بحث

المؤمن صابر شاكر

المؤمن صابر شاكر

بسم الله الرحمن الرحيم

الدنيا دار تكليف وعمل و الآخرة دار تشريف وجزاء : 

      أخوتنا الكرام، عظمة هذا الدين أنه قدم للإنسان تصوراً، أو فلسفة، أو عقيدة، أسماء لمسمى واحد، قدم له تصوراً عن الكون، والحياة، والإنسان، الحياة الدنيا حياة إعداد لحياة أخرى، المسلم عنده تصور صحيح أن الحياة الدنيا هي حياة إعداد لحياة أخرى، لذلك الدنيا دار تكليف بينما الآخرة دار تشريف، الدنيا دار عمل لكن الآخرة دار جزاء. 

الله خلقنا ليرحمنا: 

      أيها الأخوة، لأن الله رحيم ولأنه خلقنا ليرحمنا، والدليل:( إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) 

      خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليسعدنا، خلقنا ليعطينا، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض، من مقتضيات رحمته أننا إذا غفلنا في الدنيا، أو قصرنا، أو خالفنا، هناك تدابير تربوية، للتقريب: كيف أن الأب حينما يرى ابنه مقصراً في الدراسة يشدد عليه، يحاسبه أشد المحاسبة، فإذا تفوق هذا الابن في مستقبل حياته، وعاش حياة كريمة رغيدة، تذكر فضل أبيه عليه. 

      لذلك أيها الأخوة، أعظم شيء في حياة المؤمن أنه يفهم على الله حكمته من المصيبة،  

أنواع المصائب: 

أولا: مصائب الأنبياء:  

      مصائب كشف ليس غير، الأنبياء ينطوون على كمال يفوق الشيء المألوف، لذلك مصائبهم مصائب كشف. 

      ذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى الطائف مشياً على قدميه، ثمانون كيلو متراً، ولما وصل إليها دعاهم إلى الإسلام فكفروا به، و كذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم بضربه، والدماء سالت من قدمه الشريف،  جاءه ملك الجبال، و قال له يا محمد: 

      إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ،  

      فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا  

      مصائب الأنبياء مصائب كشف، أي هناك كمال كبير جداً، هذا الكمال يظهر بشكل صارخ بمصيبة. 

ثانيا: مصائب المؤمنين: 

      لكن مصائب المؤمنين، مصائب دفعٍ أو رفع: أي سرعته بطيئة، عباداته غير متقنة، عطاؤه قليل، طلبه للعلم غير مقبول، ضعيف، يسوق الله له شدة يدفعه إلى المزيد، إلى أن يطور عبادته، إلى أن يطور طلبه للعلم، إلى أن يزداد ورعاً، مصائب المؤمنين مصائب دفع، سرعة بطيئة يحتاج إلى دفع، أو قبل عملاً صالحاً وبإمكانه أن يفعل عملاً أكبر، مصائب رفع، مركبة الطن بمئة ألف، بإمكانها أن تحمل عشرين طناً، حمّل طناً واحداً، نقول له: لا أنت عندك مركبة عندها إمكانية كبيرة جداً، فلماذا تقبل مبلغاً بسيطاً؟ خذ عشرة أضعافه. 

مصائب المؤمنين، مصائب دفع أو رفع.  

ثالثا: مصائب الكفار أو المشركين: 

      لكن مصائب الكفار أو المشركين مصائب ردع أو قصم، إذا كان فيه خير واحد بالمليار، يسوق الله له مصيبة ردع، فإن لم يرتدع قصمه الله، الأنبياء كشف، المؤمنون دفع أو رفع، الكفار والمشركون ردع أو قصم. 

      لذلك نحن في دار ابتلاء، نحن في دار التواء لا دار استواء، وفي منزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، لأنه مؤقت، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي. 

أنواع الصبر : 

      أخواننا الكرام: يجب أن نؤمن أن الله عز وجل إذا ساق لعبد مؤمن مصيبة فليكون عطاؤه على صبره لهذه المصيبة بغير حساب، هذه الآية الأولى:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)  

      الصبر على ماذا؟ العلماء أجمعوا على أن الصبر ثلاثة أنواع: 

أولا: صبر على الطاعة:  

      قد تكون صلاة الفجر في أيام الصيف، الساعة الثالثة، وأنت متأخر حتى نمت، والنهوض من الفراش صعب جداً، لكنك آثرت طاعة الله، فقمت إلى الصلاة، هذا صبر على الطاعة، 

ثانيا: صبر عن المعصية:  

      وأحياناً تمر فتاة بارعة الجمال، وأنت شاب في مقتبل حياتك، ولك أن تنظر إليها ولا أحد على وجه الأرض يحاسبك، لكنك خوفاً من الله غضضت بصرك عن محارم الله، وقلت: إني أخاف الله رب العالمين، هذا صبر عن المعصية، 

ثالثا: صبر على المصيبة:  

      أحياناً يسوق الله للإنسان مرضاً، فيصبر عليه، صبر على البلاء، فللصبر ثلاثة أنواع، صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على قضاء الله وقدره. 

الصبر عند الصدمة الأولى : 

      مرّ النبي عليه الصلاة والسلام على امرأة تبكي عند قبر،  

      فقال: اتقي الله واصبري،  

      هي لا تعرفه، قالت له إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، لكنها بعد أن عرفت أنه النبي عليه الصلاة والسلام،  

      قال لها: إنما الصبر عند الصدمة الأولى. 

      أحياناً تأني مصيبة يضجر وقد يشتم وقد وقد وقد، لكن بعد ذلك يصبر، ليس هذا هو الصبر، إنما الصبر عند الصدمة الأولى، الصبر عند تلقي الخبر أول مرة، الحمد لله،  

      لذلك من أروع ما قاله سيدنا عمر، كان إذا أصابته مصيبة، قال: الحمد لله ثلاث مرات، الحمد لله إذ لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها. 

      إذاً الصبر بكلام النبي عليه الصلاة والسلام عند الصدمة الأولى، البطولة هنا، لذلك قال الإمام علي رضي الله عنه: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، 

      أنا أعرف عالماً أظنه صالحاً وأحترمه كثيراً، له ابن درس الطب، ثم دخل كلية الشريعة، ثم حفظ كتاب الله كله، ثم أدى الخدمة الإلزامية، ثم خطب له، كان عرسه بعد أسبوع، مات بحادث سير، ذهبنا مع بعض الأخوة العلماء كي نعزيه، أنا فوجئت أنه كان في أعلى درجات الرضا عن الله، ابنه الوحيد طبيب على شرعي على حفظ كتاب الله على زواج، رأيت الصبر بشكل واضح جداً عندما زرناه في مدينته، هذا هو المؤمن. 

      عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له 

على الإنسان التحلي بالحكمة في إبلاغ الأخبار السيئة : 

      حديث آخر: 

      أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ 

      شخص يحبه كثيراً، قد يكون ابنه، زوجته أحياناً، صديقه، أخوه، إنسان تحبه حباً جماً، وأكثر شيء هذا واضح في الأبناء، 

      لذلك هذا الصحابي الذي جاء إلى البيت وابنه مريض، وسأل زوجته عن ابنها المريض، قالت له: هو في أهنأ حال وقد مات، لم ترد أن تبلغه، يبدو أنه كان في الجهاد، وهي كنّت عن موته أنه في أهدأ حال، في الصباح أبلغته، فذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقصّ عليه ما فعلت زوجته، فالنبي أثنى عليها كثيراً،  

      أحياناً إبلاغ الخبر من دون حكمة، من دون دقة، قد يصيب الإنسان بصدمة كبيرة جداً،  

      سمعت عن مريض أصيب بمرض خبيث، الطبيب قد درس ببلد يبلغون المريض المرض من دون أي مواربة، قال له: معك سرطان تعيش أربعة أشهر بالتمام والكمال، فمات في اليوم الثاني، لم يتحمل،  

      النبي عليه الصلاة والسلام قال :إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي الْأَجَلِ 

      أبلغ أهله، دعك منه،  

جزاء الصبر : 

      قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)  

      ما معنى بغير حساب؟ أحياناً يعطيك إنسان سنداً، هذا السند مضبوط بمبلغ معين، لك عندي مئة ألف، لك عندي مليون، لك عندي مئة مليون، لكن ما قولك أن تأخذ سنداً موقعاً واكتب أي مبلغ تريد، إن كتبت ألف مليون تأخذهم، هذا معنى قول الله عز وجل: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)  

      هذه الآية الوحيدة بغير حساب، هذا الذي ساق الله له مصيبة فصبر،  

      النبي عليه الصلاة والسلام عنده صحابي جليل، له ابن جميل الصورة، كان يحبه حباً لا حدود له، من شدة تعلقه بابنه كان يضعه على كتفه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي الكريم سأله مرة أتحبه؟ فهذا الصحابي قال له كلمة رائعة، قال له: أحبك الله كما أحبه، بعد أيام افتقد النبي هذا الصحابي، فسأل عنه، فقيل له: لقد مات ابنه، فاستدعاه وعزاه، لكن الذي يلفت النظر أنه قال له: أيهما أحب إليك أن تمتع به عمرك- معك دائماً كظلك، في خدمتك، ولد بار، لم يفارقك، مطواع لك، بار بك- أم أن يسبقك إلى الجنة، فأي أبوابها فتحها لك؟ قال له: بل الثانية، قال له: هي لك. 

      فلذلك: 

      أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ 

      عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا 

      وأيضاً : 

      مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ 

      وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه 

      أخواننا الكرام، إذا تفضل الله علينا وعالجنا في الدنيا، وانتهى بنا الأمر إلى أننا إذا وصلنا إلى شفير القبر ليس علينا شيء، هذا أكبر كسب للمؤمن، أن تنتهي به الدنيا وقد غفر الله كل ذنوبه:  

      وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه 

      طاهر من الذنوب،  

الصبر عادة الأنبياء والمتقين وحلية أولياء الله المخلصين : 

      وهناك حديث آخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام:مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ 

      يسوق له مصيبة،  

      للتقريب، إنسان معه التهاب معدة حاد، وإنسان معه ورم خبيث منتشر، فالأول سأل الطبيب ماذا يأكل، فأعطاه حمية شديدة جداً، على الحليب فقط، وتوعده الطبيب أنه إذا خالف هذه الحمية سوف يتفاقم مرضه، وقد يحتاج إلى عمل جراحي، هذه حالة، جاء مريض آخر معه مرض خبيث منتشر، فسأل الطبيب ماذا آكل؟ قال: كُلْ ما شئت، أيهما أفضل؟ هذا الذي خضع لحمية شديدة جداً أم هذا الذي قيل له كُلْ ما شئت؟ لذلك لا تنسى هذه الآية: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)  

دنيا، ومال، وجاه، ومكانة، وبيوت، ومركبات: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ )

      أما المؤمنون: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

      مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ 

      حديث آخر في الصحاح: إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ 

      لذلك أيها الأخوة الكرام، الصبر عادة الأنبياء، والمتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهو من أهم ما نحتاج إليه في هذا العصر، الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقل معها صبر الناس عليها. 

الصبر ضياء: 

      أيها الأخوة، الصبر ضياء، بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، الصبر ليس جبناً، ولا يأساً، ولا ذلاً، بل الصبر حبس النفس عن الوقوع في سخط الله عز وجل، وتحمل الأمور بحزم وتدبر، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب: (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا)  

من يرضى بقضاء الله و قدره سيخلفه الله خيراً من كل الذي أصابه : 

      ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهمّ أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيراً منها 

      صدق ولا أبالغ أنت حينما ترضى بقضاء الله وقدره يخلفك الله خيراً من هذا كله: 

      مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ 

      وليعلم المؤمن الصادق أنه كما قال الله عز وجل : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ*لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )

المؤمن صابر شاكر : 

      أيها الأخوة الكرام: فلاَ تَقُلْ : لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ  فإنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ 

      وطن نفسك واعلم يقيناً أن كل مصيبة تأتي إنما هي بإذن الله، وقضائه وقدره، فإن الأمر له وحده،  

      لذلك استعن على الصبر باعتقادك أن هذا الشيء ساقه الله إليك رحمة منه، وعدلاً: لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه 

      أيها الأخوة، أرجو الله عز وجل  أن نكون قد انتفعنا من هذه الآيات والأحاديث التي تعيننا على الصبر، الحياة فيها متاعب كثيرة، فيها بلاء، فيها شدائد، ولا سيما في آخر الزمان: 

      اشتقت لأحبابي،  

      قالوا:  لسنا أحبابك؟  

      قال : لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجره كأجر سبعين،  

      قالوا: منا أم منهم؟  

      قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون 

      لذلك الصبر من صفات المؤمن، المؤمن صابر شاكر، في الرخاء شكور، وفي البلاء صبور، هذه حالة مهمة جداً، لكن أنت حينما تصبر ابتغاءً لمرضاة الله يلقي الله في قلبك حلاوة لا تقل عن الذي فاتك مما لو لم تكن صابراً. 

      أيها الأخوة الكرام،  الله عز وجل على كل شيء قدير، قادر أن يسعدك وأنت في أصعب الحالات، وقادر وأنت في أقوى درجة في الدنيا أن تكون أشقى الناس. 

      إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين. 

كلُّ شيء وقعَ أرادهُ الله: 

      أيها الأخوة، وطن نفسك أن كلُّ شيء وقعَ أرادهُ الله، أي سمح به، ولا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، كل شيء وقع أراده الله، بالمقابل: وكلُّ شيء أراده الله وقعَ، تحصيل حاصل،  

      كل شيء وقعَ أرادهُ الله، وكلُّ شيء أراده الله وقعَ، وإرادةُ الله متعلِّقةٌ بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، 

      أي لا يوجد بالكون شر مطلق، هناك شر موظف للخير، أوضح مثل:(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِف طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )

      الآن دقق: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ )

      ليس في الأرض شر مطلق، هناك شر نسبي، شر موظف للخير، لذلك اطمئنوا على التاريخ القديم والحديث، ما من طاغية على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين، علم هذا من علم وجهل هذا من جهل، من دون أن يشعر، ومن دون أن يريد، وبلا أجر، وبلا ثواب، اعتقد يقيناً أن كل شيء وقع أراده الله، معنى أراده سمح به، ومعنى سمح به أي هذا شر نسبي، شر موظف للخير، لذلك كل شيء تراه عينك مما يؤلم هو علاج، أو تدريب، أو تهيئة للخير، المؤمن يعتقد يقيناً أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، من هنا ورد: ما من عثرةً، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عودٍ، إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر 

      هذه قضية أساسية في عقيدة المسلم. 

المصيبة نعمة مبطنه: 

      كل شيء وقع من الشر الظاهر هو في الحقيقة خير مبطن، قال تعالى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)  

      ما هي النعم الباطنة؟ المصائب،  

      أعرف شخصاً يموت و لا يفكر أن يصلي بحياته، مال وفير، ومكانة كبيرة، كافر بكل الأديان، ساق الله له شدة لم يستطع تحملها، هذه الشدة سبب إيمانه، وسبب استقامته، 

      أعرف امرأة متفلتة تفلتاً غير معقول، ساق الله لها مرضاً فالنتيجة أنها تحجبت،  

      الله عز وجل كل إنسان عندما يصر على معصية، يسوق له شدة، هذه الشدة تزاح عنه إذا تاب إلى الله عز وجل، فربنا حكيم،  

      فكل شيء وقعَ أرادهُ الله، وكلُّ شيء أراده الله وقعَ، وإرادةُ الله متعلِّقةٌ بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق. 



المصدر: خطبة الجمعة - الخطبة 1180 : خ 1 -المصيبة وأنواعها ، خ 2 - كل شيء أراده الله وقع