بحث

الإيمان مصدر الأمل

الإيمان مصدر الأمل

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمل مصدر كل انبعاث:  

      أيها الإخوة الكرام:  

      الأمل أحد مصادر الأمن والسكينة، وهو شعاع يضيء في الظلمات وينير المعالم، ويوضح السبل، تنمو به شجرة الحياة، يرتفع به صرح العمران، يذوق به المرء طعم السعادة، يحسُّ به بهجة الحياة، إنه قوة دافعة، تشرح الصدر للعمل، تخلق دوافع الكفاح من أجل الواجب تبحث النشاط في النفس والبدن، تدفع الكسول إلى الجد، والمجد إلى المداومة تدفع المخفق إلى تكرار المحاولة، تحفز الناجح إلى مضاعفة الجد، إن الذي يدفع الزارع إلى الكدح والعرق، أمله في الحياة، إن الذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطر، أمله في الربح، إن الذي يبعث الطالب إلى الجد أمله في النجاح، إن الذي يحفز الجندي إلى الاستبسال أمله في النصر، إن الذي يحبب الدواء المرَّ إلى المريض أمله في الشفاء، إن الذي يدفع المؤمن إلى أن يخالف هواه ويطيع ربه، أمله في رضوانه وجنته، لولا الأمل ضاع العمل.  

      للأمل جانب آخر، ذمه القرآن الكريم، وذمته السنة النبوية، وله جانب إيجابي، إنني أتحدث عن الجانب الإيجابي للأمل.  

الأمل سرُّ الحياة، دافع نشاطها، مخفف ويلاتها، باعث البهجة والسرور فيها، وضد الأمل اليأس،  وهو انطفاء جذوة الأمل في الصدر وانقطاع خيط الرجاء في القلب، هو العقبة الكؤود، والمعوق القاهر الذي يحطم في النفس بواعث العمل، ويضعف في الجسد دواعي القوة.  

فقدان الأمل مصدر الانهيار:  

      قال ابن مسعود رضي الله عنه:  الهلاك في اثنتين، القنوط والعجب   

      والقنوط هو اليأس، والعجب هو الغرور،  

      الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، يشرح هذا القول، قول ابن مسعود:   

      إنما جمع بينهما الغرور واليأس: لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب، والجد والتشمير، والقانط لا يسعى ولا يطلب ؛ لأن ما يطلبه يراه مستحيلاً، فالقانط لا يتحرك، ساكن، قابع في مكانه، لا يتطور، والمعجب المغرور يعتقد أنه قد سعى، وأنه ظفر بمراده، فلا يسعى، فالموجود لا يطلب والمستحيل لا يطلب.  

       الهلاك في اثنتين، القنوط والعجب  

      القانط لا يتحرك، والمعجب لا يتحرك، لأن القانط يرى هدفه مستحيلاً فيجلس، والمغرور يرى أنه وصل إلى كل شيء فلا يتحرك.  

      إذا يأس التلميذ من النجاح نفر من الكتاب والقلم، وضاق من المدرسة والبيت، ولا ينفعه درس خاص يتلقاه، ولا نصح يسدى إليه، ولا مكان هادئ يدرس فيه، إنه فقد الأمل، ولن يعاود الدراسة، إلا إذا أشرق في نفسه الأمل مرةً ثانية.  

      المريض إذا يأس من الشفاء كره الدواء والطبيب، وكره العيادة والصيدلية، وضاق بالحياة والأحياء ذرعاً، ولم يعد يجديه علاج، إلا أن يعود الأمل إليه.  

      إذا تغلب اليأس على إنسان اسودت الدنيا في وجهه، وأظلمت في عينيه، وأغلقت أمامه الأبواب، وتقطعت دونه الأسباب، وضاقت عليه الأرض بما رحبت.  

فقدان الأمل ملازم للكفر:  

      أن هناك تلازماً ثابتاً بين اليأس وبين الكفر، إنك تجد الكافرين أيأس الناس، وإنك تجد اليائسين أكفر الناس، يقول الله عز وجل:  إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)  

      ويقول أيضاً:  قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)  

      وأظهر ما يتجلى هذا في اليأس في الشدائد، قال تعالى:  وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)  

       إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)  

       وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً (83)  

      وفي آية أخرى:  لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)  

      هناك تلازم حتمي بين الكفر وبين اليأس، إنك تجد اليائسين أكفر الناس، وإنك تجد الكفار أيأس الناس.  

فقدان الأمل ملازم للشك بالله:  

      ليس اليأس من لوازم الكفر فحسب، بل هو من لوازم الشك أيضاً فكل من فقدَ اليقين الجازم بالله، وكماله، ووحدانيته، وألوهيته، ولقائه وحكمته وعدله، فقد حرم الأمل، حرم النظرة المتفائلة إلى الناس والكون والحياة، عاش ينظر إلى الدنيا بمنظار أسود، يرى الأرض غابة، والناس فيها وحوش، والعيش عبئ لا يطاق، هذه نظرة اليائسين، هذه نظرة ضعاف الإيمان، هذه نظرة الشاردين.  

      واعتقاد المرء أنه ريشة في مهب الحياة، هذا إهدار لكرامة الإنسان، فلا بد من اتخاذ قرار بالتفاؤل، معتمدين على التوحيد، وأن الله سبحانه وتعالى في السماء إله وفي الأرض إله، قال تعالى:  مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً   

وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ    

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا   

الأمل مصدره الإيمان:  

      الإيمان وحده هو الذي يلد الأمل في النفوس..   
      الأمل له وجه سلبي، ووجه إيجابي، أتحدث اليوم عن الوجه الإيجابي فالوجه السلبي ذمه الله في القرآن الكريم، وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام.   
      إن اليأس والكفر متلازمان، كذلك الإيمان والأمل متلازمان، المؤمن أوسع الناس أملاً، وأكثرهم تفاؤلاً واستبشاراً، وأبعدهم عن التشاؤم والتبرم والضجر، الإيمان ماذا يعني؟   

  • يعني أن تعتقد بقوة عليا تدبر هذا الكون، لا يخفى عليها شيء، ولا يعجزها شيء، 
  • أن تعتقد بقوة غير متناهية، ورحمة واسعة، وكرم غير محدود، 
  • أن تعتقد بإله رحيم قدير يجب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، يمنح الجزيل، ويغفر الكثير يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، 
  • أن تعتقد بإله أرحم بعباده من الأم بولدها، وأبرَّ بخلقه من أنفسهم.
  • الإيمان يعني أن تعتقد بإله يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل.
  • الإيمان يعني أن تعتقد بإله يفرح بتوبة عبده، أشد من فرحة الضال إذا وجد، والغائب إذا وفد، والظمآن إذا ورد.
  • الإيمان يعني أن تعتقد بإله يجزي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف أو يزيد، ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو.
  • الإيمان يعني أن تعتقد بإله، يدعو المعرض عنه من قريب، ويتلقى المقبل عليه من بعيد، يقول: أنا عند حسن ظن عبدي بي، أنا معه إذا ذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة  
  • الإيمان يعني أن تعتقد بإله يداول الأيام بين الناس، فيبدل من بعد الخوف أمناً، ومن بعد الضعف قوة، ويجعل من كل ضيق فرجاً، ومن كل هم مخرجاً ن ومع كل عسر يسراً.

الأمل والمؤمن:  

      المؤمن يعتصم بربه، البرُّ الرحيم، العزيز الكريم، الغفور الودود ذي العرش المجيد، الفعال لما يريد، يعيش على أمل إيجابي لا حد له ورجاء لا تنفصم عراه، إنه دائماً متفائل ينظر إلى الحياة بوجه ضاحك ويستقبل أحداثها بثقة بالغة.  

  • إن حارب المؤمن كان واثقاً بالنصر ؛ لأنه مع الله، فالله معه، ولأنه لله فالله له:  وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)  
  • وإذا مرض المؤمن لم ينقطع أمله في العافية:  الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)  
  • وإذا اقترف المؤمن ذنباً لم ييأس من المغفرة، مهما يكن ذنبه عظيماً، فإن عفو الله أعظم، قال تعالى:  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)  
  • وإذا أعسر المؤمن لم يزل يؤمل في اليسر:  فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)  ولن يغلب عسر يسرين، ولو دخل العسر جحراً لتبعهم اليسر.  
  • وإذا انتابت المؤمن كارثة من كوارث الحياة، كان مع رجاء الله أن يأجره في مصيبته، وأن يخلفه خيراً منها، قال تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)  
  • حتى إذا عادى المؤمن أو كره، كان قريباً إلى الصلة والسلام، راجياً في الصفاء والوئام، مؤمناً بأن الله يحول القلوب من حال إلى حال، قال تعالى:  عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)  
  • وإذا رأى المؤمن باطلاً، يقوم في غفلة من الحق، أيقن أن الباطل إلى زوال، وأن الحق إلى ظهور وانتصار:  بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)  
  • المؤمن إذا أدركته الشيخوخة، ووهن العظم منه، واشتعل رأسه شيباً لا ينفك يرجو حياة أخرى فيها شباب بلا هرم، وفيها حياة بلا موت وفيها سعادة بلا شقاء، قال تعالى:  جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً (61)  

أمثله عملية عن الأمل:  

      الإيمان وحده، وألح على كلمة وحده، هو الذي يفجر الأمل في النفوس،   

أولا:  سيدنا إبراهيم  عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام :  

      سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ـ طلب الولد من الله وهو شيخ كبير رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ  

      فاستجاب الله له، فقال إبراهيم عليه السلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)   

      أن تكون متقدماً في السن، شيخاً كبيراً، تطلب الولد، هو أمله بعطاء الله.  

ثانيا: سيدنا يعقوب  عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام :  

      سيدنا يعقوب، بعد أن غاب عنه ابنه يوسف، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ماذا قال؟: قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)  

       قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)   

ثالثا:  سيدنا زكريا  عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام :  

      سيدنا زكريا، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:  ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6)  

       هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)   

      ماذا كانت النتيجة؟..   

       يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7)  

رابعا:  سيدنا أيوب  عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام :  

      قال تعالى:  وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)   

خامسا: سيدنا يونس  عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام :  

      كان في وضع من أندر الأوضاع، في ثلاث ظلمات في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة أعماق البحر: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)   

      وقلب الله عز وجل هذه القصة إلى قانون، فقال:  وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)   

      في أي عصر، وفي أي زمان، وفي أي مكان، وفي أية حالة، وفي أية ملابسة:  وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)   

سادسا: سيدنا موسى  عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام :  

      سيدنا موسى، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، تبعه فرعون وما أدراكم ما فرعون، بجيشه، وقوته، وبطشه، وجبروته، وهو مع شرذمة من أصحابه المستضعفين، أمامهم البحر، ووراءهم فرعون وقال أصحاب موسى:  فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)   

      أنجاه الله وأصحابه، وأغرق فرعون وأتباعه.  

سابعا: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:  

      نبينا عليه أتم الصلاة والسلام، وهو في الغار مع الصديق، قال الصديق:  يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا، قال يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما  

      تروي بعض الكتب، أنه قال له ثانيةً، يا رسول الله، لقد رأونا وقعت العين على العين، فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر، ألم تقرأ قوله تعالى: وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ  

      في أثناء الهجرة، وضعت مائة ناقة، لمن يأتي بالنبي حياً أو ميتاً تبعه سراقة، غاصت قدما فرسه في الرمل، قال له البني عليه الصلاة والسلام ـ والقصة طويلة ـ  كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى..  

      ماذا يعني هذا الكلام؟.. هو مُلاحق، وضعت مائة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، أمله العظيم، بأن يصل إلى المدينة، وأن ينشئ مجتمعاً إسلامياً، وأن يفتح البلاد، وأن تأتي كنوز كسرى، وقد وعد سراقة بن مالك، أن يلبس سواري كسرى..   

      في عهد عمر، جاءت الكنوز، وقلبها عمر بقضيب بيده، وقال إن الذي أدى هذا لأمناء، قال له سيدنا علي كرم الله وجهه:  يا أمير المؤمنين لقد عففت فعفوا، ولو وقعت لوقعوا..  

      سأل عن سراقة.. جاء سراقة، ألبسه سواري كسرى، وتاج كسرى وقميص كسرى، وقال رضي الله عنه:  بخٍ بخٍ، أعرابي يلبس سواري كسرى..  

      ليس في هذا عجب:  وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)   

      أما حينما   

       فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً  

      هذا هو الوجه الإيجابي للأمل، الأمل يفجره الإيمان، والإيمان وحده ولولا الأمل لبطل العمل.  

المؤمنون يتجاوزون ظواهر الأسباب إلى خالق الأسباب:  

      الماديون، الشاردون، التائهون، الغافلون، العصاة، هؤلاء يقفون عند السنن المعتادة، والأسباب الظاهرة، لا يطمعون في شيء وراءها أما المؤمنون فيتجاوزون ظواهر الأسباب، وينفذون إلى سرِّ الوجود إلى الله خالق الأسباب والمسببات، الذي عنده من الأسباب الباطنة، والعناية اللطيفة الخفية، ما يخفى على إدراك عقول عباده، تتجه قلوب المؤمنون إليه، حين تذلهم الأزمات، وتستحكم بهم الحلقات.  

      إنهم يجدون في الإقبال على الله الملاذ في الشدة، والأنس في الوحشة والنصر في القلة، يتجه إليه المريض إذا استعصى مرضه على الأطباء يتجه إليه المكروب يسأله الصبر والرضا، والخلف من كل فائت والعوض من مفقود، يتجه إليه المظلوم آملاً يوماً قريباً ينتصر فيه من ظالمه، فليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب، يتجه إليه المحروم من الأولاد، سائلاً ربه أن يرزقه ذريةً طيبة.  

      هذا هو المعنى الإيجابي للأمل...  



المصدر: خطبة الجمعة - الخطبة 0598 : الأمل