بحث

الإسلام والمساواة بين الرجل والمرأة

الإسلام والمساواة بين الرجل والمرأة

بسم الله الرحمن الرحيم

المساواة بين الذكر والأنثى:   

      أيها الإخوة الكرام، المرأة في الإسلام مساوية للرجل تماماً في نقاط كثيرة :  

أولا: المرأة من حيث هي إنسان مساوية للرجل تماماً:   

      فلها مشاعرها، ولها أحوالها، ولها خصائصها،   

      قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ )

      يا أيها الناس: تعني الرجال والنساء.  

      فالمشاعر التي يشعر بها الرجل تشعر بها المرأة، والقيم التي يسمو إليها الرجل تسمو إليها المرأة، والبطولة التي يحققها الرجل تحققها المرأة، فالرجل والمرأة من نفس واحدة. (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )

      المرأة من حيث هي إنسان مشابهة للرجل تماماً،   

      لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إنما النساء شقائق الرجال  

      ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:  كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ؟  

      والمولود ذكراً كان أو أنثى.  

      أية نظرة إلى المرأة على أنها من طبيعة أخرى، على أنها دون الرجل من حيث أنه إنسان هي نظرة جاهلية، لا يقرها الإسلام ولا يقبلها بل جاء ليحاربها وهي أحد أشكال العنصرية.  

ثانيا: المرأة سموها كالرجل:  

      شيء آخر أيها الإخوة، كما أن الرجل يستقيم المرأة تستقيم، وكما أن الرجل ينحرف تنحرف المرأة. يؤمن وتؤمن، يكفر وتكفر، يعصي وتعصي، يطيع وتطيع، يسمو وتسمو، يرقى وترقى.   

      قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا )

      والنفس ذكراً كان أو أنثى. (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا )

      أي مركب في فطرة الإنسان ذكراً كان أو أنثى أنها تعرف طريق فجورها، وطريق تقواها، وأنها إذا اتقت أو إذا فجرت تعلم بفطرتها أنها اتقت أو فجرت.  

      هذا هو الإسلام من منابعه، هذا هو الإسلام من مصادره، العبرة لا بالواقع الذي يعيشه المسلمون، ولكن بالمبادئ السامية التي جاء بها الكتاب والسنة.  

      ثم إن الله سبحانه وتعالى يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )

      وهذه الآية تعني الرجال والنساء معاً.   

      من أحيى نفساً فكأنما أحيى الناس جميعاً، ومن قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً.  

      أيها الإخوة الكرام، إنها مساوية للرجل من حيث إنسانيتها، ومساوية للرجل تماماً من حيث إمكانها أن ترقى، وأن تسمو، وأن تتفوق، وأن تكون من اللاتي يشار إليهن بالبنان.  

ثالثا: المرأة مساوية للرجل في التشريف والكرامة:  

      شيء آخر: مساوية له في التشريف والكرامة.  

      أذكركم ؛ بأن قانون حمورابي الذي يدرسونه في كليات الحقوق إحدى بنود هذا القانون أنه من قتل بنتاً لرجل كان عليه أن يسلم بنته لذاك الرجل ليقتلها.. ما ذنبها؟ ما ذنب ابنة القاتل لتقتل مكان المقتولة؟.  

      سئل عليه الصلاة والسلام: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ  

      وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ )

      وقد قال الله عز وجل: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)  

      وفقهاء الشريعة الإسلامية يقررون أن الرجل يُقتل بقتل المرأة، فكرامتها من كرامته، وكرامته من كرامتها.  

      مساوية له في إنسانيتها، مساوية له في سموه وسموها، مساوية له في كرامته وكرامتها، في التشريف، بل إن الإسلام العظيم جعل الذين يرمون المحصنات الغافلات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء جعل قصاصهم أن يُجلدوا ثمانين جلدة، وألا تُقبل لهم شهادة أبداً، حتى لو تابوا لابد من أن يُجلدوا ثمانين جلدة، عقاب الدنيا لا يسقط بالتوبة، لذلك ورد في الأثر:  قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة  

رابعا: المرأة مساوية للرجل بكل التكاليف الشرعية:  

      أيها الإخوة الكرام، مساواتها في إنسانيته، ومساواتها في سموه، ومساواتها في كرامته بل إن المرأة مساوية للرجل في أنها مكلفة بأركان الإيمان، ومكلفة بكل التكاليف الشرعية التي كلف الله بها الرجل. الأدلة من كتاب الله:  (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )

      لو أن الله سبحانه وتعالى قال: إن المسلمين، والمؤمنين والقانتين والصادقين والصابرين والخاشعين إلى آخر الآية لكانت هذه الآية تشمل الرجال والنساء، ولكن الله أراد أن يؤكد، وأن يبين، وأن يزيل اللبس من أن المرأة كالرجل مساوية له تماماً في التكاليف الشرعية، وفي أركان الإيمان، وفي أركان الإسلام.  

      دليل آخر: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

      دليل ثالث: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ )

خامسا: المرأة مستقلة عن الرجل من حيث مسؤليتها عن عملها:  

      أيها الإخوة الكرام، بل إن المرأة مخلوق مستقل من حيث مسؤوليتها عن عملها، وهي مكلفة استقلالاً عن الرجل بتكاليف الشرعية، مكلفة بشكل مستقل عن الرجل بتكاليف الشريعة.  

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:...والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها  

      معنى ذلك أن المرأة مستقلة استقلالاً تاماً في أنها مكلفة بأركان الإيمان وأركان الإسلام، والتكاليف الشرعية، وتُحاسب وحدها عن تقصيرها وأية امرأة تقول: إن زوجي يريد ذلك. هذه حجة عند الله غير مقبولة.  

      قال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ )  
 

سادسا: المرأة مساوية للرجل في التربية والتهذيب:  

      والمرأة أيضاً مساوية للرجل في التربية والتهذيب،   

      قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)  

      قو أنفسكم وأهليكم، والأهل في القرآن الكريم الزوجة والأولاد الذكر منهم والإناث.  

      وقد قال عليه الصلاة والسلام: ما نحل والد ولده من نحلة أفضل من أدب حسن  

      والولد: ذكر كان أو أنثى.  

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم له بنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه، أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة  

      هذه بشارة لكم جميعاً.. أي رجل له بنتان إذا أحسن إليهما ورباهما التربية الإسلامية الصحيحة، واعتنى بهما، وأحسن إليهما فله الجنة.  

      وفي حديث آخر: من كانت له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات  

      هذا شيء دقيق. من كانت أخته عنده، وأحسن إليها وأكرمها ودلها على الله فله الجنة. قد تبقى البنت بلا زواج، تصبح عانساً مصيرها عند أخيها، هذا الحديث الشريف يبين أن الذي يرعى أخته ويحسن إليها ويربيها التربية الصحيحة ويدلها على الله فله الجنة.  

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، أَوِ ابْنَتَانِ، أَوْ أُخْتَانِ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ، وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ  

سابعا: المرأة مساوية للرجل في العلم والواجب العيني والعلم الكفائي:  

      أيها الإخوة الكرام، والمرأة مساوية للرجل تماماً في العلم والواجب العيني، وفي العلم الكفائي، فإذا كانت مكلفة بأركان الإيمان، وأركان الإسلام، وبأحكام الشريعة، ولا يكون هذا إلا بالعلم،   

      لذلك قال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً )

      تقرأ هذه الآية الفتاة ويقرأها الفتى، تقرأ هذه الآية المرأة ويقرأها الرجل. وطلب العلم فريضة على كل مسلم أي على كل شخص مسلم ذكراً كان أو أنثى.  

      أيها الإخوة الكرام،   

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا، فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ، وَحَقَّ رَبِّهِ فَلَهُ أَجْرَانِ  

      وقال عروة بن الزبير يصف خالته السيدة عائشة رضي الله عنها قال: ما رأيت أحداً أعلم بفقه، ولا بطب، ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها  

      وكثيرة جداً الأحاديث التي روتها أمهات المؤمنين، وكثيرة جداً تلك الأقوال المنسوبة إليهن في التفسير، وفقه الحديث، وكثيرات جداً النساء اللواتي حفظن كتاب الله، أو حفظن كثيره.  

ثامنا: المرأة مساوية للرجل في وجوب تمسكها بالأخلاق الباطنة والظاهرة:  

      أيها الإخوة الكرام، والمرأة مساوية للرجل في وجوب تمسكها بالأخلاق الباطنة والظاهرة والباطنة من طهارة القلب، وسلامة القصد، والظاهرة أخلاق اللسان وأخلاق الجوارح.   

      قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )

      ذكراً كان أو أنثى.  

      وقد قال بعض الأقوام: في كل مشكلة فتش عن المرأة. أما الإسلام يقول: في كل مشكلة فتش عن المعصية ؛ لأنه ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان.  

      إحدى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدركتها الغيرة التي هي من خصائص النساء، فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية أنها قصيرة، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد قلت كلمة لو مُزجت بمياه البحر لأنتنته  

      كم هي كرامة المرأة غالية في الإسلام، وصفت بأنها قصيرة، فقال عليه الصلاة والسلام لمن قالت هذه الكلمة:  لقد قلت كلمة لو مُزجت بمياه البحر لأنتنته  

      أيها الإخوة الكرام، المرأة مسؤولة عن قلبها من حيث الإيمان أو النفاق، والإخلاص والرياء، مسؤولة عن لسانها من حيث الصدق والكذب، ومسؤولة عن أعضائها من حيث الطاعة والمعصية، مساوية للرجل في وجوب طهارة القلب وسلامة القصد، وفي وجوب ضبط اللسان وضبط الجوارح.  

تاسعا: المرأة مساوية للرجل في وجوب تحقيق الكليات الست التي جاء الإسلام من أجلها:  

      أيها الإخوة الكرام، والمرأة مساوية للرجل في وجوب تحقيق الكليات الست التي جاء الإسلام من أجلها، فالإسلام يقوم على كليات ست، من اعتدى على إحداهن فله في نص القرآن الكريم عقوبة محددة هي الحد الذي جاء به القرآن الكريم وفصلته السنة.  

      فالشريعة كما تعلمون مصلحة كلها، ورحمة كلها، وعدل كلها، وأية قضية خرجت من العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الرحمة إلى القسوة فليست من الشريعة ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل.  

      أيها الإخوة الكرام،   

      الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، والأمن، فمن اعتدى على إحدى هذه الكليات فله جزاء مقرر في كتاب الله، واضح في سنة رسول الله، ذكراً كان أم أنثى، هذا الحد يصيب الذكور كما يصيب الإناث.  

      قال الله تعالى:(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )

      شارب الخمر ينبغي أن يُجلد ثمانين جلدة ذكراً كان أم أنثى.  

      العرض ؛ من اعتدى على أعراض الآخرين فعقوبته الجلد أو الرجم:  

      قال الله تعالى:(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ )

      والعدوان على النفس:  

      قال الله تعالى:(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )

      والقصاص يصيب الرجال كما يصيب النساء، والأمن لمن يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فساداً، إما أن يقتل، وإما أن تقطع أيديه وأرجله من خلاف.  

عاشرا: المرأة مساوية للرجل في الدعوة إلى الله:  

      أيها الإخوة الكرام، حتى إن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الدعوة إلى الله، ينبغي أن تنقل ما تعلمته إلى أخواتها، وعليها أن تنشر هذا الدين لقول الله تعالى:  (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )

      السيدة خديجة حينما جاء النبي الوحي، وجاء إليها وقال لها: خشيت على نفسي، ماذا قالت؟ قالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر.  

      ما معنى ذلك؟ أنها كانت مع النبي في دعوته.  

      وأول امرأة شهيدة قُتلت في الإسلام: سمية وزوجها ياسر قتلا دفاعاً عن عقيدتهما، وعن تمسكهما بهذا الدين القويم، فالمرأة أيضاً تدعو إلى الله، وتنشر هذا الدين في الحقل الذي يناسبها، وفي الحدود التي يسمح لها به.  

أحد عشر: المرأة مساوية للرجل في الميراث:  

      أيها الإخوة، والمرأة مساوية للرجل في الميراث،   

      قال تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً )

      مساوية له في الميراث، وأما أن للذكر مثل حظ الأنثيين فله تفصيل نتحدث عنه في موضع آخر.  

اثنا عشر: المرأة مساوية للرجل في العقود والأقارير:  

      ثم إن المرأة مساوية للرجل تماماً في الأقارير (أي جمع إقرار)، والعقود والتصرفات. يعني بإمكانها أن تشتري، وأن تبيع، وأن تقرَّ بيعاً أو شراءً، فالتبرع، والصدقة، والدين، والوقف، والبيع، والشراء والكفالة، والوكالة، هذه كلها المرأة مساوية للرجل،   

      ساوته في الأقارير والعقود والتصرفات، وساوته في الميراث، وساوته في وجوب الدعوة إلى الله، وساوته في وجوب طلب العلم، لأنها مكلفة بأركان الإيمان وأركان الإسلام، وأحكام الشريعة، ومساوية له في وجوب تطهير قلبها وقصدها ولسانها وجوارحها، ومساوية له في العلم والواجب العيني والكفائي، ومساوية له في التربية والتهذيب، ومساوية له في الإيمان بالله والتكاليف الشرعية، ومساوية له في الكرامة، ومساوية له في الخلقة، والمساواة الكاملة في الإنسانية.  

      هذه نصوص الكتاب والسنة، التي تبين أن المرأة إنسان بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وأنها مساوية ل للرجل تماماً.   

ليس الذكر كالأنثى:  

      المرأة كالرجل تماماً من حيث إنسانيتها، ومن حيث خلقها، ومن حيث كرامتها، ومن حيث أنها مكلفة بالتكاليف الشرعية كما هو الرجل مكلف، ومن حيث وجود تربيتها، وتعليمها، وتحليها بالأخلاق الفاضلة، ومن حيث العقوبات والمسؤوليات، ومن حيث العقود والتصرفات كما شرحت سابقاً ولكن   

      قال تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى )

أولا: اختلاف المرأة عن الرجل اختلاف تكامل لا اختلاف نقص:  

      هي مساوية للرجل، لكن بنيتها الجسمية والعقلية، والانفعالية تختلف عن بنية الرجل، لا اختلاف نقص، ولكن اختلاف تكامل، هي تكمله وهو يكملها. هذا الاختلاف الذي بين الزوجين يجعل كل منهما سكناً للآخر، هذا الاختلاف الذي بين الزوجين يجعل كلاً منهما يكمل نقصه في الآخر، هذا الاختلاف الذي بين الزوجين هو سرُّ المودة والرحمة التي جعلها الله بين الزوجين. 

ثانيا: الفروقات بين الجنسين لا بين الفردين:  

      أيها الإخوة الكرام:  

      إن تحدثنا عن الفروق بين الذكر والأنثى انطلاقاً، أو بين الرجل والمرأة مآلاً، إن تحدثنا عن هذه الفروق فإنما أبين الفرق بين الجنسين لا بين الفردين، فربما فاقت امرأة الرجل لحكمة أرادها الله، وربما فاق الرجل المرأة في اختصاصها. الحديث الآن عن الفرق بين الجنسين، لا بين ذكر وأنثى فردين.  

      أيها الإخوة الكرام، حينما أذكر هذه الفروق بين المرأة والرجل لا أقصد الفرق بين رجل بذاته، وامرأة بذاتها، فقد تجد امرأة قلبها كالصخر، وقد تجد رجلاً عاطفته متأججة. الحديث عن الفروق بين جنس النساء مع جنس الرجال.  

ثالثا: الفروقات مرتبطة بالوظائف:  

      أيها الإخوة الكرام:  

      من الثابت أن هناك فروقاً جسمية واضحةً بارزةً بين المرأة والرجل هذه الفروق خُلقت لتتناسب مع الوظيفة التي أناطها الله بالرجل، والتي أناطها الله بالمرأة، ولو ربطت بين تلك الفروق، وبين الوظيفة التي أرادها الله للرجل أو الفروق التي تتميز بها المرأة، والتي أراد الله لها أن تكون لوجدت الحكمة التي ما بعدها حكمة، ولوجدت الرحمة التي ما بعدها رحمة.  

رابعا: الاستثناء من أجل أن تعرف قيمة الأصل  

      أيها الإخوة الكرام:  

      إذا كانت لهذه القاعدة استثناءات، وهذه من حكمة الله البالغة، الاستثناء من أجل أن تعرف قيمة الأصل، الشيء المألوف قد لا يُلتفت إليه، الشيء الذي ليس له استثناءات قد لا ننتبه إليه.   

      أنا أذكركم بمثل لا علاقة له بالموضوع إطلاقاً، ولكن بعض أنواع البقر يصيبها مرض يخرجها عن تذليلها تصبح متوحشة، فتقتل الرجال، عندئذ يُضطر صاحبها إلى أن ينهي حياتها، ويخسر ثمنها الباهظ، هذا الاستثناء من أجل أن تعرف ما معنى أنها مذللة،  (وذللناها لهم )

      إن رأيت في الحياة استثناءً هذا الاستثناء هدفه تعريفي، وهدفه تربوي، فمن أجل أن تعرف قيمة الأصل، وقيمة التصميم، وقيمة هذا الفرق، لابد لهذا الفرق من استثناءات، الاستثناء هدفه التعريف، وبيان نعمة الله وفضله على عباده.  

خامسا: الفروقات الجسدية:  

      أيها الإخوة الكرام:  

      قال العلماء: هناك فروق جسمية في المرأة تتنابسب مع وظيفتها التي أعدها الله لها، فيها غدد ليست موجودة عن الرجل، هذه الغدد تُعدها لخصائص الأنوثة، فمن نعومة الملمس، إلى عذوبة الحديث، إلى غلبة الحياء، إلى كثرة الخجل، إلى ضعف التحمل.   

      وأيضاً إن قامة المرأة في جميع الأجناس أقصر من قامة الرجل، بل إن معدل الفرق عند تمام النمو عشرة سنتيمترات، كذلك الوزن ؛ هيكل المرأة العظمي، أخف من هيكل الرجل العظمي وتركيب هيكلها يجعلها أقل قدرة على الحركة والانتقال، وعضلاتها أضعف من عضلات الرجل بمقدار الثلث، لكنها تفضله بنسيجها الخلوي الذي يحوي كثيراً من الأوعية الدموية والأعصاب الحساسة، ونسيجها الخلوي يسمح لها باختزان طبقة دهنية، وبفضل هذه الطبقة الدهنية تكون استدارة الشكل. مخ الرجل يزيد عن مخ المرأة بمائة غرام، ونسبة مخ الرجل إلى جسمه واحد من أربعين، ونسبة مخ المرة إلى جسمها واحد من أربع وأربعين، مخها أقل ثنيات، وتلافيفها أقل نظاماً، أما القسم السنجابي القسم الإدراكي في المخ فهو أقل مساحة، لكن مراكز الإحساس والإثارة والتهيج أشد فاعلية بكثير من مراكز الرجل، وتنفس المرأة، صدرها ورئتاها أقل سعة من صدر الرجل ورئتيه، لكن تنفسها أسرع من تنفسه، وقلبها أصغر من قلبه، لكن نبضها أسرع من نبضه.  

      قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )

      هذا الضعف وهذه الصفاة التي تجذب الرجل هي التي تجعلها سكناً لها إذاً الخصائص الجسمية التي خصها الله بها كمال في حقها، وجذب للرجل ليسكن إليها. والحديث عن الفروق الجسمية كثيرة جداً، لكنني اقتطفت من هذه الفروق هذه العبارات الموجزات.  

سادسا: الفروقات النفسية:  

      أيها الإخوة الكرام:  

      محبتها للزينة والتجمل أيضاً من خصائص المرأة التي فُطرت عليها.   

      ثم إنه أيها الإخوة هناك فروق نفسية بين المرأة وبين الرجل،   

أولا: العاطفة:  

      فعاطفة المرأة أقوى من عاطفة الرجل، من هنا كان حنوها على أولادها، وعلى أبويها وإخوتها أكثر من حنو الرجل، وأكثر ظهوراً ووضوحاً وإثارة عاطفتها أسرع من إثارة عاطفة الرجل، ودرجة تأثرها العاطفي أشد من تأثر الرجل. إن هذا متفق مع وظيفتها الأولى في تربية الأولاد والحنو عليهم وتغذيتهم بالعواطف الفاضلة مع اللبن.   

      ألم تأت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتقل له: يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل وجمال ومال، فلما كبرت سني، ونفر بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي قال: أنت علي كظهر أمي. ولي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا.   

ثانيا: الإرادة:  

      إن إرادة المرأة أقل تماسكاً من إرادة الرجل ما أكثر ما تريد المرأة، وما أكثر ما تنسى ما تريد، وما أكثر مما تعرض عما تريد، وما أسرع ما يتغير مرادها، وما أسرع ما تتراجع عن مرادها. إذاً إرادة المرأة أقل تماسكاً، وتصميماً، وثبوتاً من إرادة الرجل، ما الحكمة في ذلك؟ الحكمة في ذلك أن هذه الإرادة غير المتماسكة تتناسب مع وظيفتها في الحياة، ولو كانت لها إرادة الرجل الثابتة الحازمة التي لا تتبدل ولا تتغير ولا تتراجع لتصادم الزوجان وأدى هذا إلى فراقهما. هناك فرق في إرادة المرأة وفرق في عاطفتها، وهذان الفرقان يتوافقان مع مهمتها في الحياة كزوجة وأمٍ، ومربية أولاد.  

      أيها الإخوة الكرام، ولعل ضعف تماسك إرادتها من أجل أن تكون صلتها بأولادها صلة العطف والحب والرفق، فالأولاد تغلب على عقولهم العواطف، والأطفال تغلب عليهم نزواتهم، فلو أن للمرأة إرادة صلبة لا تتزحزح لا تستطيع أن تواجه أولادها بعاطفة ضعيفة وإرادة حازمة، لذلك تجد المرأة أقرب إلى أولادها من الأب، لأنها سريعة الاستجابة، كثيرة التقلب تميل مع أولادها حيث يميلون، لذلك تجد العطف، والانسجام، والصلة بين الأولاد وأمهم أشد من الصلة بين الأولاد وآبائهم.  

ثالثا: الشجاعة:  

      أيها الإخوة الكرام، شيء آخر في الفروق النفسية بين جنس النساء وجنس الرجال: شجاعة المرأة أقل من شجاعة الرجل، فعادة المرأة أن ترود الطريق الذي طُرق سابقاً، وأن تسير في الطريق وراء الرجل، وأن تأتي من الأعمال ما تعرف، وما سُبقت إليه، والحكمة ظاهرة في هذا، فهي بنت أو زوجة، والتشريع أن تكون القوامة للرجل،   

      قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )

      فمن أجل أن تكون القوامة للرجل لذلك جعل إقدام المرأة أقل من إقدام الرجل. هو الذي يقتحم، هو الذي يرود الطرق، هو الذي يبحث عن المجهول، هو الذي يبتكر، هي معه تعينه، لكنها تسير وراءه، هي أكبر داعم له من دون أن تملك قدرته على الاقتحام.  

سابعا: الفروق الدينية:  

      أيها الإخوة الكرام، هناك فروق دينية بين المرأة والرجل، تحدثت عن الفروق الجسمية بإيجاز شديد لأنها واضحة صارخة لا تحتاج إلى معالجة، وتحدثت عن الفروق النفسية من حيث العاطفة، ومن حيث الإرادة، ومن حيث اقتحام الأخطار، وبينت الفرق بين الجنسين، بقيت الفروق الدينية.  

أولا: المسؤولية الأدبية الأخلاقية:  

      فالله سبحانه وتعالى أناط بالرجل المسؤولية الأدبية الأخلاقية عن أسرته،   

      قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )

      أيها الإخوة الكرام، (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً )

      أحد المفسرين يقول: معناها احملوهم على ترك المعاصي وفعل الطاعات، إن حملت زوجتك على ترك المعصية، وفعل الطاعة فقد وقيتها النار.  

      وقال مفسر آخر: الأهلين تشمل الزوجة، والولد والأولاد. يعني مجمل الأسرة زوجة وأولاداً تنطوي تحت كلمة قوا أنفسكم وأهليكم.  

      سأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية فقال عليه الصلاة والسلام:أن تنهاهن عن ما نهى الله، وأن تأمرهن بما أمر الله، فيكون ذلك وقاية بينهن وبين النار.  

      هذا معنى الآية، وكل مؤمن مأمور بنص هذه الآية أن يقي أهله وأولاده النار، بحملهم على الطاعات، ونهيهم عن فعل المعاصي والمنكرات.   

      لذلك يقول الإمام علي كرم الله وجهه: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم.  

      قص بأنفسكم أولادكم، لأن الولد بضعة من الوالد. لذلك استنبط الفقهاء أن على الرجل أن يطلب العلم، وأن يتعلم ما ينبغي أن يُعلم بالضرورة من أجل أن يعلم أهله وأولاده.. كيف يعلمهم؟ كيف يقي زوجته وأولاده النار؟ إن لم يأمرهم بأمر الله، وينهاهم عما نهى الله عنه، لذلك ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، فإذا أمرك الله أن تقي أهلك النار بأن تعرفهم أمر الله ونهيه، وأن تحملهم على طاعة الله وترك معصيته، فهذا يقتضي أن تعرف الأمر والنهي أنت، ويقتضي أن تطبق أنت. ففي هذا الأمر الذي أمرنا الله به من وقاية أهلنا النار أمر ضمني مستنبط أن تطلب العلم أنت أيها الزوج، أن تعرف أمر الله ونهيه، وأن تحمل أهلك على طاعة الله وعلى ترك معصيته، من أجل أن تحقق هذه الآية.  

      وفي الحديث الشريف: رحم الله رجلاً قال: يا أهلاه صلاتكم - منصوب على الإغراء، يعني الزموا صلاتكم - يا أهلاه صلاتكم، صيامكم، زكاتكم، مساكنكم، أيتامكم، جيرانكم، لعل الله يجمعكم معه في الجنة  

      لعل الله يجمع الأهل مع الرجل في الجنة، إذا أمرهم فأتمروا، وإذا نهاهم فانتهوا.  

      هذه الآية:  (يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً )

      أصل في هذا الباب، مسؤولية الآباء كبيرة جداً،   

      بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ  

      الحديث أثبت للرجل أنه يقوت أبناءه، يطعمهم، يكسب لهم المال ليشتري لهم الرزق فيأكلوا، لكنه ضيعهم، لأنه ما عرفهم بربهم، ولا عرفهم بأمر ربهم، ولا بنهيه، ولا حملهم على طاعة ربهم، وعلى ترك معصيته.   

ثانيا: مسؤولية الإنفاق:  

      أيها الإخوة الكرام،   

      في الأمور الدينية أناط الله بالرجل المسؤولية الأدبية والأخلاقية والدينية عن أسرته، وهناك فرق آخر هو أن الله سبحانه وتعالى أناط بالرجل مسؤولية الإنفاق على الزوجة والأولاد،   

      لذلك قالوا: طلب الرزق فريضة بعد الفريضة.   

      يعني بعد أن تؤدي الفرائض، الفريضة الثانية بعد أداء الفرائض أن تطلب الرزق، وأن تكسب،   

      لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك يد ابن مسعود مرة فرآها خشنة من عمله الشاق، فرفعها وقال لأصحابه، إن هذه اليد يحبها الله ورسوله.  

      أيها الإخوة الكرام، مسؤولية الإنفاق على الزوجة والأولاد من طعام وشراب وكساء ومأوى على قدر السعة، مسؤولية أساسية، لذلك يمكن أن يكون طلب الرزق عبادة من أكبر العبادات.  

      إذا كانت لك حرفة مشروعة في الأصل، وسلكت بها الطرق المشروعة، وابتغيت منها كفاية نفسك وأهلك، وابتغيت منها الإنفاق على الفقراء، وابتغيت منها خدمة المسلمين، ولم تشغلك عن فريضة، أو عن واجب، انقلبت هذه الحرفة إلى عبادة،   

      بل إن الفقهاء يقولون: إن المباحات إذا رافقتها النوايا الصالحات انقلبت إلى عبادات  

      يقول الله عز وجل: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً )

      وفي آية أخرى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )

      هذا هو الفرق الديني بني المرأة والرجل، أناط الله ـ في نطاق الأسرة ـ  بالرجل المسؤولية الأدبية والدينية والأخلاقية، وأناط به الإنفاق على الزوجة والولد.  

      إذاً كسب الرزق من أجل أن تنفق على أهلك هذا من العبادة.  

ثامنا: الاختلاف كمال:   

أيها الإخوة الكرام، أود أن أشير في هذا الموضوع إلى حقيقة دقيقة هي ؛ أنه ما زاد في قوة عاطفتها، ونقص من قدراتها النفسية، والعقلية، إنه كمال بحقها، بل منتهى الكمال، وما زاد في قوة إدراك الرجل، وإرادته، وشجاعته ونقص من قوة عاطفته هو كمال فيه.   

لعلي إن ضربت مثلاً تتوضح الحقيقة: سيارتان ؛ إحداهما معدة لنقل الركاب، والثانية معدة لنقل البضائع، فالمساحة التي تزيد في السيارة المعدة لنقل البضائع والمساحة التي تقل من أجل الركاب كمال في هذه المركبة، أما التي أُعدت من لنقل الركاب، فالمساحة التي تُوضع للركاب أكثر بكثير من المساحة التي توضع للبضاعة، وهذا في هذه المركبة كمال فيها. فالنقص نقص كمال لا نقص ضعف، فلذلك كلمة نقص إذا عزيت إلى المرأة فهو الكمال بعينه. ما زاد من قوة عاطفتها، وانفعالها، واهتمامها بأولادها، وحنوها عليهم، وما نقص من اهتمامها بالقضايا العامة، وعدم تماسك إرادتها، وعدم اقتحامها الأخطار كالرجل، هذا كمال في حقها، هذا كمال وذاك كمال، وهذا التفاوت بين الرجل والمرأة هو الذي يسبب السكنى، ويسبب الميل، لأن كل طرف من الرجل والمرأة يجد في الطرف الآخر كمالاً وسداً لنقصه.   

تاسعا: الفروقات تخدم الحياة الزوجية:  

      أيها الإخوة الكرام، الموضوع طويل، لكن أخذ القليل خير من تكره الكثير. كما أن المرأة مساوية للرجل في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية، وقد جعلها الله راعيةً في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها، كذلك هناك فرق بين المرأة والرجل ينبغي أن لا نتجاهله، إن هذا الفرق هو من الحكمة بمكان، إن هذا الفرق هو الذي يؤكد الوظيفة المقدسة التي أنيطت بالمرأة، إن هذا الفرق هو الذي يجعل الرجل ينجذب إلى المرأة هو الذي يجعلها سكناً له، هو الذي يوفق بينهما، هو الذي يجعل كل طرف من الزوجين يكمل نقصه في الطرف الآخر، فالشيئان المفترقان يتطابقان، لكن الشيئين المتشابهين لا ينطبقان.  

      أيها الإخوة الكرام، ألصق شيء بحياة الرجل عمله وزوجته، فإذا أحسن أحدكم أن يختار أو لم يحسن، إصلاح الزوجة مفتوح بابه طوال العمر، فإذا أصلحت نفسك، وطلبت من الله أن يصلح لك زوجك، فالله جل جلاله ـ في الأعم الأغلب ـ يستجيب لهذا الدعاء المخلص، فيجعل من زوجتك قرةً عين لك، بل إن الله سبحانه وتعالى يبين أن الإنسان إذا أحسن اختيار زوجته، وإذا عرفها بربها، وحملها على طاعة الله ورسوله يكافئه في الدنيا قبل الآخرة، ما هي هذه المكافأة؟ تصبح الزوجة، والأولاد قرةَ عين للزوج،   

      قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )

      أيها الإخوة الكرام، هذا الكلام، وتلك النصوص، وهذه الحقائق هي مقتبسة من منهج الله عز وجل، من الخالق،   

      قال تعالى: (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ )

      من هي الجهة الخبيرة بطبيعة الحياة الزوجية، من هي الجهة التي صممت، والتي رتبت، والتي أعطت كل جنس خصائصه الجسمية والعقلية، والنفسية، والاجتماعية، ومن جعل كل جنس يكمل الجنس الآخر؟ إنه الله.  

      لذلك مهما تاهت البشرية ومهما بحثت، ومهما تخبطت، لابد من أن تعود إلى كتاب الله، إلى المنهج القويم، وإلى الصراط المستقيم، لابد من أن تعود إلى تعليمات الصانع، لابد من أن تعود إلى خبرة الخبير، إلى العليم، إلى الذي خلق فسوى.  

هذه الفروق الدقيقة من حيث، القلب، والتنفس، ومراكز الإحساس والدماغ، ومن حيث الهيكل العظمي، ومن حيث القامة، ومن حيث الوزن، هناك تصميم من عند حكيم عليم، هذا التصميم هو الذي يجعل المرأة كما قلت محببةً إلى الرجل وقد جعلها الله سكناً، قال تعالى ـ وقبل أريد أن أذكر هذه الآيات الثلاث:   

      (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ )

      (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ )

      (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ )

      قال الله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )

      هذه المودة والرحمة بين الزوجين هي من خلق الله عز وجل، وهي الأصل في العلاقة الزوجية، فإذا فقدت فهناك خلل خطير، هناك خروج عن تصميم الله عز وجل، هناك خروج عن سنة الله في خلقه،   

      أيها الإخوة الكرام، مادام في العمر بقية، ومادام هناك فسحة أمام الإنسان فعليه أن يصلح ذاته، وعليه أن يصلح أقرب الناس إليه زوجته، وعليه أن يقي أولاده من النار بتربيتهم، ونصحهم، وتوجيههم وحضهم على طلب العلم،   

      أيها الإخوة الكرام، أكاد أقول، وأنا واثق مما أقول: أنه ما من مشكلة على وجه الأرض صغيرة أو كبيرة، ضيقة أو واسعة، فردية أو جماعية، في شتى بقاع الأرض، ما من مشكلة إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله جل جلاله، إلا بسبب الجهل.   

كيف أمر الإسلام أن تُعامل المرأة؟  

      أيها الإخوة الكرام،   

      قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي  

      وقال أيضاً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:وما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً  

      وقال عليه الصلاة والسلام موجهاً الخطاب إلى النساء، قال لإحداهن: اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله  

      كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته كان بسَّاماً ضحاكاً،   

      وقد وصف النساء فقال: إنهن المؤنسات الغاليات،  

الجهل أعدى أعداء الحقيقة:  

      هذا هو الدين، هذا هو الشرع الحنيف الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، الإسلام ينبغي أن نعرفه من أصوله، لا ينبغي أن نعرفه من خلال واقع المسلمين الذي ربما لم يكن وفق منهج الله، الإسلام ينبغي أن نعرفه من ينابيعه، لا من روافده التي رفدته من الثقافات الغربية التي شوهت معالمه.  

      قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً )

      الإكمال نوعي، والإتمام عددي، فكل القضايا التي نحن بأمس الحاجة إليها، عالجها معالجة كاملة وأدرجها في منهجه القويم، وفي كتابه الكريم. ما علينا إلا أن ندرس، وأن نتعلم، وأن نطلب العلم.  

      ومن ضيق الأفق، ومن سذاجة الإنسان أن يتهم شيئاً دون أن يعرفه ودون أن يتعمق في فهمه، ودون أن يسلك السبيل القويم في معرفته ودون أن يأخذه من ينابيعه الأصيلة، إذا أردت أن تعرف الإسلام فهذا هو القرآن وهذه هي سنة النبي العدنان، إذا أردت أن تعرف الإسلام فاعرفه من خلال أصحاب رسول الله الذين اتبعوه بإحسان ووعي وفهم،   

      قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

      لا ينبغي أن تحكم على الإسلام قبل أن تفهمه،لا ينبغي أن تتهمه قبل أن تتعمق في دراسته، اطلب العلم فطلب العلم فريضة على كل مسلم وما من شيء يسمو بك إلا العلم. إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.  

      أيها الإخوة الكرام، طلب العلم فريضة على كل مسلم،   

      هناك علم ممتع، وأي علم ممتع، وهناك علم ممتع نافع، لكن العلم بالله، وعلم أمره ونهيه علم ممتع نافع مسعد في الدنيا والآخرة. هناك علوم تنتهي عند الموت، أما علوم الدين تبدأ منذ طلب العلم، وتستمر معك إلى أبد الآبدين، العلم الديني هو العلم الحقيقي، ما كل ذكي عاقل الذي يعرف الله، ويعرف سرَّ وجوده، وغاية وجوده هو العاقل.  

      مرَّ عليه الصلاة السلام مع أصحابه برجل مجنون، قال لأصحابه وقد سألهم سؤال العارف: من هذا؟، قالوا هذا مجنون،       قال: هذا مبتلى المجنون من عصى الله  

      دخل إلى المسجد، رأى نسابة، سألهم سؤال العارف: قال من هذا؟ قالوا: هذا نسَّابة، قال: وما نسابه؟، قالوا: يعرف أنساب العرف. فقال عليه الصلاة والسلام: ذاك علم لا ينفع من تعلمه، ولا يضر من جهله  

      لذلك كان عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول: اللهم إني أعوذ بك علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن أذن لا تسمع ومن نفس لا تشبع، وأعوذ بك من هؤلاء الأربع.  

      أيها الإخوة الكرام، الذي يؤكد في الإنسان إنسانيته طلب العلم  



المصدر: الخطبة 0539 و الخطبة 0540 المرأة في الإسلام