بحث

البيئة والحفاظ عليها في الإسلام

البيئة والحفاظ عليها في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     البيئة شغل العالم اليوم، والإسلام بمنهجه الرباني ليس بعيداً عن هذا الموضوع، بل هناك توجيهات دينية لو طبقت لكنا في حال غير هذا الحال، القاعدة الفقهية الأساسية في موضوع البيئة: ((لا ضرر ولا ضرار))، قاعدة فقهية جامعة مانعة، الضرر ممنوع أن تحدثه، محرم عليك أن تحدثه، والضرار أن تذيل الضرر بضرر آخر، هذا أصل في العلاقة في البيئة.  

     الهواء ملوث، الماء ملوث، التربة ملوثة، التصحر يستشري، نقص الغذاء، انتشار الأمراض، انقراض النبات والحيوان، تغير المناخ، طبقة الأوزون التي عطبت، الحقيقة أن الذي يسبب هذا هو الإنسان، والآية الكريمة: ﴿فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ الله عز وجل أراد للبيئة أن تكون نظيفة والإنسان بطموحه الدنيوي والمادي لوثها وأفسدها. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ البيئة هذه النعم الظاهرة والباطنة. فالبيئة النظيفة، الهواء النظيف، الماء النظيف، الحياة النظيفة، الوضع الطبيعي، النبات الذي ينمو بلا مسمدات، بلا مواد كيماوية، بلا مواد مسرطنة، الفواكه التي تنمو بلا هرمونات، هناك تغيير لخلق الله، الدجاجة تنمو إلى وزن كيلو بأربعين يوماً عن طريق الهرمونات، هذه الهرمونات تتراكم في جسم الإنسان، عدداً من الأمراض كبيراً جداً إلى التغيير في طعامنا وشرابنا، هناك خطأ في العصر، لذلك قال تعالى فيما يتعلق بإفساد البيئة: ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، هناك عقاب لهذا الإنسان المتأله في هذا العصر الذي أراد الدنيا، وأراد إفسادها من أجل أن يربح من توجيهات النبي عليه الصلاة و السلام في موضوع البيئة :

  •      زراعة الأرض وعدم احتجازها: لذلك من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ)) الأرض يجب أن تزرع، لأن النتائج الإيجابية من زراعة الأرض لا تعد ولا تحصى.  
  •      استصلاح الأراضي: قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ فِي خِلَافَتِهِ)) أي في بعض التوجيهات النبوية، من زرع أرضاً جدباء فهي له، يتملكها، من أجل أن نحول اللون البني إلى لون أخضر، فنحن مكلفون أن نحول هذا من بني إلى أخضر فكيف الذي يحول الأخضر إلى بني.  
  •      غرس الأشجار: قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ)) من أبلغ ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في موضوع الزراعة: ((إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ))، إذا قامت القيامة، هذه الشجرة تغير الطقس، تجلب الأمطار، تحقق الظلال، تحقق جمالاً طبيعياً، الشجرة كأنها معمل صامت يقدم لك الثمار، يعطيك الظل، ويعطيك منظراً جمالياً، لا صوت، ولا ضجيج، ولا شيء من هذا. والله عز وجل يقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ أي هذه من نعم الله علينا، الشجرة نعمة كبيرة جداً، هناك فوائد لا تعد ولا تحصى منها، فلذلك من توجيهات هذا الدين العظيم العناية بالشجرة.  
  •      عدم قطع الأشجار والصيد لأجل الصيد فقط: قضية البيئة قضية خطيرة جداً، قال تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾، قطع الأشجار إفساد للبيئة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّار)) نهي نبوي كبير،  لا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ، ولا بعيراً إلا لمأكلة . الحفاظ على الأشجار حضارة، والحفاظ على الأشجار دين، والعناية بها عمل صالح. ولا تذبحوا شاة ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكلة، أي هذا الذي يهوى الصيد  من اصطاد عصفوراً لغير مأكلة أتى يوم القيامة وله دوي كدوي النحل يقول: يا رب سله لمَ قتلني؟ الصيد مشروع لا كهواية ولكن إذا كنت مسافراً، وأنت مضطر إلى أن تأكل لا عليك أن تصطاد طيراً لتأكله.  
  •      عدم تلويث الماء بالبول فيه: يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ)) هذا الماء نتطهر به فالذي يبول، أي كلما ارتقى فهم الناس لهذا الدين يعتنون بالمياه، يحافظون عليها، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يبال في الماء الجاري أيضاً، ممنوع أن تبول في الماء الراكد، وفي الماء الجاري أيضاً. والله عز وجل يمتن علينا ويقول: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً  لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً﴾ .
  •      نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يشرب من السقاء: لأن ذلك يُنْتِنه، هناك وعاء ماء ينبغي أن تصب الماء بكأس، وأن تشرب من الكأس، أما أن تشرب من الإناء مباشرة فهذا يفسد الصحة، لذلك يقول الأطباء: الأنفلونزا والد فتريا والتيفوئيد والسيلان والزهري هذه الأمراض تنتقل عن طريق الشفتين واللعاب. ((نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ ))، اختناث الأسقية أن تشرب من السقاء مباشرة من دون أن تصب في كأس، وكان النبي عليه الصلاة والسلام له كأس من الخشب يشرب فيه في البيت هو والسيدة عائشة.   
  •      تغطية أواني الطعام وسقاء الماء: من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام: ((غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ)) حديث آخر: ((اتقوا الذر ـ الغبار ـ فإن منه النسمة)) أيْ المرض، ثبت أن الغبار يحمل الجراثيم، فكلما ابتعدنا عن الغبار وعن مسببات الغبار كنا في حالة أطيب.   
  •      إماطة الأذى عن الطريق: وفي حديث آخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ)) ، كم من حادث سير سببه حجر في الطريق، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن ليؤجر في إماطته الأذى عن الطريق))، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((من سمى الله، ورفع حجراً أو شجراً أو عظماً من طريق الناس مشى وقد زحزح نفسه عن النار)) ، كلها أعمال صالحة، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ)) .
  •      عدم الهدر: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ : ((مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ : نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ)) لذلك قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ ، ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ .   لذلك التوفير وترشيد الاستهلاك إيمان حضارة.  

     التلوث الذي أصاب الحياة البشرية، فساد البيئة، فساد الماء، فساد الهواء، فساد الأخلاق، هذا التلوث الذي أصاب الحياة البشرية المعاصرة جاء ذكره في القرآن بشكل مجمل، قال تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾. أما البحر: ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ والآن كل حين نسمع بباخرة نفط غرقت فانتشرت بقعة نفط تغطي مئات الكيلو مترات، وهذه لا تزول إلا بجهود جبارة وبأموال فلكية، لذلك: ((إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ : الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ)) .



المصدر: الخطبة : 1169 - الحفاظ على البيئة في ضوء الإسلام - التوفير وترشيد الاستهلاك إيمان حضارة.