النجاح لا يسمى نجاحاً إلا إذا كان شاملاً. ما المحطات الكبرى في النجاح؟ في حياة الإنسان آلاف المحطات لكن هناك أربع محطات كبرى أي خلل في إحداها ينعكس على المحطات الثلاث، المحطة الأولى علاقتك بالله: من عرف الله ومنهجه واستقام على أمره سعد في الدنيا والآخرة. المحطة الثانية علاقتك بأهلك وأولادك، لأن هذا المجتمع الكبير أساسه أسر، فإذا تماسكت الأسرة تماسك المجتمع، إذا تفوقت الأسرة تفوق المجتمع، إذا قويت الأسرة قوي المجتمع، وكل شرائع السماء تدعم الأسرة وكل النظم الأرضية تدعو إلى تقويضها كما ترون. المحطة الثالثة علاقتك بعملك، حرفتك، مهنتك، مورد رزقك، المال قوام الحياة حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي. المحطة الرابعة ينبغي أن تنجح مع صحتك، لأن جسمك وعاء عملك، ممكن أن تعيش العمر الذي أراده الله لك لكن بين أن تعيشه هكذا أو هكذا بالعناية بالصحة تعيشه واقفاً، نشيطاً، متحركاً، وبإهمال الصحة تعيشه هكذا، لذلك أربعة إن لم تتوافر بكل معاني هذه الكلمة لا يسمى النجاح نجاحاً، لكن هذه المحاضرة مخصصة للمحطة الثانية علاقة الأهل والأولاد.
بادئ ذي بدء هل تصدقون أن يقول النبي عليه الصلاة والسلام يقول: الحمد لله، على ماذا؟ قال: ((الحمد لله الذي رزقني حبّ عائشة)) فجعل النبي الكريم حبّ زوجته أكبر النعم التي أنعم الله عليه، والحب بيدك، هناك كلام يقوله الشياطين: بعد فترة تمل الزوجة، أكثر الأعمال الفنية تزهد بالزوجة، يعني دفء المرأة يكون بالحرام، هذا من كيد الشيطان، أنا أعتقد اعتقاداً جازماً أن الشيطان أكبر مهمة يقوم بها التفريق بين الزوجين، أن يكره الزوج بزوجته، أن يكره الزوجة بزوجها، تجد الزوج أحياناً مع نساء أخريات في أعلى درجة من اللطف والنعومة والمرح لكن مع زوجته قاسٍ جداً هذا من عمل الشيطان، مودتك لزوجتك، ابتسامتك لزوجتك، اعتذارك لزوجتك، تقديرك لزوجتك، الثناء على زوجتك.
طاعة الله عز وجل أساس الزواج المتين والسعيد، العلاقة مع الأهل أساسها هذا الحديث: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا)) ، إن أردت زواجاً متيناً متماسكاً مستمراً متنامياً أطع ربك، ويا أيتها الزوجة أطيعي ربك. أنا لا أصدق أن يكون الفرق بين المؤمن وغير المؤمن موضوع الصلاة، الصلاة عبادة وفرض يجب أن تؤديها، المؤمن يصوم ويصلي ويحج ويزكي، أنا أرى أن الفرق هناك فرق صارخ في المنطلقات، في التصورات، في السلوك، في المبادئ، في المواقف. الزواج الإسلامي ما خصائصه؟ أول خصيصة فيه أن منهج الله مطبق فيه، ما لم يطبق منهج الله في العلاقة بين الزوجين هذا الزواج ينتهي إلى الفصام. لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير﴾ ، الحقيقة الأولى إذا بني الزواج على معصية الله يتولى الشيطان التفريق بين الزوجين، ولو توافرت لهذا الزواج كل أسباب النجاح، وإذا بني الزواج على طاعة الله ولو افتقر إلى معظم مقومات نجاحه يتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين. ما حضرت عقد قران إلا سمعت الذي عقد العقد يقول على كتاب الله وسنة رسوله، السؤال يا ترى هذا الزوج هل قرأ ما في كتاب الله من أحكام الزواج؟ وهذه الزوجة هل قرأت ما في كتاب الله من حقوق الزوج؟ يجب أن نعرف ما في كتاب الله، لو لم يكن في كتاب الله إلا آية واحدة لكفت: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ لو فهم الأزواج والزوجات أبعاد هذه الآية ما كان خلاف زوجي، كما أن لك كرامة هي لها كرامة، كما أنك تحب أهلك هي تحب أهلها، كما أنك تعتز بأهلك تعتز بأهلها، كما أنك تحب أن تراها في أعلى درجة من الأناقة أيضاً هي تحب أن تراك في أعلى درجة من الأناقة.
أخطر شيء في الزواج الإسلامي أن الله بين الزوجين: كل طرف يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر، وكل طرف يتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر، هذا الزواج وجد ليبقى، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ قال بعض المفسرين: "ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها".
الإنسان إما أنه إنساني رباني أو عنصري، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ من أنفسكم تفكر كما تفكر، تحب كما تحب، تكره كما تكره، تعتز كما تعتز، تتألم كما تتألم، تهان كما تهان أنت، من أنفسكم، في اللحظة التي تتصور أنك من طبقة أخرى فأنت عنصري. الذي يرى له ما ليس للزوجته فهو عنصري، والزوجة التي ترى لها ما ليس لزوجها فهي عنصرية، والأب الذي لا يرضى أن تعامل ابنته كما يعامل زوجة ابنه فهو عنصري.
ما من مؤسسة على وجه الأرض إلا وتحتاج إلى قائد، قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ هذه آية واسعة جداً: ﴿... وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ هذه درجة القيادة كقائد الطائرة ومعاونه، المعاون طيار ويحمل أعلى شهادة وبإمكانه أن يطير بالطائرة لكن في الأزمات القرار للطيار الأول. . فالله سبحانه وتعالى لحكمة بالغة قال: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ...﴾ فضل بعضهم على بعض ليس معنى هذا أفضل منك، معنى ذلك أنها أفضل منه في حالات و في قضايا و هو أفضل منها في قضايا، ففي شؤون العاطفة والعناية بالبيت وبالأولاد هي أفضل منه، و في شؤون الرؤيا والقيادة هو أفضل منها فقال فضل بعضكم على بعض وليس معنى هذا أنه يوجد طرف مفضل، معنى ذلك أن كل طرف مفضل وفاضل كل طرف، فالرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وليس بما فضلهم على النساء كلا، بل بما فضل بعضكم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم فالقوامة من الرجل إلا أن هذه القوامة لا تعني أنه كل شيء وهي لا شيء قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ . الشيء الثاني: هذا لا يمنع أن نتشاور، أي تنصحها وتنصحك، وتأمرها وتأمرك، والحياة حركة إلى منتصف الطريق.
بيت الزوجية مقدس، فلمجرد أن تخرج المرأة من بيت الزوجية غاضبة أو أن يخرجها زوجها إلى بيت أهلها غاضبة أي خروج من المرأة من بيت زوجها ما الذي يحصل؟ أصغر مشكلة تغدو أكبر مشكلة، فإذا بقيت المرأة في بيت زوجها أكبر مشكلة تغدو أصغر مشكلة، لأنه إن خرجت صار هناك أطراف عدة وتغذية معينة وتحطيم وتحدي كل هذا الزوجات في غنى عنه لذلك قال تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾ ليس لها أن تخرج و ليس له أن يخرجها، فإذا بقيت في بيت الزوجية أكبر مشكلة لابد من أن تتلاشى.
كل إنسان عليه أن يعبد الله فيما أقامه، النبي عليه الصلاة والسلام يخاطب النساء عامة من خلال امرأة قال: ((اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله)). لابد من أن تعرف واجباتك أيها الزوج، ولابد من أن تعرفي أيتها الزوجة واجباتك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((أكرموا النساء، والله ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً)). أن تحسن المرأة رعاية زوجها وأولادها فهي في أعلى درجات العبادة لله عز وجل. أقول دائماً، هناك عبادة الهوية، أنت من؟ أنت غني عبادتك الأولى إنفاق المال، أنت قوي العبادة الأولى إنصاف الفقير الضعيف، فالعالم عبادته الأولى تعليم العلم، أنت امرأة العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد. أضرب مثلاً، امرأة تحب الله كثيراً استيقظت الساعة الرابعة صباحاً أو الثالثة لقيام الليل، صلت قيام الليل، وبكت في الصلاة، وخشع قلبها، وذابت محبة لربها، الساعة السادسة تعبت وعندها خمسة أولاد، فطلبت من أولادها أن يتدبروا شأنهم، الأكل غير موجود، الغرفة باردة، بعض أولادها لم يكتب وظيفته، بعض أولادها هندامه غير حسن، بعض أولادها يحتاج ثيابه إلى إصلاح، انطلقوا إلى المدرسة، هذا ما كتب وظيفته، والثاني على هندامه ملاحظة، والثالث… ، الكل أُهِينوا، لكن هي صلت قيام الليل أنا أقول: هذه المرأة لو استيقظت قبل طلوع الشمس بنصف ساعة، ودفأت الغرفة، ووضعت الطعام، وهيأت الشطائر لأولادها، وراقبت وظائفهم، راقبت هندامهم، راقبت ثيابهم، راقبت محفظتهم، ودعتهم إلى أن يستقلوا السيارة، أنا أرى أن هذه المرأة أقرب إلى الله مليون مرة من الأولى، لماذا؟ لأنها كانت عابدة لله فيما أقامها، أقامها زوجة، أقامها أم، هذه عبادة الهوية، مادامت هذه المرأة أماً لأولاد أو زوجة لزوج، العبادة الأولى بحقها أن تعبد الله فيما أقامها.
إذا في بالبيت دفء ومحبة وهدوء وتفاهم صار البيت جنة، وقد يكون مساحته صغيرة ، وقد يكون الطعام خشن جداً، وقد يكون الدخل محدود جداً لكن الحب يعوض عن كل شيء، وقد يكون البيت ثمنه ثمانين مليوناً قطعة من جهنم، زوجان متفاهمان طائعان لله بيتهم جنة، إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.