بحث

الجانب الاجتماعي في الإسلام

الجانب الاجتماعي في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     من حاجات الفرد الأساسية حاجة الإنسان إلى المحبة أي إلى أن يُحِب، والى أن يُحَب، وحاجته إلى التقدير أن يقدره الآخرون، وحاجته إلى الأنس، وحاجته إلى الأمن، وحاجته إلى معونة الآخرين، وحاجته إلى نصرتهم والتقوي بهم، وحاجته إلى الأخذ من معارفهم وخبراتهم ومنجزاتهم، كل هذه الحاجات تولد في نفس الفرد الميل إلى الجماعة تلبية لحاجاته العضوية، والنفسية، والفكرية، وقد جعل الإسلام الدافع الاجتماعي في المسلم ينبعث من عبادة الله وطلب مرضاته عن طريق خدمة عباده لا من تلبية حاجاته المادية والمعنوية، وجعل الإسلام النشاط الاجتماعي للمسلم يسري في قنوات نظيفة حددها الشرع الحكيم ضماناً لسلامة الفرد، وضماناً لسلامة المجتمع من الفساد والانحلال، وجعل كثيراً من الفضائل الخلقية والأعمال الجليلة لا تتحقق إلا عن طريق العمل الجماعي، وجعل الفردية والانعزالية سبباً لكثير من الرذائل الخلقية والأعمال الخسيسة. 

     قال النبي صلى الله عليه وسلم:  ((عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة)) وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بأنه مَألف أي أنه يألف ويؤلف ((المؤمن مألف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف))  وتعميقاً لوحدة جماعة المؤمنين شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالبنيان يشد بعضه ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه الشريفة))  وزاد النبي صلى الله عليه وسلم في تعميق معنى وحدة المؤمنين حينما بيَّن أن كتلتهم الواحدة المتماسكة وبناءهم المتشابك بناء تسري فيه روح واحدة، قال صلى الله عليه وسلم:  ((المؤمنون كرجل واحد، إذا اشتكى عينَه اشتكى كلُه وإن اشتكى رأسَه اشتكى كلُه))  وقال أيضاً:  ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)). 

     أما القرآن الكريم فقد أشار إلى ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن من انتماء عميق إلى مجموع المؤمنين، قال تعالى:  ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾  ولم يقل: ولا تأكلوا أموال اخوانكم، وكأن الآية تقول أيها المؤمن مال أخيك هو في الحقيقة مالك من زاوية أن قوة أخيك المالية قوة لك، وفي أكل ماله إضعاف للمجموع وإضعاف لك. ومال الفرد المسلم هو مال للجماعة، فينبغي أن ينفق وفق المنهج الإلهي الذي يوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فلو أنفق المال إسرافاً وتبذيراً أضر بالجماعة، لذلك يأمر الإسلام أن يحجر على تصرفات السفيه، وأن تكف يده عن ماله، قال تعالى:  ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ 

     ومثل هذا قوله تعالى:  ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾  ومعلوم في البديهة أن الإنسان لا يلمز نفسه، وإنما يلمز غيره أي يحقره، ولكن لما كان المعنى الجماعي سارياً في كل الأفراد كان من يلمز أخاه كأنما يلمز نفسه، لأن له نصيباً من مضرة ما فعل، بوصفه جزءاً من الجماعة التي آذى بعض أفرادها، فسرى الإيذاء إلى الجماعة كلها. 

     حينما يعتذر بعض الانعزاليين بأنهم يريدون أن يسلموا من أذى الناس بسبب مخالطتهم، لذلك هم يؤثرون الابتعاد عن المجتمع، يأتيهم البيان النبوي يؤكد لهم أن المسلم الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم 

     حتى إن بعض العبادات في الإسلام لا تؤدى إلا بشكل جماعي كعبادة الحج، وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة الجنازة، بل إن الإسلام حرص على أن تؤدى الصلوات الخمس جماعةً في المساجد، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه:  ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ - أي الفرد - بسبع وعشرين درجة)) 

     ولعل من أبلغ ما قيل في تعميق روح الجماعة بين المؤمنين قول النبي صلى الله عليه وسلم:  ((لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه)) 

     وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدافع الاجتماعي الذي غذاه الإسلام وسمى به ينبغي أن تضبطه ضوابط، وأن تنظمه أوامر، وأن تحصنه أخلاقه، وأن تحكمه قيم: 

  • قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه:  ((لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله أخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا وأشار إلى صدره الشريف ثلاث مرات، بحسب مريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه))  فالنبي عليه الصلاة والسلام ينهى عن الحسد الذي يرجع إلى ضعف الإيمان بحكمة الله وعدالته، وتمني زوال النعمة عن الآخرين، وهذا التمني مناقض للأخوة الإيمانية، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش، وهو شراء صوري بسعر مرتفع بقصد الإضرار بالمشتري الحقيقي، وتحقيق ربح غير مشروع، وهو بالمعنى الموسع مطلق الخديعة والمكر.  ((المكر والخداع في النار))  وقال ايضا صلى الله عليه وسلم: ((ملعون من ضار مؤمناً أو مكر به)). 
  • نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التباغض بسبب الأهواء والمصالح، وحقيقة النهي عن التباغض هو نهي عن أسباب التباغض، فكل موقف، أو تصرف، أو كلام من شأنه أن يجرح أخاك فيبغضك محرَّم في دين الله، قال تعالى:  ﴿َاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ أخوانا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. 
  • ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التدابر والهجران، قال صلى الله عليه وسلم:  ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث))  وبعد أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أسباب العداوة والبغضاء أمر بكل ما من شأنه أن يمكِّن المحبة والألفة والتآخي بين المؤمنون فقال عليه الصلاة والسلام:  ((وكونوا عباد الله أخوانا)) فأنتم عباد الله، ومن شأن العبد أن يطيع الله ربه فيما أمر وفيما نهى، والله يريدكم أن تكونوا أخواناً. 
  • يبين النبي صلى الله عليه وسلم حقوق المسلم على المسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:  ((حق المسلم على المسلم خمس، رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس، وفي رواية لمسلم، وإذا استنصَحَك فانصحْه)) 
  • وحرم النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحريم خذلان المسلم في دنياه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة)) 
  • وحرم النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحريم أن يُكذب المسلم، أو يُكذَب عليه، فقد قال عليه الصلاة والسلام:  ((كبرت خيانةً أن تحدث أخاك حديثاً هو لك مصدق وأنت به كاذب)) 
  • وحرم النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحريم تحقير المسلم، قال عليه الصلاة والسلام:  ((بِحسْبِ المْرِء مِنَ الشرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلمَ))  والاحتقار ناشئ عن الكبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((الكبر بطر الحق - أي رده - وغمط الناس))  أي احتقارهم، وقال:  ((لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ))  وتعليل ذلك أن الكبر يتناقض مع العبودية لله، فكما أن قطرة من النفط واحدة تفسد قربة من العسل، كذلك ذرة من الكبر تفسد العبادة كلها. 
  • ويبين النبي صلى الله عليه وسلم أن للمسلم حرمة في دمه، وحرمةً في ماله، وحرمةً في عرضه، وهذه الحرمات الثلاث يقوم عليها المجتمع المسلم الآمن، وحفاظاً على الدم من أن يسيل، وعلى المال من أن يسرق، وعلى العرض من أن ينتهك شرَّع القصاص في الإسلام، وأعلنت الحدود، قال تعالى:  ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.  بل إن ترويع المسلم محرم في الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام:  ((لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً)). 


المصدر: الخطب الإذاعية - الخطبة : 34 - الجانب الإجتماعي عن الإنسان - النحل.