بحث

الجانب الإنساني في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم

الجانب الإنساني في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الأخوة إذا تحدثنا عن الجانب الإنساني في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم فإننا نرى في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: 

 

الإنسان الحاني الرحيم: 

     أخوة الإيمان في كل مكان، إننا نرى في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا تفلت من قلبه الذكي شاردة من آلام الناس وآمالهم إلا لباها ورعاها، وأعطاها من ذات نفسه كل اهتمام وتأييد. 

 

الإنسان الذي أزال الفوارق: 

     نرى فيه الإنسان الذي يكتب إلى ملوك الأرض طالباً إليهم أن ينبذوا غرورهم الباطل، ثم يصغي في حفاوة ورضىً إلى أعرابي حافي القدمين يقول في جهالة: "اعدل يا محمد، فليس المال مالك، ولا مال أبيك " ،  ويبتسم عليه الصلاة والسلام، ويقول له:  ((ويحك يا أعرابي من يعدل إن لم أعدل)) إن الطمأنينة التي دفعت هذا الأعرابي إلى هذا الموقف المسرف في الجرأة، هذه الطمأنينة وحدها تصور عدل محمد صلى الله عليه وسلم، فما كان هذا الأعرابي قادراً على أن يقول مقالته تلك لو كان محمد صلى الله عليه وسلم أقام بينه وبين الناس حجباً، وبث في نفوسهم الخشية والرهبة، لكن هذا النبي الكريم حطم كل معالم التمايز بينه وبين الناس، وحينما دخل عليه رجل غريب يختلج، بل يرتجف من هيبته، استدناه وربت على كتفه في حنان وفرط تواضع، وقال له قولته الشهيرة:   ((هون عليك فإني ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة)) 

 

الإنسان الرحيم العابد: 

     نرى فيه العابد الأواب الذي يقف في صلاته، يتلو سورةً طويلةً من القرآن في انتشاء وغبطة لا يقايض عليها بملء الأرض تيجاناً وذهباً، ثم لا يلبث أن يسمع بكاء طفل رضيع كانت أمه تصلي خلفه في المسجد فيضحي بغبطته الكبرى، وحبوره الجياش، وينهي صلاته على عجل رحمة بالرضيع الذي كان يبكي، وينادي أمه ببكائه. 

 

الإنسان العفو: 

     نرى فيه الإنسان الذي وقف أمامه جميع الذين شنوا عليه الحرب والبغضاء، وقفوا أمامه صاغرين، ومثّلوا بجثمان عمه الشهيد حمزة، ومضغوا كبده في وحشية ضارية، فيقول لهم، وهو قادر على أن يهلكهم:  ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) 

 

الإنسان المتواضع: 

     نرى فيه الإنسان الذي يجمع الحطب لأصحابه في بعض أسفارهم، ليستوقدوه ناراً تنضج لهم الطعام، ويرفض أن يتميز عليهم. 

     نرى فيه الإنسان الذي يحلب شاته، ويخيط ثوبه، ويخصف نعله. 

 

الإنسان الشفيق بالحيوانات: 

     نرى فيه الإنسان الذي يرتجف حين يبصر دابةً تحمل على ظهرها أكثر مما تطيق. 

 

الإنسان العادل: 

     نرى فيه الإنسان، وهو في أعلى درجات قوته، يقف بين الناس خطيباً فيقول:  "من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقدْ منه". 

 

تبيانه بأنه نبي الرحمة:  

     قال عن نفسه:  ((إنما أنا رحمة مهداة))   ومن ومضات رحمته: 

1. أرشد المؤمنين إلى التزام الرحمة: وبين صلى الله عليه وسلم أن الراحمين يرحمهم الله، وأرشد المؤمنين إلى التزام الرحمة فقال لهم:  ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))  

2. وبيّن أن الرحمة خير من الإفراط في العبادة: فقد خرج صلى الله عليه وسلم عام الفتح إلى مكة في رمضان، حتى بلغ موضعاً يدعى كراع الغميم فصام، وصام الناس، ولما رأى بعض الناس قد شقّ عليهم الصيام بسبب وعثاء السفر دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، ولما قيل له: إن بعض الناس لا يزال صائماً، قال:  ((أولئك العصاة)) 

3. رحمته  بالوالدين رجل يسرع الخطى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يغشاه الفرح الكبير، تغمره الفرحة العارمة ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة معه، وعلى الجهاد في سبيل الله تحت رايته، يقول له: " يا رسول الله جئت أبايعك على الهجرة والجهاد، وتركت أبواي يبكيان " فيقول له عليه الصلاة والسلام:  ((ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما))   إن بسمة تعلو شفتي أبٍ حنون، وتكسو وجه أمٍ متلهفة، لا تقّدر عند محمد صلى الله عليه وسلم بثمن، حتى حينما يكون الثمن جهاداً في سبيل الله، يثبت دعوته، وينشر في الآفاق البعيدة رايته، وحينما تتم العبادة على حساب رحمة الوالدين تتحول إلى عقوق، والنبي صلى الله عليه وسلم يركز على الرحمة تركيزاً شديداً كلما اشتدت إليها الحاجة.  

4. رحمته بالمعسر:   هؤلاء المساكين الذين تسوقهم ضرورات العيش إلى الدين، ثم تعجزهم ضحالة الدخل عن السداد، فيعانون من أجل الديون همّ الليل وذلّ النهار، النبي صلى الله عليه وسلم يقول للدائن: تنازل عن حقك، فمحمد صلى الله عليه وسلم خير من يصون الحقوق، لكنه يهب الدائن شفاعته، وقلبه، وحبه إذا هو أرجأ مدينه، وصبر عليه حتى تحين ساعة فرج قريب، فقال عليه الصلاة والسلام:  ((من أنظر معسراً أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله))     وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً :   ((من أراد أن تستجاب دعوته، وأن تكشف كربته، فليفرج عن معسر)) .

5.  يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة فوق الفضائل الإنسانية كلها، فيجعل كل عمل رحيم عبادةً من أزكى العبادات، فعند النبي صلى الله عليه وسلم أن أعمالنا الرحيمة التي نسديها للآخرين إنما يراها الله قُربات توجه إليه ذاته، يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه :   ((يا بن آدم مرضت ولم تعدني، قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين، قال أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده، يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي)) 

توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في الحبّ والود:

     من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في الحب والود:  ((والذي نفس محمد بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((صل بين الناس إذا تفاسدوا، وقرب بينهم إذا تباعدوا)) 

     كان عليه الصلاة والسلام أرحم الخلق بالخلق: فمن أقواله المؤكدة لهذه الحقيقة: " لأن أمشي مع أخ في حاجته أحب إلي من أن أعتكف في مسجدي هذا شهراً ". سئل صلى الله عليه وسلم:  ((يا رسول الله أي الناس أحبهم إلى الله؟ قال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس)). 

     لقد هيأه تفوقه صلى الله عليه وسلم ليكون واحداً فوق الناس، فعاش واحداً بين الناس. 



المصدر: الخطب الإذاعية - الخطبة : 43 - الجانب الإنساني في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم - رسول الله رحمة مهداة ونعمة مزجاة.