بحث

الكفر من نواقض الإسلام

الكفر من نواقض الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

      الكفر تكذيب أما الشرك مع الإيمان، وللكفر أنواع:  

أولاً: كفر التكذيب:  

       قال الله تعالى: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ  

      تكذيب الرسول أحد أنواع الكفر، كفر تكذيب.   

       يقول عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنْ الْحَقِّ  

      النبي جاء بالقرآن، والقرآن يصف أهل النيران، والقرآن يصف أهل الجنان، إن صدقت نجوت، وإن لم تصدق لا أحد يجبرك أن تصدق، لكن ادفع الثمن، هذا متى يخشى؟ عند مغادرة الدنيا:  يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي  

      هذا الذي يقوله الإنسان، ولكن لات ساعة مندم، يندم يوم لا ينفع الندم.  

      إخواننا الكرام:  خيارك مع الإيمان خيار وقت  

      أكثر كفار الأرض الذي قال:  أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى  

      حينما أدركه الغرق: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ  

      يجب أن تعتقد أن كفار الأرض من دون استثناء عندما يأتيهم الموت يصدقون بما جاء به الأنبياء، ولكنهم صدقوا بعد فوات الأوان، ما قيمة الإيمان في غير أوانه، لا قيمة له، والدليل: لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً   

      هذا كفر التكذيب.  

ثانياً:  كفر الإباء والاستكبار:    

      هو قانع أن هذا هو الحق، ولكن مكانته الاجتماعية، ومنصبه الرسمي، ودرجته العلمية تأبى أن يصلي في مكتبه، تأبى أن يخضع للدين، تأبى أن ينصاع لأهل الحق، هو أكبر من ذلك، هذا كفر الاستكبار، من زعيم الاستكبار؟ إبليس، هو الذي عصى استكباراً: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً  

       خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ  

      إبليس ما جحد أمر الله، ولا قابله بالإنكار، بل ( قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)  

      ولكن الذي أهلكه استكباره، أبى أن يسجد لآدم، أبى واستكبر، لذلك أيها الإخوة معصية الاستكبار يصعب أن يتوب الإنسان منها، لكن معصية الغلبة من السهل جداً أن تتوب منها،   

       قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ  

       قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ...  

      نقطة من البترول إذا وضعتها في مئة كيلو من اللبن تفسدها، واللبن قد تمزجه بخمسة أضعافه ماء فيكون شراباً سائغاً للإنسان، فالكبر آفة الآفات.   

       قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ  

      هذه الكلمة التي يرددها الناس دائماً والواردة في الحديث الشريف:  إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ  

      تقال في هذا الموطن، لا في موطن أنك تملأُ عينيك من الحرام، فإذا عوتبت على ذلك قلت إن الله جميل يحب الجمال، هذه الكلمة لا تناسب هذا الموقف، هذه معصية، أما حينما تعتني بثيابك، وتعتني بنظافة بيتك، وتكون أنيقاً، ولك مظهر حسن، فهذا إن سُئلت لمَ تفعل هذا فالدنيا فانية؟ قل له: إن الله جميل يحب الجمال،أما الكبر فبطر الحق، وغمط النفس،  بَطَرُ الْحَقِّ  

      رد الحق، بمجرد أن ترفع امرأة مسلمة دعوى تفريق أمام قاض غير مسلم في بلد أجنبي لتأخذ نصف ثروة زوجها، مع أن الشرع يعطيها المهر فقط، حينما ترد الحق لا تريد حكم الله في هذا الموضوع، تريد تشريعاً أرضياً، هذا بطر الحق،  وَغَمْطُ النَّاسِ  

      لا يحتمل أن يكون إنساناً متفوقاً، يطعن به، لا يحب أن يمدح أحد أمامه، هو محور العالم، ومن علامات قيام الساعة،   

       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إذا رأيت شحاً مطاعاً...  

      أي مادية مفرطة شحاً مطاعاً، حرص على المال شديد، واحد فقير جداً أصيب بمرض في يديه بسبب تيار كهربائي فدل على طبيب لعله يجري له عملية جراحية، لكنه لا يملك ثمن المعالجة ففي محسن تبرع له بمبلغ زار هذا الطبيب قال له: هل يمكن أن تجرى عملية لما أنا فيه، قال له: لا، هذه العملية يحسنها طبيبٌ مقيم في خارج البلاد، ربما أتى إلى القطر في الصيف، قال له: شكراً كم تريد، سبعمئة ليرة، أقسم بالله على سؤال وجواب ومبلغ أخذه من محسن، هذه مادية شديدة جداً تعالج، وخرج، نسي أن يسأل ماذا يأكل؟ أصبحت معالجة جديدة، هناك مادية شديدة الآن، المادية الشديدة عبر عنها النبي بالشح المطاع،  ...وهوىً متبعاً...  

      الجنس كل شيء في حياة الناس،  ...وإعجاب كل ذي رأي برأيه...  

      يقول: أنا لا أرى ذلك، ويكون فيه نص شرعي، يكون هناك آية قرآنية، بكل بساطة يرفض الآية، يرفض الحديث، يرفض كلام للنبي عليه الصلاة والسلام ، اعتزازًا بالنفس،   

       إذا رأيتم شحاً مطاعًا، وهوىً متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه...  

      إذا بلغت هذا الزمان هناك توجيه نبوي:  ...فالزم بيتك...  

      وليس معناها ألا تخرج أبداً، أي من بيتك، إلى عملك، أي ارجع إلى البيت، بيتك جنتك، المؤمن جنته بيته اعتني بأولادك، خالط المؤمنين فقط،  ...وأمسك لسانك...  

      لا تخض في أحاديث لا تعنيك،  ...وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، ودع عنك أمر العامة، وعليك بخاصة نفسك...  

      إخوانك في المسجد، جيرانك المخلصين، أقربائك الأوفياء، زملائك الطاهرين، هؤلاء من زميل، إلى جار، إلى قريب، إلى أخ في المسجد، هذا معنى خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة، الإنسان الآن لغم، لا نعرف متى ينفجر.  

       قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ...  

      إياكم أن تظنوا أنه لا يدخله أبداً، بمعنى لا يبقى فيها الإنسان، قد يبقى ملايين السنين إلى أن يطهر، إذا كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.  

       عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   

       لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ  

ثالثاً: كفر الإعراض:  

      هذا كفر التكذيب، وكفر الاستكبار، الآن هناك كفر الإعراض، لا كذب ولا استكبر، الأستاذ يلقي الدرس، وهو ملء السمع والبصر، لو فرضنا أستاذ ضخم الهيئة وصوته نحاسي، يرن رناً، والطالب ينشغل عن سماع المحاضرة برسومات فارغة على ورق، ما احتقر، ولا استكبر، ولا كذب عليه، ولكن مشغول عنه، هذا اسمه كفر الإعراض، أعرض: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً  

      والله قبل أن آتي إليكم كنت عند أخ كريم في زيارة حدثني، وهو عندي صادق قال: زار رجل في هذا البلد، وهو يعلم علم اليقين أنه يملك على ما يزيد عن أربعة مليارات شكا له بيته، شكا له أولاده، قال: أسافر إلى هذا المكان فلا أرتاح سافرت إلى سويسرا إلى أمريكا لا تعجبني زوجتي، لا يعجبني أولادي، قال لي: والله أزعجني جداً من شدة الشكوى، بالمقابل ذكر لي أنه جاءته امرأةٌ محجبة تطلب مساعدة ألف ليرة في الشهر، ذهب إلى بيتها في قرية من القرى ، ليس معقولا، البيت تحت درج، بيت مستحيل أن يسكن، تقول: الحمد لله نحن سعداء، والله ينقصنا أجرة البيت ألف ليرة، لها زوج دخله يكفي للطعام والشراب، فقال لرئيس الجمعية الخيرية: أعطها ألفين، قالت: لا، تكفينا ألف، إنسان يسكن تحت الدرج وهو سعيد، وإنسان يتكلم بأربعة مليارات، وهو شقي: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى  

      مستحيل وألف مستحيل أن تعرض عن الله وتسعد، ولو كنت غنياً، ولو كنت قوياً وأساساً العلماء سألوا ما بال الأغنياء، والملوك قال ضيق القلب في قلبه قلق وخوف ما لو يوزع على أهل بلدٍ إلا كفاهم.  

       عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قال:  

       أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ قَالَ فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ  

      أنت حينما تأوي إلى الله يقبلك الله، وحينما تقول الله يتولك الله، وحينما تلجأ إلى الله يجيبك الله عز وجل، فالمعرض أعرض الله عنه، قال لي أخ صديق سافر إلى بلد بعيد بمركبته، والمؤذن يؤذن وبإمكانه أن يصلي طبعاً يوم جمعة فأعرض عن الصلاة، دخل إلى استراحة ليرتاح قليلاً، ثم تابع السفر، نسي في الاستراحة أوراقه الرسمية، سار مئة وثمانين كيلو مترًا، واضطر أن يرجع مئة وثمانين كيلو مترًا ليأخذ أوراقه، أنت حينما تقتطع من وقتك وقتاً للعبادة الله عز وجل يحفظ لك وقتك، كيف أنك تؤدي زكاة مالك، أيضاً ينبغي أن تؤدي زكاة وقتك، أداء العبادات وحضور مجالس العلم، واقتطع وقتاً من وقتك الثمين لعمل صالح هذا زكاة وقتك، عندئذ يحفظ الله لك وقتك، والإنسان لو أن الأمور معسرة قد تقصد إنساناً من مكان بعيد الآن ذهب أي ممكن أن الله عز وجل أن يتلف للإنسان ساعات طويلة، قد يمرض الابن، من طبيب إلى طبيب، من تحليل إلى تحليل، إلى إيكو، بعد ذلك يشفى، يكون قد ذهب أربعون أو خمسون ساعة، وعشرة آلاف ليرة، وكان من الممكن أن لا يمرض الإبن، فإذا ضن الإنسان بوقته لعبادة ربه، أو ضن بوقته لطلب العلم،  ضن بوقته لعمل صالح قد يتلف وقته بشكل مزعج.  

  رابعاً: كفر الشك:  

      من خصائص هذا الدين أنه يقيني، ودرجات الصحة تتراوح بين اليقين القطعي، وبين غلبة الظن، والظن، والشك، والوهم، من وهم إلى شك إلى ظن إلى غلبة ظن إلى قطع.  

      أعلى مستويات اليقين القطع مئة بالمئة، لأن الدين دين الله، و لأن الدين من عند الله، و لأن الله كماله مطلق لا يقبل دين الله عز وجل أن يكون فيه خلل، أي شيء يمكن أن يكون فيه خلل إلا دين الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً  

      هذه نعمة لا تعدلها نعمة، أنت مع الحق الصرف، أنت مع الحق المطلق، دين الله عز وجل من عند خالق السماوات و الأرض.  

      مثلاً قد يصدر قاض من بني البشر ألف حكمًا عدلاً، خمسة أحكام منها لم يكن الحكم فيها دقيقاً، هو عند الناس جميعاً قاض عادل، فكل أحكام بني البشر أحكام نسبية، أما لو أن الله عز وجل ظلم مخلوقاً من آدم إلى يوم القيامة، مخلوقًا واحدًا، ولأن أسماء الله وصفاته مطلقة لا يعد عدلاً، الإله له شأن، والعباد لهم شأن، شأن العباد أن أحكامهم نسبية، لكن شأن الله عز وجل أن أحكامه قطعية مطلقة، والله في أفعاله عدل ورحيم.  

      أيها الإخوة: قضية الإيمان لا تحتمل الشك، قضية الإيمان لا تحتمل النسبية، أي الله عز وجل واحد ربما، لا يوجد ربما، الله عز و جل رحيم إلى حد ما، لا يوجد إلى حد ما، هذه عبارات الناس، إلى حد ما، و ربما، ولعله كذلك، هذه تصح مع البشر، أما مع خالق البشر فديننا كله يقين، فالذي لا يجزم بصدق هذا القرآن وثبوته أنه من الواحد الديان، والذي لا يعتقد أن كلام النبي الذي قاله فعلاً حق لا يساوره شك فليس مؤمنا، وهذا من بديهيات الإيمان.  

       قال الله تعالى:وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ  

      يوجد شك، أي لم يكفروا كفراً قطعياً، ولم يكذبوا تكذيباً قطعياً.  

       وقال تعالى: وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ  

      ليس في حياة المسلم ظنيات، لذلك أيها الإخوة مسلمون كثيرون مترددون، هل أنت مؤمن إيماناً قطعياً أن هذا الدين حق؟ هل أنت مؤمن أن هذه المعصية سوف تعاقب عليها؟ هل أنت مؤمن أن هناك آخرة؟ هل أنت مؤمن أن هناك جنة ونار؟ فكيف تفعل فعلاً يستوجب النار؟ معنى ذلك أنك لست متأكداً، لا يوجد حل وسط، بالدين لا يوجد حل وسط، إما أن تؤمن بكل ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام من كتاب ومن سنة، أو أن إيمانك ببعض ما جاء به وعدم إيمانك بالبعض الآخر ليس ديناً، ولا ينطوي على إيمان دقيق، ولا يمكن أن تقطف ثمار الدين بهذه الطريقة، لذلك قال بعض الشعراء:  

زعم المنجم و الطبيب كلاهما     لا تبعث الأموات، قلت إليكما  

إن صح قولكما فلست بخاسر     أو صح قولي فالخسار عليكما  

      أي هناك من يتندر، ويقول: أخي إن كان هناك جنة فنحن عملنا لها، وإذا لم يكن ثمة جنة فنحن كسبنا في الدنيا سمعة طيبة، هذا ليس إيماناً، لا يمكن أن يقبل إيمان بهذه الطريقة، هذا إيمان الشك.  

       قال الله تعالى:إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا   

      أيها الإخوة: كفر الشك أن تكون متردداً في قبول بعض الحقائق الإيمانية أو بعض الإخبارات الربانية، سألني أخ قال لي: و الله يوجد سؤال كبير جداً سُئِلته، وأنا في مجلس، و لم أستطع أن أجيب عليه، قلت: ما هو؟ قال: يقول الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ  

      و الله ما أحد رأى هذا الذي حدث، أي بشكل دقيق من منكم رأى ما فعل أبرهة بالكعبة؟ ما أحد رأى ذلك، ما معنى هذا الآية؟ قلت له: معنى هذه الآية أنه كمؤمن ينبغي أن تستقبل خبر الله عز وجل الذي أخبرك به، وكأنك تراه بعينيك، يقتضي إيمانك بالله أنه إذا أخبرك عن شيء تستقبل هذا الشيء، وكأنك تراه بعينك.  

      أحد أصحاب رسول الله قال للنبي عليه الصلاة و السلام: أصبحت و كأني أرى أهل النار يتعذبون، وأهل الجنة يتنعمون.  

      الله عز وجل أخبرنا عن نعيم أهل الجنة ، وعن عذاب أهل النار، فقال: كأنني أرى أهل النار يعذبون، وأرى أهل الجنة يتنعمون، يقاس على ذلك إنسان ماله حرام، وهو يتنعم بدنيا عريضة، بيت فخم، ومركبات، ومكانة، وولائم، وإنفاق، المؤمن الصادق يرى أن هذا المال سوف يتلف، وكأنه يعلم الغيب، هو لا يعلم الغيب أبداً، لكن يعلم قوانين الله عز وجل، المتكبر سوف يذله الله، هو لا يعلم الغيب، ولكنه يعلم قوانين الله عز وجل، أي مثلاً إذا كنت عالم فيزياء، وأنشِئ بناء، ولم يترك فيه فواصل تمدد، ماذا تتنبأ لهذا البناء في فصل الصيف؟ أن يتصدع، هذا ليس علماً بالغيب، ولكن علم بالقوانين، مادام البناء أنشئ، ولم يؤخذ بفواصل التمدد، لم يؤخذ بقانون تمدد المعادن فلابد من أن تتصدع أركان هذا البناء، الذي يعلم قوانين التمدد، ثم يتنبأ بانهيار بناء لم يؤخذ في أثناء بنائه لهذه القوانين، هذا ليس علماً بالغيب، ولكنه علم بالقوانين، أما حينما أرى إنساناً غارقاً في المعصية أقول: أمامه حياة ضنك، هذا ليس علماً بالغيب، أما حينما أرى شاباً مستقيماً يخشى الله عز وجل أتنبأ له بكل مستقبل زاهر، وليس علماً بالغيب، ولكنه علم بالقوانين، فلذلك أيها الإخوة يجب أن تؤمن أن قوانين الله عز وجل كالقوانين الفيزيائية شاملة ومطّردة، وأكبر ضمانة لك كلام الله، أكبر ضمانة لأي شاب مستقيم: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً   

      أكبر تهديد للعصاة: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى  

      أكبر عطاء من الله للذي يتبع هدى الله عز وجل: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى  

      لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  

      ما الذي يُثَبت المؤمن؟ القرآن، قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ  

      أنت معك آية لصالحك: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا  

      هذه البشارة لك أيها المؤمن: وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ  

      و الله مرة أخ استيقظ صباحاً، فإذا ابنته مشلولة، فصرخت الزوجة بويلها، هو رجل مؤمن، وشاب مؤمن، ومنضبط انضباطًا تامًّا، أعرفه والله، و لا أزكي على الله أحداً، فصرخ، وقال: هذا المرض ما كان الله ليبتليني به، له ثقة بالله عز وجل، ثم اكتشف بعد حين أن هناك مرضاً مشابهاً تماماً لمرض شلل الأطفال يزول بعد يومين، و بعد يومين شفيت ابنته من هذا المرض، المؤمن له ثقة بالله عز وجل، طبعاً هناك ابتلاء لا شك، لكن يوجد بلاء ماحق، والمؤمن يطمئن إلى أن الله يحفظه، سمعت كثيراً من أناس كسبوا مالاً حلالاً محدوداً، ولم يتركوا لأولادهم شيئاً، وكانوا كلما عوتبوا على ذلك لمَ لمْ تترك لأولادك شيئاً ؟ يقول: الله يحفظهم.   

       مر معي بالأثر القدسي قولاً:   

       إن الله يوقف عبداً يوم القيامة يقول له:يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ يقول يا ربي لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي، فيقول الله له: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين، إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم، و يسأل عبداً آخراً يقول له: يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ فيقول يا ربي أنفقته على كل محتاج و مسكين لثقتي بأنك خير حافظاً وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله لهذا العبد: عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك   

      إذا كان دخل الإنسان حلالاً، أطعم أولاده الطعام الحلال، الله عز وجل يتولى أولاده من بعده، وتجد أناساً كثيرين اتقوا ربهم في كسب أموالهم، وأطعموا أهلهم اللقمة الحلال،  أولادهم من بعدهم في أعلى مقام، تولاهم الله بالحفظ والرعاية، وَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين  

      والله أيها الإخوة، وأقسم بالله مرة ثانية إنني أتنبأ لكل شاب مستقيم يحب الله، ويخشاه، ويطيع أمره، ويتجنب معصيته، ويخطب وده بمستقبل في الدنيا باهر، ليس معنى كلامي أنه سيكون مليونيراً؟ لا، سيعيش حياة طيبة، وقد تعيش حياة طيبة بدخل محدود، وقد تكون أسعد الناس في بيت متواضع، وقد تكون أسعد الأزواج بزوجة عادية  وليست بارعة الجمال، لكن الله إذا ألقى السكينة على قلب المؤمن سعد بها، ولو فَقَدَ كل شيء، و إذا حجب عنه السكينة شقي بها ولو ملك كل شيء.  

      إذاً أيها الإخوة: هذا الدين لا يحتاج إلى التردد، ولا إلى الشك، ولا إلى الارتياب، من خصائص هذا الدين أنه يقيني قطعي، لذلك هناك كفر اسمه كفر الشك، لست متأكداً، متردد.  

خامساً: كفر الجحود:  

      وهناك كفر آخر هو كفر الجحود، وهو أن يجحد الإنسان ما أنزله الله جملة، أو أن يجحد شيئاً مما هو معلوم بالضرورة، مرة أحاور إنساناً، والله قال لي مسلم: قطع اليد غير معقول هذا، هذا عمل همجي، يوجد آية قرآنية، في كل ثلاثين ثانية ترتكب في أمريكا من عام خمسة وستين جريمة قتل، أو سرقة، أو اغتصاب، وثمة بلاد، والله لم تكن متحضرة كثيراً لكن أقيم هذا الحد في هذه البلاد هل تصدق يوم كان مطبقاً تماماً أن الصراف يدع صندوق العملات الأجنبية بالملايين، يضع فوقها قماشًا، ويذهب ليصلي في الحرم، وهو آمن.  

      و الله يوجد قصص سمعت بها في هذا البلد الذي يطبق حد السرقة، والله تكاد لا تصدق، يمكن أن تحمل رواتب مسافات بعيدة على سيارة شاحنة مكشوفة، كلها أكياس فيها مئات الملايين، هكذا في الطريق، بأوروبا حيث التمدن قطارات مصفحة، وحراسة مشددة، وطائرة هيلوكبتر، وشرطة، وتسرق، ما هذا الحد؟ أنت حينما تجحد حكماً شرعياً، الله عز وجل ما كلفنا ما لا نطيق: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا  

      حينما تتوهم أن هناك حكمًا شرعيًا مستحيل التطبيق فوق طاقة البشر، معنى ذلك أن الله ليس خبيراً بعباده، كلفهم ما لا يطيقون، أو لا يعلم ما سيكون من عصر فتن وانحراف وتفلت أخلاقي، لا: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا  

      أيّ أمر كلفنا الله به هو في وسعك أن تطبقه قطعاً، هذا اليقين، الحجود أن تجحد حكماً شرعياً  

       أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ  

       أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ  

      يجب أن تفسر الأمور تفسيراً توحيدياً، بالإسلام لا يوجد شك، لا يوجد ريب، لا يوجد تردد، لا يوجد إلى حد ما، لا يوجد نوعاً ما، لا يوجد معقول لكن لا أدري مبلغ هذا من الصحة، هذا كله مرفوض بالدين، أما كفر الجحود أن تجحد شيئاً علم من الدين بالضرورة،   

       قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ  

      هذه الآية دقيقة جداً تؤكد الإيمان الفطري، أنت حينما تجحد شيئاً عُلم من الدين بالضرورة أنت في الحقيقة مؤمن به، لكنك تجحده لمصلحة، أو لمكسب، أو لرفعة في الدنيا، ثمة مثل واضح جداً أضربه دائماً، إنسان يعمل عتالاً، وعنده دابة، فلما ماتت انقطع دخله كلياً، أصبح بلا دخل، خطرت في باله فكرة أن يدفنها، وبنى عليها بناء متواضعاً، ثم نصب قبة، وسماها ولياً من أولياء الله الصالحين، فأقبل الناس عليه بالهدايا والذبائح، والدجاج، والسمن، وما إلى ذلك، فعاش في بحبوحة ما بعدها من بحبوحة، هل يمكن أن يقر أن في هذا المكان دفن دابة، وقد دفنها بنفسه، أي قناعته أنها دابة أشد من قناعة الذي يحاوره، لأنه دفنها بنفسه، لذلك المندفع لا يناقش: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ  

      والله أيها الإخوة، آلاف آلافِ البشر يتكلمون كلاماً بصوت مرتفع، وهم لا يصدقون أنفسهم، وهم يكذبون، لو ألغي الكذب من حياتنا فقط لكنا في حال غير هذا الحال، أكثر المواقف والكلمات ليست واقعية.  

      المؤمن قد يخطئ، وقد تزل قدمه، ولكن لا يكذب، يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة، لا يمكن لمؤمن أن يكذب أو يخون، فإذا خان أو كذب لم يبق مؤمناً، انتهى دينه كله: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً  

      لأنه يأتيه دخل كبير من هذا الكذب، أي منتفع المنتفع لا يناقش، و الغبي لا يناقش، و القوي لا يناقش، وقد يجتمعون في واحد: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ  

       وقال تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ  

       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.... الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ  

      بطر الحق أي رده و جحوده، إنكاره، تكذيبه،   

       قال النبي صلى الله عليه وسلم: سيكون في آخر الزمان ناس من أمتي يحدثونكم بما لم تسمعوا به أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم  

       قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ     



المصدر: العقيدة - العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 08-40) : نواقض الإسلام -1