بحث

الشرك من نواقض الإسلام

الشرك من نواقض الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

      أيها الإخوة، ديننا دين التوحيد، ديننا كلمته الأولى : لا إله إلا الله،  وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد  

معنى التوحيد:  

      معنى التوحيد ألا ترى مع الله أحدًا، معنى التوحيد ألا ترى رازقاً إلا الله، ولا قوياً إلا الله، ولا رحيماً إلا الله، أن الذي يعطي هو الله، والذي يمنع هو الله، والذي يرفع هو الله، والذي يخفض هو الله، والذي يعز هو الله، والذي يذل هو الله، كفكرة سهل أن تفهمها، أما أن تعيشها فهذا يحتاج إلى جهد كبير جداً، يمكن بوقت قصير أن تستوعب معنى لا إله إلا الله، أما أن تعيش هذه الكلمة، حينما يأتي إنسان، ويضغط عليك، ولا ترى إلا الله سمح له، بين أن تكون علاقتك معه وبين أن تكون علاقتك مع الله، فرق شاسع، لذلك معظم أهل الأرض مؤمنون بالله خالقاً، لكن قلةً منهم تؤمن بالله مسيراً، تؤمن بالله فعالاً، تؤمن بالله أنه إله في السماء، وإله في الأرض، تؤمن أنه الأمر كله بيد الله، لكن شاءت حكمة الله ألا تدركه الأبصار، لا تدركه الأبصار، ترى من؟ ترى القوي بإمكانه أن يضرك وينفعك، وأن يذل! لذلك عظمة الإيمان أنك لا ترى مع الله أحداً، إن رأيت أن هذا الإنسان القوي بإمكانه أن ينفعك، أو أن يضرك فقد وقعت في الشرك.  

الشرك الجلي والشرك الخفي:  

      على كلٍ الشرك نوعان، شرك جلي، وشرك خفي،   

أولا: الشرك الجلي:  

      أن تعبد حجراً، أن تعبد صنماً، أن تعبد الشمس والقمر،   

ثانيا: الشرك الخفي:  

      أن تعبد شهواتك، أن تعبد القوي، وعبادة القوي لا تعني أنك تعده إلهاً، لا، يأمرك فتأتمر وينهاك فتنتهي، هذه عبادتك له، ولا تعبأ بأمر الله ولا بنهيه، حينما يأمر قوي فتأتمر، وينهاك فتنتهي، فأنت تعبده دون أن تشعر، وهذا شرك خفي، حينما تتوهم أن العطاء بيد زيد، وأن الحرمان بيد عبيد، وأن العز بيد فلان، وأن الذل بيد علان، وتنسى الله عز وجل، فهذا شرك خفي.  

       قال الله عز وجل:وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ  

      الشرك أيها الإخوة، أخفى من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، أخفى من دبيب النملة إذا سارت على صخرة صماء أتستطيع أن تسمع وقع أقدامها،   

       الشرك أخفى في قلب ابن آدم  من دبيب النملة السمراء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على معصية، وأن تبغض على طاعة،   

      إنسان نصحك بأدب، لكن لم ترق لك نصيحته، فأبغضته، إنك ألهت نفسك، رأيت أنك أكبر من أن تنصح، أو أحسن إليك إنسان، وهو مشرك فأحببته، علامة إيمانك أن تبغض المشرك، ولو كان محسناً لك، و أن تحب المؤمن، ولو كان مسيئاً لك، هذه هي علامة إيمانك.  

      لو أن إنساناً معه ورقة مالية بمليون أو بمئة مليون، وهي ورقةٌ مزورة، الأَولى أن يعلم، أو لا يعلم؟ الأولى أن يعلم، لماذا؟ من أجل ألا يبني آمالاً من دون أسباب، من أجل ألا يبني أحلاماً من دون أسس، فالحقيقة المرة دائماً، وأبداً هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح.   

      الحقيقة كل واحد من المسلمين راضٍ عن إيمانه، لكنه ليس راضياً عن رزقه، والأولى ألا ترضى على ما تتوهم ما هو إيمان،   

      فلذلك أيها الإخوة باب نواقض الإسلام بابٌ خطيرٌ وأساسيٌ في العقيدة الإسلامية، فالشرك ينقض الإسلام،   

       وقد قال الله عز وجل:وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ  

أنواع الشرك:  

      الحقيقة الشرك أنواع، أنواع منوعة بالمناسبة الباطل متعدد، أما الحق واحد.  

       قال الله تعالى:وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ   

      السبل جاءت جمعاً، أما الصراط المستقيم فجاء مفردا، يخرجهم من الظلمات (جمع) إلى النور ( مفرد )، الحق لا يتعدد، بالمناسبة من السهل جداً أن تستوعب الحق، لأنه واحد، ويكفي أن تستوعبه ليكون ميزاناً لك، لكن من المستحيل، وألف مستحيل أن تستطيع في عمر محدود أن تستوعب الباطل، لتعدده وكثرته لا يستوعب، فمن سلك في هذا الطريق فهو طريق مسدود، من أجل أن تستوعب عقيدة فئة ضالة تحتاج إلى أعوام مديدة، فلو أردت أن تستوعب كل الضلالات لا تكفي أعمار أمة لاستيعابها، ففرق كبير بين أن تستوعب الحق فيكون مقياساً تقيس به كل شيء، وبين أن تخوض في الباطل فتمضي الأعمار، ولا تصل إلى مبتغاك. 

أولاً: أن تجعل لله شريكاً في الملك وفي التصرف:  

      أيها الإخوة: هناك من يؤمن بالله، ولكن يجعل لله شريكاً في التصرف، في الملك وفي التصرف، أي خلقاً وحياةً ورزقاً وموتاً وضراً ونفعاً، حينما تعتقد أن لهذا الكون مالكاً غير الله، وحينما تعتقد أن لهذا الكون متصرفاً غير الله، فهذا الشرك بعينه، أحد أنواع الشرك أن تعتقد أن لهذا الكون مالكاً غير الله، وأن لهذا الكون متصرفاً غير الله، هذا شرك دون أن تشعر، حينما تستمع إلى الأخبار، وقد تكون الأخبار قاسية جداً، شعب مسلم يدمر، حينما تتوهم أن الله لا علاقة له بهذا، ولكن هذا القوي الجبار استطاع أن يفعل هذا، هذا هو الشرك بعينه.   

       أن الله عز وجل يقول:وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ  

       يروي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ربه فقَالَ  

       كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ إِنِّي لَا أُعِيدُهُ كَمَا بَدَأْتُهُ وَلَيْسَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَعَزَّ عَلَيَّ مِنْ أَوَّلِهِ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا اللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ  

      الآن كلام الناس دون أن يشعروا:   

      الدهر قلب لي ظهر المجن، ما هو الدهر؟ الدهر إله،   

      الآخر يقول: سخر القدر منك،   

      ثالث يقول: دارت الأيام عليه،  كلمة أيام لا معنى لها، وكلمة دهر لا معنى لها،   

      وكلمة فلان ليس له حظ، كلام ليس له معنى، لا حظ، ولا قدر بالمفهوم الشركي، ولا دهر إلا الله، فأنت حينما تعتقد أن في الأرض شيئاً ظاهراً أو مخفياً، هو الذي يفعل كل شيء والله لا علاقة له بذلك، فهذا عين الشرك.  

      أيها الإخوة الكرام، هناك تعبير معاصر، يقول لك أحدهم : الكرة في ملعبك، أو الكرة في ملعب خصمك، بشكل دقيق، لو أن واحداً تلقى ضربةً بعصا، هل من العقل أن يحقد على العصا؟ يكون أحمق، على من يحقد؟ على من ضربه بالعصا، فإذا كانت الطغاة في الأرض عصياً بيد الله، والله كامل كماله مطلق، معنى ذلك الكرة عندي، المشكلة معي، لولا أنني أستحق هذا التأديب من هذا القوي لما سلطه الله علي، لولا أنني أرتقي بهذا القوي صابراً، أو موحداً، أو مستغفراً لما سلطه علي، هناك حكمة بالغة، هذه الحكمة تلخص بقول القائل :  لكل واقع حكمة  

      لأنه لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد الله، ليس من وحدانيته، وليس من ألوهيته أن يقع في ملكه ما لا يريد، ليس معنى أراد أنه رضي بهذا الذي وقع، لكن الإنسان مخير معنى أراد لا تعني أن الله أمر بهذا الذي وقع، أراد ولم يأمر، أراد ولم يرضى، ومعنى أراد أنه سمح، لأنك مخير، هويتك مخير عنده، والتخير يعني أنك تنطلق إلى ما تريد بقوة الله عز وجل، ما دام الله أعطاك قوةً كي تفعل ما تريد، فإذا كان الذي أردته سيئاً، وأعطاك قوةً أي سمح لك أن تفعل هذا لحكمة يعلمها الله، ولخطة استوعبت خطة هذا القوي، هذا هو الإيمان، لكل واقع حكمة، لذلك قيل: لو كشف الغطاء لاخترتم الواقع  

       قال سيدنا علي:لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً   

ثانياً: أن تتخذ صفات كصفات الله:  

      الآن هناك نوع آخر من الشرك: من يصف نفسه بصفات هي لله عز وجل، ماذا قال فرعون: فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى  

       مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي  

      وبعضهم قال: عقب سنوات القحط، وعقب التوهم الساذج أن بالإمكان أن تنزل الأمطار بطريقة أو بأخرى، فقال: استغنينا عن رحمة السماء، هذا شرك، فإذا أقمنا سداً لا نستغني عن رحمة السماء، لأن مياه السد من السماء، فحينما تدعي أنك فعلت شيئاً هو فعل الله عز وجل من هو الرزاق؟ هو الله، حينما شحت الأمطار في هذه البلاد في سنوات مضت والمياه الجوفية هبطت، وكادت تغور والمزروعات هددت والقلق عم ّ، والناس جأروا بالدعاء، ألا تستطيع جهة أرضية أن تستصدر قراراً بإنزال الماء، من الذي يهب الحياة؟ من الذي يهب أسباب الحياة؟ الله عز وجل تفضل علينا في هذا العام بأمطار عالية النسب، بمستويات في التهاطل تكاد تصل إلى الضعف في معظم المناطق، لولا أن الله تفضل علينا ماذا نفعل؟   

       قال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ  

       ما قيمة هذه المدينة دون ماء؟ والله عز وجل يرينا في بعض المناطق أثر الجفاف وانعدام الأمطار، يموت النبات، ويموت الحيوان، يرحل الإنسان، والله مرت أيام أيها الإخوة كنا مهددين بكأس الماء، من ثلاثة وثلاثين متراً في الثانية إلى نصف متر مياه أحد الينابيع المشهورة منذ أمد طويل، إذن حينما تقول: أنا بهذا السد أستغني عن رحمة السماء، وأنا ربكم الأعلى كما قال فرعون، وبيدي أن أعطي، وأن أمنع،فقد وقعت في الشرك.  

ثالثاً: أن تلبس رداء الكبرياء والعظمة:  

      هذا نوع آخر من الشرك، أي أن تلبس لبوساً ليس لك،   

       لذلك ورد في بعض الأحاديث القدسية: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أُلْقِيهِ فِي النَّارِ  

      هم يتكبرون، وتكبرهم سينتهي إلى أن يقصمهم الله عز وجل، قيل قبل أسابيع من يستطيع في العالم أن يجبرنا على أن نفي بعهودنا ومواثيقنا، من؟ الحقيقة لا أحد، ما أهلك الله قوماً إلا وذكرهم أنه أهلك من هم أشد منهم قوة إلا عاداً، لما أهلكها قال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً   

       وورد أيضاً في الحديث القدسي: الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي قصمته 

رابعاً: أن تُطيع غير الله في معصية الله:  

      الآن هناك شرك من نوع آخر، شرك من يعبد غير الله، بأي لون من ألوان العبادة، لئلا نتوهم أننا لا نعبد غير الله، قد يقول قائل: من منا يقول: أنا أعبد غير الله، لا أحد يقول، ولكن حينما تطيع مخلوقاً وتعصي خالقاً شئت أم أبيت، علمت أم لم تعلم، أنت تعبد هذا الإنسان، إذا أطعت إنساناً وعصيت خالقاً فهذا نوع من العبادة.  

       قال تعالى:قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ  

       وقال تعالى أيضاً: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ  

خامساً: أن تبتغي السمعة من عملك:  

      أيها الإخوة:  

       قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ  

      أنا أبتغي وجه الله، وأبتغي السمعة بين الناس، دخل الشرك، أنا أبتغي وجه الله لكن كنت أتوقع من هذا المريض الذي أجريت له عملية ناجحة أن يكتب كلمة في إحدى الصحف يثني على مهارتي في إجراء العملية، الإنسان أحياناً يعمل عملاً، ثم يستجدي مديحاً، لو أنه سكت لكان أحسن له، إذا قدم لك إنسان شيئاً، وهذا الإنسان الذي قدم له الشيء بقي ساكتاً ينبهه: كيف وجدت هذه الهدية، هل أعجبتك؟ هو يسألك أن تثني عليه، دون أن يشعر الإنسان، كلما عمل عملاً يحب أن يظهر، هذا مما يجرح إخلاص العمل.  

       قال الله تعالى:إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً  

سادساً: من أخذ الأسباب واعتمد عليها:  

      أيها الإخوة، من أخذ الأسباب، واعتمد عليها فقد أشرك، يعني أنت حينما تراجع مركبتك، وتعتقد أن هذه المراجعة ضمان لك من حادث فأنت واهم، ينبغي أن تراجع مركبتك أخذاً بالأسباب، ولا بد من أن تتوكل على رب الأرباب، أن تجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل شيء يحتاج إلى تفوق، الذي أخذ بالأسباب اعتمد عليها، ونسي الله عز وجل، الغرب أخذوا بالأسباب وأشركوا، لأنهم ألهوا الأسباب واعتمدوا عليها.  

       قال الله تعالى:فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا  

      كلما اعتمدت على قوتك خيب الله ظنك بقوتك، وكلما اعتمدت على مالك.  

      أحدهم أصلحه الله قال كلمة في مجلس: إن الدراهم مراهم، تحل بها كل مشكلة، فابتلاه الله بمشكلة لو دفع ألف مليون لا تحل بها، قال لي: بقيت في المنفردة ثلاثاً وستين يوماً، وكل يوم أؤنب نفسي، ألم تقل أيها الإنسان الجاهل: إن الدراهم مراهم تحل بها كل مشكلة.  

      طبيب بأمريكا رأى أن الجري يقي القلب من كل آفاته، هي فكرة علمية صحيحة، فكان يجري كل يوم ساعتين، وعقد معه ندوات، وألف مقالات، وألف كتبًا، كلامه ليس خطأ، ولكنه توهم أن الجري وحده يقيه من الموت، فمات وهو يجري في الثاني والأربعين، كلما ألّهت شيئاً خيب الله ظنك به، خذ الأسباب ولكن إياك أن تعتمد عليها، خذ الأسباب، ولكن إياك أن تنسى الله معها، خذ الأسباب ولا تنس أن مسبب الأسباب هو الله.  

       وفي يوم معركة حنين قال الله تعالى:لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ  

      النبي عليه الصلاة والسلام كان من الممكن في الهجرة أن ينتقل على البراق، بلمح البصر من مكة إلى المدينة، لكن أراد أن يعلمنا كيف نحيا، اتجه نحو الساحل، ليضلل المطاردين، وقبع في غار ثور أياماً ثلاثة ، كي يخف الطلب عليه، وهيأ من يأتيه بالأخبار، وهيأ من يأتيه بالزاد والطعام، وهيأ من يمحو الآثار، استأجر دليلاً غلب فيه الخبرة على الولاء، ولم يدع لثغرة احتمالاً، أغلق كل الثغرات، فلما وصلوا إليه قال أبو بكر :يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا، الآن جاء دور التوكل على الله ، أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟   

سابعاً: أن تطلب العزة مما سوى الله:  

      من ألوان الشرك أن تطلب العزة مما سوى الله: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً  

      بتاريخنا المعاصر كم جهة اعتمدت على جهة مما سوى الله اعتماداً كبيراً، ثم طعنتها بالظهر، التاريخ بين أيديكم.  

ثامناً: أن تستنصر بغير الله:  

       قال الله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ  

تاسعاً: أن تحلل ما حرم الله وأن تحرم ما أحل الله:  

      أي أن تكون أنت المحلل والمحرم: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ  

      هو يحلل، ويحرم.  

مؤشرات على الشرك:  

      المقياس الذي أقوله دائماً: إذا ازداد عملك بالثناء، وقلَّ بعدم الثناء فهناك مشكلةٌ في الإخلاص، وأن عملك إذا ازداد أمام الناس، وضعف بينك وبين الله، هذا مؤشر آخر، ليس في صالحك، وأنك إذا عملت عملاً صالحاً، ولم تشعر بشيء إطلاقاً أيضاً هذا مؤشر ثالث.   

       يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه:  يا بن آدم مهما عبدتني ورجوتني ولم تشرك بي شيئاً غفرت لك على ما كان منك، و إن استقبلتني بملء السماء و الأرض خطايا و ذنوباً استقبلتك بملئهن من المغفرة وأغفر لك ولا أبالي  

      العبرة ألا تشرك.   

      هذه بعض أنواع الشرك، أن تجعل لله شريكاً في الملك والتصرف أو أن تتخذ لنفسك صفات كصفات الله، أو أن تطيع مخلوقاً وتعصي خالقاً، وأن تمل عملاً تبتغي فيه السمعة هذه أنواع الشرك، وكل نوع في آيات واضحة جلية وفي أحاديث واضحة جلية.  

      إخواننا الكرام: هذه المصطلحات في الإسلام ينبغي أن تكون واضحةً في أذهاننا، الشيء المألوف أن المصطلح إذا كثر ترداده ضعف مدلوله الشرك، أي قد يشرك الإنسان وهو في المسجد، مثلاً إذا شعر أن الشيخ راضٍ عنه، وهو يفعل الموبقات فيما بينه وبين نفسه، هذا شرك، ماذا يفعل الشيخ؟ هل يستطيع أن يمنع الله منك؟   

       والي البصرة قال للحسن البصري بعد أن جاءه توجيه من يزيد، إن نفذ هذا التوجيه أغضب الله، و إن لم ينفذ هذا التوجيه أغضب يزيد، فقال له الحسن البصري: إن الله يمنعك من يزيد، لكن يزيد لا يمنعك من الله،   

      حينما يبتسم لك إنسان فتطمئن، وأنت مع الله على غير ما يرام هذا شرك، حينما تتوهم أنه يكفي أن يرضى عنك والداك، وأنت لا تتقيد بأمر الله إطلاقاً، هذا نوع من الشرك، ترضي ما سوى الله، ترجو ما سوى الله تطمئن لوعد ما سوى الله، تخاف من وعيد ما سوى الله، هذا شرك.   

نتائج الشرك:  

أولاً: مشاكل نفسيىة:  

      لذلك الشرك من نتائجه الانقباض الضيق والقلق، ثم الإحباط، الشرك أن تؤمن بالله، وأن تؤمن مع إيمانك بالله أن في الأرض أقوياء يفعلون ما يريدون، ويدمرون ما يشاءون، ويفقرون ويغنون، فالخلق بيد الله، والحياة بيد الله، والرزق بيد الله، والموت بيد الله، والضر بيد الله، والنفع بيد الله، هذا هو الإيمان، مع الإيمان راحة نفسية، مع الشرك عذاب نفسي، والدليل:  

       قال الله تعالى:  فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ  

      أحد أكبر أسباب العذاب النفسي أن تدعو مع الله إلهاً آخر.  

       أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما تريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لي فيما تريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد، وكنت عندي مذموماً  

      لو تصورنا أن عقيدة التوحيد راسخة في الإنسان، هناك آلاف الأمراض يشفى منها، أمراض القلق، وأمراض الخوف، وأمراض النفاق، وأمراض الخنوع و الخضوع، هذه الصفات التي تزري بالإنسان والتي تحبط به عن أن يكون عزيزاً، كل هذه الأمراض بسبب ضعف التوحيد، لأن الإنسان إذا أيقن أن الذي وهبه الحياة لا يمكن أن يسمح لأحد أن يأخذها منه إلا الذي وهبه إياها، وأن الله سبحانه وتعالى تكفل بأرزاق العباد، وكلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً، لذلك تقوى شخصيته ويتفاءل ويطمئن إلى عهد الله عز وجل.  

       الصحة النفسية تساوي التوحيد، والأمراض النفسية تساوي الشرك  

ثانياً: احباط العمل:  

       قال تعالى:  وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  

      إذا أشركت يحبط العمل، كيف؟ لو كان العملُ مقبولاً عند الناس، لكنك لم تقدم عليه ابتغاء وجه الله، بل ابتغاء أن يرضى الناس عنك، إذاً هذا شرك، بل ابتغاء السمعة، إذاً هذا شرك، ابتغاء الثناء العطر هذا شرك، ابتغاء أن تعلو في الأرض هذا شرك، فهذا العمل على أنه عمل عظيم لا وزن له في الآخرة،  

       عن أبي هريرة قال: حدَّثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:   

       أَن اللهَ إِذَا كانَ يومُ القِيامَةِ يَنزِلُ إِلى العِبَادِ ليَقْضِيَ بَينَهُم، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأوَّلُ مَن يَدعُو به رجلٌ جَمَعَ القُرآنَ، ورجُلٌ قُتِلَ في سبيل الله، ورجلٌ كثيرُ المالِ.   

       فيقولُ اللهُ للقارئ: أَلم أُعَلِّمْكَ مَا أَنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى، يا ربِّ، قال: فماذا عملتَ فيما علمتَ؟ قال: كنتُ أَقومُ به آناءَ الليل وآناءَ النهار، فيقولُ اللهُ لهُ: كَذَبتَ، وتقولُ له الملائكةُ: كذبتَ، ويقولُ اللهُ لَهُ: بَل أَرَدْت أَن يُقَالَ: فُلانٌ قَارئ، وَقَدْ قِيلَ ذَلِك.   

       ويُؤْتَى بِصَاحِبِ المالِ فيقولُ اللهُ: أَلم أُوَسِّعْ عليك، حتَّى لَم أَدَعْكَ تحتاجُ إِلى أَحَدٍ؟ قالَ: بَلى، يا ربِّ، قالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فيمَا آتَيتُكَ؟ قال: كنتُ أَصِلُ الرَّحِمِ، وَأَتَصَدَّق، فيقولُ الله لَهُ: كَذَبْتَ، وتَقُولُ لَهُ الملائِكَةُ: كَذبتَ، ويقولُ اللهُ: بَل أَردت أَن يُقالَ: فلانٌ جَوادٌ، فقيل ذلك.   

       ثم يُؤتى بالذي قُتِلَ في سبيلِ الله، فيقول اللهُ: في ماذا قُتِلتَ؟ فيقولُ: أَمرتَ بالجهاد في سبيلِكَ، فقاتلتُ حتَّى قُتِلتُ، فيقولُ الله لَهُ: كَذَبتَ، وتقول له الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقولُ اللهُ: بَل أردتَ أَن يُقَالَ: فُلانٌ جَرِيءٌ، فقد قِيلَ ذلك،   

ثم ضَربَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رُكْبتي، فقال: يا أَبا هُريرة، أُولئك الثلاثة أَوَّلُ خَلقِ اللهِ تُسَعَّرُ بهم النار يوم القيامة.  

      إذاً إذا أشرك الإنسان حبط عمله، يعني سقطت قيمة العمل، لا قيمة له، هذا إذا كان عملاً عظيماً.   

      المعنى الآخر للإحباط: أن الإنسان حينما يشرك يصبح عمله ساكناً، يرتكب أبشع الأعمال، يسلك أضيق الطرق، ينحط انحطاطاً لا حدود له، فإحباط العمل إما بذهاب قيمته أو بهبوط مستواه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  

ثالثاً: عدم مغفرة الله للمشرك:  

      ومعلوم إليكم أيها الإخوة أن الله سبحانه وتعالى لا يغفر أن يشرك به، هناك ذنبٌ يغفر، وهناك ذنبٌ لا يغفر، وهناك ذنبٌ لا يترك، ما كان بينك وبين العباد لا يترك، وما كان بينك وبين الله يغفر، وما كان شركاً لا يغفر إلا أن تتوب:  

       قال الله تعالى:إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ  

رابعاً: كثرة الأمراض:  

      أخوانا الكرام: اكتشفوا في الإنسان جهاز المناعة المكتسب هذا الجهاز أخطر جهاز في الجسم، إذا تعطل مات الإنسان من أقل الأمراض لأنه الجهاز المتكفل بالقضاء على كل جرثوم يدخل الجسم أو على كل نمو خبيث في خلايا الجسم، هذا الجهاز تحدثت عنه كثيراً لكن علاقتنا بهذا الجهاز من خلال هذه الآية.  

       قال الله تعالى:  فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ  

      هذا الجهاز يقويه الشعور بالأمن، يقويه الحب، تقويه الثقة بالمستقبل، يضعفه الخوف والقلق، والبغض، والحقد، من أين يتأتى الخوف؟ من الشرك قانون.  

       قال تعالى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ  

      أي مخلوق يشرك يمتلئ قلبه رعباً، فرادى وجماعات، حتى الدول القوية يمتلئ قلبها رعباً من شيء موهوم لأنها أشركت بالله ما لم ينزل به سلطان.  

      فالخوف يضعف جهاز المناعة، الآن ثبت أن المؤمن جهازه المناعي قوي جداً لثقته بالله ولاعتقاده أن الأمر كله بيد الله وأنه لا حركة ولا سكنة إلا بأمر الله وأن الله في السماء إله وفي الأرض إله وأن الله إليه يرجع الأمر كله بيده مقاليد السماوات والأرض وكل من حولك بيد الله، وكل من فوقك بيد الله، وكل من تحتك بيد الله وكل أجهزتك بيد الله، وكل أعضائك بيد الله، والأقوياء بيد الله  والضعفاء بيد الله والجراثيم بيد الله، والفيروس بيد الله، ودسام القلب بيد الله، هذا التوحيد، حينما توحد علاقتك بجهة واحدة بيدها كل شيء سميعة عليمة بصيرة فعالة قديرة رحيمة غنية، هذا الشعور وحده يملأ القلب طمأنينةً.  

       قال تعالى: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً  

      أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما تريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لي فيما تريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد، وكنت عندي مذموماً.   

       قال تعالى:فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ  

      يعني عذاب النفس صعب، عذاب الخوف، عذاب القلق، عذاب اليأس، عذاب السوداوية، عذاب الخوف من المجهول، عذاب توقف الفقر، عذاب توقع المرض، عذاب توقع الشلل، أكثر الناس يخافون المستقبل هذا الخوف وحده يؤذي صحتهم صار شيء ثابت أن معظم الأمراض الذي يسببها الشدة النفسية، والشدة النفسية أساسها الشرك وحد تستريح، لهذا قالوا:  ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد  

      لهذا قالوا التوحيد نهاية العلم، إن أردت أن تصل إلى أعلى درجة في الإيمان وحد، لا إله إلا الله حصني من دخلها أمن من عذابي، لا إله إلا الله لا يسبقها عمل، قبل أن تؤمن بها يوجد شرك خفي تعمل لغير الله لذلك لا يسبقها عمل، وإذا كانت لا تترك ذنباً، وإن أردت التبسيط الشديد ممكن أن نبسط الأمر، أنت بحاجة إلى توقيع من دائرة والأمر مهم جداً ويوجد مكسب كبير جداً، في بعثة وفي سفر تحتاج إلى موافقة خروج لو قيل لك إن هذه الموافقة بيد المدير العام وحده وليس لأحد ممن دونه بإمكانه أن يوقع لك هذه الموافقة، قضية بسيطة تحتاج إلى تأشيرة خروج إلى بلد معين محظور السفر له أما المدير العام من صلاحيته أن يمنحك هذه التأشيرة، بربك هل ترجو إنساناً غيره، هل تبذل ماء وجهك لإنسان غيره؟ مستحيل مثل بسيط حينما توقن أن الموافقة على هذا السفر منوطة بيد المدير العام وحده  عندئذٍ لا تسأل غيره ولا تبذل ماء وجهك لغيره، ولا تتضعضع أمام غيره، ولا تفكر أن تستميل غيره أبداً علاقتك مع المدير العام في شأن سفر، أما في شان أمرك، في شأن صحتك، رزقك، زواجك، تأمين حياتك، علاقاتك مع الناس الأمر كله بيد الله.  

      يوجد آيات كان الصحابة الكرام يقرءون آية شيء قد لا يصدق يمضون الليل كله في قراءة آية واحدة يترنمون بها، ومن هذه الآيات: وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ  

      لا يوجد قوة في الأرض إلا الله عز وجل، لا يوجد جهة قوية أبداً كلها عصي بيد الله، المحرك واحد، كل الجهات القوية في الأرض تأتمر بأمر الله شاءت أم أبت.   

       والدليل قوله تعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  

      فالموحد مرتاح نفسياً، الموحد متوازن، الموحد عزيز، الموحد كريم، الموحد لا يخاف، الموحد لا يتضعضع، الموحد لا ينافق، الموحد لا يصاب بأمراض نفسية، الموحد لا يقلق، الموحد لا يحزن الدين كله توحيد وكلمة التوحيد الأولى لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله، لا رافع إلا الله، لا خافض إلا الله، لا معطي إلا الله لا رازق إلا الله، لا مقنن إلا الله، لا مانح إلا الله، لا مانع إلا الله هذا التوحيد، حينما ترى الله في كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء ووراء كل شيء ؛ حينما ترى الله يده فوق يد كل قوي.  

       هكذا قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً  

      التوحيد يكسبك الراحة النفسية والشرك من آثاره الشدة النفسية التي وراء أكثر الأمراض، كلما تقدم الطب اكتشف أن الشدة النفسية وراء إضعاف جهاز المناعة، الشدة النفسية وراء جهاز الهضم، الشدة النفسية وراء الأورام الخبيثة، الشدة النفسية وراء أمراض الجهاز العصبي، الشدة النفسية، يعني الشرك، الخوف، القلق.   

      أخوانا الكرام ملخص الملخص، هو التوحيد والتوحيد كلمة تقال ولكن أن تعيش التوحيد تحتاج إلى جهد كبير، كلمة تقولها  تقول لا إله إلا الله، ولكن أحياناً تعتمد على ما سوى الله وأنت لا تشعر، تضع أملك بغير الله وأنت لا تشعر، تعقد الأمل على غير الله وأنت لا تشعر، تشعر بثقة أنه معك مال وهذا أكبر أنواع الشرك. العمل المال لا يحل مشكلة يوجد إنسان أنا أظنه صالحاً ولكنه غلط غلطة، جالس في جلسة مرة قال المال يحل كل مشكلة، اتخذه إله وهو لا يشعر، وقع في ورطة بقي فيها تسعة وستين يوم والمال ما حل معه مشكلة، هذا تأديب من الله عز وجل، المال لا يحل كل مشكلة ولو كنت قوياً لا تحل كل مشكلة، الله يحل كل مشكلة.  

كن مع الله ترى الله معك        واترك الكل وحاذر طمعك  

وإذا أعطاك فمن يمنعــــه        ثم من يعطي إذا ما منعك  

      من سمات المؤمن عزيز النفس، من أين تأتي عزته؟ من توحيده ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد،   

       قال له: سلني حاجتك ـ ملك التقى بعالم جليل فقير في الحرم المكي ـ قال له العالم: والله أستحي أن أسأل غير الله في بيت الله، فلما التقى به خارج الحرم المكي قال له: سلني حاجتك، قال له: والله ما سألتها من يملكها هل أسألها ممن لا يملكها، فلما أصر عليه قال له: حاجتي أن تدخلني الجنة وأن تنقذني من النار، قال له: هذه ليست لي، قال له: إذاً ليس لي عندك حاجة.  

      ترى المؤمن عفيف، عزيز، رافع رأسه، قرأت مرة كلمة:  ما أجمل سخاء الأغنياء على الفقراء والأجمل منه تعفف الفقراء أمام الأغنياء  

      ترى فقير عفيف لا يبذل ماء وجهه يعيش بكرامته وعزته والله عز وجل كريم، فيا أخوانا الكرام لا تجعلوا مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً، بالوحل ومخذول، وإن لم تكن عبد الله، فأنت عبد لعبد لئيم، لابد من أن تكون عبداً اختر إن كنت عبداً لله فأنت الحر، فأنت العزيز وإن كنت عبداً لعبد لئيم حياة لا تحتمل، أن تكون عبداً لعبد لئيم، والإنسان بالأصل لئيم، تقدم له كل شيء قد ينسى، قد يرد عليك رداً غير أخلاقي.  

ما هي الأسباب الكبيرة التي تحمل على الشرك وهو نقيض التوحيد؟  

      أيها الإخوة الكرام: ما هي الأسباب الكبيرة التي تحمل على الشرك وهو نقيض التوحيد؟   

      أن تعجب بعقلك، وأن تتبع رأياً لا علاقة له بالوحي، أو أن تتبع هواك.  

أولاً: الإعجاب بالعقل:  

      أن تعد العقل مرجعاً لكل شيء: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ  

      أن يحجب العقل عن وحي السماء، هو شيء كبير جداً، لكن لا قيمة للعين من دون ضوء، كما أنه لا قيمة للعقل من دون وحي،  الضوء للعين كالوحي للعقل  

       فعقل بلا وحي ضال مضل، والعالم يتخبط في صراعات، وفي حروب، وفي تدمير، وفي شقاء، وفي رذيلة، وفي إباحية، لماذا؟ لأن العقل البشري استقل عن وحي السماء، أكاد أقول لكم:  إن ما تعانيه البشرية من مشكلات بسبب عقل بلا وحي  

      وكل ما جاء به الإسلام من تقدم ومن خير هو عقل يهتدي بالوحي، أنت كمسلم لك عقل يهتدي بالوحي، والكافر عقل بلا وحي، لذلك المؤمن الله عز وجل يكرمه بالحكمة: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً  

      والذي أشرك فأكبر عقاب له أن الله يتخلى عنه، فإذا هو يرتكب حماقات ما بعدها من حماقات، فحينما تعتقد أن عقلك هو كل شيء، وأنه وحده يعطيك الحل لكل مشكلة، وتستغني عن وحي السماء، فهذا أحد أكبر أسباب الشرك، فحينما تقبل رأياً يتناقض مع وحي السماء، أيضاً هذا أحد أكبر أسباب الشرك، وحينما تحكم الهوى والمصلحة تقع بالشرك، فالآراء والعقول والأهواء هي سبب الشرك الذي هو المهلك.  

       قال الله تعالى:إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ  

ثانياً: اتباع الشهوات:  

      عندنا سبب آخر للوقوع بالشرك هو اتباع الشهوات، والخضوع للغرائز، إما إنسان عنده ضلال بعقله، أو إنسان عنده انحراف بشهواته.  

       قال الله تعالى:فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى  

      لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه.  

الشرك هو الخطر الأكبر:  

      يا أيها الإخوة الكرام، ما من موضوع في الدين أخطر من الشرك، لأن أي ذنب مهما عظم يغفر، ذنب يغفر، وذنب لا يترك، وذنب لا يغفر، أما الذنب الذي يغفر فما كان بينك وبين الله، لأن حقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة، وأما الذنب الذي لا يترك فما بينك وبين العباد، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، أما الذنب الذي لا يغفر أن تشرك بالله فالأمر هنا تحصيل حاصل، لأنك حينما تشرك لا سمح الله ولا قدر تتجه إلى غير الله، وغير الله ليس عنده شيء.  

      ضربت مرةً مثلاً : لك مبلغ ضخم في حلب، وحدِّد لك موعد لقبضه، الساعة الثانية عشر ظهراً، وأردت أن تركب قطاراً إلى حلب، صعدت القطار، وقطعت الدرجة الأولى، لكن بجهلك بالقطارات ركبت في الدرجة الثانية، هذا خطأ، لكن القطار متجه إلى حلب، جلست مع شباب سيئي الخلق فأزعجوك في الطريق بغنائهم، وصخبهم، وضجيجهم، وهذا خطأ ثان، لكن القطار متجه إلى حلب، جلست عكس اتجاه الطريق فأصابك دوار، وهذا خطأ ثالث، لكن القطار متجه إلى حلب، وسيصل في الوقت المناسب، التوت أمعاؤك من الجوع، ولا تدري أن في القطار عربة طعام تقدم فيها بعض الأطعمة، وهذا خطأ رابع، لكن القطار متجه إلى حلب، وسيصل في الموعد المناسب، فرغم هذه الأغلاط، قطعت في الدرجة الأولى، وركبت في الدرجة الثالثة، جلست مع شباب سيئي الخلق، جلست بعكس اتجاه السير، التوت أمعاؤك من الجوع، لكن القطار متجه إلى حلب، وسيصل في الوقت المناسب، وستقبض المبلغ الثمين، أما الخطأ الذي لا يغفر أن تركب قطاراً إلى درعا، لا شيء هناك، لو كان فخماً، لو جلست في الدرجة الأولى، لو تناولت الشطائر الطيبة، لو كنت وحدك في الغرفة ليس هناك شيء، لم تقبض درهماً واحداً هناك.  

      فمعنى أن الله عز وجل لا يغفر أن يشرك به، لأنك في الشرك تتجه إلى غيره، لا إليه، نقول لم يسمح لك أن تعالج، إذا ذهبت إلى مقهى ينبغي أن تذهب إلى المستشفى، هناك الفحوصات، وهناك الطب، وهناك الأدوية، وهناك المعالجة، وهناك التحليل، وهناك التصوير، أما لو ذهبت إلى مقهى ما في شيء، فإن الله لا يغفر لك الذنب تحصيل حاصل  إنك لم تتجه إليه، إنك لم تعلق الأمل عليه، إنك لم تنصع إليه، إنك لم تطلب من القوي، الغني القدير، طلبت من الضعيف، الفقير الحقير الحقود، أنت حينما تسأل إنساناً لا شك أنك مؤمن بوجوده، ولا تسأله إلا إذا أيقنت أنه يسمعك، ولا تسأله إلا إذا أيقنت أنه قادر على أن يلبي طلبك، ولا تسأله إلا إذا علمت أنه يحب أن يلبي طلبك، لا بد من أن تؤمن بوجوده، وأن تؤمن بعلمه، وأن تؤمن بقدرته، وأن تؤمن برحمته، وجوده، وعلمه، وقدرته، ورحمته، أما إنك حينما تتجه إلى بشر إلى إنسان ضعيف، هذا الضعيف ربما لا يكون معك دائماً، إن لم يكن معك كيف يسمعك، وإن سمعك ربما لا يملك القدرة على حل مشكلة، وإن ملك القدرة ربما لا يحب أن يحل مشكلتك، إذاً الشرك أن تتجه إلى غير الله، الشرك أن تعقد الأمل على غير الله، الشرك أن تتوكل على غير الله، الشرك أن تخلص لغير الله، الشرك أن تكون مجيراً لغير الله.  

      الخلاصة: اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها  



المصدر: العقيدة - العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 05-40) : توحيد الألوهية