بحث

الزمن بالمنظور الإسلامي

الزمن بالمنظور الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

     قال تعالى:  

﴿وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

     ما الإنسان؟ بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه. فالإنسان زمن أو رأس ماله الوحيد هو الزمن، أو أثمن شيء يملكه هو الزمن، لكل هذه الأسباب أقسم الله لهذا الإنسان لأنه زمن بمطلق، قال تعالى:  ﴿وَالْعَصْرِ﴾ الواو واو القسم، أي الله عز وجل أقسم لنا بمطلق الزمن، جواب القسم مخيف، قال تعالى:  ﴿وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ خاسر، لمَ يا رب؟ قيل: لأن مضي الزمن يستهلكه فقط، قبل أن نقول: مؤمن، غير مؤمن، صالح، طالح، قبل كل ذلك، مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان، أحد اثنين ثلاثاء أربعاء خميس جمعة مضى أسبوع ثان، أسبوع ثالث، رابع، مضى شهر، أربعة شهور فصل، أربعة فصول سنة، عشر سنوات عقد، حياة الإنسان بضعة عقود، معترك المنايا بين الستين والسبعين، هو زمن فما لم يعرف هذه الحقيقة الخطيرة أنه بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه خاب وخسر. 

     لهذا الإنسان خطاً بيانياً صاعداً، ولد سليم الأعضاء والأجهزة، تكلم، مشى، دخل حضانة، دخل ابتدائي، إعدادي، ثانوي، تخرج أخذ دكتوراه بالجامعة تعين أستاذاً جامعياً، تزوج، أنجب، تقدمت به السن ثم جاءت النعوة. بشكل علمي واضح، هل من الممكن أن نستيقظ نحن جميعاً وأنا معكم كل يوم كاليوم السابق؟ في يوم من الأيام ينشأ تطور بالجسم، إذا كان هذا بوابة الخروج يتفاقم إلى أن تعلق النعوة، كل بطولتك، وكل ذكائك، وكل عقلك أن تعدّ لهذه الساعة التي لابد منها، كل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت. 

     الآن الذي يلفت النظر أن هذه السورة سورة العصر، هذه السورة أقسم الله بها بمطلق الزمن لهذا الإنسان الذي هو زمن جواب القسم خاسر، لكن رحمة الله في إلا، قال تعالى:  ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾  أي ما لم نبحث عن الحقيقة، ما علة وجودنا في الدنيا؟ ما حقيقة الدنيا؟ ما حقيقة الموت؟ ماذا بعد الموت؟ لم خلقنا أصلاً؟ ما الدار الآخرة؟ ما الجنة؟ ما النار؟ ما مقومات التكليف؟ هذه حقائق كبرى، لذلك أنا أقول: ما كل ذكي بعاقل، قد تختص بالفيزياء النووية ولست عاقلاً لا سمح الله عند بعض الناس، ما لم تبحث عن الحقيقة، وما لم تتحرك وفقها، وما لم تدع إليها، وما لم تصبر على معرفة الحقيقة، والعمل بها، والدعوة إليها فأنت خاسر، فأنت بضعة أيام فالبطولة أن تنفق الوقت إنفاقاً استثمارياً لا أن تنفقه إنفاقاً استهلاكياً، بمعنى أنني إذا أكلت وشربت وسهرت ونمت واستيقظت وذهبت إلى عملي وهكذا، إلى أن أفاجأ بمغادرة الدنيا فأنا خاسر، أما إذا فعلت في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعني بعد انقضاء الزمن فهذا هو الذكاء، هذا هو التفوق، هذا هو العقل، هذا هو النجاح، هذا هو الفلاح، أن أفعل بالزمن الذي سينقضي عملاً ينفعني بعد انقضاء الزمن، وقد ورد في بعض الأدعية:  لا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً، ولا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله قرباً ، هذا هو العقل، هذا هو الذكاء، هذا هو النجاح، هذا هو الفلاح. 

     المال أثمن أم الزمن؟ الجواب الطبيعي والأساسي الوقت أثمن من المال، لأن الإنسان وقت، لذلك أهل الدنيا يستهلكون أعمارهم في متع زائلة، بينما المؤمن استهلك وقته في معرفة الله وطاعته والعمل برضوانه، أنا أضرب مثلاً بسيطاً لو أن إنساناً ذكياً جداً وفقيراً جداً تمكن أن يقنع أقاربه أن يبيعوا ما يملكون من حلي، واشترى بطاقة طائرة وذهب إلى أمريكا ليدرس، ولأنه فقير جداً اضطر أن يعمل في مطعم بعد الظهر، وصباحاً في الجامعة، وفي الليل يدرس، أمضى سبع سنوات من أصعب ما يكون، نال الدكتوراه وقد وعد في بلده بأعلى منصب، وبيت بأرقى أحياء العاصمة، وبيت آخر في المصيف ودخل فلكي، الآن نال الدكتوراه وصور الشهادة وصدقها، واتجه إلى المطار، وضع رجله في سلم الطائرة، هذا الوضع الآن مضى عهد له خصائصه، وأتى عهد آخر له خصائصه، مكانة اجتماعية، منصب رفيع، بيت فخم، رفاه، إنفاق كبير، هذا وضع الموت بالنسبة للمؤمن حينما يغادر الدنيا، الموت عرس المؤمن، والموت تحفة المؤمن. 

     فلذلك الإنسان حينما يفكر يرى أن سعادته الأبدية هي الأصل، وسعادته الأبدية تقتضي طاعة لله، والنقطة الدقيقة أحبّ أن أؤكدها في الإسلام لا يوجد حرمان، قاله تعالى:  ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ﴾  المعنى المخالف الذي يتبع هواه أي شهوته وفق هدى الله لا شيء عليه، لا يوجد حرمان في الدين لكن له هدفاً كبيراً إذا وضع هذا الهدف أمامه هو أسعد الناس، وخطه البياني صاعد، قبل قليل قلت: خطه البياني صاعد أما إذا مات فينزل هذا الخط إلى الصفر، إلا المؤمن خطه البياني صاعد والصعود مستمر بعد الموت، والموت نقطة على هذا الخط الصاعد 

     الفكرة أن الوقت أثمن من المال، فالذي يمسك مئة ألف ويحرقها نحكم عليه قطعاً بالجنون، فإذا كان الوقت أثمن من المال فالذي أتلف ماله حكمنا عليه بالجنون، فكيف الذي يتلف وقته؟ هناك أشياء كبيرة جداً ينبغي أن تهتم بها. أنت زمن يجب أن ينفق هذا الزمن في عمل ينفعك بعد انقضاء الزمن بالضبط، أي إذا دعوت إلى الله، إذا أطعمت الجياع، إذا آويت المشردين، إذا عالجت المرضى، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق حينما تكتشف أن علة وجودك في الدنيا هي العمل الصالح، قال تعالى:  ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ إذاً العمل الصالح هو سرّ الحياة، ليست قضية تفعلها او لا تفعلها، العمل الصالح ليس وردة تضعها على صدرك، العمل الصالح هواء تستنشقه، الحقيقة الموت نهاية، الناس كلهم الآن يعيشون ؛ يأكلون، يشربون، يتنعمون، يسهرون، وقد يفعلون أشياء لا ترضي الله عز وجل، لكن الموت هو المصير فقدم لخطورته، ولأهميته، ولأنه فاصل، كإنسان يمشي بطريق مستو فرأى طريقين ؛ الأول هابط والثاني صاعد، فهنا يصل الإنسان إلى النهاية ؛ إما من أهل النعيم المقيم أو من أهل الدنيا، من أهل الذي انتهت دنياه على معصية. لك في الدنيا أن تختار ألف خيار، قال النبي صلى الله عليه وسلم:  ((فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار)). 



المصدر: الخطبة : 1134 - الزمن البعد الرابع للأشياء - أنت أغنى من 75% .