بحث

الجانب الاجتماعي في حياته صلى الله عليه وسلم

الجانب الاجتماعي في حياته صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الأخوة؛ الإنسان له علاقته بربه، وله علاقته بمن حوله، فعلاقته بمن حوله تشِّكل الجانب الاجتماعي، في الجانب الاجتماعي شمائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم تلفت النظر، من هذه الشمائل المشاركة الوجدانية، الإيثار، التواضع، الجود، قوة الوجود في المجتمع، البشاشة، الأُنس، اللين، هذه كلها من شمائله الاجتماعية صلى الله عليه وسلم.  

 

أولاً: المشاركة: 

     النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، النبي عليه الصلاة والسلام حينما كانت الرواحل في معركة بدرٍ ثلاثمئة راحلة، وكان أصحابه يزيدون عن الألف، ماذا يفعل؟ أعطى توجيهاً أن كل ثلاثةٍ على راحلة، وسوَّى نفسه مع أقل جنديٍ في المعركة قال:  (( وأنا وعليٌ وأبو لبابة على راحلة )) ركب النبي في نوبته، فلما انتهت نوبته توسَّل صاحباه أن يبقى راكباً فقال:  (( ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما )) هذه المشاركة تكررت حينما كان مع أصحابه على سفر، وأرادوا أن يعالجوا شاةً ليأكلوها، قال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال آخر: عليّ سلخها، وقال ثالث: عليّ طبخها،  فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، فلما قيل: نكفيك ذلك، قال: أعلم ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه . والنبي صلى الله عليه وسلم عمل مع الأجير والفاعل في بناء مسجد المدينة وعمل مع كل أصحابه في حفر الخندق.    هذا هو النبي عليه الصلاة والسلام، بهذه الأخلاق وهذه الشمائل أحبَّه أصحابه، بهذا التواضع وتلك المشاركة فدوه بأرواحهم.   

 

ثانياً: التواضع:

     النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان متواضعاً، كان يركب الحمار، ويُرْدِف أحد أصحابه خلفه. فبالطبع كان هناك فرس، وهناك ناقة، ولعل أدنى المراكب وقتها كان الحمار، فكان عليه الصلاة والسلام لا يأنف من ركوب هذه الدابة، ولا يأنف أن يردف أحداً خلفه، ولكل عصرٍ مراكب، ولكل عصرٍ مستويات في المراكب. النبي عليه الصلاة والسلام عَلَّمَنَا أن نجلس حيث ينتهي بنا المجلس. بل إن أحد الأعرابِ دخل على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فما عرفه قال: "أيكم محمد؟ " ليس له مكان خاص، أو مقعد خاص. وكان يقول أصحابه عنه لمن يدخل عليه ولا يعرفه، إذا رأيت في زاوية المجلس وجهاً مضيئاً فذاك محمد. يتميز بوضاءة وجهه، وجهه كالبدر، لا يتميَّز بشيءٍ آخر. وكان عليه الصلاة والسلام يأكل مع خادمه، وكان يمشي في الأسواق، ويجلس حيث ينتهي به المجلس، وكان يركب الحمار ويردف خلفه، وكان يحلب الشاة بيده، وكان يشرب آخر الناس    وكان عليه الصلاة والسلام لا يأنَفُ أن يزور خادمه في بيته ويتلَّطف معه  

 

ثالثاً: الإيثار:

     شيءٌ آخر من خُلُقِ النبي عليه الصلاة والسلام هو الإيثار فكان عليه الصلاة والسلام في عقب الغزوات والحروب يوزِّع على أصحابه كل ما كان قيماً من الغنائم، ويقنع هو بالقليل الخَشِن، فهو بنى حياته على الإيثار، دائماً يؤْثر إخوانه بالشيء الجيِّد، أهدي له سواكان، الأول مستقيم والثاني مِعْوَج، فأهدى أحد أصحابه السواك المستقيم، وترك المعوج لنفسه.    إذا ُسِئَل عليه الصلاة والسلام أعطى كل ما يملك، لا يقول: لا أبداً. إذا كان بإمكانه أن يلبي هذا الطلب، أما إذا سُئِلَ وهو لا يملك هذا الطلب فكان يَعِد وعداً حسناً، وأحياناً يرى أن السائل بحاجةٍ ماسةٍ إلى هذا الشيء، فكان يقول له: اذهب وابتع هذا الشيء ديناً عليّ. وكان يؤثر ضيفه بوسادةٍ ويجلس هو على الأرض.دخل عليه عدي بن حاتم .. فقال عدي:  فدفع إليّ وسادةً من أدمٍ محشوةً ليفاً وقال: اجلس عليها، قلت: بل أنت .. قال: بل أنت، فجلست عليها، وجلس هو على الأرض

  

رابعاً: المعاشرة واللياقة:

     ماذا عن أدب المعاشرة واللياقة؟ يقول عليه الصلاة والسلام: " لست أرضى لأحدكم ما لا أرضاه لنفسي ".    هذه قاعدة ذهبية تتعلَّق بأدب المعاشرة واللياقة. كان إذا حدثه رجل يلتفت إليه لا بوجهه فقط بل بجسمه، وكان يُصْغِي تمام الإصغاء - التشاغل عن المحدِّث احتقار له - وكان يتحدث إليه ما يشاء، فلا يقطع عليه حديثه أبداً - لا يقطع على أحدٍ حديثه- وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ولعله أدرى به. أما إذا صافح أحداً فكان عليه الصلاة والسلام لا ينزع يده ممن يصافحه حتى يكون الذي يصافحه هو الذي ينزِعُ يده، كان عليه الصلاة والسلام لا يصرف وجهه عن وجه محدثه. وكان يتجمل لإخوانه.  تفقُّده لأصحابه من شمائله الاجتماعية، لم يُرَ ماداً رجليه قط بين أصحابه قط، بل لم يُرَ مُقَدِّمَاً ركبته بين يدي جليسٍ له،  يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: " خدمت رسول الله عشر سنين، فما قال لشيءٍ صنعته لِمَ صنعته؟ ولا لشيءٍ تركته لِمَ تركته؟ " وكان من توجيهاته صلى الله عليه وسلم:  (( إِذَا كَانُوا ثَلاثَةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ))

 

خامساً: علاقته مع أصدقائه:

     شيءٌ آخر من شمائله الاجتماعية كان النبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا أنه:  (( ما صاحب مسلمٌ صاحباً ساعةً من نهارٍ إلا سُئل عن صحبته يوم القيامة هل أقام فيها حق الله أم أضاعه ))

 

سادساً: مظهر الإنسان جزءٌ من خلقه الاجتماعي:

     أما عن المظهر - ومظهر الإنسان جزءٌ من خلقه الاجتماعي - فكان يقول عليه الصلاة:  (( اغسلوا ثيابكم، وخذوا من شعوركم، واستاكوا، وتزينوا، وتنظفوا، فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك فزنت نساؤهم )) إشارةٌ لطيفة، وكان يقول:  ((. . . فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ، وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ )) وكان إذا مشى عليه الصلاة والسلام يعرف بطيب المِسك، وكان يقول:  (( من كان له شعرٌ فليكرمه )) فليكرمه ، فليعتن به.   

 

سابعاً: علاقته مع زوجاته:

     أنه إذا كان مسافراً فكان عليه الصلاة والسلام يكره أن يطرق باب أهله ليلاً مخافة أن يرى ما يكره، كان يأتي المسجد، لم تكن الهواتف موجودة، يأتي المسجد، ويصلي ركعتين، ويعلم أهله أنه قد جاء من السفر،  ولئلا يشعر مَنْ حوله - وهذه نقطة مهمة جداً - أن أحداً أقرب إليه من الآخر كان يستخدم القُرْعَة، والقرعة من السُنَّة، فالقرعة لا يقابلها حساسيةٌ أبداً ولا شعورٌ أن فلاناً أقلَّ من فلان، وكان يتقصى العدل التام بين زوجاته، ويقاس على ذلك العدل التام بين الأولاد، يتقصى العدل التام ويقول:  (( اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ )). وكان من شدة حبه لأزواجه الطاهرات - وكان معلماً لنا- سابق مرة عائشة رضي الله عنها فسبقته، وقال بعض العلماء: " إنه مَكَّنها من أن تسبقه تأليفاً لقلبها " قالت عائشة رضي الله عنها: " فلما ركبني اللحم - أي زاد وزنها- سبقني " فقال:  (( يا عائشة هذه بتلك ))  أي تعادل، فكان خير زوجٍ مع زوجته،  وكانت تسأله زوجته: كيف حبك لي؟ يقول: " كعقدة الحبل " فإذا سألته: كيف العقدة؟ فيقول: " على حالها".  كانت زوجاته تُراجِعْنَهُ، في البيت واحدٌ من أهل البيت، معنى واحد من أهل البيت أي كانت زوجاته الطاهرات يغضبن أحياناً ويراجعنه فيقول: " غضبت أمكم.. غضبت أمكم" . كان عليه الصلاة والسلام لم يَعِبْ طعاماً قط، إذا اشتهاه أكله، وإذا كرهه تركه. ولم يمدح طعاماً قط  

 

ثامناً: في المجالس:  

     وكان عليه الصلاة والسلام يكره أن يُقام الرجل من مجلسه ليجلس آخر في مكانه، كان يجلس حيث ينتهي به المجلس. أن تُنْهِضَ إنساناً في حفل، ليجلس محله إنسان آخر هذا لا يجوز، أما أن يقوم هو طواعيةً فهذه فضيلة، سيدنا علي قام طواعيةً لسيدنا الصديق، فالنبي سُرَّ سروراً بالغاً قال:  (( لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل )). وكان من توجيهاته صلى الله عليه وسلم أمر أن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، في بدء السلام  

 

تاسعاً: علاقته مع من دونه:

     أما علاقته بمن دونه فيقول عليه الصلاة والسلام:  (( أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ))    يجب أن تنطلق في معاملته أنه أخٌ لك، بكل ما في هذه الكلمة من معنى:  (( هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده - ما أروع هذا القول - فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل فوق ما يطيقون، فإن كلفتموهم فأعينوهم )) أرأيتم أروع مـن هذا التوجيه؟  (( هم إخوانكم )). وكان عليه الصلاة والسلام يحمل حاجته بيده، ويقول: "  إن صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله ".  



المصدر: الخطبة : 0493 - ذكرى المولد 2 ، الجانب الإجتماعي من شمائله - شرب الماء مع الطعام.