بحث

السلامة والسعادة في الإسلام

السلامة والسعادة في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     ما من واحد من بني البشر على وجه الأرض من أي ملة ومذهب من آدم إلى يوم القيامة إلا وله مطلبان أساسيان: السلامة والسعادة، أن يسلم وأن يسعد، كيف يسلم الإنسان؟ 

     الإنسان أعقد آلة صنعها الله عز وجل، ولهذه الآلة صانع، ولهذا الصانع تعليمات استعمال، فالدين بشكل أو بآخر أو بشكل مختصر هو تعليمات الصانع، والإنسان حينما ينطلق من حبه لذاته، لأن الإنسان يحب ذاته، ووجوده، ويحب سلامة وجوده، ويحب كمال وجوده، ويحب استمرار وجوده، هذه فطرة ثابتة، انطلاقاً من هذا الحب لذاته عليه أن يتبع تعليمات الصانع، قال تعالى:  ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾    القضية أعمق من أن الإنسان يظن الدين تنفيذاً، تكليفاً، أي حينما تركب سيارة، ومعك حمولة تقدر بعشرة أطنان، وتعبر جسراً، كتب على طرف الجسر: الحمولة القصوى خمسة طن وأنت معك عشرة، هل تخاف من المخالفة أم تخاف من السقوط؟ المخالفة ليس لها قيمة أمام السقوط، فالذي يبحث عن شرطي يؤاخذه، انظر الأمر أخطر من ذلك، قضية وجود، وسلامة وجود، وكمال وجود، واستمرار وجود، فالإنسان له مطلبان ثابتان؛ السلامة والسعادة، وانطلاقاً من حبه لذاته، ولوجوده، وسلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، يبحث عن منهج صحيح، قال تعالى:  ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾  الذي يوجد عنده جهاز كومبيوتر فيه عطب لا يمكن أن يسأل البقال عن التصليح إطلاقاً، يبحث عن خبير من الوكالة، من الشركة الصانعة، فالقضية قضية أن نصل إلى السلامة والسعادة، وهذا متاح لكل إنسان . 

     الإنسان له وجودان؛ له وجود إنساني وله وجود حيواني، إذا أكل وشرب ونام وتزوج وعمل وأنتج واستمتع هذا كله وجود حيواني، أما إذا عرف الله عز وجل، وعرف سرّ وجوده، وغاية وجوده، فهذا وجود إنساني، فما لم تتعلم؛ وما لم تتعرف إلى الله عز وجل فالوجود حيواني وليس وجوداً إنسانياً. الإنسان متى يسعد؟ يسعد إذا عرف سرّ وجوده، الدليل لو أن أحدنا سافر إلى بلد، ونام بالفندق واستيقظ إلى أين يتجه؟ تناول طعام الإفطار إلى أين يتجه؟ يقول لك: إلى أين؟ اسأله: أنت لماذا جئت إلى هنا؟ إن جاء إلى هذا البلد تاجراً يذهب إلى المحلات التجارية، إلى المعارض والمؤسسات، إن جاء سائحاً يذهب إلى المقاصف والمتنزهات، إن جاء طالب علم يذهب إلى المعاهد والجامعات، متى تصح حركة الإنسان؟ إذا عرف سرّ مجيئه إلى هذا البلد، وسع الموضوع، نحن في الأرض لماذا نحن هنا؟ ما هو سرّ وجودنا؟ قال تعالى:  ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾  سرّ وجودك على وجه الأرض أو علة وجودك أن تعبد الله، ما العبادة؟ العبادة طاعة ممزوجة بمحبة قلبية، لو ألغيت الحب من الطاعة ليست عبادة إنها إكراه، لكن أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية والإنسان إذا عبد الله حقق غاية وجوده، قال تعالى:  ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً﴾  أي أنتم إن شكرتم وآمنتم حققتم علة وجودكم، فلماذا العذاب؟ لماذا المعالجة؟ ومن أجل أن تعبد الله لابد من أن تعرفه، وكيف تعرفه؟ الإنسان يتعرف إلى الأشياء بالحواس الخمس، هذه المعرفة الحسية، لكن الله لا تدركه الأبصار، لابد من أن نعرفه، من أن نرى آثاره، الصنعة تدل على الصانع، والخلق يدل على الخالق، والنظام يدل على المنظم، والتسيير يدل على المسير، الله عز وجل سخر هذا الكون تسخير تعريف وتسخير تكريم، كل ما في الكون يدلك على الله، هذا تسخير التعريف، وتسخير التكريم تنتفع به، مثلاً العسل، مسخر للإنسان، كيلو العسل يحتاج إلى طيران بمقدار أربعمئة ألف كيلومتر، لو كلفت نحلة واحدة أن تصنع كيلو عسل لاحتاجت أن تطير أربعمئة ألف كيلومتر، أي ما يعادل عشر دورات حول الأرض، هذا العسل له منافع للجسم كثيرة جداً، لكن منافعه التعريفية أبلغ، يجب أن تعرف الله من خلال النحل وصنع العسل، فإن عطلت الناحية التعريفية وانتفعت بالعسل هذا شأن العالم الغربي الانتفاع، لكن شأن الإنسان الكامل أن يتعرف إلى الله من خلال خلقه، فإذا وصل إلى الله من خلال آية النحل والعسل فقد حقق المراد من خلق هذه الحشرة النافعة، وهذا الشراب اللذيذ.   فما لم نعرف الله عز وجل لا نستطيع أن نلتزم بأمره،   طاعة طوعية مسبوقة بمعرفة يقينية يوجد في الإسلام كلية معرفية أساسها معرفة الله عن طريق معرفة آياته. وقضية التفكر في خلق السموات والأرض شيء مهم جداً، لماذا ثلث القرآن آيات كونية؟ قال تعالى:  ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾  الذي لا يفكر في آيات الكون يعطل ثلث القرآن، لأنك إذا فكرت في هذه الآيات عرفت الواحد الديان. 

     الإنسان إذا جاهد نفسه وهواه وصل إلى ربه ومبتغاه،  ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾  إذاً المطلب الأساسي السلامة والسعادة، طريق السلامة والسعادة أن نعرف الله، وأن نعرف الآمر قبل أن نعرف الأمر، فإذا عرفنا الآمر وطبقنا الأمر اتصلنا به، والاتصال بالله سرّ الدين، لا خير في دين لا صلاة فيه، الصلاة عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين. فالإنسان عندما يعرف هدفه تنتهي مشكلاته، لأن من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها. قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه:  (( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري، أهل مودتي، أهل شكري، أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها )) 

     حقيقة الناس رجلان، على اختلاف مللهم ونحلهم ومذاهبهم وأعراقهم وانتماءاتهم في النهاية رجلان:   إنسان عرف الله، واتصل به، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، وسعد بقربه، الثاني غفل عن الله، انقطع عنه، تفلت من منهجه، أساء إلى خلقه، شقي في الدنيا والآخرة،  ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾  ولن تجد إنساناً ثالثاً، هذه حقيقة ثابتة قال عليه الصلاة والسلام:  ((... فَالنَّاسُ رَجُلانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى الله، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ  ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ))   ولن تجد تقسيماً ثالثاً، يوجد مليون تقسيم، العبرة أن تكون مع الله، قال تعالى:  ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾

     الملخص، أن الإنسان إذا عرف سرّ وجوده وغاية وجوده صح عمله، الآن إذا انطبقت حركته مع هدفه سعد، مثلاً: إنسان عليه فحص وهو في السنة الأخيرة سنة التخرج، وهي سنة أساسية يبنى على نجاحه مستقبل كبير، وظيفة عالية، ودخل كبير، أصدقاؤه أخذوه قبل الامتحان إلى مكان جميل، أجمل مكان، وأجمل منظر، وأجمل طعام، لماذا يشعر بانقباض شديد؟ لأن هذا الوقت ليس وقت نزهة، بل وقت دراسة، فإذا جاءت حركتك اليومية خلاف هدفك تنقبض، لو أن هذا الطالب جلس في غرفة مظلمة وقرأ الكتاب المقرر وفهمه يشعر براحة، عندنا سرّ الآن، ما هي السعادة؟ أن تأتي الحركة متوافقة مع الهدف.  فأنت أولاً لن تصح حركتك إلا إذا عرفت سرّ وجودك، ولن تسعد إلا إذا جاءت هذه الحركة متوافقة مع هدفك، وأنت في الأرض من أجل أن تعرف الله، وأن تطيعه، وأن تسعد بقربه. 

     المعرفة اليقينية مع الطاعة الطوعية إلى سعادة أبدية، إن لم تقل والله ليس في الأرض من هوأسعد مني إلا أن يكون أتقى مني يكون هناك ضعف في الإيمان، أنت اتصلت مع الإله العظيم وتشقى؟ إنسان عرف خالقه، وعرف منهج خالقه، وأطاع الله في كل شيء، نحن في الدنيا إذا إنسان انتمى إلى جماعة قوية له مليون ميزة، أنت تنتمي إلى الله، تنتمي إلى خالق الأكوان، تنتمي إلى خالق الأرض والسموات، القضية قضية مصير أبدي، لأنه قال تعالى:  

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

 

الإيمان النظري هومشكلة المسلمين الأولى :

     بقي علينا أن نعرف أن الله سبحانه وتعالى لوعرفته معرفة نظرية ولم تتحرك نحوه ما فعلت شيئاً، الآن الشمس ساطعة فرضاً، أنا أقول لك: الشمس ساطعة، ما فعلت شيئاً، ولوأنكرت سطوعها لاتهمت في عقلي. 

     الإيمان المجرد النظري هومشكلة المسلمين، ثقافته إسلامية جيدة، وعواطفه إسلامية، ومشاعره إسلامية، ولكن لا يوجد حركة، حركة نحوالله، بذل، عطاء، انضباط، مشاعر إسلامية، فصار الإسلام فولكلوراً، طقوساً، عادات، مشاعر، لكن لا يوجد انضباط، بالانضباط تقطف ثمار الدين، ممكن لأي علم أن ينتفع الناس به ولا يعنيهم سلوكك، أما إذا كنت داعية إلى الله عز وجل لا يمكن أن تقبل إلا إذا كان السلوك موافقاً للعقيدة، فيا أيها الأخوة الكرام العبرة أن نكتشف سرّ وجودنا، وغاية وجودنا، والعبرة أن نحقق وجودنا الإنساني بمعرفة الله عز وجل، ومن دون معرفة الله لنا وجود حيواني ولكنه راق، إنسان يسكن أفخر بيت، ويأكل ويلبس أجمل الثياب، هذا وجود حيواني لكنه راق، والدليل ماذا قال الله عز وجل:  

﴿وَلَوشِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوتَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾

﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ﴾

﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوفَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾

     الكافر وصف أنه كالحمار، وكالكلب، وكالحمر، وكالخشب المسندة، هذا الوجود الحيواني، أما حينما أطلب العلم، وأسعى إليه، ألتزم هذا الوجود الإنساني. 



المصدر: رحلة أمريكا 1 - المحاضرة : 05 - السلامة والسعادة.