الأحاديث تتجه جهتين إما أن يتجه الحديث إلى إحداث قناعة في الإنسان، وإما أن يتجه الحديث إلى إحداث موقف في الإنسان، فرق بين القناعة والموقف، العلم الشريف، تفسير القرآن الكريم، تفسير الحديث الشريف، أحكام الفقه، أحكام العبادات، هذه كلها تحدث في الإنسان قناعةً، ولكن حديثاً آخر قد يحدث في الإنسان موقفاً فإذا وازنا بين القناعة والموقف فرق بينهما كبير، قد يقنع الإنسان بشيء ولا يطبقه، هذه القناعة تكون عليه حسرةً يوم القيامة، القناعات تبقى في الذهن ولكن النفس ما تزال شقيةً بالبعد عن الله، لا تزال النفس ضائعةً، لا تزال شاردةً، لا تزال خائفةً، لا تزال منافقةً، لا تزال مستعليةً، لا تزال تحب ذاتها، هذه الأمراض الفتاكة يبدأ مفعولها الخطير بعد الموت، شهوات الدنيا قد تغطي على الإنسان أمراضه النفسية، منغمس في ملذات الدنيا، في جمع مالها، والانغماس في ملذاتها هذا مما يغطي على الإنسان خطورة أمراضه النفسية، ولكن إذا جاء الموت وانقطعت الدنيا انقطاعاً تاماً بدأ تأثير هذه الأمراض الفتاكة في النفس. البطولة في الذي تنقلب قناعاته إلى سلوك يعيشه في البيت، ليس يجدي أن تكون قانعاً بالإسلام، ولا قانعاً بالقرآن، ولا قانعاً بأحاديث النبي العدنان، الشيء المجدي أن تكون حياتك، عملك، زواجك، بيتك، بيعك، شراؤك، وظيفتك، طعامك، شرابك، هندامك، كلامك وفق الشرع، إن كنت كذلك سمت نفسك، وإن سمت نفسك كنت قدوةً للناس.
الإسلام لا يحيا بالكتب، ولا يحيا بالمؤلفات، ولا يحيا بالمحاضرات، يحيا فيكم، أي موقف أخلاقي واحد، ورع من أحدكم يعدل ألف محاضرةٍ سمعها أو ألقاها، موقف فيه ورع، إنساناً يشتهي ما يشتهون، ويحب ما يحبون، ويرغب فيما يرغبون ولكنه عند الشرع الألف والمئة ألف والألف ألف تحت قدمه إذا كان هذا المال فيه شبهة، والمئة والألف والألف ألف تبذل رخيصة في طاعة الله وابتغاء مرضاته.
الله سبحانه وتعالى ما جعل الدنيا إكراماً لأوليائه، ولم يجعلها عقاباً لأعدائه، قد تجد عدواً لله عنده من الدنيا الشيء الكثير، وقد تجد ولياً لله لا يملك من الدنيا شيئاً لهوانها على الله سبحانه وتعالى، لضعف شأنها، لقلة خطرها، لزوالها، لم يشأ الله أن يجعلها مكافأةً لعباده الأتقياء، ولم يشأ أن يجعل الحرمان منها عقاباً لأعدائه الفجار، بل أعطاها لأحبابه وأعطاها لأعدائه، لا شأن لها عند الله لذلك إذا كانت الدنيا أكبر همنا ومبلغ علمنا فالطامة كبرى، المصيبة جليلة. سنوات وسنوات وأنت تعتني بهيئتك، وصحتك، وهندامك، وبيتك، وغرفة الضيوف، وغرفة الطعام، وغرفة الجلوس، وغرفة النوم، والمكتبة، والجناح الشرقي من البيت، والأدوات الكهربائية، والمركبة. ربنا سبحانه وتعالى يقول في بعض الأحاديث القدسية عن القلب ((...... أفلا طهرت منظري ساعة)) هذا القلب. هذا القلب على ماذا ينطوي؟ هل ينطوي على حب لله؟ تقول: نعم، ما علامة ذلك؟ هل يفتقدك الله حيث نهاك ويجدك حيث أمرك؟ الإنسان إذا ما جلس لنفسه كل يوم جلسة عشر دقائق، ربع ساعة حاسب نفسه إلى أين أنا ماضٍ أفي طريق صحيح أم في طريق غير صحيح؟ هل في عملي ما يرضي الله أم في عملي ما يوجب سخط الله عز وجل؟ لأن الدنيا ساعة اجعلها طاعة ربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن﴾ أي الساذج ضيق الأفق، الجاهل يظن أن المال إكرامٌ من الله عز وجل، وأن الزواج إكرامٌ، وأن الصحة إكرامٌ، و أن الأولاد إكرامٌ، وأن القوة إكرامٌ، هو إكرام وليس بإكرام، هذا أجاب عنه الله سبحانه وتعالى قال: كلا ليس عطائي إكراماً، وليس حرماني حرماناً، إنما عطائي ابتلاء وحرماني دواء، الإنسان يبتلى بالمال إذا أنفقه في طاعة الله انقلب المال نعمةً، يعطيه زوجةً إذا وجهها، وأصلح شانها، وأخذ بيدها إلى الله حتى عرفت ربها على يديه انقلبت الزوجة نعمةً، الأولاد، أي شيء إذا استخدمته في طاعة الله انقلب نعمةً، قبل أن يستخدم في طاعة الله لا يسمى نعمةً يسمى ابتلاءً، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾. كيف أن هذا المحك الذي يستخدمه الصياغ تأتيهم قطعة ذهبية يحكونها بهذا المحك فيظهر خط أبيض يعرفون أنها من المعدن الرخيص، إذا بقي الخط أصفر اللون براقاً، يعرفون أنها من المعدن الثمين، فهذا المحك، الزوجة، الأولاد، المال محك، فلا تقل لي ماذا تعرف، قل لي ماذا تعمل؟ ماذا تعرف كل منا إذا وافته المنية يعرف كل شيء قال تعالى: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾. أي إنسان، كافراً، فاجراً، ملحداً، فاسقاً، دالاً، مهتدياً، عارفاً، مؤمناً، منافقاً، إذا وافته المنية يعرف كل شيء، ولكن بعد فوات الأوان، فالبطولة أن تعرف كل شيء قبل فوات الأوان وأنت في الدنيا، والقلب ينبض وكل شيء ممكن، التوبة ممكنةٌ، أداء ما في عنقك من حقوق ممكن، استرضاء الناس ممكن، طلب العفو منهم ممكن، إصلاح المعاملة مع الزوجة ممكن، إصلاح العلاقة مع الأم ممكن، إصلاح العلاقة مع الزبائن ممكن، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ . أكبر معصية في مساهمتها في قطعك عن الله عز وجل كأصغر معصية، تيار كهربائي عندك أدوات كثيرة في البيت، لو فصلت التيار ميلمتراً واحداً كل شيء يتوقف، ولو فصلته ثلاثة أمتار كل شيء يتوقف، فهذه الصغائر هي عند الله كبائر لأنهم أصروا عليها، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((لا صغيرة من الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار)). مستحيل أن يكون لك مخالفة وتؤمن، ترفض الحق، إنك تحب أن تجر الحق إلى مخالفاتك، تحب أن تبرر أعمالك، لذلك الفاسق لا يؤمن، إذا انطلقت من البيت لا تنسى أن إطلاق البصر يفسد عليك دينك، إذا أطلقت البصر لا تقوى قدماك على أن تقف ظهراً لتصلي، هناك خجل، وانكماش، وبعد، الشيء الذي يمكن أن يبعدك عن الله سبحانه وتعالى في أثناء النهار إطلاق البصر، والكذب، والغيبة، والنميمة، والسخرية، والضحك، والخوض في أحاديث باطلة لا جدوى منها، وأكل المال الحرام، أكثر الأشياء كسب المال، والتساهل في موضوع النساء، المال والنساء بابان كبيران من أبواب جهنم، وسلاحان فتاكان في يد إبليس، وشبكتان تغريان كل واحد من المؤمنين أن يقع فيها.
قال تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ إذا رجل تورط في قتل إنسان، وألقي القبض عليه، وسيق إلى السجن، وشكلت محكمة لمحاكمته استجوبته وكل محامياً، والمحامي دفاعه ضعيف، الأدلة كلها متضافرة في إدانته، أدين بهذه الجريمة صدر حكم بإعدامه، استأنف الحكم، صدر الحكم الثاني بإعدامه نقض الحكم، صدر أمراً من محكمة النقض بإعدامه، صدق حكم الإعدام، سيق إلى المشنقة، وضع على خشبة المشنقة، الجنود يحيطون به من كل مكان، هل هذه الساعة ساعة خلاص؟ هل يوجد أمل بالمليون واحد؟ لا يوجد، كل الإجراءات تمت، والحكم مصدق، والمشنقة جاهزة، والموظف جاهز، والمنصة جاهزة، والقرار مكتوب، ولات حين مناص، وليست الساعة ساعة خلاص. نحن الآن في ساعة خلاص، نحن الآن في ساعة خلاص قد تخلص من عذاب الآخرة الآن، قد تتوب، إذا رجع العبد إلى الله تعالى نادى مناد في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، الصلحة بلمحة، إذا قال العبد: يا رب قد أذنبت، يقول الله عز وجل: وأنا قد غفرت، فإذا قال العبد: يا رب لقد تبت، يقول الله عز وجل: وأنا قد قبلت. كلمة قل يا رب تبت إليك، لو جئتني بملء السموات والأرض ذنوباً غفرتها لك ولا أبالي، أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء، إذا ضاقت عليك الدنيا تذكر قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ هناك أشخاص يقفون عند هذا الحد في هذه الآية اسمعوا التتمة: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾. إياك أن تصل إلى ساعة ولات حين مناص، هذه الطامة الكبرى.
فالذي أرجوه أن يتوجه هذا الكلام لا إلى إحداث قناعات في الدماغ بل إلى إحداث مواقف عملية، كل واحد له بيت، له زوجة، له أولاد، له بنات، محل تجاري، في عملك التجاري هل يوجد علاقة محرمة؟ هل يوجد علاقة ربوية؟ بيع بسعرين، كتمان عيب؟ هذا في عملك، ادخل إلى بيتك هل يوجد مخالفة؟ ابنتك خروجها هل كما يريد الله سبحانه وتعالى؟ زوجتك هل تصلي؟ هل تأمرها بالصلاة؟ هل هناك وليمةٌ انتهكت فيها حرمات الله عز وجل؟ جمعت فيها الأهل والأصحاب على مائدة واحدة؟ هل تلهو كما يلهو الناس؟ امسك دفتراً وسجل التقصيرات، وحاول أن تتلافاها واحدة واحدة بأقرب وقت ممكن حتى يصبح العلم مباركاً، ما هي البركة؟ البركة التطبيق، إذا إنسان كان معه مرض عضال وهناك دواء شاف، البركة بالدواء ذكره؟ حفظ اسمه؟ وضع الوصفة في مكان وجيه في البيت؟ أم استعمال الدواء؟ بركة الدواء استعماله، بركة القرآن الكريم اتباع سنته، الإنسان عليه أن يكون بالمستوى المطلوب، الأنبياء قلة نبي واحد قلب وجه الأرض بإخلاصه، وصدقه، ما هذا النبي الكريم الذي لفت القلوب بعد ألف وخمسمئة عام؟ إذا ذكرته يتعطر المجلس، تحس بالشوق إليه لكماله وأنت أيضاً كن على هديه، اقتف أثره، اتبع سنته، اجعل بيتك إسلامياً، اجعل عملك إسلامياً، اجعل محلك إسلامياً، اجعل لباسك إسلامياً، كلامك، نظرتك، الإنسان عندما يطبق يسعد.