أيها الإخوة الكرام، حينما اصطفى سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- بهذه الرسالة وكان في غار حراء، قال له جبريل: (اقرأ) ما معنى اقرأ؟ يعني هناك نص تحفظه طُلب منك أن تقرأه، أو هناك كتاب أمامك طُلب منك أن تقرأ فيه، قال: (ما أنا بقارئ) أعادها ثانية، وثالثة، قال له: (ما أنا بقارئ) ثم جاءت الآية الأولى في الوحي : ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ أنت لست بقارئ، ولكن إرادة الله طليقة، وهو على كل شيء قدير، فسوف تقرأ على البشر كلاماً هو قمة العلم، والآن يأتي إنسان ويأخذ بعض الأحاديث ويشرحها فينال عليها درجة الدكتوراه . يا أيها الأميُّ حَسبُكَ رتبةً في العلمِ أنْ دانتْ لكَ العلماءُ، لأن الله -عز وجل- تولى تعليمه قال تعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ .
فالنبي صلى الله عليه وسلم، نبيٌ أمي لا يقرأ ولا يكتب، لكن إياكم أن تتوهموا أن الأمية في حق النبي متعلقة بالجهل، أبداً، لأن الله علمه، وإذا كان الله قد علمه فهو سيد العلماء. فلو زارنا أكبر علماء الفيزياء في العالم، أنشتاين، وضعنا أمامه كتاباً في اللغة العربية، فلم يفقه منه شيئاً، حدثناه بالعربية فلم يفهم شيئاً، نقول هذا العالم الكبير، الذي جاء بالنظرية النسبية وهي من أخطر النظريات الفيزيائية، هذا العالم أميٌ في اللغة العربية لا يقرأ ولا يكتب . فهل إذا قلنا هذا أمي؟ معنى ذلك أنه جاهل، أعوذ بالله .
الأمية تعني عدم الكتابة والقراءة، إلا أن الله جل جلاله، لحكمة بالغة، جعله أمياً، ليكون وعائه من الوحي فقط، لو كان يقرأ ويكتب، لطّلع على ثقافات العصور، في ثقافة إغريقية، ثقافة يونانية، ثقافة فارسية، ثقافة مصرية، ثم جاء الوحي تداخلت ثقافات الشعوب مع الوحي فإذا تكلم سيُسأل في كل لحظة، هل هذا من عند الوحي أو من عندك؟ شاءت حكمة الله أن يكون نبينا علية الصلاة والسلام أمياً، أي لم يشوش عليه أي ثقافة من ثقافات العصر، يقال يا رسول الله: هذه من ثقافتك أم من الوحي؟ قل له : ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ فكل معلوماته وكل الحقائق التي نطق بها إن هي إلا وحي يوحى، من وحي الله عز وجل . قال تعالى : ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.
إذاً: أمية النبي تعني أنه لم يتلقَّ ثقافة أرضية، بل إن وعاءه الثقافي -إن صحّ التعبير- ممتلئ بوحي السماء.
لذلك الأمية في حق النبي وسام شرف، وفي حقنا وصمة عار نحن ليس هناك وحي يعلمنا، فإن لم نكن نقرأ ولا نكتب، من يعلمنا نبقى جاهلين، فإذا قلت فلان أمي يعني جاهل، أما إذا قلت هذا النبي العظيم أمي، يعني أبعده الله عن ثقافات العصر، وجعل كل علمه من عنده، جعله وحياً يوحى، هذا المعنى. لذلك علماء العقيدة يقولون: إن القرآن الكريم وحي متلوّ، بينما السنة الشريفة الصحيحة وحي غير متلو، القرآن الكريم المعنى واللفظ من الله -عز وجل-، والسنة الصحيحة المعنى من الله والصياغة من رسول الله، وكان عليه الصلاة والسلام أفصح العرب إطلاقاً .