بحث

الإسلام والإختلاط

الإسلام والإختلاط

بسم الله الرحمن الرحيم

     فضائح أهل الأرض من قديم الزمان إلى الآن لا تزيد عن نوعين من الفضائح؛ فضائح أخلاقية، وفضائح مالية، والشرع الحكيم حصن المسلم من أن تزل قدمه مالياً، أو أن تزل قدمه أخلاقياً، لذلك يتمتع المؤمن بسمعة طيبة، لا يخشى في الله لومة لائم، المؤمن مرتبة عالية جداً، مرتبة أخلاقية، منضبط بالكتاب والسنة، مرتبة علمية، تعرف إلى الحقيقة الأولى في الكون، تعرف إلى الله، وتعرف إلى منهجه التفصيلي، والمؤمن يعني مرتبة جمالية له أذواق في حياته تفوق كل ذوق، يذهب الناس إلى النزهات، مكان عام، صياح، ضجيج، لعب نرد، نساء كاسيات عاريات، كل واحد ينظر إلى امرأة لا تحل له، يعودون إلى البيت ويتعاتبون وقد يتشاددون وقد يتساببون، لماذا نظرت إليها كل هذه النظرات؟ لماذا لاطفتها؟ أما المؤمن له طريقة خاصة في النزهة... فالإيمان مرتبة علمية، ومرتبة أخلاقية، ومرتبة جمالية، أساس التشريع ضبط العلاقة بين الذكر والأنثى، وضبط العلاقة مع المال، أكبر شيئين بالفقه العلاقات النسائية، والعلاقات المالية، فإذا ضبطت هذه العلاقات النسائية والعلاقات المالية كنت في حصن حصين. 

     هناك كلمات يقولها الناس، المرأة نصف المجتمع، صحيح، وأنا أقول: بل هي المجتمع، لأنك إن علمت فتاة علمت أسرة، إن علمت شاباً علمت واحداً، بل هي المجتمع، ولكن هناك ضوابط، ذلك أن الله سبحان وتعالى أودع في الرجل حبّ المرأة، وأودع في المرأة حبّ الرجل، هذا الحب واسع، بالمقياس الهندسي مئة وثمانون درجة، لكن هذه الشريعة الغراء سمحت لك أيها المسلم في كل شهوة أودعها الله فيك، سمحت لك بحيز مباح، المرأة تعني عند المسلم الزوجة، أو الأخت، أو البنت، أو الأم، أو العمة، أو الخالة، أو الجدة لأب، أو الجدة لأم، أو بنت الابن، أو بنت البنت، هؤلاء المحارم لك أن تلتقي بهم في حدود سماها العلماء ثياب غير مبتذلة، ساترة، فضفاضة، لكن حينما صار التعري ضمن البيت وتجاوز التعري الحدود التي سمح الشرع بها، نشأت مشكلة كبيرة جداً، بل ومنتشرة في العالم كله، هذه المشكلة اسمها زنا المحارم، سببها عدم تقيد أفراد الأسرة بالحدود الشرعية للثياب داخل البيت. 

     طبيعة المرأة أنها جبلت على حبّ التزين، وهذا مباح لها لمحارمها بنوع من الزينة، ولزوجها بنوع آخر من الزينة، ما سوى ذلك فهذا ليس مباح لها، ماذا فعلت الثقافة الغربية؟ أباحت للمرأة لا أن تبرز بعض مفاتنها، أن تبرز كل مفاتنها لمن يمشي في الطريق، كانت أختاً لك حينما سترت مفاتنها، فأصبحت أنثى، سلعة يشتهيها كل من رآها، بين أن يكون الإنسان شيئاً ثميناً، بين أن تكون المرأة أختاً كريمة وبين أن تكون سلعة رخيصة، حينما تتعرى صدقوا ولا أبالغ هناك مصطلح خطر في بالي هذا المصطلح هو التحرش، كيف يتحرش الرجل بالمرأة؟ يسمعها كلاماً معسولاً وقد يمد يده إليها، هذا التحرش، لكن الأخطر من هذا كيف تتحرش المرأة بالرجل؟ حينما تكشف عن مفاتنها هذا اسمه تحرش أيضاً. 

     لا أبالغ تسعون بالمئة من الفواحش بدأت بالاختلاط، خيانة زوجية مع من؟ مع صديق الزوج، كيف تعرف عليها؟ بطعام مشترك، بنزهة مشتركة، ما من مشكلة ترفع إليّ حول الخيانة الزوجية إلا أسأل مع من وكيف تعرف إليها؟ النتيجة اختلاط، الله عز وجل هو العليم، هو الخبير، هو الحكيم. القصص التي تروى من خلال التعرف على الفتيات بالانترنيت، بالشات، وهذا التعرف ينتهي بالفاحشة، ثم بالتصوير، ثم بالابتزاز، ثم بالمتاجرة بالفتاة، لا تعد ولا تحصى. تبدأ من علاقة آثمة بين فتاة وفتى. يقول النبي عليه الصلاة والسلام:  ((أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ))   هناك ملمح بالحديث دقيق جداً، ما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ما خلا كافر بامرأة، ما قال: ما خلا فاسق بامرأة، قال: ما خلا رجل، المؤمن رجل، والكافر رجل، والفاسق رجل، والمنافق رجل. قال الله تعالى:  ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾. 

     ليس هناك في القرآن الكريم نهي عن الزنا، هناك نهي عن أن تقرب الزنا، قال تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾  فالخلوة تقرب من الزنا، صحبة الأراذل تقرب من الزنا، إطلاق البصر يقرب من الزنا، تكشف المرأة يقرب من الزنا، هذه كلها مقدمات، وضع الشهوة كهذا المثل، صخرة مستقرة في قمة الجبل، وإلى أسفل هذا الجبل واد سحيق، أنت إذا دفعت هذه الصخرة من قمة الجبل إلى عشرة أمتار في المنحدر، لن تقف إلا في قعر الوادي، فهذه الشهوة حينما تستثار لا تنتهي إلا بالفاحشة، أساسها لقاء، أساسها ابتسامة، أساسها تعرٍ قليل، بدأت من هنا وانتهت بالفاحشة، لو أن هناك عالم اجتماع يدرس تفاصيل الخيانة الزوجية أو حالات الزنا، يجدها على هذا النمط، قال تعالى:  ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾  لذلك أثر عن السيد المسيح كلمة أنا أراها رائعة جداً، قال: " الشريف من يهرب من أسباب الخطيئة" . والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:  ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْو ـ أي أخي الزوج ـ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ))  لأن أخ الزوج يحدث زوجة أخيه، يبتسم لها أحياناً، يروي لها طرفة تظنه كأخيها، وهو ليس كذلك. عدم توسع المرأة في الخروج من بيتها:  ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ أي ليكن البيت هو المكان الأول في إقامتها، وإذا خرجتن:  ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ أما الرجال:  ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ . و شيء آخر الالتزام في الكلام الجاد : ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ وقال تعالى أيضاً:  ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾  فإذا اشترت المرأة حاجةً ينبغي أن تقول قولاً معروفاً لا يسبب أي طمع فيها، من هذه الآداب، تجنب الزينة، غض البصر، وألا يكون هناك اختلاط بين الشباب والشابات في أي مكان في حياتهم، ثم التزام المرأة بالحجاب الشرعي، والثياب المحتشمة، بمعنى أن أي ثياب تبرز خطوط جسم المرأة فهي ثياب غير شرعية، أي ثوب المرأة ينبغي ألا يكون شافاً، ولا شفافاً، ولا ضيقاً، ثوب سابل.  

     فكرة أرددها كثيراً، أية شهوة أودعها الله في الإنسان، ربما تكون سلماً نرقى بها إلى أعلى عليين، أو تكون دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين. فاعلم هذه الحقيقة، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، لا تتوهم أن في الإسلام حرماناً أبداً، لذلك مسموح لك أن تتبع الهوى بنص القرآن الكريم، قال تعالى:  ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ هناك معنى في علم الأصول يدعى المعنى المعاكس، المعنى الخلافي، أي الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، بالعكس، يبارك الله الزواج، بارك الله لكما وعليكما وفيكما. 



المصدر: الخطبة : 1148 - تحريم الاختلاط والخلوة - حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.