الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ أقسم بالعصر. ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ خاسر. ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ فالتواصي بالحق في نص هذه الآية ربع النجاة، أو أحد أركان النجاة، لا ينجو الإنسان إلا إذا تواصى بالحق، الآية الثانية. ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله. فالذي لا يفكر أن يدعو إلى الله فهو ليس على بصيرة، وشيء ثان هو لا ينتمي لهذا الدين. لكن حتى أكون دقيقاً جداً في الكلام الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف، إنسان جلس يوم الجمعة في مسجد، استمع إلى خطاب عميق جداً تأثر، كتب كلمتين، كتب الآية، وكتب شيئاً من شرحها، الآن سيلتقي مع زوجته مساء، جاء لعنده أخ، صديق زاره، ذهب إلى مكان، التقى بإنسان يحبه، كل لقاءاتك في هذه الجمعة ينبغي أن تدور حول هذا الذي سمعته في يوم الجمعة، قال: ((بلِّغُوا عني ولو آية)) هذه الدعوة فرض عين، في حدود ما تعلم ومع من تعرف، أما الدعوة إلى الله التي أساسها التفرغ، والتعمق، والتبحر، والقدرة على الإجابة عن أي سؤال، وكشف الملابسات والمتشابهات، فهذه دعوة فرض كفاية، إن قام بها البعض سقطت عن الكل.
أنت إذا كنت بدائرة، أو بمكان عمل، وكنت صادقاً، صدقك فضلاً عن أنه طاعة لله هو مثل أعلى لمن حولك، الصادق داعية. طبعاً، أنت الآن غير مسلم، بشركة، هناك عدد كبير غير مسلم، هم يتابعونك، هذا مسلم وجدوك صادقاً لا تكذب أبداً، وجدوك أميناً، الإسلام كله ارتقى في نظر هؤلاء، معنى هذا أن الدين عظيم، هذا المسلم حينما يقدم تقريراً كاذباً، حينما يهمل عمله، حينما يقصر كل من حول هذا المسلم المقصر اتهموا دينه بالتقصير، فهذه المشكلة خطيرة جداً، المشكلة هنا أخطر من بلد مسلم، ببلد مسلم أنت واحد من مجموع، فإذا قصرت أو أهملت يشار إليك بالتقصير، أما هنا فيشار إلى الإسلام بالتقصير. الإنسان إذا لم يطبق الدين ودعا له، هناك سؤال كبير ينشأ، يقال في نفس المراقب له: لو كان هذا الدين حقيقياً لما أفرز هذا الإنسان، وإذا كان الدين صالحاً لكنه يتناقض مع دعوته، تقول له: اصمت ما دمت لا تطبق دينك نحن لسنا بحاجة إليك.
مثلاً: لما فتح الفرنجة القدس، ذبحوا سبعين ألفاً في يومين، فلما فتح صلاح الدين القدس لم تراق نقطة دم واحدة، بل أراد ن يخرج الإنسان متاعه بأثمانها، هي تكون غنائم، فعلوا أشياء لما فتحوا القدس شيئاً يفوق حدّ الخيال، لذلك الناس لا يحتاجون إلى فلسفة فرضاً، يحتاجون إلى إنسان يطبق.
إنساناً عنده بقالية، ملتزم تماماً، جاءه لعنده إنسان طلب بيضاً قال له: طازجة؟ قال له: والله هذه الكمية عندي من ثلاثة أيام، لكن جاري أحضر اليوم بيضاً طازجاً، خذ من عند جاري، هذا دُهش، هذا الإيمان، فيه صدق، فيه أمانة، فيه موضوعية، فيه عفاف. إذا حدثك فهو صادق، وإذا عاملك فهو أمين، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف، وكأن هذه الصفات الثلاثة أركان القضية، صادق، أمين، عفيف، من حيث الشهوة عفيف، من حيث الكلام صادق، من حيث التعامل أمين.
النبي الكريم بماذا وصف، قالوا: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي. لذلك الأنبياء لماذا كانوا في أعلى درجات التأثير؟ لأن الذين حولهم ما وجدوا مسافة بين أقوالهم وأفعالهم، الذي فعلوه عين الذي قالوه، والذي قالوه عين الذي فعلوه.
عظمة الدين أن مبادئه ونتائجه الكبيرة متاحة لكل مسلم، في أي مكان وأي زمان، لا يوجد تفرقة، ولا طبقية. لو أهل الدنيا علموا كم عند المؤمن من سعادة والله لنافسونا عليها، لذلك أنا لا أصدق هذا النص إلا لأنه خرج من ملك، هناك ملك ترك الملك، وصار عارفاً بالله، هو إبراهيم بن الأدهم، قال: والله لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف، من قالها؟ ملك مدفون بجبلة بسوريا، هو ملك ترك الملك والتفت إلى معرفة الله عز وجل، لأنه هو قالها، ولأنه كان ملكاً ويعلم ما معنى الملك، كل شيء بين يديه، كل شيء له، كل أنواع المتع متاحة له، هذا الشيء بكل العصور أساساً. لكن الأزمة أزمة علم فقط، والدليل أهل النار في النار ما أزمتهم فقط؟ ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ موضوع علم فقط، هو إنسان يحب الخير لنفسه، يحب السلامة، يحب السعادة، يحب الرقي، يحب السرور، لكن ما عرف أن الخير يأتي من طريق الدين، ظنه بالمال اكتشف المال فرأى أنه ليس كل شيء.
عندنا هنا صوارف وعقبات، هناك أنواع من اللهو لا تعد ولا تحصى فهذه اسمها صوارف، وهناك عقبات، وكلما كثرت الصوارف والعقبات ازداد الأجر، قال: ((اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا أنتم أصحابي، أحبابي يأتون في آخر الزمان، القابض على دينه كالقابض على الجمر، وأجرهم كأجر سبعين، فقالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، قال: لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون)).