منهج الله واسع جداً يدور مع الإنسان في كل زمان ومكان، وفي كل شؤون حياته، بل يبدأ من أشد العلاقات حميمية؛ يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، ويتوهم كل من يظن أن الإسلام عبادات شعائرية ليس غير؛ صلاة، وصيام، وحج، وزكاة. من بنود هذا المنهج، وتؤخذ بنود هذا المنهج من القرآن الكريم والسنة، فنحن أمام منظومة من الأوامر والنواهي، نحن أمام منهج واسع جداً يغطي كل شؤون حياتنا، منها التعاون، والإسراع إلى العمل، وإتقان العمل، وتطوير العمل، والمحافظة على الوقت، وحسن إدارة الوقت، والعمل المؤسساتي أصل في ديننا، وترسيخ مفهوم فريق العمل، والالتزام بالمواعيد، وحسن التصرف بالإمكانات المتاحة، وترشيد الاستهلاك، والانتماء إلى المجموع، هذه قيم حضارية، وهي أصل في ديننا، وقد أهملناها، وعتمنا عليها، فلذلك من هذه القيم الحضارية التي هي أصل في هذا الدين العظيم قيمة التعاون، آية كريمة تقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ . أمر إلهي قرآني، ﴿وَتَعَاوَنُوا﴾ وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب. والناس في موضوع التعاون أنواع:
- يعين ويستعين: فهو معاوض منصف، يؤدي ما عليه ويستوفي ما له فهو كالمقرض يسعف عند الحاجة، ويسترد عند الاستغناء، وهو مشكور في معونته، معذور في استعانته، فهذا أعدل الناس يعين ويستعين، هذه بتلك.
- لا يعين ولا يستعين: فهو متروك، قد منع خيره وقمع شره، فهو لا صديق يرتجى ولا عدو يخشى، وإذا كان الأمر كذلك فهو كالصورة الممثلة، يروقك حسنها ويخونك نفعها، فلا هو مذموم لقمع شره، ولا هو مشكور لمنع خيره.
- يستعين ولا يعين: فهو لئيم كَلْ، مهين مستذل، قد قطع عنه الرغبة وبسط فيه الرهبة، فلا خيره يرتجى ولا شره يؤمن، وحسبك مهانة من رجل مستثقل عند إقلاله، ويستقل عند استقلاله، فليس لمثله في الإخاء حظ، ولا في الوداد نصيب،
- يعين ولا يستعين: فهو كريم الطبع، مشكور الصنع، وقد حاز فضيلتي الابتداء والاكتفاء، فلا يرى ثقيلاً في نائبة، ولا يقعد عن معونة، فهذا أشرف نفساً، وأكرمهم طبعاً، فينبغي لمن أوجد له الزمان مثله، وقلّ أن يكون له مثل لأنه البر الكريم والدر اليتيم.
التعاون واجب ديني وضرورة اجتماعية، لا يغيب عن أذهانكم أن ابن خلدون واضع علم الاجتماع يقول في كتابه الذي يعد الأول في هذا العلم، المقدمة لابن خلدون يقول: إن الاجتماع الإنساني ضروري ، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان اجتماعي بالطبع والضرورة ، أي لا بد له من الاجتماع، وبيانه أن الله عز وجل خلق الإنسان وركبه على صورة لا تصح حياته ولا يصح بقاؤه إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله، إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجاته من ذلك الغذاء، يعني هذا الرغيف الذي تأكله صباحاً هل تعلم كم إنسان ساهم حتى أصبح بين يديك؟ بدأ من حرث الأرض، ومن إلقاء النبت، ومن الوقاية والسقاية، ومن التسميد، ومن الحصاد، ومن الدرس، ومن الطحن، ومن العجن، ومن الخبز، آلاف مؤلفة بل عدة ملايين من بني البشر، يعدون لك هذا الرغيف، هل تستطيع أنت أن تعده وحدك؟ هذا الرغيف، وذاك النسيج، وهذه الخياطة، أنت تتقن حاجة واحدة، وتحتاج مليار حاجة، تحتاج إلى زر له معامل، وله خصائص، تحتاج إلى قماش، تحتاج إلى ملايين الحاجات، وسمح الله لك أن تتقن واحدة، فأنت مضطر أن تكون في مجموع، وأنت في هذا المجموع إما أن تكون صادقاً أو غير صادق، أميناً أو غير أمين، مستقيماً أو غير مستقيم. إذاً ينبغي أن نعيش معاً وفق منهج الله، أن نقيم العدل فيما بيننا، أن نعطي كل ذي حقّ حقه، لذلك يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾ أي أن الله عز وجل يقول لنا: يا عبادي بيني وبينكم كلمتان؛ منكم الصدق ومني العدل، تتفاوتون عندي بالصدق وأنا أعدل بينكم.
التعاون فريضة إسلامية فيها أمر قرآني، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ والتعاون حضارة، والتعاون تقدم، والتعاون قوة. اسأل نفسك لماذا أنت في الدنيا؟ ماذا بعد أن تكون غنياً؟ الموت، ماذا بعد أن تكون قوياً؟ الموت، هذه الدنيا تمضي هي ساعة اجعلها طاعة، هي ساعة اترك بصمة في الدنيا، من لم يترك بصمة في الدنيا فهو زائد عليها، لك بصمة؟ عملت عملاً يرضي الله؟ ساهمت في خدمة هذه الأمة؟ خففت من مشكلاتها؟ نصحتها؟ ما عملك؟ إذا وقفت بين يدي الله عز وجل ماذا فعلت من أجلي؟ هل واليت فيّ ولياً؟ هل عاديت في عدواً؟ ماذا فعلت؟ ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ .
الإسلام أخلاق، الإيمان قيم، ما دمت فهمت الدين أداء شكلياً، ولك أن تفعل ما تشاء، وأن تذهب إلى أي مكان تشاء، وأن تلتقي مع من تشاء، وأن تطلق بصرك في الحرام كما تشاء، فأنت بعيد عن حقيقة الدين، الدين مجموعة مبادئ وقيم، الدين منهج، الدين افعل ولا تفعل، الدين يبدأ منهجه معك من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، الدين منهج كامل. (( عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلامِهِ مِثْلُهَا، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ : فَذَكَرَ أَنَّهُ سَابَّ رَجُلا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ، قَالَ: فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ، هذا الذي يعمل عندك، هذه التي تعمل في بيتك، أخوانكم في الإنسانية، وَخَوَلُكُمْ، أي أتباعكم، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ)). عن أبي ذر رضي الله قلت: يا رسول ماذا ينجي العبد من النار؟ قال عليه الصلاة والسلام: ا لإيمان بالله، قلت يا رسول الله مع الإيمان عمل؟ قال عليه الصلاة والسلام: أن تعطي مما رزقك الله ، قلت: يا نبي الله فإن كان فقيراً لا يجد ما يعطي، قال عليه الصلاة والسلام: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، قال: يا رسول الله فإن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا أن ينهى عن المنكر، قال عليه الصلاة والسلام: فليعن الأخرق ـ الضعيف ـ قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع، قال: فليعن مظلوماً ، قلت: يا نبي الله أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مظلوماً، قال النبي عليه الصلاة والسلام: أما تريد أن تترك لصاحبك من خير، ليمسك أذاه عن الناس ، قلت يا رسول الله أو إن فعل هذا دخل الجنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ما من عبد مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة . فالعمل الصالح ينقلك إلى عمل صالح أكبر، والمعصية تقودك إلى معصية أكبر والإنسان حركي. يقول عليه الصلاة والسلام: ((من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده. ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) .