قال تعالى:
﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً﴾
من شعار المسلم أنه يبدأ الناس بالسلام، ويسلم على من يعرف وعلى من لا يعرف، ويستخدم الصيغة القرآنية في السلام، الله عز وجل قال: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾. والحقيقة كلمة السلام تعني السلامة، والسلامة مطلقة، تعني سلامة الدين، وتعني سلامة الصحة، وتعني سلامة السمعة، فإذا قلت لإنسان: السلام عليكم فأنت تدعو له بكل أنواع السلامة! بدءاً من سلامة الدين والعقيدة إلى سلامة الصحة إلى سلامة السمعة. والله عز وجل من أسمائه السلام، فأنت إذا كنت مطبقاً لمنهجه نالك هذا الاسم، فقد تحيا حياة طيبة، كما قال الله عز وجل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ تحيا حياة طيبة، وإذا انقلبت إلى الآخرة فلك جنة عرضها السماوات والأرض. فالجنة أساساً هي دار السلام، أنت في الدنيا في سلام، فإذا انتقلت إلى الرفيق الأعلى كنت في دار السلام، والتعامل مع الله كله سلام بسلام، والله يدعو إلى دار السلام.
في السنة الشريفة وردت أحاديث كثيرة عن وجوب إفشاء السلام، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ...)) وقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)). و من علامات قيام الساعة أنك لا تسلم إلا على من تعرف! أما الذي لا تعرفه فلا تسلم عليه. قال صلى الله عليه وسلم: ((أبخلُ الناسِ من بَخِلَ بالسلامِ)) وفي حديث آخر: ((إذا التقى المؤمنان فسلم كل واحد منهما على صاحبه وتصافحا كان أحبهما إلى الله أحسنهما بشراً لصاحبه)) سلمت عليه بحرارة، وابتسمت، أقرب الرجلين إلى الله من كان سلامه أشد حرارة وبشراً وطلاقة. وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ)) الذي يبدأ بالسلام هو الأقرب لله عز وجل.
من أحكام السلام: إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة، أو جدار، أو حجر، ثم لقيه فليسلم عليه. ((إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ) ) و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِير)) عَنْ أَنَسٍ قَال: ((مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَلْعَبُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا صِبْيَانُ)).
طرح السلام تطوع والرد فريضة، لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً﴾ كلمة حسيباً : إن لم ترد السلام يحاسبك، وإن بدئتَ بالسلام، وأنت في المعركة، وقتلته تحاسب! معنى هذا أنه استسلم لك، وانصاع فلا ينبغي أن تجعل الهدف هو القتل، ينبغي أن تجعل الهدف هو الهداية. والحقيقة حكمة أن تأتي آيات السلام ضمن آيات الحرب هناك حكمة بالغة! ذاك أن الذي تحاربه هو إنسان، فإذا سلّم عليك، أي طلب منك أن تعامله بالإحسان فلا ينبغي أن تقتله، فأي إنسان يسلم على مسلم في الحرب ينبغي أن يكف عن قتاله، أي أنك تحارب لا من أجل أن تبيد الطرف الآخر، ولا من أجل أن تزهق روحه، فالجهاد بالإسلام جهاد عقائدي لا جهاد نفعي، لا يقاتل إلا من يعتقد بالله عز وجل، وبأركان الإيمان، وبأركان الإسلام، ويجاهد لإعلاء كلمة الله في الأرض، ولئلا تكون فتنة ويكون الدين لله. فحينما تقاتل الكافر ليس القصد أن تقتله، وليس القصد أن تبيده، ليس في الإسلام حرب إبادة، الإسلام دين إنساني، وكلمة إنساني رائعة جداً، قد تجد بعض الدول في العالم الغربي تعتني بشعوبها عناية تفوق حد الخيال، أما مع الشعوب الأخرى فيذبحونهم، ويقتلونهم، وينهبون ثرواتهم، ويشيعون الفوضى في حياتهم، ويقهرونهم ليستغلوا ثرواتهم، هؤلاء ليسوا إنسانيين. قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) من أخوه؟ أخوه في الإنسانية، لا يمكن أن تكون مقبولاً عند الله إلا إذا عاملت كل البشر كما تحب أن يعاملوك، القصص التي تروى عن أصحاب رسول الله تنفيذاً لتوجيهات النبي في معاملة الأسرى لا تصدق! لا يمكن لمؤمن إلا أن يؤثر الأسير بطعامه، وبشرابه، وبلباسه، فحينما رأى الأسير معاملة فائقة في الكمال، معاملة فائقة في الإنسانية دخل الإسلام إلى قلبه، فإن آمن الأسير أصبحوا أخواننا! لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، هذا هو النظام في الجهاد. قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ ينبغي أن تُسمِع هذا الطرف الآخر كلام الله. ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾.