الخيار مع الإيمان خيار وقت، أكثر كفار الأرض الذي قال: ﴿أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾ ، حينما أدركه الغرق قال: ﴿ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱلَّذِیۤ ءَامَنَتۡ بِهِۦ بَنُوۤا۟ إِسۡرَ ٰ ءِیلَ﴾ ، كفار الأرض من دون استثناء، عندما يأتيهم الموت، يصدقون بما جاء به الأنبياء، ولكنهم صدقوا بعد فوات الأوان، ما قيمة الإيمان في غير أوانه؟ لا قيمة له، والدليل: ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾ . والكفر أنواع:
1. كفر التكذيب:
تكذيب الرسول أحد أنواع الكفر، ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ ، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنْ الْحَقِّ)) النبي جاء بالقرآن، والقرآن يصف أهل النيران، والقرآن يصف أهل الجنان، إن صدقت نجوت، وإن لم تصدق لا أحد يجبرك أن تصدق، لكن ادفع الثمن، هذا متى يخشى؟ عند مغادرة الدنيا: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾.
2. كفر الإباء والاستكبار:
هو قانع أن هذا هو الحق، ولكن مكانته الاجتماعية، ومنصبه الرسمي، ودرجته العلمية، تأبى أن يصلي في مكتبه، تأبى أن يخضع للدين، تأبى أن ينصاع لأهل الحق، هو أكبر من ذلك، هذا كفر الاستكبار، من زعيم الاستكبار؟ إبليس، هو الذي عصى استكباراً : ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾ إبليس ما جحد أمر الله، ولا قابله بالإنكار بل قال: ﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ ولكن الذي أهلكه استكباره، أبى أن يسجد لآدم، أبى واستكبر، لذلك معصية الاستكبار يصعب أن يتوب الإنسان منها، لكن معصية الغلبة من السهل جداً أن تتوب منها. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)) نقطة من البترول إذا وضعتها في مئة كيلو من الحليب تفسدها، واللبن قد تمزجه بخمسة أضعافه ماء، فيكون شراباً سائغاً للإنسان، فالكبر آفة الآفات. والكبر: فبطر الحق وغمط النفس، البطر: رد الحق، لا يحتمل أن يكون إنساناً متفوقاً، يطعن به، لا يحب أن يمدح أحد أمامه، هو محور العالم. ومن علامات قيام الساعة: ((إذا رأيتم شحاً مطاعًا، وهوىً متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه -إذا بلغت هذا الزمان، هناك توجيه نبوي: - فالزم بيتك -وليس معناها ألا تخرج أبداً، أي من بيتك إلى عملك، أي ارجع إلى البيت، بيتك جنتك، المؤمن جنته بيته، اعتن بأولادك، خالط المؤمنين فقط- فالزم بيتك، وأمسك لسانك -لا تخض في أحاديث لا تعنيك- وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، ودع عنك أمر العامة، وعليك بخاصة نفسك)) أي مادية مفرطة، حرص على المال شديد، المادية الشديدة عبر عنها النبي بالشح المطاع، والهوى المتبع، الجنس كل شيء في حياة الناس، وإعجاب كل ذي رأي برأيه الكبر: -كل واحد محور العالم.
3. كفر الإعراض:
هناك كفر الإعراض، لا كذب ولا استكبر، الأستاذ يلقي الدرس، وهو ملء السمع والبصر، والطالب ينشغل عن سماع المحاضرة برسومات فارغة على ورق، ما احتقر، ولا استكبر، ولا كذب عليه، ولكن مشغول عنه، هذا اسمه كفر الإعراض، أعرض: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ مستحيل وألف مستحيل أن تعرض عن الله وتسعد، ولو كنت غنياً، ولو كنت قوياً، وأساساً العلماء سألوا: ما بال الأغنياء والملوك؟ قال: ضيق القلب في قلبه، قلق، وخوف، ما لو يوزع على أهل بلدٍ إلا كفاهم. ((بَيْنَمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ)) أنت حينما تأوي إلى الله يقبلك الله، وحينما تقول: الله، يتولاك الله، وحينما تلجأ إلى الله، يجيبك الله عز وجل، فالمعرض أعرض الله عنه.
4. كفر الشك:
من خصائص هذا الدين أنه يقيني، لأن الدين دين الله، ولأن الدين من عند الله، ولأن الله كماله مطلق، لا يقبل دين الله عز وجل أن يكون فيه خلل، أي شيء يمكن أن يكون فيه خلل إلا دين الله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ قضية الإيمان لا تحتمل الشك، قضية الإيمان لا تحتمل النسبية، أي الله عز وجل واحد ربما، لا يوجد ربما، الله عز وجل رحيم إلى حد ما، لا يوجد إلى حد ما، هذه عبارات الناس؛ إلى حد ما، وبما، ولعله كذلك، هذه تصح مع البشر، أما مع خالق البشر فديننا كله يقين، فالذي لا يجزم بصدق هذا القرآن وثبوته أنه من الواحد الديان، والذي لا يعتقد أن كلام النبي الذي قاله فعلاً حق لا يساوره شك فليس مؤمناً، وهذا من بديهيات الإيمان. يوجد شك، أي لم يكفروا كفراً قطعياً، ولم يكذبوا تكذيباً قطعياً: ﴿وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ ليس في حياة المسلم ظنيات. ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ لذلك ابحث عن اليقينيات. يقاس على ذلك إنسان ماله حرام، وهو يتنعم بدنيا عريضة؛ بيت فخم، ومركبات، ومكانة، وولائم، وإنفاق، المؤمن الصادق يرى أن هذا المال سوف يتلف، وكأنه يعلم الغيب، هو لا يعلم الغيب أبداً، لكن يعلم قوانين الله عز وجل، المتكبر سوف يذله الله، هو لا يعلم الغيب، ولكنه يعلم قوانين الله عز وجل، أي مثلاً إذا كنت عالم فيزياء، وأنشِئ بناء، ولم يترك فيه فواصل تمدد، ماذا تتنبأ لهذا البناء في فصل الصيف؟ أن يتصدع، هذا ليس علماً بالغيب، ولكن علم بالقوانين، ما دام البناء أنشئ، ولم يؤخذ بفواصل التمدد، لم يؤخذ بقانون تمدد المعادن، فلا بد من أن تتصدع أركان هذا البناء، هذا ليس علماً بالغيب، ولكنه علم بالقوانين، أما حينما أرى إنساناً غارقاً في المعصية أقول: أمامه حياة ضنك، هذا ليس علماً بالغيب، أما حينما أرى شاباً مستقيماً يخشى الله عز وجل، أتنبأ له بكل مستقبل زاهر، وليس علماً بالغيب، ولكنه علم بالقوانين، فلذلك يجب أن تؤمن أن قوانين الله عز وجل كالقوانين الفيزيائية شاملة ومطّردة. ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾.
5. كفر الجحود:
وهو أن يجحد الإنسان ما أنزله الله جملة، أو أن يجحد شيئاً مما هو معلوم بالضرورة. مرة أحاور إنساناً، قال لي: قطع اليد غير معقول هذا، هذا عمل همجي، يوجد آية قرآنية، في كل ثلاثين ثانية ترتكب في أمريكا من عام خمسة وستين جريمة قتل، أو سرقة، أو اغتصاب، وثمة بلاد، لم تكن متحضرة كثيراً، لكن أقيم هذا الحد في هذه البلاد، هل تصدق يوم كان مطبقاً تماماً: أن الصراف يدع صندوق العملات الأجنبية بالملايين، يضع فوقها قماشًا، ويذهب ليصلي في الحرم، وهو آمن؟ في هذا البلد الذي يطبق حد السرقة، والله تكاد لا تصدق، يمكن أن تحمل رواتب محافظة في الجنوب على سيارة شاحنة مكشوفة، كلها أكياس فيها مئات الملايين، هكذا في الطريق، بأوروبا قطارات مصفحة، وحراسة مشددة، وطائرة هيلوكوبتر، وشرطة، وتسرق، ما هذا الحد؟ أنت حينما تجحد حكماً شرعياً، حينما تتوهم أن هناك حكمًا شرعيًا مستحيل التطبيق فوق طاقة البشر، معنى ذلك: أن الله ليس خبيراً بعباده، كلفهم ما لا يطيقون، أو لا يعلم ما سيكون من عصر فتن، وانحراف، وتفلت أخلاقي، لا: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾ أيّ أمر كلفنا الله به، هو في وسعك أن تطبقه قطعاً، هذا اليقين، الجحود أن تجحد حكماً شرعياً. بالإسلام لا يوجد شك، لا يوجد ريب، لا يوجد تردد، لا يوجد إلى حد ما، لا يوجد نوعاً ما، لا يوجد معقول، لكن لا أدري مبلغ هذا من الصحة، هذا كله مرفوض بالدين، أما كفر الجحود أن تجحد شيئاً علم من الدين بالضرورة. قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾، هذه الآية دقيقة جداً تؤكد الإيمان الفطري، أنت حينما تجحد شيئاً عُلم من الدين بالضرورة، أنت في الحقيقة مؤمن به، لكنك تجحده لمصلحة، أو لمكسب، أو لرفعة في الدنيا، آلاف البشر يتكلمون كلاماً بصوت مرتفع، وهم لا يصدقون أنفسهم ، وهم يكذبون، لو ألغي الكذب من حياتنا فقط لكنا في حال غير هذا الحال، أكثر المواقف والكلمات ليست واقعية. المؤمن قد يخطئ، وقد تزل قدمه، ولكن لا يكذب، يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة، لا يمكن لمؤمن أن يكذب أو يخون، قال تعالى: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)) بطر الحق؛ أي رده وجحوده، إنكاره، تكذيبه.