بحث

التقيد بأنظمة السير جزء من الدين

التقيد بأنظمة السير جزء من الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

     التقوى في حياتنا المعاصرة بحاجة إلى إثراء مفرداتها كي تتناول بعض الفروض الحضارية، مثل: الإسراع إلى العمل، وإتقان العمل، وتطوير العمل، والمحافظة على الوقت، وحسـن إدارة الوقت، والعمل المؤسساتي، وترسيخ مفهوم فريق العمل، والالتزام بالمواعيد، وحسن التصرّف بالإمكانات المتاحة، وترشيد الاستهلاك، والتعاون، والانتماء للمجموع... ومن المستجدات قضايا المرور التي أصبحت خسائرها البشرية والمادية تفوق أية خسائر أخرى، في جميع أنحاء العالم، وكل هذه القيم والقضايا المعاصرة لها أصول ثابتة في القرآن والسنة، لأن الله حينما قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ هذا الدين العظيم تام عدداً وكامل نوعاً. والإنسان المتديّن الذي فهم الإسلام عبادة شعائرية ليس غير.. صلاة وصياما وذكرا وتسبيحا ينبغي أن يكون حريصاً على هذه العبادة، ولكنه ينبغي أن يفهم أن هناك فروضاً حضارية ومستجدة أساسية تعد محورية في أخلاق المسلم، وهي مستندة إلى أصول ثابتة في ديننا الحنيف، وأن الإسلام دين الفطرة، وأن الشريعة مصلحة كلها. لأن الإسلام هو الحياة ففي توجيهاته حل حاسم لمشكلاتنا المتنوعة وما أكثرها، فمنهجه شمولي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، وبمناسبة يوم المرور العالمي، آداب المرور من صلب السلوك الإسلامي. ولعل أعمق وأسبق فهم ووعي مروري في التاريخ الإسلامي نقل عن سيدنا عمر رضي الله عنه :  والله لو تعثرت بغلة في العراق ـ هو في المدينة ـ لحاسبني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر  

     إنّ حوادث المرور ليست قدراً محتوماً ـ كما يتوهم بعضهم ـ لابد من الوقوع، هذا تصور مرفوض في الفكر الديني، وفي العقيدة الإسلامية الصحيحة، فلابد من حركة وقائية استباقية. الحوادث على الطرق هي ثاني أهم أسباب وفيات وتتسبب حوادث المرور في مقتل مليون ونصف المليون من البشر سنويا وفي إصابة أو عجز ما يناهز خمسين مليون شخص آخرين، ومعدل الوفيات في العالم ثلاثة آلاف ومئتان وأربعون شخصاً في اليوم الواحد، معظمهم من البالغين، وتشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات الناجمة عن حوادث المرور مع مرور الزمن وذلك ما لم تتخذ إجراءات فورية من أجل تحسين السلامة على الطرق. وإلى جانب المعاناة التي تسببها الإصابات الناجمة عن حوادث المرور، فإن التكلفة المترتبة عليها تقدر بنحو خمسمئة وثمانية عشر ملياراً من الدولارات سنويا على المستوى العالمي. والكثيرون الذين يذهبون ضحايا حوادث الطرق.. يموتون ويتركون وراءهم المعاناة والألم لأسرهم وأقربائهم، والثكالى واليتامى، أو يصابون بعاهات قلبت حياتهم إلى جحيم لا يطاق، وحياة من يلوذ بهم إلى مآسٍٍ وأحزان، هذه حقائق مرة ولكنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح.  

     ولتقليل حجم الخسائر البشرية دعت منظمة الصحة العالمية إلى توجيه اهتمام خاص لخمسة من عوامل الخطر المحددة وهي: أحزمة الأمان، ومقاعد السلامة الخاصة بالأطفال، والكحول، ولعل تجنب الخمرة التي حرمها الله والتي وصفها النبي الكريم بأنها أم الخبائث، والخوذ لمستخدمي الدراجات، والسرعة المفرطة وغير الملائمة، والهياكل الأساسية للمركبات والدراجات، واستخدام الضوء النهاري.  

     الإنسان المسلم ينبغي أن يتمتع بصفتين؛ الضبط والعدالة، الأولى صفة عقلية، والثانية صفة نفسية أخلاقية، والعدالة تسقط، في حالات كثيرة؛ منها ما ورد في الحديث الشريف: (( من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته))، أما السلوكيات التي تجرح العدالة فهي كثيرة منها من أطلق لفرسه العنان، ويقاس على إطلاق العنان إلى الفرس ـ اليوم ـ السرعة الزائدة، إطلاق العنان للمركبة كي تسير بسرعة هذا حكمها الشرعي؛ جرح عدالة الإنسان، فقد بعض حقوقه المدنية. الطرقات هي بمثابة شرايين الجسم تنبض فيها الروح، فكيف إذا تفشى في هذه الشرايين داء؟ فالسرعة هي الداء العضال، هي الداء الذي لا يستهان به، السرعة تحصد المئات لا بل الآلاف من الأرواح البريئة سنوياً، ويكاد عدد ضحاياه يتجاوز أعداد ضحايا الحروب والأمراض بين البشر مجتمعة.وقد قال الله عز وجل: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾ .

     ومن السلوكيات الخاطئة في الشارع تلك الأصوات المزعجة لأبواق السيارات التي يتفاخر بها أصحابها، فيأتي الإسلام ويرد للشارع آدابه المفقودة. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وينبغي أن نفهم الآية على نحو موسع، نعم.. إن الآية تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها تنظم وتهذب سلوكيات الناس في الطريق .     

     ومن السلوكيات الخاطئة في الطريق.. أنك تجد سائق السيارة لا يسمح للسيارة التي خلفه أن تتجاوزه.. وإذا سألته ما السبب لم يجب، والأدهى من ذلك أن هذا التصرف أصبح عملاً لا شعورياً من كثرة ما تعوّد عليه السائقون ولكن الإسلام يعلمك السلوك الصحيح في هذه المواقف، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ ومرة ثانية ينبغي أن نفهم الآية بمعناها الواسع، افسحوا ليس في المجالس فقط، ولكن في الطرق.. افسحوا يفسح الله لكم.. ومن السلوك الشاذ أنك تضيّق الطريق على الناس، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ثلاث يصفينّ لك ود أخيك “.. منها “ وأن تفسح له في المجلس “ ويقاس عليها أن تفسح له في الطريق.  

     هل من السلوك السوي إلقاء الفوارغ والمخلفات من نافدة السيارة في الشارع ؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إماطة الأذى عن الطريق صدقة)) ، فما بالنا بمن يلقي الأذى في الطريق..!!   

     يؤكد خبراء الصحة العالمية أن استعمال السائقين للمحمول أثناء القيادة، حتى ولو كان عن طريق سماعات الأذن، يضاعف احتمالات وقوع الحوادث أربعة أضعاف مقارنة بمن لا يستخدمه أثناء القيادة.. وحينما يستخدم السائق الهاتف المحمول في أثناء القيادة يمكن أن يسبب حادثاً مروعاً، أو يزهق نفساً بريئة، ويمكن أن يمضي بقية عمره على كرسي متحرك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بات على سطح ليس بمحجور، فقد برئت منه الذمة، ومن رمى بليل، فقد برئت منه الذمة، ومن ركب البحر في ارتجاجه، فقد برئت منه الذمة)) ويقاس على ذلك استخدام المحمول في القيادة  

     فالتقيد بأنظمة السير جزء من الدين لأنه يحقق بعضاً من مقاصده، الشريعة مصلحة كلها.  



المصدر: الخطب الإذاعية - الخطبة : 79 - يوم المرور العالمي - ظاهرة مرورية متكررة على أخطر قضية في الدين.