بحث

الدين والحياة

الدين والحياة

بسم الله الرحمن الرحيم

     المؤمن يسأل عن الحلال والحرام، الحرام يحجبك عن الله، والحلال يجعلك قريباً من الله عز وجل.  

     إذاً بعد أن تؤمن بالله ينبغي أن تتحرّى الحلال والحرام، أنت بالكون تعرف الله، وبالشرع تعبد الله، نحن عندنا مشكلة، أن معظم المسلمين يتوهمون أن الإسلام صوم وصلاة، وحج، وزكاة، يؤدي العمرة، وبعدها يؤدي الحج، يصوم رمضان، ويصلي الخمسة أوقات، والإسلام في واد، وهو في واد، إذا لم تعتقد، والله لا أبالغ أن الإسلام يبدأ من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، كسب أموالك، معاملتك لمن دونك، إخلاصك في عملك، فالدين ليس في المسجد، الدين في بيتك، في دكانك، في مكتبك التجاري. 

     يمكن أن تكون صاحب معمل لمواد غذائية للأطفال، يمكن أن تشتري مواد انتهت صلاحيتها بثلثي قيمتها، ولا تُحاسب، تُحاسب إذا عرضتها للبيع، والصلاحية منتهية، أما إذا جئت بها إلى المعمل، وأدخلتها في الآلات، فالمادة التي انتهت مفعولها ضاعت هذه المخالفة بجعلها ضمن التصنيع، يمكن أن تشتري مواد أولية انتهى مفعولها، وانتهت صلاحيتها، بثلثي قيمتها، وتربح أرباحاً طائلة، هل تظن أن الله لا يحاسبك؟ مستحيل.

     في مخبر تحليل الدم، يمكن أن تتفق مع طبيب، يعطيك 8 تحاليل، مطلوب فقط أول واحد، وقيمة السبعة مناصفة، هل تظن أنك تنجو من عذاب الله؟ 

     أنت محامٍ تقول للموكل: القضية سهلة جداً، خذها مني، وعندك إمكان أن تؤجل الدعاوى 8 سنوات، وبعد هذا تفاجئه بالنهاية أن القاضي انحاز إلى خصمك، ماذا تفعل؟ أنت لم تدفع كثيرًا، ممكن هل تظن أنك تنجو من عذاب الله؟ 

     يمكن أن تدرس، وتضع أسئلة فوق طاقة الطلاب، والكل يأخذون أصفاراً، هم يحتاجون الآن إذاً إلى درس خصوصي، وأنت جاهز للدرس الخصوصي، هل يمكن أن تنجو من عذاب الله؟ 

     يمكن لطبيب زارك في المستشفى الحكومي، والدواء مجاني، تقول له: لا بد من دواء آخر غير هذا الدواء، تعال إلى العيادة، ممكن، هو فقير، يمكن أن تهرب دواء إلى بلد مجاور ثمنه 13 يرجع بـ 300؟ هو الدواء مدعوم، لأن الدخل قليل، تجمع الأدوية، وتأخذها لبلد مجاور تأتيك بشكل تهريب دواء مُهرّب بـ 300، وتنجو من عذاب الله؟ أين الدين؟ الدين بعيادتك، بمخبرك، بمكتب الهندسة، بالبقالية، بالزراعة... 

     يمكن أن تأتي بهرمون مسرطن، يكبر الثمرة، يعطيها ألوانًا زاهية، هذا كله مسرطن، ممنوع بالعالم كله، يأتي تهريب يضعه الفلاح، يقول لك: تزداد الغلة، أين الدين؟

     يمكن أن يكون الشخص عاملاً بمطعم، ومعه وباء كبدي قاتل، إذا لم ينظف يديه تماماً يمكن أن يسبب هذا الوباء القاتل لـ 300 من رواد المطعم، أين الدين؟ هذا الدين، الدين بالمطعم.

     لو فرضنا صاحب محل بقالية وجد فأرة في عبوة الزيت، له أن يبيع الزيت ثاني يوم، يسحبها ويبيع، أما المؤمن فمستحيل.

     إن الحياة لا تنتظم إلا بالإيمان، وعندنا مشكلات لا تعد ولا تحصى، كلها ناتجة عن ضعف شعور البشر بمراقبة الله عز وجل، فأقول: الدين ليس في المسجد، الدين في عملك، وفي بيتك، وفي تربية أولادك، وفي صدقك في التعامل، اكسب مالاً حلالاً، لأنك مستقيم في تعاملك، المال الحلال إذا اشتريت به طعاماً هذا الطعام هو الطيب.

     زرت والد صديق لي من سنوات عديدة، الآن توفي رحمه الله، فهو عمره 96 سنة، قال لي: أنا البارحة أجريت تحليلات كاملة للدم والبول، قال لي: كله طبيعي، 96 سنة! كله طبيعي، قال لي: والله لم آكل قرشًا حرامًا في حياتي، ولا أعرف الحرام.

     الله موجود، استقيموا، اصدق في التعامل، الله عز وجل لا يضيعنا أبدا، يرزقنا. قال تعالى ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ هنا سؤال: لمَ لم يقل الله عز وجل: ذلك وصاكم بها؟ لأنه جمع: لأن منهج الله موضوع واحد، أن تخافه، فإذا خفته طبقت أمره تماماً  ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾  ماذا نفهم من هذا الربط؟  ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾  هذا منهج، هذا نقل  ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾  عقل، يعني منهج الله عز وجل يتطابق مع العقل 100 %، لأن المنهج وحيه، والعقل مقياس أودعه الله فينا، تطابق العقل مع النقل حتمي.



المصدر: الدرس : 69 - سورة الأنعام - تفسير تتمة الآية 151، القتل بغير الحق