بحث

الجهاد أهدافه ومحرماته

الجهاد أهدافه ومحرماته

بسم الله الرحمن الرحيم

معركة الحق والباطل: 

       أيها الإخوة الكرام ، قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) 

       إذاً البشر على اختلاف مللهم ونحلهم ، وانتماءاتهم وأعراقهم ، وأنسابهم هم عند الله مؤمن وكافر ،  

       مؤمن أن لهذا الكون إلهاً عظيماً ، ورباً رحيماً ، ومسيراً حكيماً ، وأن أسماءه حسنى ، وصفاته فضلى ، وأنه خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض ، وأنه جاء بنا إلى الدنيا كي نتعرف إليه ، ونستقيم على أمره ، ونحسن إلى خلقه كثمن الجنة ،  

       وكافر قد كفر بالله ، وكفر بالجنة ، واستغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، وأساء إلى خلق الله ، 

       هذا التقسيم القرآني تقسيم خالق السماوات والأرض ، وفي الأرض مئات التصنيفات لا أصل لها عند الله عز وجل ، لذلك كان من الممكن أن يكون أهل الكفر في كوكب آخر ، وكان من الممكن أن يكونوا في قارة أخرى ، وكان من الممكن أن يكونوا في حقبة أخرى ، ولكن شاءت إرادة الله وحكمته أن نكون معاً على سطح الأرض ، النتيجة الحتمية إذاً لا بد من أن تكون هناك معركة بين الحق والباطل من آدم إلى يوم القيامة ، معركة بين فريقين الآية : (قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) 

       إذاً شاءت حكمة الله أن نجتمع في الأرض معاً ، ينتج عن هذا الاجتماع أن معركة الحق والباطل من آدم إلى يوم القيامة ، هذا قدرنا بمشيئة الله فينا ، ولحكمته المطلقة المتعلقة بالخير المطلق ، لذلك حينما ترد في القرآن الكريم كتاب رب العالمين منهج الإنسان إلى يوم الدين آيات القتال معنى ذلك أنه من سنن الله في خلقه أن يكون اقتتال بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، بين الكفر والإيمان .  

الجهاد فريضة في الإسلام: 

       أيها الإخوة ،  

       قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) 

       قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) 

       مما يقتضي أن القتال كتب علينا ، لأنها معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل ،  

       إذاً: لا بد من أن نعد لأعدائنا العدة المتاحة ، وما لم نفعل ذلك كنا في الأسفلين ، تنتهك حرماتنا ، تحتل أراضينا ، يذل جيلنا ، تؤخذ أموالنا ، يفرض علينا إرادتهم وثقافتهم وإباحيتهم. 

أهداف الجهاد:  

أولا: حماية المستضعفين : 

       إذاً من أهداف القتال أن تحمي المستضعفين النساء ، والأطفال والشيوخ . 

       قال تعالى : (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ) 

ثانيا: كفُّ بأس الكفار : 

       ومن أهداف القتال أن تكف عنك بأس الكافر الذي لا يرحم ، يتفنن في التدمير . 

       قال الله تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) 

ثالثا: درء الظلم : 

       قال تعالى :( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ )

       (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) 

       الطغيان والعدوان ، والإذلال والإفقار ، والإضلال والإفساد والإبادة ،  

       قال تعالى : (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) 

       لا تخافوا ، لا تقلقوا إن كيد الشيطان كان ضعيفاً . 

       قال تعالى : (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ) 

       هذا الذي كفر بالآخرة ، وآمن بالدنيا أراد أن يغرق في المعاصي والمخالفات ، أراد أن يغرق في المتع ، أراد أن يعيش حياة لا يعيشها إلا واحداً بالمئة من أهل الأرض من أجل هذا يعتدون ،  

       قال تعالى : (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ) 

       الباء مع الشيء المتروك ، أتستبدلون بالذي هو خير ، بالتعبير العامي العكس ، بالتعبير الفصيح المتروك يأتي متأخراً مع الباء ، هؤلاء الذين كفروا بالآخرة كفروا بالأديان كلها ، آمنوا بالمتعة والمال ، والشهوة والجنس، 

       قال تعالى : (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) 

ما يُحرم في القتال: 

       أيها الإخوة الكرام ، قال الله تعالى:(  وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) 

       دققوا ، لا يجوز أن تقاتل طفلاً ، ولا امرأة ، ولا شيخاً ، ولا غير محارب ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ) 

       أنت حينما تقاتل امرأة أو طفلاً أو إنساناً غير محارب فأنت من المعتدين ،  

       قال تعالى : (  وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) 

القتال ليس هدفاً بذاته: 

       وليس القتال هدفاً في ذاته إطلاقاً ، إنما هو وسيلة ،  

       قال تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) 

       بل إن الله حينما قال : (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) 

       وهو صلح الحديبية . 

       الله من أسمائه السلام ، والفتح المبين الذي ذكره الله في القرآن الكريم هو السلام ، كيف أن المركبة صنعت لتسير وفيها مكبح ، والمكبح في التحليل الدقيق يتناقض مع علة صنعها لإيقافها ، ولكن إيقافها من أجل سلامتك : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) 

 

الموت من أجل الحق ثمن الجنة: 

       قال الله تعالى: ( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) 

       قال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) 

       (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) 

       هؤلاء الذين يجمعون الملايين المملينة من أجل متعهم واستعلائهم ، وغطرستهم من أجل أن يرتكبوا المعاصي والآثام ، قال تعالى :( وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) 

       أيها الإخوة الكرام ، يقول الله عز وجل : (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) 

       ثم يقول الله عز وجل ، هذه التضحية بالغالي والرخيص ، والنفس والنفيس هي ثمن الجنة : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) 

       لذلك : (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) 



المصدر: خطبة الجمعة - الخطبة 1017 : فريضة الجهاد قائمة بين الخير و الشر