الإنسان كثر، يجب أن نعتقد أن أعدى أعداء الإنسان هو الجهل والخرافة، فأي شيء تعتقده خطأ له تأثير خطير في حياتك، لذلك قالوا في تعريف العلم: إدراك الشيء على ما هو عليه بدليل، وفي تعريف الجهل: إدراك الشيء في خلاف ما هو عليه. لو ظنّ الإنسان أنه كلما ارتفع ضغطه كلما حسنت صحته هذا جهل، ارتفاع الضغط قد يؤدي إلى انفجار بعض شرايين المخ، وقد يصاب بالسكتة الدماغية، فإذا ظن الإنسان أن ارتفاع الضغط مفيد جداً هذا هو الجهل وهو أعدى أعدائه، المصاب بمرض السكر إذا ظن أنه كلما تناول النشويات والسكريات شفي من مرضه هذا هو الجهل، أعدى أعداء الإنسان أن يجهل.
الدين الإسلامي جاء متوافقاً مع الواقع ومتوافقاً مع العقل، هنا تعريف أوسع وأدق للعلم: علاقة ثابتة بين شيئين مقطوع بصحتها، لو اعتقدت أن هذا الشيء صواب بالمئة ثلاثون هذا وهم، إذا اعتقدت أنه صواب بالمئة خمسون هذا شك، إذا اعتقدت أنه صواب بالمئة سبعون هذا ظن، بالمئة ثمانون هذه غلبة الظن، بالمئة تسعون هذا يقين، بالمئة مئة قطع، حقيقة ثابتة بالمئة مئة، فإذا اعتقدت أن هذه العلاقة الثابتة بين شيئين مقطوع بصحتها يؤكدها الواقع عليها دليل هذا هو التعريف الموسع للعلم، لو أن الواقع ما أكدها فهو الجهل، لو أنك لا تملك الدليل فهو التقليد، لو أن هذه الحقيقة ليست قطعية الثبوت فهو الشك والوهم. إذاً هذا الموضوع خطير، الجهل أعدى أعداء الإنسان، الإنسان حينما يجهل حقيقة في دينه، أو في صحته، أو في عمله، أو في تجارته، أو في صناعته، أو في زراعته. أخطر ما في الدين أن يعشعش في أذهان المسلمين أوهام، عقائد فاسدة، تخيلات، تصورات، خرافات، خزعبلات، تجاوزات، بدع، يجب أن نعود بالدين إلى ينابيعه، إلى أصله.
ما الفرق بين الجاهلية والإسلام؟ سؤال دقيق، الحقيقة الجاهلية إما من الجهل وإما من الجهالة، الجهل أن تعتقد بخرافات لا أصل لها، والجهالة أن تخرج عن طريق الحق فتأخذ ما ليس لك، الجهالة هي السفه والجهل ضد العلم، يجب أن تعلموا أن الله عز وجل ما اتخذ ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلمه، أي جزء كبير جداً من شخصية المؤمن العلم، العلم سلاحي كما قال عليه الصلاة والسلام. فأنت مأمور أن تحكم عقلك، وأن تطبق السنن التي سنها الله عز وجل للإنسان، مطالب أن تأخذ بالأسباب، لأن الأخذ بالأسباب جزء من عبادة الله، أنت قبلت شرعه، وقبلت قوانينه الأرضية، وقبلت فعله التكويني، في شرعه أمرك بغض البصر، أمرك بدفع الصدقة، أمرك بترك الربا، هذا أمر تشريعي، وهناك أمر تكويني نزل بلاء، شحت السماء، حدث زلزال، حدث فيضان هذا أمر تكويني، أنت يجب أن تقبل أمره التشريعي لإيمانك به، وأن تقبل أمره التكويني، وأن تتأدب مع سننه، من لوازم الإيمان أن تتأدب مع السنن التي سنها الله عز وجل، للسقوط قانون، هذا البناء له قانون، فكل إنسان خالف القوانين - قوانين الأشياء - أي يكفي خمسة أكياس أسمنت للمتر المربع الواحد واترك الأمر لله هذا جهل، هذا مطلق الجهل، يجب أن تضع الكمية المناسبة والحديد المناسب وبعدئذ تتوكل على الله. يجب أن تأخذ بالأسباب، أن تأخذ كل أسباب الحيطة، وهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: اعقل وتوكل، قال يا رسول الله أأعقلها أم أتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل . من السذاجة أن تعتقد أن العقل والتوكل باب يتناقض مع التوكل، التوكل عبادة القلب من الداخل، والأخذ بالأسباب عبادة الجوارح. فكل إنسان لا يعبأ بالقوانين العامة في البناء والتجارة، في العدوى والمرض، في الصحة، في الوقاية، هو إنسان لا يعرف الله، المؤمن جزء من مرتبته الإيمانية أنه عالم، يعرف ماذا يأكل، وكيف يتكلم، ومع من يلتقي، وكيف يكسب المال، وكيف ينفقه، وكيف يعامل زوجته، وكيف يتعامل مع من حوله. فمن الجهل:
- التشاؤم يقول عليه الصلاة والسلام: ((... وَلَا طِيَرَةَ)) ما الطيرة؟ قال: الطيرة هي التشاؤم، وهي من عبث الشيطان بالجهلة والضعفاء من الناس، هناك تشاؤم من بعض الشهور، من بعض الأيام، من بعض الساعات، من بعض الأرقام، رقم ثلاثة عشر يخوف، من بعض الأشخاص، من تطير فقد أشرك، الفعال هو الله، الناس تقول: القدر سخر مني، الزمان قلب لي ظهر المجن، الأيام رمتني بسهامها، هذا كلام ليس له معنى، أو يقول: ليس لي حظ أو حظي سيئ، هذه يكون لها سبب، أو تقول: هذا من فعل الدهر، يقول الله عز وجل: يسبني الإنسان وما كان له أن يسبني، يسب الدهر وأنا الدهر أقلبه كيف أشاء، ليس هناك إلا الله، هناك الله وكلمتان لا غير: توفيق.. تيسير أو تعسير، والتيسير له أسباب والتعسير له أسباب. ﴿فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ هناك إله بيده كل شيء، وهناك قوانين: قانون التيسير وقانون التعسير، فإذا آمنت بالله واستقمت على أمره وعملت الصالحات فهذه أسباب التيسير، وإذا لم تعرف ربك وتفلت من أمره وأسأت إلى الناس فهذه أسباب التعسير. إذاً: من تطير فقد أشرك، لكن عندما تتشاءم من يوم، أو من رقم، أو من بيت، أو من إنسان فقد وقعت في الشرك وأنت لا تدري، علاقتك بالله وحده وعليك أن تعبده وحده وعلى الله الباقي. ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ أما النبي عليه الصلاة والسلام فما كان يتشاءم ولكن كان يتفاءل، كان يحب الفأل، دخلت على مريض وقال لك: إن مرضي صعب جداً، تقول له: إن شاء الله تشفى، أو: الشفاء بيد الله عز وجل، والله عز وجل يقول: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾. الطيرة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((حْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ)) ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: وما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك ".
- لو أتيت إلى إنسان تجد كاهناً أو ساحراً يقول لك: لا تسافر ولا تعقل ولا تتزوج القلم لم يكتب، لا يوجد إذن، فلذلك النبي الكريم يقول: (( مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) إن صدقته كفرت، وإن لم تصدقه لم تقبل لك صلاة أربعين يوماً ولو مزاحاً.
- الاستقسام بالأزلام، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أردت أن تسافر تأتي بثلاث أوراق: سافر، لا تسافر، أعد، وتجعلهم في كيس وتسحب سافر فيقطع في الطائرة، لا تسافر ليس هناك مجال ألغ الحجز، أعد تعال نعيد القرعة، هذا الاستقسام بالأزلام هذا شيء خلاف الدين، خلاف العقل، خلاف العلم، خلاف الحقيقة، أما الاستخارة فشيء ثان، تصلي ركعتين وتدعو دعاء الاستخارة وتنظر إذا يسر الله هذا الأمر فقد أراده لك، وإن لم ييسر فلم يريده لك.
- التمائم، نضع للسيارة شبة أو نعل فرس، وتقصد من ذلك أنك لن تصاب بأي حادث، إذا أنت كنت تستأهل الحادث فلا بدّ من حادث، إذا أنت مستقيم لا تحتاج إلى نعل فرس، استقامتك تنجيك من كل خطر، وإذا لم يكن هناك استقامة لو وضعت الفرس كله يصير مشكلة، لذلك هنا كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الرقى والتمائم شرك)). تضع تميمة، أو سواراً، أو خرزة، أو نعل فرس، هذا كله كلام فارغ، عليك أن تطيع الله عز وجل وكفى.
التوفيق معكم، والتعسير معكم، التفاؤل منك، من استقامتك، والتشاؤم من انحرافك، أي خيرك منك وشرك منك، التشاؤم من انحراف الإنسان، من أكله مالاً حراماً، من الربا، من نظره إلى الحرام، من تجاوزه للحقوق، ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ منكم التشاؤم ومنكم التفاؤل.