بحث

المؤاخاة في الاسلام / المؤاخاة أساس المجتمع

المؤاخاة في الاسلام / المؤاخاة أساس المجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم

المؤاخاة مِن أسس البناء الاجتماعي: 

      أيها الإخوة ، أول شيء بالبناء الاجتماعي المؤاخاة ، فقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، نحن عندنا مظاهر إسلامية صارخة ، مساجد كبيرة جداً  ، مؤتمرات إسلامية ، مكتبات زاخرة بالكتب الإسلامية ، محاضرات ، دروس ، لكن الحب الذي كان بين أصحاب النبي رضوان الله عليهم ليس موجوداً الآن . 

      أيها الإخوة ، القضية النفسية الحب بين المؤمنين يجعلهم متماسكين ،  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم :(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) 

      قال الله تعالى في القرآن الكريم :  يبين ما ينبغي أن نكون عليه 

      يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ (أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) 

لا لتقاتلوا  

      هذه الآية منهج ، هذه الآية أحد معالم طريق النصر ، المؤاخاة بين المؤمنين . 

      وقال الله تعالى في القرآن الكريم : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) 

      صدقوا أيها الإخوة ، ما لم تشعروا بانتمائكم إلى مجموع المؤمنين فلستم مؤمنين . 

التطبيق العملي لمبدأ المؤاخاة : 

      ما الذي يمنعنا نحن من تطبيق هذه المؤاخاة ؟ أنت في هذا الدرس ألا تستطيع أن تؤاخي واحداً ؟ أن تقول له : أنت أخي في الله واحد ، في الدرس القادم لم يحضر فتفقدته ، لاحتمال أن يكون مريضاً ، أنت حينما آخيته أخذت رقم هاتفه ، فإن افتقدته في الدرس القادم اتصلت به ، قل : نحن قلقون عليك ، إن شاء الله المانع خير ، بماذا يشعر ؟ أنه هو من يهتم به ، هناك من يسأل عنه ، هذه المؤاخاة ، لو أنه كل مجلس علم أخ كريم آخى أخا واحدا لعل يكون قريبه ، أو جاره ، أو زميله ، أو صديقه ، ابحث عن أخ جار لك ، أو قريب لك ، أو صديق لك ، أو زميل في عمل ، قل له أنت أخي في الله ، خذ رقم هاتفه ، وليأخذ رقم هاتفك ، فإذا تغيب عن درس علم هناك احتمال أن يكون مريضاً ، تفقده بالهاتف ، قال لك : والله أنا مريض ، اذهب إليه ، اعرض عليه خدماتك ، هكذا يكون المجتمع متماسكاً . 

      قال لي بعضهم : والله لو إنني غبت عاما عن مجلس العلم ولا أحد يتصل بي   ، نحن في الظاهر مجتمعون ، لكن في الحقيقة متفرقون ، ما أحد يعرف أحدا ، النبي عليه الصلاة والسلام إذا اتخذ أخاً في الله يسأله عن اسمه ، وعن اسم أبيه ، وممن هو ، وعن حرفته ، وعن عنوان بيته ، وعن هاتفه مثلاً . 

      فالمؤاخاة من منهج النبي عليه الصلاة والسلام ، آخى النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي بين المسلمين الأوائل ، آخى بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب ، و آخى بين عبد الله بن مسعود والزبير بن العوام ، و آخى بين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين سعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر ، وكان المسلمون الأوائل في مكة يعيشون الأخوة الكاملة . 

بالمؤاخاة تصبح الحياة جنة 

      والله أيها الإخوة ، والله أقسم لكم بالله ، إذا تآخيتم في الله تصبح حياتكم جنة ، الحياة قاسية جداً ، والأخبار سيئة جداً ، والأشياء مقلقة ، والمستقبل مظلم ، لكن الذي يخفف عنك ثقل الحياة ومصائبها والضغوط الاجتماعية والخارجية والداخلية أخ في الله ، وليس على وجه الأرض من إنسان يسعدك ، وتسعده من أخ في الله . 

      (( وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتجالسين فيّ ، والمتباذلين فيّ   والمتزاورين فيّ ، والمتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم عليها النبييون يوم القيامة )) . 

      نحن نريد لهذه الأفكار ألا نكتفي بسماعها ، وألا تبقى في دماغنا ، في ذاكرتنا  بل نريدها حياة نعيشها ، نريدها تطبيقاً ، نريدها ممارسة ، نريدها واقعاً ، لأن مشكلتنا في هذه الأيام مشكلة بقاء أو فناء ، مشكلة حياة أو موت ، خفف عن أخيك بمؤاخاتك له ، ويخفف عنك بمؤاخاته لك . 

صور رائعة من واقع مؤاخاة الصحابة :  

      وكان المسلمون الأوائل يعيشون الأخوة كاملة بكل أبعداها ومعانيها من خلال دار الأرقم ، والهجرتين الأولى والثانية ، ومواجهة إيذاء وعدوان قريش . 

بين أبي بكر وبلال : 

      أيها الإخوة ، سيدنا الصديق بلغه أن بلالاً يُعذب بلال عبد ، وفي السلم الاجتماعي في الدرجة السفلى ، وسيدنا الصديق من أرومة قريش ، من علية القوم ،  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ 

      ذهب إلى صفوان ابن أمية سيد بلال ، وكان يعذبه يضع على بطنه صخرة في لهيب الظهيرة ، ويأمره أن يكفر بمحمد ، وكان بلال يقول : أحدٌ أحد . 

      كطرفة : مدرسة شرعية في الشام أقامت حفل في نهاية العام ، والحفل في تمثيلية بسيطة عن سيدنا بلال ، وعن صفوان ابن أمية ، كيف هو يعذبه ، وكيف يقول بلال : أَحدٌ أحد . 

جاءوا بطالبين ، أحدهم مثّل دور صفوان بن أمية ، والثاني مثل دور بلال الحبشي ، وبحسب الحركات والتمثيل بدأ الطالب الذي مثل دور صفوان بن أمية بضرب الطالب الذي مثل دور بلال ، فقال له صفوان بن أمية : لن أرفع عنك العذاب إلا إذا كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، التمثيل غير متقن طبعاً . 

      فكان صفوان بن أمية يعذب بلالاً ، ذهب إليه الصديق ، قال : بكم تبيعني إياه ؟ اتفقا على مبلغ ، ونقده إياه ، أراد صفوان أن يبالغ بإهانة بلال ، قال له : والله لو دفعت لي درهماً لبعتكه ، فقال له الصديق : والله لو طلبت به مئة ألف درهم لأعطيتكها ، هذا أخي حقاً ، وضع يده تحت إبطه . 

      سيد قريش مع إنسان في الطبقة الدنيا ، وقال : هذا أخي حقاً ،  

      وكان أصحاب النبي رضوان الله عليهم إذا ذكروا الصديق  يقولون : << هو سيدنا وأعتق سيدنا >> . 

      وسيدنا عمر كان إذا علم أن بلالاً سيأتي المدينة كان يخرج ، وهو عملاق الإسلام ، وأمير المؤمنين ، يخرج هو لاستقباله. 

بين أبي ذر وبلال : 

      نزوة صغيرة في ساعة غضب ، والصحابة ليسوا معصومين ، قال بعض الصحابة لبلال : يا ابن السوداء، بلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام  

      فقال رسول الله لهذا الصحابي الجليل القرشي : (( إنك امرؤ فيك جاهلية )) . 

      فلم يرضَ هذا الصحابي بعد أن سمع هذا من رسول الله إلا أن وضع رأسه على الأرض ، وأمر بلالاً أن يضع قدمه فوق رأسه، هذا هو الإسلام . 

إنها امرأة تنظف المسجد فقط : 

      امرأة تقم المسجد ، منظفة ، توفيت ، الصحابة الكرام اجتهدوا أن هذه المرأة من دنو مكانتها لا ينبغي أن نذكر للنبي أنها ماتت ، النبي الكريم تفقدها بعد حين ، قالوا : والله ماتت يا رسول الله ، فغضب ، قال : هلا أعلمتموني ؟ لمَ لم تذكروا لي أنها ماتت ؟ وذهب إلى قبرها ، وصلى عليها صلاة الجنازة استثناء من أحكام صلاة الجنازة ، صلاة الجنازة قبل الدفن، صلى عليها صلاة الجنازة بعد الدفن، هذا المجتمع المسلم . 

      أنت مدير مؤسسة ، عندك حاجب مؤمن، إن لم تعامل هذا الحاجب كما تعامل أكبر موظف فلست مؤمنا، الإنسان عند الله مكرم. 

بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع : 

      إن بعض الذين آخى بينهم النبي عليه الصلاة والسلام هو عبد الرحمن بن عوف ، آخى بينه وبين سعد بن الربيع ، وقد عرض عليه سعد بن الربيع أحد بيتين ، وأحد دكانين ، وأحد بستانين ، لم يُثبت التاريخ الإسلامي أن مهاجراً أخذ من أنصاري نصف ماله ، قال  له : بارك الله لك بمالك يا أخي ، ولكن دلني على السوق ، ما هذه العفة ؟ الأنصار بذلوا نصف ما يملكون ، والمهاجرون تعففوا عن أموال إخوانهم ، قال له : بارك الله لك في مالك ، ولكن دلني على السوق ، أنا أعمل . 

      فحينما يكون المؤمن سخياً كريماً إلى درجة أن يهب أخاه نصف أملاكه تجد الطرف الآخر عفيفاً جداً جداً ، ويقول : بارك الله لك في مالك ، ولكن دلني على السوق . 

      قال العلماء : المؤاخاة هي حاجة الأنصار إلى التفكر في الدين ، وحاجة المهاجرين إلى مأوى ، وإلى مساعدة ، وإلى بيت. 

الاختلاف المذموم والاختلاف الطبيعي : 

الاختلاف الطبيعي لنقص المعلومات : 

      قال بعض العلماء : هناك اختلاف طبيعي ، اختلاف نقص المعلومات ، نحن في 29 فرضاً من رمضان ، وسمعنا صوت يا ترى مدفع العيد ، أم تفجير تم في الجبل لصخرة عاتية ، نقص المعلومات يدفعنا إلى أن نختلف ، هذا اختلاف طبيعي ، لا شيء فيه ، لكن بعد حين فتحنا المذياع ، فإذا الخبر أنه غداً عيد الفطر السعيد ، مثلاً ، هذا اختلاف طبيعي ، أساسه نقص المعلومات ، كان الناس أمة واحدة فاختلفوا اختلاف نقص معلومات ، فبعث الله النبيين ووضحوا ،  

الاختلاف المذموم : الاختلاف بعد العلم : 

      هذا الاختلاف قذر ، اختلاف نقص المعلومات طبيعي ، لا يمدح ولا يذم ، شيء طبيعي جداً ، لكن الاختلاف بعد العلم اختلاف هوى ، واختلاف مصالح ، واختلاف نفوس ، واختلاف كبر . 

      قال الله تعالى في القرآن الكريم : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ )

      حسداً بينهم ، اختلاف الحسد احضر أي درس علم في العالم الإسلامي تسمع فيه : قال الله عز وجل ، وقال عليه الصلاة والسلام ، قرآن واحد ، ونبي واحد ، وسنة واحد ، وإله واحد ، والمسلمون اليوم فرق ، وطوائف ، وأحزاب ، وشيع ، وبأسهم بينهم ، ويتقاتلون أحياناً . 

      ما اسم الخلاف الثاني ؟ خلاف البغي ، هذا الخلاف القذر . 

الاختلاف الممدوح : اختلاف التنافس : 

      وعندنا اختلاف محمود : اختلاف التنافس ، هناك من يرى أن أعظم شيء أن تؤلف كتاباً ، وهناك من يرى أن أعظم شيء أن تؤلف قلباً ، وهناك من يرى أن أعظم شيء أن تبني مسجداً ، وهناك من يرى أن أعظم شيء أن تطعم فقيراً ، فالمؤمنون يختلفون في اجتهاداتهم ، لكن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، لك أن تنشئ مسجداً ، ولك أن تلقي درساً ، ولك أن تعتلي منبراً ، ولك أن تؤلف كتاباً ، ولك أن تنشئ ميتماً ، ولك أن تنشئ مستوصفاً ، ولك أن توفق بين الناس ، وأن ترأب صدعهم ، وأن تجمع شملهم ، والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، وكل الطرق سالكة . 

      إذاً : عندنا اختلاف طبيعي ، لا يحمد ولا يذم ، اختلاف نقص المعلومات ، وعندنا اختلاف البغي ، والحسد ، والكبر ، والاستعلاء ، والمصالح ، والحظوظ ، هذا اختلاف قذر ، وعندنا اختلاف تنافس . 

      قال الله تعالى في القرآن الكريم : (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) 

      هذا اختلاف محمود ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أقام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، هذه المؤاخاة هي وسام شرف معلق على صدورهم ، آخى النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي بين المسلمين الأوائل . 



المصدر: السيرة - فقه السيرة النبوية - الدرس (44-57) : فتنة الأوس والخزرج وأنواع الاختلاف