بحث

الجماعة

الجماعة

بسم الله الرحمن الرحيم

      (( الجماعة رحمة والفرقة عذاب )) 

      (( عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ))  

      (( فإنما يأكل الذئب من الغنم القاسية))  

      في القرآن الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ 

      كأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لن تستطيعوا أن تتقوا ربكم إلا إذا كنتم مع الجماعة، أي إلا إذا كنتم في أجواء الإيمان، في أجواء الطهر، في أجواء البطولة، في أجواء الورع، في أجواء الحب لله عز وجل، في أجواء الصدق، في أجواء الأمانة، في أجواء العفة، الإنسان ابن البيئة التي يعيش فيها.  

      بشكل أو بآخر اجلس مع التجار، واستمع إلى حديثهم، وإلى دخولهم، وإلى أرصدتهم، وإلى سفرهم، تشتهي أن تكون واحداً منهم، لا سمح الله ولا قدر لو جلست مع أهل الفجور والعصيان، واستمعت إليهم، ورأيت أنهم غارقون باللذائذ، ربما اشتهيت أن تكون معهم، أكيد. 

      لذلك وطن نفسك لن تستطيع أن تسير إلى الله سيراً حثيثاً إلا إذا كنت مع الجماعة. 

      ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ 

      إخوتنا الكرام، إخوة كُثر يشتكون إليّ هذه الظاهرة أنه في ساعة من ساعات اتصاله بالله يتألق، قال لي: ثم أنتكس، قلت له: هل مع النكسة معصية ؟ قال لي: نعم، أين وقعت هذه المعصية ؟ قال لي: أجلس مع أناس لا عهد لهم، ولا استقامة لهم، ولا عقيدة لهم، ولا ورع عندهم، هذا السبب. 
      لذلك لا بد من حمية إيمانية. 

      (( لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي )) 

علاقات العمل ليس مؤاخذاً عليها:  

      علاقات العمل لست مؤاخذاً عليها إطلاقاً، أنت مدرس بمدرسة، فيها من جميع الأطياف، فيها الملتزم، والغير ملتزم، والمستقيم، والغير مستقيم، والصادق، والغير صادق، والمتصل بالله، والغير متصل، فيها من جميع الأطياف، أنت علاقتك بعملك دخلت إلى صفك ألقيت درسك، في غرفة المدرسين سلمت على إخوتك وزملائك فقط، سألك عن صحتك ؟ الحمد لله، صار في مطر، الحمد لله، كم ميلي ؟ معلومات محدودة جداً علاقات العمل لست مؤاخذاً عليها إطلاقاً. 

      بل علاقتك برئيس العمل، أنت بجامعة لها رئيس، أنت بمؤسسة لها مدير، أنت بوزارة لها وزير، علاقة الاحترام والأدب، أنت مؤدب، مستقيم، غير مستقيم، عقيدته سليمة هذا ليس من عملك، عملك أن تحترم هذا الذي يقع على رأس هذه المؤسسة، تدخل تسلم عليه، إياكم، ثم إياكم، ثم إياكم أن تفهموا من كلامي أنك إذا تعاملت مع إنسان ليس مستقيماً عليك أن تهاجمه، لا.  

من كان مع الجماعة عاش بأجواء إيمانية:  

      أخوانا الكرام، من ظن أن الناس أغبياء فهو أغباهم، الناس يعرفون الحقائق يرون الصادق من الكاذب، يرون المستقيم من المنحرف، يرون الأمين من الخائن، أبداً وضح كل شيء. 

      فلذلك أنت حينما تكون مع الجماعة تعيش بأجواء إيمانية، تعيش مع الحق تعيش مع النص الصحيح. 
      يعني إذا في عدد كبير جداً من الأحاديث الصحيحة، في كم كبير جداً جداً من الأحاديث الموضوعة، من يعلمك أن هذا الحديث موضوع، وهذا صحيح ؟ العلماء، أما لوحدك تقرأ مقالة بمجلة، تقرأ كتاب كله ضلالات، ينطوي عليك ما فيه، لو أن الأمر ممكن أن نستغني عن المدرس لوفرت الدولة مليارات ميزانية التربية والتعليم، لو كان الموضوع كتاب فقط، نوزع كتباً، ونجري امتحانات، فقط، العلم لا يؤخذ إلا من معلم وفي الدين لا يؤخذ إلا من عالم تقي ورع، متحقق، متحقق صفة عقلية، ورع صفة سلوكية، في شبهات، في ضلالات، في مداخلات، في تناقضات.  

كل إنسان بحاجة إلى مؤمنين يرتاح لهم و ينصحونه:  

      أيها الأخوة، أنت بحاجة إلى مؤمنين تعيش معهم، بحاجة إلى أناس صادقين أناس ورعين، أناس أمناء، أناس أعفة، إنسان ما يغشك، ما يحتال عليك، ما يكذب عليك أنت بحاجة إلى أخ مؤمن في الله ترتاح له، يعينك، ينصحك، يتفقدك، يكون واقفاً معك. 

      (( عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة )) 

      مرة أذكر أنه عملت برنامجاً رياضياً مع بعض الأخوة، بعدها تفرقوا لأسباب أنا قلت لا يهم لوحدي أمشي كل يوم، ما مشيت ولا يوم، لوحده الإنسان لا يمشي، يحتاج جماعة، حتى بالرياضة، إذا ما في جماعة ما في حماس للمتابعة. 

      انظر الآن صيام يوم من دون رمضان صعب جداً، برمضان ما في مشكلة الناس كلهم صائمون، الفجر صليه لوحدك بالبيت، قل هو الله أحد، فقط ! تأتي إلى الجامع تجد صفحة، تقرأ بتجويد، في خشوع، أنت متوضئ، مشيت ربع ساعة بالطريق صحوت تنشطت، دخلت لمكان كله مقدس، بالبيت الولد استيقظ، الأم صرخت عليه، أنت في البيت، الجامع أكمل للصلاة. 

      ((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )) 

الله عز وجل يدفع الإنسان دائماً إلى أن يكون مع الجماعة الملتزمة المؤمنة: 

      ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾  

      أمر إلهي، النبي موجه، يريدون وجهه  

      ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾  

      أنت قوي بأخيك، الدليل: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ﴾ 

      لماذا كانوا أشداء ؟ لأنهم معه، لماذا كان قوياً ؟ لأنه معهم، رحماء بينهم.  

      ﴿ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ 

      آية رائعة جداً، لو تتبعت القرآن الكريم، والسنة الشريفة المطهرة، لوجدت أن الله يدفعنا إلى أن نكون مع الجماعة، الجماعة الملتزمة، الجامعة المؤمنة، الجماعة الطاهرة كلمة دقيقة، لا يوجد أحد معصوم، أنا أتعامل مع الناس كلهم، ممكن يرتكب خطأ، بالموعد بكلمة، برقم، كله ممكن، لكن مؤمن كذاب لا يوجد، مؤمن خائن لا يوجد. 

      (( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة )) 

      مستحيل وألف ألف مستحيل أن يكذب المؤمن، أنت مع إنسان لا يكذب أبداً. 

      (( كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقة وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ))  

بطولة كل إنسان أن يكتشف المقياس الإلهي في كل أموره:  

      أيها الأخوة ولا أبالغ لا يمكن أن تكون مؤمناً إلا وأن تكون أخلاقياً، مستحيل لا يمكن أن تكون مؤمناً إلا وأن تكون متعلماً. 

      (( كفى بالمرء علما أن يخشى الله )) 

      أقسم لكم بالله الأخ الأمي المستقيم هو عند الله عالم، والأخ المثقف الغير منضبط هو عند الله جاهل. 

      لو فرضنا إنسان يحتل مركزاً دينياً رفيعاً جداً (أعلى مركز)، واستقبل صحفية وملأ عينه من محاسنها، وعنده حاجب لا يقرأ ولا يكتب، لكنه غضّ بصره عنها، من الأقرب إلى الله ؟ الحاجب، بطولتك أن تكتشف المقياس الإلهي. 

      أعرابي قال للنبي الكريم: عظني ولا تطل، تلا عليه قوله تعالى: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ 

      قال: كفيت، لا عنده مكتبة، ثلاثة عشر ألف كتاب، ولا له مؤلفات، ولا عنده كمبيوتر، ولا عنده موقع بالانترنيت، ما عنده شيء أبداً، لكن قال له: كُفيت اكتشف المقاييس الإلهية.  

كل مؤمن خطاء وخير الخطائين التوابون:  

      ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء، ولا الذي يطير في الهواء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام. 

ابحث عن أناس طاهرين، ابحثوا عن جماعة طاهرين، جماعة صادقين، جماعة أمناء، عن إنسان مخلص، عن إنسان يحب الله، عن إنسان لا يبيع دينه ولا بكل الدنيا. 

      والله الذي لا إله إلا هو لن تكون مؤمناً حتى يستوي عندك التبر والتراب. 

      شخص بتركيا نسي عنده سائح خمسمئة ألف يورو، بمحفظة، هذا التركي بحث طويلاً عن هذا السائح، ثم أبلغ الشرطة، فالشرطة أعلنت، والمبلغ أخذه صاحبه، فجاء كي يتشكره هذا الألماني، قدم له خمسمئة يورو قال له: لا آخذ قرشاً هذا واجبي، أنا ما فعلت شيئاً، صار في ضجة عالمية ما هذا الإنسان ؟ ما فعل شيئاً، فعل دينه فقط، فعل الحد الأدنى من الأمانة. 

      المؤمن شخصية فذة، والله بالشام نفسها نسي شخص بالسيارة 20 مليون ليرة صاحب السيارة مؤمن، بحث عنه أربعة أيام، يحوم محل ما أخذه، وضع أخباراً، حتى وجده وأعطاه إياها 20 مليون، أما صاحب المبلغ أخلاقي أخذه إلى سوق السيارات واشترى له سيارة، بمليونين. 

      هذا المؤمن، والله تعيش مع المؤمنين بجنة، في صدق، في أمانة، في محبة، في تواضع، في تعاون، في تناصر، لكن المجتمع الآخر هذا مجتمع الذئاب، الذئب لا ينام بعينين ينام بعين واحدة، يخاف أن يغدروه، ينام بعين ويفتح عين، تشعر نفسك بمجتمع التفلت معركة، الشراء معركة، البيع معركة. 

      شخص معه مال لا بأس به اشترى دولارات طلعت مزورة كلها، فقد معظم ثروته بهذا الخطأ. 
      في ألغام، في مطبات كبيرة جداً، مع المؤمنين، أنا لا أدعي أن المؤمن معصوم أبداً، في أخطاء، لكن ما في خيانة، ما في كذب، ما في احتيال، ما في مؤامرة، ما في وجهين أبداً، في خطأ، في تقصر، التقصير موجود عند كل الناس، كل مؤمن خطاء وخير الخطائين التوابون.  

المؤاخاة من علامة الجماعة:  

      أنا أقول الجماعة من علامتها التآخي، ما يمنع الشخص بالجامع يختار أخاً له لكن أخ حقيقي، بحسب السن، بحسب السكن، جاره، أو بحسب العمل زميله، أو بحسب القرابة قريبه، ما في مانع، إما بحسب القرابة، أو بحسب العمل، أو بحسب السكن، أو بحسب السن، هذا أخوك حقاً، على الدرس ما جاء، خبره، لما تخبره ينتعش، معنى هذا أن أنا مهم، ما جئت انتبه الناس لعدم مجيئي. 
      إذا كل أخ آخى أخاً له يتفقده، يسأل عنه، يزوره، لم يأت من أسبوعين معناها في مشكلة يكون مريضاً، طرقت بابه. 

والله مرة أخ من إخوانا عادي جداً فقير، مرض، الإخوان بعد الدرس ذهبوا لزيارته، قال لي كسبت مكانة عند أهلي، وجدوا أنه جاء إلى عندي مئة شخص تفقدوا صحتي، قوي مركزي. 

      (( يد الله مع الجماعة )) 

      (( يد الله على الجماعة )) 

      ((... ومن شذّ شذ في النار )) 

      ((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )) 

التنافس يحتاج إلى جماعة:  

      هل سمعتم بالأرض شخصاً عمل سباقاً لوحده، أنا عملت سباق جري، مع من ؟ لوحدي، كيف لوحدك ؟ تتوازن مع واحد، لما الله قال: ﴿ سَابِقُوا ﴾ 

      ما معنى سابقوا ؟ أن تكون مع الجماعة، سابقوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ما معنى التنافس؟  

      ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ 

      التنافس يحتاج إلى جماعة. 

      أيها الأخوة، لكن لو أن أخاً لك أخطأ لا تقاطعه فوراً انصحه، كن عوناً له على الشيطان، ولا تكن عوناً للشيطان عليه، أنا بهذا الكلام لا يعني كلامي أن الأخوة معصومون إطلاقاً، لكن أقول لك كلاماً دقيقاً، الأخ المؤمن لا يكذب، ولا يخون، ولا يحتال، ولا يتكبر، لا يوجد عنده باطن وظاهر، باطنه كظاهره، سره كعلانيته، خلوته كجلوته، واضح جداً، هذه صفات رائعة. 

أنت مع أخ مؤمن صلحت عنده مركبتك يأخذ أجرة ويربح عليك، لكن لا يضع لك قطعة قديمة، ويقول لك جديدة، هذه لا يفعلها، في أشياء كثيرة جداً. 

      ممكن تستخدم شيئاً بغير محله، تقول للمريض تريد اثني عشر تحليلاً، يستطيع أن يناقش المريض؟ لا يستطيع، أنت تريد تحليلاً واحداً، فالإيمان يضبط. 



المصدر: أحاديث رمضان 1428هـ - مقاصد الشريعة - الدرس (27- 27) : الجماعة