ماذا ينبغي على المسلم أن يعمل في أحوال المسلمين الساخنة ؟
البند الأول: لا لشق كلمة المسلمين:
البند الأول فيما أراه، وأتمنى أن أكون على صواب لا ينبغي أن يقول المسلم الآن كلمة واحدة تشق صفوف المسلمين، ولا تباعدوا الهوة بينهم، ولا تشتتوا جمعهم، ولا تمزقوا وحدتكم بدافع من إخلاصك، بدافع من حرص على وحدة الأمة بدافع من أن العالم الغربي وضعنا جميعاً في سلة واحدة، فينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد بدافع من شعورك بالانتماء لهذه الأمة، بأي مقياس شئت، بأي قيمة أردت، بأي نظرة نظرت، ينبغي بدافع من إيمانك، ومن دينك، ومن حرصك على سلامة أمتك، وعلى وحدة أمتك، وعلى نصر نرجوه إن شاء الله، ينبغي ألا تنطق بكلمة واحدة، لا أمام ملأ، ولا بين شخصين تهدم ما بين الأمة من وحدة، تشتت جمعها، تشق صفوفها.
هذه النقطة الأولى بدافع من دينك، أو بدافع من حكمتك، أو بدافع من انتمائك لأمتك، ينبغي أن يكون كلامك جامعاً وموحداً، لأننا جميعاً الآن في قارب واحد.
ورقة الأعداء الرابحة: الطائفية
أيها الإخوة الكرام، يجب أن تعلموا علم اليقين، وأنا أشدد على ذلك أنه بيد أعدائنا ورقة رابحة، وأرجو أن تكون وحيدة هي إثارة الفتن الطائفية، ونحن بوعينا، وعمق إدراكنا، وإخلاصنا، وحرصنا على سلامتنا، وحرصنا على أن ننتصر يمكن أن نسقط هذه الورقة الرابحة الوحيدة من أيدي أعدائنا، الورقة إثارة الفتن الطائفية، عد هذا سياسة، عُدَّ هذا حكمة، عد هذا تضامناً، عد هذا تعاوناً، نحن في أمسّ الحاجة أن نسقط من يد أعدائنا هذه الورقة الوحيدة والرابحة، إثارة الفتن الطائفية، وليس القطر الذي بجوارنا عنا ببعيد، الآن دخل البلد المجاور في حرب أهلية، وتنتهي بالتقسيم، وقد بدأ الغربيون يلمحون بالتقسيم.
أيها الإخوة الكرام، يجب أن نعلم علم اليقين كيف يخطط لنا أعداؤنا، أعداؤنا بدؤوا في هذه الفترة في هذا الشهر يطرحون كلمة شرق أوسط جديد، وهو يعني عددا كبيرا من الدول، كل عرق، كل قوم، كل طائفة، كل انتماء دولة، ولها علم، ولها قوانين، والانتقال من بلد إلى بلد يحتاج إلى جواز سفر، هذا الشيء كان مخبئاً تحت الطاولة، الآن هو معلن، فلذلك أيها الإخوة الكرام، نحن في أمسّ الحاجة إلى التعاون، إلى أن نسقط من أيدي أعدائنا هذه الورقة.
أعجبتني كلمة أحد العلماء حينما سمى مشروع الشرق الأوسط الجديد شرخ أوسخ حقير.
أيها الإخوة الكرام، كما تعلمون الله عز وجل يعلم ماذا يجري، ولا يليق بربوبيته ولا بألوهيته ألا يعلم، والآية تقول: ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ﴾
فكيف بالصاروخ ؟ فكيف بقتل الألوف، وتشريد عشرات الألوف ؟ هو يعلم، ويجب أن نؤمن يقيناً أنه على كل شيء قدير، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، زل فيزول.
ذكرت لكم في خطبة سابقة أن زلزال تسونامي يساوي مليون قنبلة ذرية، إن الله على كل شيء قدير، هو يعلم ويقدر، بقي وهم ثالث، أن الله لا يعنيه ما يجري في هذه المنطقة، أيضاً هذا يتناقض مع ألوهيته، ومع ربوبيته، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
بقي الاحتمال الرابع اليقيني أن الذي يجري بعلمه، وبخطته لحكمة بالغة بالغةٍ، يعرفها المؤمن، وقد يغفل عنها ضعيف الإيمان.
أيها الإخوة الكرام، (( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
قال تعالى:﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾
نظرية المؤامرة حجة ضعفاء المسلمين
هذه حقيقة كبيرة، ولكن مع الأسف الشديد في أوساط المسلمين لا يُقبل التحليل التوحيدي، التحليل القرآني، التحليل الإيماني، التحليل الذي من عند الله، لا نقبل إلا تحليلاً أرضياً، مؤامرة، ونظرية المؤامرة نظرية بالية.
الإنسان أيها الإخوة يميل إلى أن يلقي المسؤولية على غيره، فكلما قصر، وكلما توانى يقول لك: مؤامرة، يتآمرون علينا، جزء من قوتهم بسبب ضعفنا، جزء من قوتهم بسبب تخاذلنا، نظرية المؤامرة ينبغي أن تركلها بقدمك، وقد ألِف المسلمون في تاريخهم الحديث أن كل خطأ في حياتهم بسبب الاستعمار، أو بسبب الصهيونية، أو بسبب الإمبريالية، هذا كلام مضحك، الخطأ منا، الخطأ من ضعفنا، من عدم تعاوننا، من عدم إعداد العدة لعدونا، هذه الحقيقة المرة، و ينبغي أن تكون أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
دققوا أيها الإخوة، شيء مريح جداً كلما ألمّت بنا ملمّة أن نعزوها لأعدائنا، نحن المقصرون، أقسم لكم بالله الحل بأيدينا:
﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
هل تحققت جنديتك لله ؟
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
هذه وعود الله، و زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده.
أيها الإخوة الكرام، الغرب قوي، ولا يعبأ بالضعيف، ولا يصغي إلى حجة الضعيف، ولا يبالي بالضعيف، هذا شأن القوي الكافر، أنت حين تفكر بأقواله تحترمه، هو أحقر من ذلك، قوِ نفسك، و اضربه، الغرب القوي لا يحترم إلا الأقوياء، الله عز وجل يقول: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
هذا إذا أخذنا من الدين ما يعجبنا، أعجبنا من الدين العمرة، أعجبنا من الدين قصر الصلاة في السفر، أعجبنا من الدين سنة الزواج، أعجبنا من الدين الأشياء الخفيفة، أما حينما يقول الله لك: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
إذاً لابد من أن نطبق منهج الله بأكمله، أيعقل أن يبنى بلد في عشرين عاماً بقرض ربوي، أربعون مليار، ونصف الدخل القومي للبلد المجاور خدمة القرض، أي أداء الفائدة فقط، و كل منجزات هذا القرض تلغى في أربعة أيام ؟ ما قيمة أمة من دون قوة ؟ ما قيمة أمة، بل ما قيمة منجزات أمة من دون قوة ردع ؟
أيها الإخوة الكرام، لعل أكبر شيء وقع فيه المسلمون أنهم لم يؤمنوا الإيمان الذي حملهم على طاعة الله، ذكرت لكم كثيراً أن هناك دائرة كبيرة، كل من كان داخلها فهو مؤمن، وإبليس داخل هذه الدائرة، لأنه قال: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
وقال:﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ ﴾
وقال:﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
البند الثاني: الإيمان الحقيقي بالله:
هذا الإيمان الذي لا يترجم إلى سلوك لا قيمة له إطلاقاً، هو إيمان إبليسي، قلما تجد في المئة ألف إنسان يقول لك: ليس هناك إله، حتى الذي يرتكب المعصية الفاجرة يقول لك: الله وفقني بهذا.
إذاً: الإيمان من دون تطبيق لا قيمة له إطلاقاً، أما هذه الدائرة الكبيرة التي كل من فيها يقول: الله موجود، هو مؤمن بمعنى من معاني الإيمان، لذلك يقول الله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا ﴾
ضمن الدائرة الكبيرة دائرة أصغر، ما مضمون هذه الدائرة الصغرى ؟ الذي آمن بالله، وحمله إيمانه على طاعته هذا الإيمان المنجي، هذا الشرط الأول للانتصار أن نكون مؤمنين حقاً أي يحملنا إيماننا على طاعة الله، على إقامة أمر الله في أنفسنا، وفي بيوتنا، وفي أعمالنا، هذا الشرط الأول شرط لازم غير كاف، أتكلم معكم بكتاب الله من أجل أن تفهموا حقيقة ما يجري، نحن لسنا مؤمنين بالمفهوم القرآني، إقرارنا بأن الله موجود لا يقدم ولا يؤخر، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
إذا كانت سنة النبي فينا، منهجه فينا، مطبقاً في كل شؤون حياتنا فنحن في مأمن من عذاب الله.
البند الثالث: إعداد القوة:
الآن الشرط الآخر، قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
لا يكفي أن نؤمن، ولا يكفي أن نعدّ لهم، نقمة الله لا ترد بالسيوف وحدها، ترد بالتوبة، والإنابة، ثم بإعداد العدة فقط، ليس هناك طريق إلى النصر إلا هذا الطريق الذي جاء في القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
ولكن من رحمة الله بنا أنه كلفنا أن نعد ما نستطيع لا ما يكافئ قوة أعدائنا، أما هذا الفرق الكبير بين ما نستطيع وما يحتاجه عدونا من قوة يتولى الله ترميمه برحمته وعنايته، وجزء من انتصار المؤمنين بفضل الله وعونه، وتأييده وتوفيقه ونصره.
لذلك أيها الإخوة الكرام، هيِّئوا أنفسكم كي تتقبلوا التحليل التوحيدي، التحليل السماوي، والتحليل القرآني، ولا تعبأ بالتحليلات الأرضية الشركية، ووطنوا أنفسكم ثانية أن تؤمنوا بالحل القرآني، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
(( من قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها ؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله))
لا بد من عودة إلى الله، لا بد من صلح معه، ولا بد من إعداد العدة المتاحة فقط، والله يتولى ترميم الفرق بين قوتنا وقوة أعدائنا، وليس هناك حل ثانٍ، والناس يريدون حلاً آخر، اتفاقيات، تطبيع علاقات، دعم دولة قوية فقط، يريدون أن يبقوا على ما هم عليه من تفلت، من معصية، من اتباع للشهوات، من تحقيق المصالح، ولا يعبؤون بشرع الله، والله لا أمل أبداً أن ننتصر إلا إذا تبنا إلى الله، وأنبنا إليه، ثم أعددنا العدة المتاحة فقط، اعتمد التحليل القرآني للأحداث، اعتمد الحل القرآني للأحداث.
أيها الإخوة الكرام، شيء آخر، لو أننا، ونرجو الله أن ننتصر، لو أننا انتصرنا صدقوا لكان هناك شرق أوسط جديد إسلامي، أصبحنا أنداداً لأعدائنا، هم لا يروننا إطلاقاً، لا يعبؤون بكلامنا إطلاقاً، ولا باجتماعاتنا، هم يروننا أننا ضعاف، متخلفون، متخاذلون، متفرقون، متشرذمون، أما إذا رأونا قوة واحدة، أنبنا إلى الله.
والله سمعت هذا مئات المرات، أن أعداءنا الصهاينة يقولون: ينتصر علينا المسلمون إذا كان عدد المصلين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة، سمعت هذا عشرات المرات، نقلاً عن زعماء من أعدائنا، متى ننتصر عليهم ؟ إذا كان عدد المصلين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة.
أيها الإخوة الكرام، أحياناً الأحداث تعطي المؤمنين شحنة جديدة يمكن أن ننتصر، يمكن إذا أعدنا فرضية الجهاد أن يكون الجهاد قوة فعالة لنا، حينما ييأس الناس، حينما يستكينون، حينما يحبطون، حينما يتوهمون أن الله تخلى عنهم، وأنه لن تقوم للإسلام قائمة يعطينا الله دفعة تنشيط يُمكّن هذا العدو المتغطرس الذي يتوهم المسلمون جميعاً أنه قوة لا تقهر، يمكن أن يمرغ بالوحل، يمكن أن يفقد صوابه، يمكن أن يشك بقياداته، والذي حصل أننا كنا مستضعفين في الأرض، أما الآن، قال تعالى: ﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ﴾
عندهم صفارات الإنذار، وعندهم ملاجئ، وعندهم نزوح، وعندهم جرحى، وعندهم قتلى، وعندهم تعطل الحياة الاقتصادية، وعندهم إلغاء الموسم السياحي: ﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ﴾