بحث

صفات الرسل

صفات الرسل

بسم الله الرحمن الرحيم

     الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه مكلفون برسالة عليهم أن يُبلغوها، ولاسيما الرسل فلابُدَّ من صفات تتوافر فيهم، فالرسل قبل كل شيء مُصطَفون من قِبل الله جلَّ وعلا بالوحي، أي الرسالة اصطفاء من الله سبحانه وتعالى، اصطفاء لأهلية في الرسول. بما أنَّ الرسول مُبلِّغّ عن الله علوم شريعته وأحكامه لخلقــه هو مصطفى بالوحي ومُبلِّغ للناس، وبما أنَّ الرسول قد حمل مهمة الدعوة إلى الله، وإلى صالح العمل بالأسلوب الحكيم، ولأن الرسول مُصدَّق من قِبل الله جلَّ وعلا بالمعجزة، المعجزة تصديق من الله لرسوله، وبما أنَّ الرسول قدوة حسنة يُتأسى بها في عمله وخُلُقه، ويُهتدى بهديه، وبما أنَّ الرسول مُطَاع بإذن الله مُتَّبع بأمر الله، وبما أنَّ الرسول قائد لأمته ومُدبِّر لسياستها الدينية والدنيوية، لهذه الأسباب كلها، يجب أن تتوافر في الرسول صفات لابد من توافرها، في مقدمة هذه الصفات:

  1.      الفطانة: الفطانة بمعنى الذكاء، أي ما كان الله عزّ وجل ليُرسل رسولاً إلى خلقه لا يتصف بالفطانة، فالفطانة صفة ملازمة للأنبياء، مادام الله سبحانه وتعالى قد اصطفاهم، وما دام الله سبحانه وتعالى قد كلّفهم تبليغ رسالاته، بما أنَّ الله سبحانه وتعالى قد كلفهم بنشر دينه فلابد من أن يعطيهم مع هذا التكليف ما يُعينهم على نشر الرسالة، وأول هذه الصفات صفات الفطانة، ما اتّخذ الله ولياً جاهلاً لو اتّخذه لعلمه، كيف يستطيع أن يقود أناساً أذكى منه؟ لابد من أن يكون النبي الرسول أعلى كل أصحابه ذكاءً حتى يستوعبهـــم، وحتى يستطيع توجيههم، وحتى يعرف إمكاناتهم، فلذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان يجمع كل صفات الكمال، يجب أن تكون فطانته مُعِينة له على فهم هذا الوحي الذي جاءه من عند الله، ويجب أن تكون فطانته مُعينة له على حفظ ما نُزّل إليه من كلام الله، ويجب أن تكون فطانته وسيلة لنقل هذه الرسالة وهذا الكتاب الكريم إلى الناس، ويجب أن تكون فطانته وسيلة لإلقاء الحق بحكمةٍ بالغة، الآيات التي تشهد له بالفطانة، يقول الله عز وجل: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، هذه إشارة من الله عزّ وجل إلى فطنته أي فطانته، وفي آية أخرى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا أي كأنه فَهِمَ على الله عزّ وجل كل ما يريد، لذلك ربنا عزّ وجل قال له: انتظر، اصبر، حينما تنزل الآية بلغها للناس.النبي عليه الصلاة والسلام إذا جاءه الوحي يحفظه فوراً، ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾ هذا أعلى مستوى في الذكاء، هذه الذاكرة التي لا تنسى، النبي عليه الصلاة والسلام بيّن للناس ما نُزِّل إليهم عن طريق السنّة المطهرة التي هي أصلٌ ثانٍ من أصول الشريعة الإسلامية، قال الله:﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى إذاً السنّة المطهرة وحي غير متلو، فالنبي الكريم يجب أن يعرف مدلولات الآيات الكريمة بشكل دقيقٍ دقيق حتى يفسرها. كان إدراكه من أعلى مستوى، ومعالجته للأمر بأعلى مستوى : رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني؟ قال: لا تغضب، فردّد، قال: لا تغضب. أي كأنه أدرك أنه يعاني من الغضب الشديد، يقول له آخر: عظني؟ يقول له: قل آمنت بالله ثم استقم، أنت استقم، كل صحابي جليل أو كل رجل سأله يعطيه ما يناسبه، هذه من علائم الفطنة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يتمتع بها. الأنبياء أيضاً فطنون، فسيدنا إبراهيم : ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ أوتي الحجة، فالنمرود مثلاً قال له: من ربك يا إبراهيم؟ فقال سيدنا إبراهيم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَسيدنا نوح: ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أي ضاقوا به ذرعاً، كأنه غلبهم بالحجة لم يتمكنوا، أي ليس من السهل أن تواجه قوماً بأكملهم بحجة ناصعة وتغلبهم بها. 
  2.     العصمة: الله سبحانه وتعالى أمر الأمم بالاقتداء برسلهم، فإذا أمكن أن يفعل الرسل المعاصي كان معنى الأمر أن يتخذوهم أسوة في المعاصي، وهذا مستحيل في حقّ الله سبحانه وتعالى، ليس الرسول يرتكب معصية ويأمر الناس أن يتابعوه، أن يقتدوا به، أن يتبعوه، مستحيل هذا، صار هناك أمر بالمعصية، وإن الله سبحانه وتعالى لا يأمر بالفحشاء، قال تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ فنحن جميعاً مأمورون باتباع الرسول، لو أن النبي عليه الصلاة والسلام لو أنه يعصي ربه كيف نتبعه؟ لا يمكن أن يرتكب معصية ولا أن يهم بمعصية، فعصمة الأنبياء عن أن يعصوه في معتقداتهم وأخلاقهم وأقوالهم وأفعالهم، لذلك تعريف السنّة المطهرة ما صحّ عنه من أقوال وأفعال وإقرار . قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا أسوة حسنة في مطعمه، ومشربه، ومسكنه، وملبسه، وزواجه، وعلاقته بجيرانه، في سلمه، وحربه، في حلّه وترحاله، في دعوته، في خطابته، في توجيهه، في صلاته أسوة حسنة، وأما في حقّ جميع الرسل، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد﴾ هذه ﴿فِيهِم﴾ تعود على الرسل جميعاً . أيضاً من لوازم هذه العصمة التي هي صفة أساسية بحقّ الأنبياء والرسل العصمة عن الكتمان والتحريف أو الخطأ أو الغلط أو الكذب، لأن هذا يتنافى مع أصل النبوة ومهمة الرسالة.
  3.      الصدق:  فالصدق من أبرز صفات الرسل عليهم السلام، فإذا اصطفى الله إنساناً بالوحي، وكلّفه تبليغ رسالاته للناس، وزوّده بالمعجزة التي تشهد بصدقه أنه رسول فهل يُعقل أن يكذب؟ اصطفاه الله وهو العليم الخبير، اصطفاه الله بالوحي، وكلفه تبليغ رسالاته للناس، وأيّده بالمعجزات التي تؤكد صدقه، هذا شيءٌ مستحيلٌ عقلاً، من الذي اختاره؟ العليم الخبير، لو أنه كَذَب على الله لكان اختيار الله غير صحيح، إذاً هذا الذي اصطفاه الله وأيّده وكلّفهُ بالتبليغ لا يُعقل أن يكذب، فلو كذب قبل المعجزة لكانت المعجزة تأييداً للكذب، ولو كذب بعد المعجزة لكانت المعجزة تأييداً للكذب، هذا الذي أمسك العصا فإذا هي ثعبان مبين، ما معنى هذا؟ معنى ذلك أي أيها الناس إني رسول الله، فإذا نطق بالكذب قبلها أو بعدها، فالمعجزة أصبحت تأييداً للكذب، وهذا مستحيل عقلاً، ولا يليق بحضرة الله سبحانه وتعالى أن يصطفي رسولاً يكذب عليه، ولا يُعقل أن يكذب النبي على ربه، ولا أن يُكذّبه. ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. حينما وقف سيدنا جعفر رضي الله عنه أمام النجاشي وقال له: أيُّها المَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أهلَ جاهِليَّةٍ، نَعبُدُ الأصنامَ، ونأكُلُ المَيْتةَ، ونأتي الفَواحِشَ، ونَقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجِوارَ، ويأكُلُ القَويُّ مِنَّا الضَّعيفَ، فكُنَّا على ذلك حتى بعَثَ اللهُ إلينا رَسولًا مِنَّا، نَعرِفُ نَسَبَه وصِدقَهُ وأمانَتَه وعَفافَهُ . قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. الآن يوجد موضوع دقيق، لو أن الرسول كذب في موضوعات غير شرعية، ليس لها علاقة بالدين، في علاقته مع زوجته، مع بيته، مع أقربائه، مع جيرانه، لو أن الرسول يكذب في موضوعات ليس لها علاقة لها بالدين إطلاقاً، هذا الكذب في موضوعات لا علاقة لها بالدين   يُسَبب الشك برسالته كلها، فالذي يكذب في علاقته مع الآخرين يكذب عن الله عز وجل، لذلك لا تثبت رسالة الرسول إلا بالصدق، حتى أن الإيماء ليس من أخلاق الأنبياء، أي يغمز شخصاً، يفعل كذا، هذا الإيماء كأن هناك شيئاً ظاهراً وشيئاً باطناً. 
  4.      التبليغ: الرسول مُبَلّغٌ عن الله تعالى، وأن الله اصطفاه لهذه المهمة، وأنه أمره بتبليغ جميع أحكامه وشرائعه للناس، وذلك بمقتضى قول الله عزّ وجل : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أي لن يستطيع أحد أن ينالك بالأذى، لن يستطيع أحد أن يقتلك، أنت مكلف بالتبليغ والله يعصمك من الناس . يوجد عندنا نقطة مهمة جداً أن الرسل معصومون عِصمــة تامة عن مخالفـة أمر الله، معصومون من أن يُقتلَوا، النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال الله عز وجل: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ عصمه الله من أن يُقتل، والرسل جميعاً معصومون من أن يعصوا الله عزّ وجل، لأنهم لو عصوا الله عزّ وجل، والناس مكلفون باتباعهم لصار التكليف باتباع المعصية، لصار أمر الله أن تعصي الله، يأمرك الله أن تطيع هذا الرسول وهو يعصي الله، إذاً كأنَّ الله يأمرك أن تعصيه، والله سبحانه وتعالى لا يأمر بالفحشاء، فلذلك الرسل معصومون عن مخالفة أمر الله، وأن تبليغهم جميع شريعته لخلقه مما كلفهم الله إياه، وجب علينا أن نعتقد بأن الرسل لم يكتموا عن أممهم شيئاً مما أُمروا بتبليغه، كلمة مكلف بالتبليغ لها أبعاد كثيرة، معنى أن الرسول عليه الصلاة والسلام مكلفٌ بالتبليغ أي لا يمكن أن يكتم من الحق شيئاً، هذا شيء مستحيل بحقّ الرسل، معصومون عن أن يكتموا شيئاً أمرهم الله بتبليغه، لأنَّ الله عزّ وجل ما اختارهم لحمل رسالته إلا ليقوموا بتبليغ شرائعه لخلقه، وأنهم معصومون عن المعصية في هذا قطعاً، إذاً معصوم عن أن يُقتَل، معصوم عن أن يعصي، معصوم عن أن يكتم، لا يكتم، ولا يعصي، والله سبحانه وتعالى عصمه عن أن يناله الخلق بالأذى .
  5.      لا يتعرضون للأمراض المنفّرة: هناك روايات أنَّ بعض الأنبياء خرج الدود من جلدهم، أي أوصاف مُبالغ فيها لدرجة كيف يستطيع الناس أن ينظروا لهذا النبي وأن يجلسوا أمامه؟ لذلك لا تتعرض أبدان الرسل عليهم الصلاة والسلام لما يُنفّر الناس منهم، ويبعدهم الله عز وجل عن أعراض وأمراض تُنفّر الناس من اللقاء بهم، لكن ليس معنى ذلك أن النبي لا يمرض، لا، الأمراض العادية تُصيبه، لأنه هو بشر، اللهم إني بشر أرضى كما يرضى البشر، ويمرض كما يمرض البشر، ويجوع، ويعطش، وينام، ويتزوج، ويأكل الطعام، ويمشي في الأسواق. ما أروع القرآن حينما وصف بشرية سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا فالذي يأكل الطعام ليس إلهاً، إنه مُفتقر إلى تناول الطعـام، نحن جميعاً مفتقرون إلى شرب كأس ماء، مفتقرون إلى تناول الطعام، كان ﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ مُفتقر إلى الطعام ومُفتقر إلى كسب الطعام، أنت مفتقر إلى الطعام شيء جميل، لكنك إذا قعدت في البيت سوف تجوع لابُدَّ من أن تخرج من البيت لتكسب رزقاً تشتري به طعاماً، وهاتان الصفتان كافيتان لأن تكون بشراً ولست فوق البشر، الأنبياء بشر، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾. 


المصدر: العقيدة الإسلامية - الدرس : 37 - صفات الرسل