بحث

السلم هو الإسلام

السلم هو الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     قال تعالى:  

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً  وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾

     يخاطب الله الذين آمنوا به، آمنوا بكماله ووحدانيته، وآمنوا بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، وبعلمه، وحكمته، وقدرته، ورحمته "  ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً "، فالأصل أن تؤمن بالله، فإن أمنت به الآن اتبع أمره، ما هو أمره؟  ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ، السلم هو الإسلام، لمَ سمي هنا السلم؟ لأنك إن أطعت الله عز وجل كنت في سلام مع الله، لا تنتظر من الله إلا كل إكرام، فيجعل الله لك نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، وإذا كنت مطيعاً لله فأنت معه في سلام، لأن المعاصي والآثام هي سبب كل المصائب والآلام، فإذا كنت مع الله في سلام، فأنت في حصنٍ حصين، وأنت في سلام،   وإن أطعت الله عز وجل كنت في سلام مع نفسك، والسلم هنا هو السلام أي أنت في سلام مع نفسك، لأن النفس جبلت على طاعة الله والقرب منه، إن أطعت الله عز وجل ارتاحت نفسك وأراحتك، وإن عصيت الله أتعبتها وأتعبتك، أكثر الأمراض النفسية والعقد هي بسبب خروج الإنسان عن فطرته، إذاً أراد الله من الإسلام أن يكون سلماً، لأنك إن أسلمت حقيقة أنت في سلام مع الله، وفي سلام مع نفسك، ومع من حولك، فالمطيع يحبه كل من حوله، لأنه وقاف عند حقوقه، لا يأخذ ما ليس له، ووقاف عند حقوق الآخرين، فالإنسان المسلم يحبه كل من حوله ويتمنى القرب منه، لأنه أخذ ما له وترك ما ليس له، هذا هو الحد الأدنى: العدل والإحسان، المؤمن محسن، فالنقطة الدقيقة هي أن الإنسان حينما يستقيم على أمر الله يعيش حالة السلم أي حالة السلام مع كل المخلوقات.   قال النبي عليه الصلاة والسلام: يا حنظلة، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم ، أي عندما يكون الإنسان مع الله عز وجل ينشأ عنده حالة شفافية، كأنه يحس بمشاعر الحيوانات، يحس بشعور النبات، في سلام مع النبات، مع الحيوان، والجماد، وفي سلام مع نفسه، وجيرانه، وأقربائه حتى مع عدوه، فهناك منهج يحكمه، لا يوجد تطاول، ولا عدوان، هناك حرب شريفة، ليس فيها تنكيل، ولا تمثيل، ليس فيها كيل الصاع عشرة، يعني الله عز وجل لحكمة أرادها سمى الإسلام سلماً، بمطلق معاني هذه الكلمة، المؤمن حينما يموت تبكي عليه السماء والأرض، بينما الكافر فما بكت عليهم السماء والأرض، معنى السماء نفوس لها مشاعر، والأرض نفوس لها مشاعر، فإذا كنت مع الله كنت في وئام وانسجام مع بقية المخلوقات، فالمؤمن صديق النبات، وصديق الحيوان، فإذا قتله ليأكله لا يعذبه،  وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، ويرح ذبيحته، ما قبِل النبي عليه الصلاة والسلام أن تذبح شاة أمام أختها، قال له  هلاّ حجبتها عن أختها! أتريد أن تميتها مرتين ؟ القضية دقيقة جداً. 

     سمى الله عز وجل الإسلام سلماً، أنت حينما تنصاع لله عز وجل ترتاح نفسك وتريحك، يرتاح من حولك ويريحونك، اسأل زوجة كان زوجها شارداً، ثم تاب إلى الله، تجده قد انقلب 180 درجة، وصارت أخلاقه رضية، عنده رحمة، وصار منطقياً، وواقعياً، وأصبح يحترمني، ويريحني، وقد كان وحشاً، كان في خصومات مع زوجته، فصار في سلم معها، عندما يصطلح التاجر مع الله عز وجل يحبه كل من حوله، كان أنانياً، ووصولياً، ومادياً، وكان يكذب، ويحتال ليربح، وقد أصبح الآن يأخذ ما له ويدع ما ليس له، لا توجد كلمة أروع لتعبر عن الإسلام من كلمة السلم:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾   كن مسلماً، هل يمكن أنْ تعذب سمكة، لا يمكن، الآن اصطدتها لا بد أن تجب جنوبُها ترتاح، بعدئذٍ تنزع أحشاءها. النقطة الدقيقة هي أن الإنسان حينما يشرع يُشرِّع لمصلحته، فكل مشرع منتفع بتشريعه، أردنا أن نعيّن تعويضات، فمن يضع لنفسه التشريع رقمها فلكي، أما تعويضات الطبقة الدنيا فرقمها رمزي، أي مبلغ بسيط جداً، لأن المشرع وضع لنفسه أكبر مبلغ، لا يجوز أن يشرع من ينتفع بتشريعه، فتنشأ منازعة، فأكثر مشكلات البشر أن المشرِّع بشر، والمشرَّع له بشر، وقد يكون أذكى من المشرع، تنشأ منازعات، لأن المشرع منتفع بتشريعه، أما إذا كان التشريع من عند الخالق انتهى الأمر، الكل ينصاع، سبب انتظام المجتمع الإسلامي لأن الله عز وجل هو المشرع، والله وحده فوق الخلق في التشريع، نحن مشرَّع عليه. 

     فالكفر سبب هذه البيئة الملوثة، هناك رغبة جامحة لتجميع أموال الأرض كلها، إذاً قضية النمو والصناعة هذه كلها على حساب نقاء الجو، وعندما صار غاز الفحم بكميات أكبر مما ينبغي ارتفعت الحرارة، وتبدلت خطوط المطر، وحدَثَ تبدل جذري في المناخ الآن، ويمكن أن تلاحظوا شيئاً غير طبيعي؛ رياح عاتية اجتاحت أوربا، سرعتها عالية جداً، أمطار مدن بأكبرها غمرت بالأوحال وهنالك جفاف منقطع النظير، فقد بلغتْ درجة الحرارة عشرين درجة في أيام الشتاء القارس! في أيام الثلوج، والأمطار، هناك تخريب للبيئة، لأن الإنسان لوث البيئة بصناعته، فقضية ادخلوا في السلم أي الإسلام، أنت إن أسلمت فأنت في سلم، مع كل الأطراف، وجمال الحياة أن تكون على وئام وود مع كل من حولك، شجرة تقطعها بلا سبب فتلعنك، وإنسان يبول في أصل شجرة تلعنه الشجرة، لأن أصلها ليس مكاناً للبول مثلاً، فالكافر متفلّت كالدابة، يلعنه كل شيء، ويحتقره كل شيء، لأنه يؤذي كل شيء، أما المؤمن إذا مشى مَشى متواضعاً، لا يدوس على نملة، ولا على مخلوق يسبح الله عز وجل، ولا يشوه نباتاً، ولا يقطع نباتاً من دون سبب وجيه. فأنت حينما تسلم أنت تتناغم مع الكون، وكأنك صرت لبنة في بناء شامخ، وليس لغماً مهدماً، فمن يضع لبنة في بناء ليُتمِّمْهُ ليس كمن يضع قنبلة تفجر من حوله، الكافر قنبلة مدمرة، حتى في صناعته، حتى في قضية إنتاج الكهرباء من الذرة صار هناك تلوث إشعاعي، إنه شي مخيف، كل شيء يأتينا من بلاد حدث فيها انفجار ببعض المحطات النووية ملوث، فالحليب ملوث، والخضار، والفواكه، ولحم الدجاج، والخرفان، تلوثاً إشعاعياً يسبب السرطان، فالكافر أفسد الحياة الدنيا إذ أفسد الأجواء، وشوه طبيعية الإنسان، وأفسد نقاء الإنسان.  

     ﴿ادخلوا في السلم﴾ هناك نقطة في كلمة  ﴿في﴾ تعني الظرفية، نقول: الماء في الكوب، أي أنّ الماء كله في الكوب، والكوب ظرف، استوعب المظروف، أي يجب أن تدخل كلك في الإسلام، ليس أن تؤدي عبادات شعائرية، بل أن تدخل أنت وتجارتك، وزواجك، وأفراحك، وأتراحك، وسفرك، وإقامتك، أنت ككيان بكل حركاتك، وسكناتك، ونشاطاتك، وجوانب شخصيتك ضمن الإسلام، لا يوجد لك نزاعات نافرة، ولا أشياء خارجة عن الإسلام، ولا أفكار غير صحيحة وشاذة، ليس لك سـلوك شـاذ، ولا تصـرفات شاذة، إذا أنت دخلت في الإسلام يعني طبقت فيه العبادات الشعائرية، والعبادات التعاملية، وطبقت عملك وفق الإسلام.  

     ليس هناك أجمل من حالة السلم فأنت مرتاح، إذا كان شركة فيها مشاكسة فالحياة فيها جحيم، أما مثلاً إذا كان فيها ود، وتفاهم، وتسامح، وتكافئ، تجد منها راحة نفسية، أجمل بيتٍ بيتُ المسلم، الشرع مطبق فيه، الزوجة لها حقوق وعليها واجبات، والزوج كذلك، والابن له منهج، هذا معنى قول الله عز وجل:  ﴿ادخلوا في السلم﴾ أي إنّك ضمن المنهج في بيتك، وعملك، ولهوك، وفرحك. 



المصدر: الدرس : 70 - سورة البقرة - تفسير الآية 208، السلم هو الإسلام