بحث

اللعب واللهو

اللعب واللهو

بسم الله الرحمن الرحيم

اللعب هو كل عمل عابث لا جدوى منه :  

      مع الآية السبعين، وهي قوله تعالى : ﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)﴾  

      أيها الأخوة الكرام، في هذه الآية مصطلحات كثيرة ومعانٍ دقيقة، والإنسان في أمسّ الحاجة إليها .  

أولا: اللعب عمل لا غاية له:  

      النقطة الأولى في هذه الآية : أن اللعب عمل لا غاية له، عمل عابث، شأن الصغار أن يلعبوا، وكأن الذي خلقهم رسم لهم هذا اللعب لتنمو أجسامهم، لكن طبيعة اللعب عمل لا هدف له ولا جدوى منه، وعمل عابث، هذا الأمر يقودنا إلى شيء في العقيدة، نحن لماذا خلقنا ؟ لو أن الإنسان غفل عن غاية وجوده يظن أن المال كل شيء، فكل شيء يفعله من أجل تحصيل المال، وكل شيء يفعله بالمال يأتي ملك الموت وينهي حياته في ثانية فكل الذي حصَّله تركه وراءه .  

      إذاً : من دون أن تؤمن أن هناك حياةً أبدية، من دون أن تؤمن أنك مخلوق للجنة فكل النشاط في الأرض مهما بدا عظيماً، ما دام قاصراً على الحياة الدنيا فهو لعب، لو وصلت إلى قمة الغنى، ثم ماذا ؟ الموت، لو وصلت إلى قمة السلطة، ثم ماذا ؟ الموت، لو انغمست في متع حسية تفوق حد الخيال، ثم ماذا ؟ الموت، لو جبت أطراف الدنيا، واطلعت على القارات الخمس، ونزلت في أفخر الفنادق، وحققت كل الأهداف السياحية في الحياة، ثم ماذا ؟ الموت، لو بنيت أجمل قصر، ثم ماذا ؟ الموت .  

ثانيا: اتخاذ الدنيا غاية وليس وسيلة هو من اللعب:  

      الموضوع دقيق جداً، ما لم تؤمن أنك مخلوق لغاية ما بعدها غاية، فكل شيء بعد شيء وسيلة، بعد الغنى الموت، بعد القوة الموت، بعد الصحة الموت، بعد الوسامة والجمال الموت، بعد المتع الحسية الموت، إذاً الدنيا بأكملها بالنسبة للعقلاء ليست غاية، بل هي وسيلة، فمن جعلها غاية كان يلعب وكان عمله لعباً، الذي يؤكد هذه الحقيقة قوله تعالى : ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ (20)﴾  

      هذه حقيقة الدنيا من عند خالق الدنيا، من عند خالق الكون، لذلك أيها الأخوة الكرام، الآية التي تقصم الظهر : ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)﴾  

      الدنيا بكل ما فيها، لو عشت فيها عمر نوح، ألف سنة، لو ملكت ثروة قارون، لو وصلت إلى أعلى منصب فيها، لو تمتعت بصحة إلى ساعة المغادرة، لو استمتعت بكل الشهوات الحسية في أعلى درجة من المتعة، يأتي الموت فينهي كل شيء، فالموت ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، وغنى الغني، وفقر الفقير، وذكاء الذكي، ومحدودية المحدود، ويلغي صحة الصحيح، ومرض المريض، الموت يوحد البشر جميعاً .  

      حينما تكون المتعة هدفاً فهذا لعب، حينما تكون المرأة هدفاً فهو لعب، حينما تكون الثروة هدفاً لعب، حينما تكون الدنيا هدفاً لعب، كلام دقيق، الدنيا بأكملها، هذه الإنجازات العظيمة التي جاء بها بعض النخب من البشر هي للدنيا وماتوا وتركوها، وهذه الإنجازات انتفع الناس بها في الدنيا وانتهت، لذلك يقول الإمام علي رضي الله عنه : " فاعل الخير خير من الخير ـ حتى الإنجازات الخيرية تنتهي يوم القيامة، ما الذي يبقى ؟ الذي فعلها، الذي فعلها يسعد بها إلى أبد الآبدين، وحتى الأعمال الإجرامية التي فعلها بعض الطغاة حينما قصفت مدينتين في اليابان ومات ثلاثمئة ألف في ثوان ـ وفاعل الشر شر من الشر"، آثار هذا القصف انتهت يوم القيامة لكن الذي فعل هذا الشر سيخلد في عذاب النار إلى أبد الآبدين، هو شر من الشر .  

ثالثا: إن اعتبرت الدنيا محط الرحال فأنت تلعب:  

      إن اقتصرت على الدنيا ورأيت الدنيا محط الرحال ونهاية الآمال فأنت تلعب، كل الحروب هدفها الآن النفط، الشيء المبطن الحقيقي النفط، لأن عصب الحياة هو الطاقة، كل هذه المنجزات لا قيمة لها من دون طاقة، لكن هؤلاء الطغاة الأقوياء الذين افتعلوا هذه الحروب، وجلسوا على منابع النفط، ماذا قدموا للبشرية ؟ ما قدموا شيئاً، لكن الأنبياء قدموا كل شيء، قدموا فضيلة، قدموا معرفة بالله، قدموا سعادة، قدموا سبباً لحياة أبدية لا نهاية لها .   

       ﴿ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾  

      أن تغتر أي أن تظن هذه قطعة ذهب فإذا هي قطعة نحاس، أن تظن أن هذه ماس فإذا هي في الحقيقة بلور، أن تظن أن هذا الشيك فيه مبلغ كبير وهو في الحقيقة مزور، هذا غرور أن تعطي الشيء حجماً لا يملكه، والشيطان دائماً مهمته أن يدفع الإنسان ليغتر بالحياة الدنيا، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)﴾  



المصدر: التفسير المطول - سورة الأنعام 006 - الدرس(24-73): تفسير الآيات 70-72، الدنيا مزرعة الآخرة