بحث

التوحيد طريقك لتحقيق إنسانيتك

التوحيد طريقك لتحقيق إنسانيتك

بسم الله الرحمن الرحيم

     الإسلام كله في هاتين الكلمتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا إله إلا الله يعني لا معبود بحق إلا الله, ولكن أدق شيء يقال في هذه المناسبة: أن الاعتقاد بمضمون لا إله إلا الله تقليداً, لا يقبل, هذا لا يقبل منك أبداً, لا بد من أن تعتقد بمضمون لا إله إلا الله تحقيقاً، وفرق كبير بين التقليد والتحقيق, ذلك لأن الله عز وجل يقول: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾. و ما من مشكلة, ما من تقصير, ما من قلق, ما من خوف, ما من نفاق, إلا بسبب ضعف بالتوحيد, حينما لا ترى مع الله يداً أخرى تعمل, حينما لا ترى إلا الله, وحينما ترى أن الأمر كله بيد الله, وحينما ترى أنه لا رافع إلا الله, ولا خافض إلا الله, ولا معز إلا الله, ولا مذل إلا الله, ولا معطي إلا الله, ولا مانع إلا الله, تتجه إلى الله, أما حينما ترى أن مع الله آلهة أخرى, ليس شرطاً أن تسميهم آلهة, يمكن أن تقول: أن هؤلاء بشر, لكنك تعتقد اعتقاداً جازماً, أنهم يملكون أن ينفعوك أو أن يضروك, فإذا ظننا أنهم يملكون أن ينفعوك أو أن يضروك, توجهت إليهم, من هنا يقول الله عز وجل:  ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾  لمجرد أن تشرك بالله عز وجل, فقد قطعت عنك الطريق إلى الله عز وجل. حينما قال الله عز وجل:  ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾  قلنا: يا رسول الله! أينا لا يظلم نفسه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ليس كما تقولون, لم يلبسوا إيمانهم بظلم, أي بشرك. وظلم النفس حينما تشرك، أشد أنواع الظلم, أي أنت حينما تعلق الأمل على مخلوق  ضعيف ،  لو أنك علقت الأمل على خالق الأكوان, لارتقيت إلى أعلى عليين, لنلت سعادة الدارين, لكنت في المقدمة, أما حينما ربطت نفسك بمخلوق, وهو ضعيف, وقد يكون لئيماً, وقد يكون... فأنت بهذه الحالة انتهيت. دققوا في هذه الكلمة: لا يليق بك أيها الإنسان, أن تكون لغير الله, ولمجرد أن تكون لغير الله, فإنك تحتقر نفسك . ببعض الآثار ورد: عبدي, خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تلعب, وخلقتك من أجلي فلا تلعب, فبحقي عليك, لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك.  النبات للحيوان والحيوان للإنسان والإنسان؟ لله، هناك من يعيش ليأكل, هناك من يأكل ليعيش, وهناك من يعيش لله عز وجل.  

     يقول الله عز وجل: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾  ظالم لنفسه؛ أي واقع بالشرك، الإنسان حينما يشرك يتجه إلى لا شيء, لو فرضنا إنسان مسافر في مدينة محددة, وسوف يقبض مبلغ كبير جدا, الساعة الثانية عشرة, وركب قطار تلك المدينة, قد يرتكب أخطاء كثيرة, قد يجلس في عربة من الدرجة السادسة, وبطاقته من الدرجة الأولى, أخطأ, وقد يجلس مع شباب  أزعجوه طوال الرحلة, وهذا خطأ ثاني, وقد يتلوى من الجوع, ولا يعلم أن في القطار مركبة مطعم, هذا خطأ ثالث, وقد يجلس بعكس اتجاه القطار, فيصاب بالدوار, وهذا خطأ خامس, لكن مع كل هذه الأخطاء, القطار سوف يصل إلى تلك المدينة في الوقت المحدد, وسوف يقبض المبلغ, أخطاء تغتفر, لأن القطار في اتجاه المدينة المطلوبة, والمبلغ جاهز هناك، أما في خطأ لا يغتفر, أن تركب قطار متجهة الى مدينة اخرى, لا شيء بهذا الاتجاه, لا يوجد شيء إطلاقاً .    الإنسان حينما يتجه إلى الله في كل شيء, إذا اتجه إلى غير الله لا يوجد شيء، لو جئتني بملء السموات والأرض خطايا غفرتها لك ولا أبالي, أما إذا اتجهت إلى غير الله:  ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾  وفي الحديث الشريف عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا مؤخِرَة الرَّحْلِ, قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بن جبل, قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بن جبل, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ, وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا, ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ذلك؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ))  

     هل تستطيع أن تأتيني بآية تضغط الأديان السماوية كلها, أو تضغط الشرائع السماوية كلها؟ قال تعالى: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ العقيدة: لا إله إلا الله, السلوك العبادة, لذلك قالوا: نهاية العلم التوحيد, ونهاية العمل التقوى، فإذا وحدته وعبدته, حققت الهدف الذي خلقت من أجله . أجمع أهل العلم على أن: النطق بكلمة التوحيد من غير معرفة بمعناها, ولا يقين, ولا عمل بمقتضاها من البراءة من الشرك, وإخلاص القول, والعمل قول القلب واللسان, وعمل القلب والجوارح, فغير نافع بالإجماع. الدين يكاد يفرغ من مضمونه؛ قوالب, حركات, سكنات, عادات, تقاليد, الدين مضمون عميق جداً: لا إله إلا الله .  

     ما معنى إله؟ يقول بعض العلماء: الإله: هو الذي تألهه القلوب محبةً, وإجلالاً, وإنابةً, وإكراماً, وتعظيماً, وذلاً, وخضوعاً, وخوفاً, ورجاءً, وتوكلاً, ينبغي أن تعبد الله، يجب أن تعبد جهةً تستطيع, أو من قدرتها أن تشفي المرض العضال, هل في الأرض كلها جهة يمكن أن تشفي مرضاً عضالاً إلا الله؟: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾  يجب أن تعبد من بيده كل شيء, من بيده حياتك, من بيده مماتك, من بيده نفعك, من بيده ضرك, من بيده قلوب الخلق, من إليه المصير . إذاً: من أدق تعريف لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، ليس في الكون جهة تستحق أن تعبد إلا الله. بالمثل البسيط: لازم تأخذ تأشيرة إلى بلد معين, فقال لك: الموظف هذه التأشيرة بالذات, لا يمكن أن تمنح إلا من قبل المدير العام, وهذه الدائرة فيها أربعة طوابق, بكل طابق في خمسة وعشرين موظف، ما دام أيقنت أن صلاحية منح هذه التأشيرة بيد إنسان واحد في هذا البناء, فهل تبذل ماء وجهك لغير هذا الإنسان؟ هل تقف على باب أحد من هؤلاء الموظفين متسكعاً ساعات طويلة؟ معنى هذا أنك أحمق، هذا الطلب بيد المدير العام, لذلك تتجه إليه, أنت حينما تعلم أمر رزقك, أمر زواجك, أمر صحتك بيد الله عز وجل, أمر مكانتك, أمر إسعادك, أمر تلبية حاجاتك, أمر حل مشكلاتك بيد الله عز وجل, هي بيد الله عز وجل.  

     ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد, إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ هذا التوحيد أن لا ترى مع الله أحداً, لذلك يقول بعضهم: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوب. ونحن في أمس الحاجة إلى حقائق عن التوحيد, لكن فرق كبير بين أن تدرك الحقيقة وبين أن تعيشها، إدراك معاني التوحيد سهل جداً, كل إنسان الله آتاه إدراك سليم يدركها, لكن على المحك العملي, لا ينجو من الألف عدد قليل. مثلاً: قد يأتيك ضغط لا يحتمل أن تعصي الله, فالموحد يقول: أحد أحد كسيدنا بلال, قد يأتيك تهديد بالقتل إن لم تعص الله, في التوحيد لا تأخذه بالله لومة لائم, وقد يأتيك إغراء شديد, بالتوحيد أيضاً هذا الإغراء لا يؤثر بالمسير إلى الله عز وجل.  



المصدر: العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 12 - كلمة التوحيد