الإسلام: عقائد، وعبادات، ومعاملات، وآداب، ومن الآداب مصطلح جديد شاع بين الناس ألا وهو الذوق ونقصد بالذوق: النفس الشفافة التي تفهم الخطأ، وتقدر وقوعها فيه من نظرة العين، وابتسامة الوجه، أدبيات التعامل مع الناس. إن الحياء شعبة من الإيمان، والحيي هو الذي يفهم خطاه من لمحة عابرة ونظرة حائرة.
الناس أجناس فمنهم من أعتقد خطأً أن الذوق، والأدب، والخلق الرفيع والرّقي الحضاري، كل هذه قيم غربية خالصة، ولا تكتسب إلا في المدارس الأجنبية. ومنهم من تربى على الأدب والرقي والذوق، وظنّ أن الإسلام عكس ذلك تماما، فتراه حينما يسمع كلمة متديّن ينتظر منه عدم اللياقة، وعدم النظافة، وعدم النظام، فصار الذوق عند هذا الإنسان الواهم حاجزا بينه وبين التديّن. ومن الناس من ظن أن الإسلام في المسجد ليس غير.!! لذلك يقول دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وبالتالي فالأدب والرقي والحضارة وكذلك إدارة الحياة جميعها ليس لهذا علاقة بالدين والحقيقة أن ما لله لله وما لقيصر لله، وسيتأكد لنا أن الذوق والأدب، والرقي، والحضارة، والشفافية، والجمال، والنظافة، والنظام هي أصول كبيرة من أصول هذا الدين.
إن الإسلام جاء لتنظيم الحياة وإدارتها والسمو بها، فالإسلام هو الحياة الكاملة. والإنسان المتديّن الذي فهم الإسلام عبادة شعائرية ليس غير صلاة وصياما وذكرا وتسبيحا فهو حريص على هذه العبادة، ولكنه لم يفهم أن الذوق جزء أساسي من أخلاق المسلم، وأن الله لا يرضيه أن يؤذي الناس بكلمة أو بتصرف، فإذا عامل الناس بغلظة وبشيء من عدم الذوق فتكون النتيجة أنه يفتن الناس عن دينهم. فيصبح تديّنه سببا لبعد الناس عن الإسلام. ومن الآدب الإسلامية:
- عدم رفع الصوت وإزعاج الاخرين: من الذوقيات المفقودة في الشارع تلك الأصوات المزعجة لأبواق السيارات يقول الله تعالى: وينبغي أن نفهم الآية على نحو موسع: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ*وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ نعم إن الآية تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها تنظم وتهذب سلوكيات الناس.
- الإفساح في المجالس والطرقات: ومن التصرفات العجيبة ... أنك تجد سائق السيارة لا يسمح للسيارة التي خلفه أن تتجاوزه ... ولكن الإسلام يعلمك الذوق في هذه المواقف. يقول الله تعالى، وينبغي أن نفهم الآية بمعناها الواسع: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ افسحوا ليس في المجالس فقط، ولكن في الطرق .. افسحوا يفسح الله لكم...
- بينما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ جاء رجل من الأعراب فتزحزح له النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من أن المسجد لم يكن ممتلئا، فقال هذا الأعرابي وقد لفت نظره هذا التصرف: يا رسول الله لِمَ تزحزحت؟ إن في المسجد سعة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((حق على كل مسلم إذا جاء أخوه أن يتزحزح له))
- إماطة الأذى عن الطريق: هل من الأدب والذوق إلقاء القمامة في الشارع؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إماطة الأذى عن الطريق صدقة)) يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) ومعنى ذلك أن إماطة الأذى عن الطريق جزء من الإيمان.
- النهي عما يؤذي الناس: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإن الملائكة تَتَأذَّى بما يتأذَّى منه بنو آدم)) فالمدخن مثلاً يؤذي من حوله إذن بناء على هذا الحديث تتأذى منها الملائكة، وقد ثبت أن الذي يجالس المدخن يتأذى بثلث أخطار التدخين.
- حق الطريق: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والجلوس بالطرقات، إذ أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه: غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))
- الاستئذان: قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون﴾ ومعنى؛ ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ أي تتأكدوا أنهم مستعدون لاستقبالكم، وتستأنسوا في القرن الواحد والعشرين معناها: أن تتصل به هاتفياً وتأخذ منه موعداً .. كلمة جميلة كلها ذوق أي تضمن أنه سيأنس بك هذا الصديق.
- أحيانا تذهب من دون موعد تجده يعتذر لك، أنه لن يستطيع أن يستقبلك فتغضب غضبا شديدا وتقيم الدنيا ولا تقعدها... من الذوق ألا تغضب. يقول تعالى: ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ إياك أن تغضب إن اعتذر أخوك عن أن يستقبلك
- ومن السلوكيات غير الطيبة والبعيدة كل البعد عن الذوق... أن تجد مثلا من يدق جرس الباب، ثم يقف في وجه الباب، انظر إلى أدب الإسلام... يقول صلى الله عليه وسلم: ((لا تقفوا أمام الباب ولكن شرّقوا أو غرّبوا))
- هناك من الناس صنف لا يراعي الآداب العامة، فتجده بعدما يدخل مكاناً... سواء كان بيتا أو سيارة ... يغلق الباب بشدة، يفزع الناس يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه))
- أحيانا يدعوك أحد أصدقائك لطعام في يوم كذا، وفي هذا اليوم تذهب لصديقك ولكن ليس بمفردك!! فتأخذ معك شخصا آخر... فيصاب صاحب البيت بصدمة لهذا التطفل. دعي النبي صلى الله عليه وسلم هو وخمسة من الصحابة عند رجل من الأنصار وفي أثناء ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم والخمسة إذا بصحابي آخر يتبعهم ويمشي معهم حتى وصلوا إلى البيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب البيت: ((إنّ هذا تبعنا فإن شئت فأذن له وإن شئت فليرجع. قال الأنصاري الذي دعاهم: بل آذن له يا رسول الله)) إنه موقف محرج وبخاصة لصاحب البيت وأهله...
- بعض الناس حينما يدخل بيت صديقه تجد عينيه تتحركان بسرعة تبحث عن الهاتف، فإذا رأى الهاتف رفع السماعة وبعدها يستأذن من صديقه اتصالا واحداً سريعاً... وهو يعلم أن صديقه لن يرفض له طلباً فكيف يرفض وقد أمسك بالهاتف فعلا؟ ثم يبدأ الاتصال فيتصل ببلد آخر مثلا، ويستمر هذا الاتصال نصف ساعة، هل هذا من الذوق؟؟ ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام ، وهل يراعي حياء الناس إلا من كان عنده ذوق؟ فتجده يرى القلم في جيب زميله ثم يقول له: إنه قلم جميل فما على زميله إلا أن يقول: تفضل خذه فيأخذ منه القلم.
- فحينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة نزل في منزل أبي أيوب الأنصاري، لحين بناء المسجد النبوي، وبناء بيته... وكان بيت أبي أيوب يتكون من طابقين، فقال أبو أيوب: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، إني لأكره أن أكون فوقك وتكون تحتي فكن أنت في العلوّ، وننزل نحن إلى الأسفل، هل تعرف لماذا فعل أبو أيوب ذلك؟ ولماذا كان هذا الاختيار؟ حتى لا تكون قدماه فوق النبي صلى الله وسلم، قمة في الذوق، قمة الأدب في التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم... ولكن انظر إلى أدب النبي صلى الله عليه وسلم وذوقه الرفيع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا أيوب، إنه أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون نحن في أسفل البيت وتكون أنت في العلو.
- من السنة ألا تجلس في بيت من تزوره إلا في المكان الذي يدعوك إليه، فلا تجلس في مكان تختاره وتصر عليه إلا إن يؤذن لك، فقد يكون المكان الذي اختاره الضيف يشرف على البيت كله، وزوجته محجبة، فكيف تتحرك في أرجاء البيت... إنها والله آداب الإسلام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يجلس أحدكم على تكرمة الرجل إلا بإذنه))
- الذوق والأدب مع الجيران، يعلمنا الإسلام أننا إذا دخلنا البيت ومعنا فاكهة، أو طعام نادر تحبه النفس، فرآه أحد الجيران سواء كان صغيرا أو كبيرا فلا بد أن نقدم لهم منه طالما أننا لم نخبئه. ورد في الحديث: وإذا اشتريت فاكهة فأهدِ له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك، برائحة طعامك إلا أن تغرف له منها.