من أمراض النفس التشاؤم والسوداوية، والنظر إلى السلبيات فقط، وعدم توقع الخير، واليأس والإحباط، هذه أمراض تصيب النفس، ولكن هذه الأمراض تصبح وبائية عند المُلِمّات والنوازل. فلذلك لا بد من أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم، أن نقتدي بأنه كان يحب الفأل الحسن، فالتفاؤل روح تسري في النفس، تجعل الفرد قادراً على مواجهة الحياة، وعلى توظيف إمكاناته في الخير، وعلى تحسين الأداء، وعلى مواجهة الصعاب، والناس يتفاوتون في ملكاتهم، يزيد في الخلق ما يشاء، ولكن الناس جميعاً قادرون على أن يكونوا متفائلين، والتفاؤل يصنعونه بأيديهم، والجبرية المطلقة، إن في العقيدة أو في التصور يأس مطبق، وانتحار بطيء، واعتقاد المرء أنه ريشة في مهب الحياة، ورهن للطبائع والأمزجة التي ركب عليها، أو ورثها عن والديه، أو تلقاها من بيئته الأولى، وأن ليس أمامه إلا الامتثال، هذا إهدار لكرامة الإنسان، فلا بد من اتخاذ قرار بالتفاؤل، فالتفاؤل قرار ينبثق من داخل النفس، هذه أول حقيقة في التفاؤل، ونحن جميعاً قادرون عليه، ونصنعه بأيدينا واثقين بربنا، معتمدين على التوحيد، وأن الله سبحانه وتعالى في السماء إله وفي الأرض إله، قال تعالى: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾.
لكن المظهر أحياناً يوحي بالتفاؤل، هذا الذي مشى متطامناً وغضب منه عمر الفاروق، قال: ارفع رأسك، متى أمتَّ علينا ديننا؟ ، فالمظهر والشكل والثقة، والحركة والالتفات، والقيام والقعود، والنظر والكلام، والمشاركة هذه توحي بقوة، لا تكن متطامناً، لا تعبر عن سوداويتك، ولا عن يأسك، ولا على أنك ريشة في مهب الرياح، هذا من فعل الشيطان. حتى إن الإنسان قد لا يخلو من عيب، هذا العيب لا يقدم ولا يؤخر، أحد التابعين كان قصير القامة، أحنف الرجل، مائل الذقن، ناتئ الوجنتين، غائر العينين، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، قيمة الرجل بعلمه وبأخلاقه، وبعمله الطيب.
تدرب على أن تكون مبتسماً، ولا تكن عبوساً قمطريراً، كن جاهزاً، اضحك باعتدال، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ)) البسمة تصنع في قلبك وفي حياتك الكثير، ولا سيما إن كانت ابتسامة حقيقية متطابقة مع حركة الوجه والشفتين، وليست ابتسامة ميكانيكية. الطرفة لا تتحرج من روايتها، الطرفة المهذبة الأديبة الهادفة اللطيفة التي لا تمس إنساناً، ولا حرفة ولا جهةً، ولا شيئاً في الحياة، لكنها تشيع البهجة في النفوس، وتجدد نشاط المستمعين هذه لا تضن بها، هذه الطُّرَف التي يصنعها الناس، يزدادون محبة للناس، المؤمن يألف ويؤلف، المؤمن متفائل، المؤمن ضحاك بسام، والتبسم صدقة، كما قال عليه الصلاة والسلام، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكا، وكان إذا دخل بيته كواحد من أهل البيت، ويضع الحسن والحسين على ظهره تأليفاً لقلوبهما . ليس معنى هذا أن يكون الضحك هدف حياتنا أبداً، لكن الوضع الكئيب السوداوي المتشائم اليائس، والذي لا يبتسم، ولا يضحك، ولا يُفرِح مَن حوله هذا وضعٌ غير مقبول، وهؤلاء الذين يفرحون الصغار لهم قَصر في الجنة، والإنسان هو الوحيد الذي يضحك، قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾.
املأ قلبك بالطيب، ولا تكن شاكاً، ولا تكن قناصاً، ولا تكن سيئ الظن، انوِ النية الطيبة، ولا تحسد الناجحين، قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ حتى لو كان الذين نجحوا وتفوقوا، فزملاء نجاحهم بفضل الله، ثم بفضل جهدهم وكدهم وسعيهم عليك أن تعمل مثلهم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ افرح للناجحين، أثنِ عليهم، هنئهم على نجاحهم تكن شريكاً لهم، ولا تجعل نجاحك على حساب الآخرين تسلقاً على أكتافهم، أو زراية بهم، أو تتبعاً لعوراتهم وعثراتهم، ولا تجعل الناس مادة لسخريتك. إذا كان ثمة طموح أمامك فاسأل الله من فضله وعاهده أن يكون للضعفاء وللفقراء والبسطاء حق عليك.
- لما كان النبي عليه الصلاة والسلام عائداً من الطائف التي كذبته، وسخرت به، بل وأغرت صبيانها لنيله بالأذى، قال له زيد: يا رسول الله، أترجع إلى مكة، وقد أخرجتك؟ قال: إن الله ناصر نبيه.
- هدر دمه، وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، تبعه سراقة وهو مهدور دمه، قال له: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ أيْ أنا سأصل سالماً وسأنشئ دولة، وسأنشئ جيشاً، وسأحارب أكبر دولتين، وسأنتصر عليها، وسوف تأتيني غنائم كسرى، ويا سراقة، لك سوار كسرى، هذا هو الإيمان، الإيمان أن تثق بالله، الله عز وجل لا يتخلى عن عباده المؤمنين، قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ جهدك الضخم، سهرك الطويل، مجافاتك للفراش، هذا الجهد سيكلل ـ إن شاء الله ـ بالنجاح.
دائماً كن إيجابياً، وهناك إنسان سلبي يبحث عن العيوب، يبحث عن الجانب المظلم في كل إنسان، في كل شيء يؤثر التشاؤم والانسحاب والتقوقع، كن إيجابياً، انظر إلى جانب الخير، لما، تقول: هذا الكأس نصفه فارغ، قل: نصفه ملآن، حقيقة واحدة انظر إلى القسم الممتلئ، ودعك من القسم الفارغ، انظر إلى إيجابيات الإنسان. بل إن بطولتك أن تكتشف الإيجابيات في السلبيات الإنسان المؤمن يسعد ويُسعد، وغير المؤمن يشقى ويُشقي، أحياناً الإنسان شعوره كأنه بلورة ذات لون دخاني، يرى كل شيء حوله قاتماً، هذا خطأ كبير، ثم أن تنظر إلى الناس على أنهم جميعاً جهلاء أغبياء متخلفون، وأنت وحدك الفهيم، والذي أدركت حقيقة الحياة، هذا خطأ كبير، من ظن أن الناس أغبياء فهو أغباهم، الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة، أمتي كالمطر لا يدرى، أولّها خير أم آخرها .
- في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين)) النبي الكريم ماذا أبرز من هذه القصة؟ هذه المرأة الفاسقة الفاجرة التي دعته إلى نفسها، أم هذا الشاب العفيف؟ ترك المرأة وشأنها، وأبرز عفة الشاب.
- وحينما قدم وفد النجاشي إلى المدينة تولى النبي بنفسه خدمتهم، يا ترى النجاشي طبق كل أحكام الإسلام في بلده؟ لم يستطع، لكنه أحسن وفادة أصحابه، وأكرمهم، وجعلهم في طمأنينة وراحة، نظير هذا العمل تولى النبي بنفسه خدمة الوفد الذي جاء من النجاشي.
من قال: هلك الناس فهو أهلكهم ، أي أشدهم هلاكاً، هم ليسوا كذلك، ليس معنى هذا أن تكون ساذجاً.
- سيدنا خالد أسلم متأخراً، وبقي في الإسلام سبع سنوات، وصار سيف الله المسلول، فلما أسلم قال له النبي عليه الصلاة والسلام: عجبت لك يا خالد، أرى لك فكراً ، لا تيئس،
- هذا الذي أُقيم عليه حد الخمر، والصحابة الكرام في أثناء جلده لعنوه، قال عليه الصلاة والسلام: ((هلا قلتم: رحمك الله، بدل أن تلعنوه، إنه يحب الله ورسوله)) الصحابة لعنوه، لكن النبي رأى إيجابية فيه فقال: إنه يحب الله ورسوله، لا تلعنوه، ادعُوا له بالرحمة.
- هذا الذي دخل بستانَ وأكل من دون إذنه، ساقه إلى النبي ليسجنه، فقال النبي الكريم: هلا علمته إن كان جاهلاً؟ وهلا أطعمته إن كان جائعاً؟
كن إيجابياً، ساهم في خدمة الناس، ساهم في خدمة المجتمع، ساهم في تحمل هموم الناس، حاول أن تقدم شيئاً للناس، حاول أن تعتذر عنهم أحياناً:
- هؤلاء الذين كذبوا النبي، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم أن يضربوه، جاءه ملَك الجبال، قال له: يا محمد، أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين ، أي أنّ الله مكنه أنْ ينتقم منهم، ماذا قال: اللهم اهد قومي ، دعا لهم، وقد ضربوه، اهد قومي، ما قال: اهد هؤلاء، اهد قومي، هم قومي، إنهم لا يعلمون ، اعتذر عنهم، لم يتخلَ عنهم، واعتذر عنهم، ودعا لهم، وتفاءل أن يكون أولادهم من الموحدين ، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله ، هذا موقف النبي.
- حاطب بن بلتعة الذي ارتكب خيانة عظمى في كل الأنظمة، وفي كل العصور عقوبته الإعدام، أرسل رسالة إلى قريش: إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، وقع الكتاب بيد رسول الله، القصة طويلة، استدعاه، قال: ما هذا يا حاطب؟ سيدنا عمر قال له: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: لا يا عمر، إنه شهد بدراً ، ما نسي له هذه. حاطب، لمَ فعلت هذا؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت، ولا ارتددت، ولكنني لصيق في قريش، أردت بهذه الرسالة أن يكون لي عندهم يد أحمي بها أهلي ومالي، فاغفر لي ذلك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا إلا خيراً .
الإنسان يجب أن يكون إيجابياً، ودائماً إذا طُعِنت في الظهر فاعلم أنك في المقدمة، ولابد للمؤمن من مؤمن يحسده، أو منافق يبغضه، أو كافر يقاتله، أو نفس ترديه، أو شيطان يغويه. السؤال الآن: لماذا جاءت تُهَمُ الكفار للنبي وأثبتها الله في القرآن الكريم؟ السبب أن هذا درس لنا، فلذلك لابد من أن نكون إيجابيين.