موضوعٍ ينبغي أن ندقق في فهمه، ألا وهو نواقض الإسلام، لو أن إنساناً معه ورقة مالية بمليون أو بمئة مليون، وهي ورقةٌ مزورة، الأَولى أن يعلم أو لا يعلم؟ الأولى أن يعلم، لماذا؟ من أجل ألا يبني آمالاً من دون أسباب، من أجل ألا يبني أحلاماً من دون أسس، فالحقيقة المرة دائماً وأبداً هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح. الحقيقة: كل واحد راضٍ عن إيمانه، لكنه ليس راضياً عن رزقه، والأولى ألا ترضى على ما تتوهم ما هو إيمان، فالشرك ينقض الإسلام، وقد قال الله عز وجل: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾. لو تصورنا أن عقيدة التوحيد راسخة في الإنسان، هناك آلاف الأمراض يشفى منها، أمراض القلق، وأمراض الخوف، وأمراض النفاق، وأمراض الخنوع والخضوع، هذه الصفات التي تزري بالإنسان، والتي تحبط به عن أن يكون عزيزاً، كل هذه الأمراض بسبب ضعف التوحيد، لأن الإنسان إذا أيقن أن الذي وهبه الحياة، لا يمكن أن يسمح لأحد أن يأخذها منه إلا الذي وهبه إياها، وأن الله سبحانه وتعالى تكفل بأرزاق العباد، وكلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً، لذلك تقوى شخصيته ويتفاءل ويطمئن إلى عهد الله عز وجل، فالصحة النفسية تساوي التوحيد، والأمراض النفسية تساوي الشرك.
أنواع الشرك:
أنواع منوعة، الباطل متعدد، أما الحق واحد: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ السبل جاءت جمعاً، أما الصراط المستقيم فجاء مفردا الحق لا يتعدد.
1. أن تجعل لله شريكاً في الملك والتصرف: هناك من يؤمن بالله، ولكن يجعل لله شريكاً في التصرف، في الملك، وفي التصرف؛ أي خلقاً، وحياةً، ورزقاً، وموتاً، وضراً، ونفعاً. أن تعتقد أن لهذا الكون مالكاً غير الله، وأن لهذا الكون متصرفاً غير الله، هذا شرك دون أن تشعر.
2. من يصف نفسه بصفات هي لله عز وجل: من يصف نفسه بصفات هي لله عز وجل، ماذا قال فرعون؟: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ وأيضاً: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾. حينما تقول: أنا بهذا السد أستغني عن رحمة السماء، وأنا ربكم الأعلى كما قال فرعون، وبيدي أن أعطي وأن أمنع، هذا نوع آخر من الشرك، أي أن تلبس لبوساً ليس لك.
3. أن تعبد غير الله: شرك من يعبد غير الله، بأي لون من ألوان العبادة، لئلا نتوهم أننا لا نعبد غير الله. قد يقول قائل: من منا يقول: أنا أعبد غير الله؟ لا أحد يقول، ولكن حينما تطيع مخلوقاً وتعصي خالقاً شئت أم أبيت، علمت أم لم تعلم، أنت تعبد هذا الإنسان، قال تعالى: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾.
4. ألا تعتقد أن الله فعال في الأرض: أحد أنواع الشرك: ألا تعتقد أن الله فعال في الأرض، مع أن الله عز وجل يقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾.
5. أن تجعل لله أنداداً، أن تحبهم كحب الله تعالى: من الشرك: أن تجعل لله أنداداً، أن تحبهم كحب الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ﴾.
6. أن تطلب العزة مما سوى الله: من ألوان الشرك: أن تطلب العزة مما سوى الله: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ . بتاريخنا المعاصر: كم جهة اعتمدت على جهة مما سوى الله اعتماداً كبيراً، ثم طعنتها بالظهر، التاريخ بين أيديكم.
7. أن تستنصر بغير الله: من ألوان الشرك: أن تستنصر بغير الله: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾.
8. أن يفرح الإنسان، وأن يستبشر إذا ذكر الشركاء لله عز وجل: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ الآن: قدم تفسيراً أرضيًا للأحداث يستبشر الناس.
9. إذا ذكرت الله وحده نفر الناس: من ألوان الشرك: أنك إذا ذكرت الله وحده نفر الناس، وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده: ﴿وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً﴾.
10.أن تحلل ما حرم الله، وأن تحرم ما أحل الله: أي أن تكون أنت المحلل والمحرم: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.
11. أن أبتغي وجه الله، وأبتغي السمعة بين الناس: ((سمعت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)) الإنسان أحياناً يعمل عملاً، ثم يستجدي مديحاً، كلما عمل عملاً يحب أن يظهر، هذا مما يجرح إخلاص العمل: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾ إذا ازداد عملك بالثناء، وقلَّ بعدم الثناء، فهناك مشكلةٌ في الإخلاص، وأن عملك إذا ازداد أمام الناس، وضعف بينك وبين الله، هذا مؤشر آخر، ليس في صالحك، وأنك إذا عملت عملاً صالحاً، ولم تشعر بشيء إطلاقاً، أيضاً هذا مؤشر ثالث. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، إذا أشركت يحبط العمل، كيف؟ لو كان العملُ مقبولاً عند الناس، لكنك لم تقدم عليه ابتغاء وجه الله، بل ابتغاء أن يرضى الناس عنك، إذاً هذا شرك، ابتغاء أن تعلو في الأرض هذا شرك، فهذا العمل على أنه عمل عظيم، لا وزن له في الآخرة.
الله سبحانه وتعالى لا يغفر أن يشرك به، هناك ذنبٌ يغفر، وهناك ذنبٌ لا يغفر، وهناك ذنبٌ لا يترك، ما كان بينك وبين العباد لا يترك، وما كان بينك وبين الله يغفر، وما كان شركاً لا يغفر إلا أن تتوب: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾.
الأسباب الكبيرة التي تحمل على الشرك وهو نقيض التوحيد:
1.أن تعجب بعقلك، أو أن تتبع رأياً لا علاقة له بالوحي، أو أن تتبع هواك: هذه آفات ثلاث، أن تعجب بعقلك، وأن تعد العقل مرجعاً لكل شيء: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ أن يحجب العقل عن وحي السماء، هو شيء كبير جداً، لكن لا قيمة للعين من دون ضوء، كما أنه لا قيمة للعقل من دون وحي، الضوء للعين كالوحي للعقل، فعقل بلا وحي ضال مضل، والعالم يتخبط في صراعات، وفي حروب، وفي تدمير، وفي شقاء، وفي رذيلة، وفي إباحية، لماذا؟ لأن العقل البشري استقل عن وحي السماء. أكاد أقول لكم: إن ما تعانيه البشرية من مشكلات، بسبب عقل بلا وحي، وكل ما جاء به الإسلام من تقدم ومن خير، هو عقل يهتدي بالوحي، أنت كمسلم لك عقل يهتدي بالوحي، والكافر عقل بلا وحي، لذلك المؤمن الله عز وجل يكرمه بالحكمة: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ والكافر أكبر عقاب له أن الله يتخلى عنه، فإذا هو يرتكب حماقات ما بعدها من حماقات، فحينما تعتقد أن عقلك هو كل شيء، وأنه وحده يعطيك الحل لكل مشكلة، وتستغني عن وحي السماء، فهذا أحد أكبر أسباب الشرك، فحينما تقبل رأياً يتناقض مع وحي السماء، أيضاً هذا أحد أكبر أسباب الشرك، وحينما تحكم الهوى والمصلحة تقع بالشرك، فالآراء والعقول والأهواء، هي سبب الشرك الذي هو المهلك: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾.
2. اتباع الشهوات، والخضوع للغرائز: سبب آخر للوقوع بالشرك هو، إما إنسان عنده ضلال بعقله، أو إنسان عنده انحراف بشهواته : ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه.
الشرك من نتائجه:
الانقباض، الضيق، والقلق، ثم الإحباط، الشرك أن تؤمن بالله، وأن تؤمن مع إيمانك بالله: أن في الأرض أقوياء يفعلون ما يريدون، ويدمرون ما يشاؤون، ويفقرون ويغنون، فالخلق بيد الله، والحياة بيد الله، والرزق بيد الله، والموت بيد الله، والضر بيد الله، والنفع بيد الله، هذا هو الإيمان، مع الإيمان راحة نفسية، مع الشرك عذاب نفسي، والدليل: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ أحد أكبر أسباب العذاب النفسي: أن تدعو مع الله إلهاً آخر.
مصطلحات فيها شرك:
الآن كلام الناس دون أن يشعروا: الدهر قلب لي ظهر المجن، ما هو الدهر؟ الدهر إله، سخر القدر منك، ثالث يقول: دارت الأيام عليه، كلمة أيام لا معنى لها، وكلمة دهر لا معنى لها، وكلمة فلان ليس له حظ لا معنى لها، لا حظ ولا قدر بالمفهوم الشركي، ولا دهر إلا الله.