بحث

الإسلام والإرهاب

الإسلام والإرهاب

بسم الله الرحمن الرحيم

     الإسلام دين الرحمة للناس أجمعين، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ، هو دين الخير للعالمين جميعاً مؤمنهم وغير مؤمنهم، لا يجحد ذلك إلا من جهل الحقيقة، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، أو كان من المستكبرين قال تعالى: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ . أما خيرية الإسلام للمسلمين فهي بديهية، وأما خيريته لغير المسلمين فلأنه حفظ حقوقهم، وصان كرامتهم، وعاملهم بالحسنى، قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ . ولم يختلف هذا التعامل الراقي حتى في ساعات الانتصار، دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة المكرمة فاتحاً مطأطئ الرأس، حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل، وقال: ((ما تظنون إني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء)) . هذا التعامل الإنساني الراقي لم يختلف حتى في ساعات الانتصار، وساعات نشوة الشعور بالعزة والغلبة، وكانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمرائه الذين بعثهم على الجيوش والسرايا: اغزوا لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً. وأما خليفته الصديق رضي الله عنه فقد أوصى مبعوثه قائد جيش الشام بقوله: إني موصيك بعشر ؛ لا تقتلن امرأة، ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شاة، ولا بعيراً إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلاً، ولا تغلل، ولا تجبن ، هذه وصية الصديق لقائده في الشام. قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ، ف الجهاد في الإسلام شُرع للأسباب التالية: 

  •       لردّ العدوان، ورفع الظلم والطغيان، وإقامة الحق والعدل. 
  •     نصرة للحق، ودفعاً للظلم، وإقراراً للعدل، والسلام ، والأمن، وتمكيناً للرحمة التي أرسل محمد صلى الله عليه وسلم بها للعالمين، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وهو ما يقضي على الإرهاب بكل صوره.  
  •     وللدفاع عن الوطن ضد احتلال الأرض، ونهب الثروات، وضد الاستعمار الاستيطاني، الذي يخرج الناس من ديارهم، وضد الذين يظاهرون ويساعدون على الإخراج من الديار، وضد الذين ينقضون عهودهم، ولدفع فتنة المسلمين في دينهم، أو سلب حريتهم في الدعوة السلمية إلى الإسلام.  

     دين الإسلام يحرم الإرهاب بالمفهوم الجديد، ويمنع العدوان، ويؤكد على معاني العدالة والتسامح، وسمو الحوار والتواصل بين الناس، فإن المسلمين يدعون الشعوب الإنسانية والمنظمات الدولية إلى التعرف على الإسلام من مصادره الأساسية لمعرفة ما فيه من حلول للمشكلات البشرية، وأن دين السلام هو للناس جميعاً، وأنه يمنع العدوان قال تعالى: ﴿ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾

     منذ الهجمة الغربية على العالم الإسلامي والغرب يقوم بما يسمى باحتلال المصطلحات الإسلامية، يحتلها ويعطيها معنى آخر، يحتلها بالمفاهيم الغربية وهذا ما أدى إلى اختلال في الفهم، وضياع لمعاني اللغة التي هي وعاء الفكر، فالإرهاب في أصله إسلامي، لفظة قرآنية الغرض منها صدّ المعتدي، وإرجاع الناس إلى الطريق القويم، ومنعهم من الفساد في الأرض، قال تعالى : ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ ، و قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ....﴾ تمنعونهم من أن يعتدوا عليكم وقد لا تستخدمون هذا السلاح إطلاقاً لمجرد وجود سلاح قوي بأيدي المسلمين هذا يمنع العدوان عنهم: ﴿... وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾. فظهر أن الإرهاب إنما يكون لعدو الله، وعدو المؤمنين، وللمنافقين الذين لا يعلمون الحقيقة، ولكن الصحافة والإعلام ابتذل هذا المصطلح القرآني حتى عاد مرافقاً للعدوان، ومرادفاً للظلم والطغيان، وقتل المدنيين والأبرياء، وبهذا الأوراق قد خلطت، وساءت النيات، إلى غير ذلك مما يأباه كل مسلم على وجه الأرض، قال تعالى: ﴿ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾ .

     وللإسلام آداب وأحكام واضحة في الجهاد المشروع . تحرم قتل غير المقاتلين ، ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ كما تحرم قتل الأبرياء من الشيوخ، والنساء، والأطفال، وتحرم تتبع الفارين، أو قتل المستسلمين، أو إيذاء الأسرى، أو التمثيل بجثث القتلى، أو تدمير المنشآت، والمواقع، والمباني التي لا علاقة لها بالقتال، ولا يمكن التسوية بين إرهاب الطغاة وعنفهم الذين يغتصبون الأوطان، وينهبون الثروات، ويهدرون الكرامات، ويدنسون المقدسات، وبين ممارسة حق الدفاع المشروع الذي يجاهد به المستضعفون لاستخلاص حقوقهم المشروعة في تقرير المصير.  

     إن الإسلام دين التسامح، وإن شهادات كثيرة قيلت وكُتبت عن الإسلام في هذا الميدان 

  •      من التاريخ الحديث أحد الفرنجة عقب فتح القدس من قِبل صلاح الدين قال: إن المسلمين لم يؤذوا أحداً، ولم ينهبوا مالاً، ولم يقتلوا مسالماً أو معاهداً، ومن شاء منا خرج وحمل معه ما شاء، وأننا بعناهم ما فضل من أمتعتنا فاشتروها منا بأثمانها، وأننا نغدو ونروح آمنين مطمئنين، لم نرَ منهم إلا الخير والمروءة فهم أهل حضارة، وتمدن.  
  •     قال: إن المسلمين لم يهدموا بيتاً، ولم يصادروا أرضاً، ولم ينشؤوا مستوطنةً، ولم يكسروا عظماً، هذا السمو في التعامل في ساعات الحرب هو ما امتثله المسلمون في عصورهم المختلفة، وبالأخص في العصور الزاهية الأولى، وهو ما اعترف به العقلاء والمنصفون من أعدائهم. 
  •     قال ديورانت: لقد كان أهل الذمة ؛ المسيحيون، واليهود، والصابئون، يتمتعون في عهد الدولة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيراً في البلاد في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائرهم الدينية، واحتفظوا بكنائسهم، ومعابدهم، وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لعلمائهم وقضاتهم وقوانينهم. 
  •     وقال الفيلسوف المؤرخ غوستاف لوبون: ما عرف التاريخ فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب المسلمون. 

     وهذه المعاملة الحسنة من المسلمين لمخالفي دينهم ليست طارئة ولا غريبة، لأنها منبعثة من أصول الدين الإسلامي الذي يقوم على حفظ كرامة الإنسان كائناً من كان، ولهذا جهل الناس هذه الحقيقة في هذه الأيام، فسمعنا أصواتاً تتعالى في الإعلام باتهام دين الإسلام وأهله بانتهاك حقوق الإنسان ظلماً وجوراً وتعنتاً وكبراً. 



المصدر: الخطبة : 1101 - آداب الجهاد في الإسلام - لماذا الغرب يستقطب أدمغة العالم ؟