الزنا شيء عادي جداً، ويصلون خمس صلوات، الآن كان يشرب الخمر؟ كل شيء لوحده، هذا الفصل الخطير بين الاستقامة وبين العبادة، هذا فصل أنهى الدين كلياً.
نحن بحاجة لفهم الدين
فيا أيها الأخوة الكرام، نحن في أمس الحاجة إلى فهم للدين فهماً متجدداً، فهماً عميقاً، فهماً تطبيقياً، فهم رقي، فهم سمو، فهم تصعيد ميول، ليس فهماً نصياً وحرفياً وفهماً طقوسياً، فقط هكذا الصلاة، أقبلت، ما أقبلت، استقمت، ما استقمت، تأثرت، ما تأثرت، ليس هذا مشكلة إطلاقاً، المشكلة أن تؤدى الصلوات الخمس كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام فقط، أما ثمار الصلاة، أهداف الصلاة، شروط الصلاة، هذه ليست داخلة في المنهج.يقول أحد العلماء: في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة القرب من الله عز وجل.
أتمنى على الإنسان أن يفهم الدين فهماً حقيقياً، فهماً عملياً، فهماً تطبيقياً، فهم سمو، فهم انضباط، فهم عطاء، لا يكون كمن قست قلوبهم فهي كالحجارة، لأن المتابعة في المعاصي والآثام تؤدي إلى قسوة القلب، وإذا قسا القلب انتهى الإنسان، وإن أبعد قلب عن الله عز وجل هو القلب القاسي.