قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَيْهِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ)
الرفق يفتقر إليه معظم الناس وحينما يدخل العنف إلى البيوت أو حينما يكون العنف في العمل فإن أخطاراً كبيرةً تنتظر الناس، يعني الإنسان أحياناً لو فرضنا معلم، أو أب، قد يخالف ابنه بعض القواعد، قد يرتكب بعض الأغلاط، قد تزل قدمه، فأسهل طريقة لتلافي هذا الخطأ أن يضربه ضرباً مبرحاً، لكن أن يقنعه وأن يحلم عليه، وأن يراقبه مراقبةً دقيقة، وأن يتابعه، وأن يتوعده أحياناً، وأن يحاسبه حساباً دقيقاً هذا يحتاج لنفس طويل يحتاج إلى حنكة، وحكمة، إلى رغبة في عدم جرح نفسه، أما أسلوب العنف سهل وسريع لكن أثره ضعيف وقد يخلق في الإنسان جرحاً لا ينتهي، أما أسلوب التعليم، الإقناع، المداراة، المتابعة المراقبة، إبداء الملاحظة، التشجيع، الترغيب هذا يحتاج الإنسان إلى خبرة في التربية، والحقيقة الأبوة مسؤولية كبيرة، الابن أحياناً ينساق إلى مكارم الأخلاق بفعل أب حكيم وقد يهوي في مهاوي الرذيلة بفعل أب غير حكيم .
إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ يحب الهادئ، يحب صاحب الصوت المنخفض، يحب الذي يخطط، يحب الذي يأخذ الأمور بالتؤدة بهدوء، الله عز وجل علمنا قال الله تعالى : قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قبل أن تغلي كالمرجل، وقبل أن تنفجر تحقق من هذا الكلام. إياك أن تتخذ قراراً في حالتين، الغضب ونقص المعلومات، وهذا معنى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَيْهِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ يبدو أن أجر الرفيق بالحديث له أجر كبير جداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ البيت الهادئ من نعم الله الكبرى، بيت الصخب والضجيج وتكسير الأبواب، وتكسير الأواني، والصياح، والغضب والضرب، هذا بيت فيه شياطين، قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشَاءَ وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يُذْكَرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ فَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ فإذا دخل الشيطان إلى البيت صار في عنف، خصومات، أعمال عنيفة .
وإن الرفق لو كان خُلقاً لما رأى الناس خَلقاً أحسن منه، وأن العنف لو كان خَلقاً لما رأى الناس خَلقاً أقبح منه . عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه تَعَالَى عَنْهَا تَقُولُ: كُنْتُ عَلَى بَعِيرٍ صَعْبٍ فَجَعَلْتُ أَضْرِبُهُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ فَإِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ هكذا النبي صلى الله عليه وسلم علمنا، سبحان الله إذا الإنسان هادئ يشيع فيمن حوله الهدوء إذا كان هو صاخباً عنيفاً يربي من حوله على العنف، الأب العنيف أولاده عنيفين جداً، تعلموا منه العنف في تعاملهم مع بعضهم عنيفون جداً، هو يضربهم وهم يضربون بعضهم بعضاً . النبي صلى الله عليه وسلم لم يرضَ العنف على البعير.
قد يقول أحدكم ماذا أفعل؟ طبعي صعب، أنا حاد الطبع، هذا الذي يستسلم لطبعه من دون أن يجهد في ضبط نفسه هذا إنسان بعيد عن أن يكون في المستوى الراقي، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : إنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما العلم بالتعلم ولهذا الحديث لفتة لطيفة جداً، أنت حينما تتحلم ولست حليماً، أنت حينما تقهر إرادتك وتحلم ولست حليماً دفعت ثمن الحلم الأصيل فإذا فعلت هذا مراراً تجلى الله عليك بالحلم الخلق الأصيل، فالحلم ثمنه التحلم والكرم ثمنه التكرم، فأنت في أول الأمر تصنع الحلم، تصنع الهدوء تصنع الأناة، تصنع الحكمة، إن تصنعتها أكرمك الله بالحلم الأصيل والحكمة الأصيلة، والأناة الأصيلة، فالخلق الأصيل ثمنه خلق متكلف أنت تضبط أعصابك وتكظم غيظك وتحلم، الله جل جلاله يكافئك على حلمك هذا أو على تحلمك هذا بأن يجعلك حليماً، كل إنسان يظن أن هذا الطبع لا يتغير هذا إنسان لا يعرف ما الإنسان أنا أعتقد أن هناك تطوراً جذرياً يصيب كيان الإنسان من قمة رأسه إلا أخمص قدميه إذا عرف الله، وكثيراً ما أسمع ممن حول أخوتنا المؤمنين أن فلان ما كان هكذا. لا تستمع إلى مقولات الناس أن الطبع يغلب التطبع هذا كلام ليس له معنى، هذا كلام ليس منضبط، لما الصحابة تعرفوا إلى الله وآمنوا بالله صاروا حلماء، حكماء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء .
إذاً الرفق خلق عظيم، ويكاد الحليم أن يكون نبياً، والحلم سيد الأخلاق أن هذا الخلق العظيم الذي هو محط آمال كل الناس ثمنه التحلم، والتحلم تكلف الحلم، والتحلم تصنع الحلم أنت لست حليماً لكنك تكلفت الحلم هذا التكلف هو الذي عليك وعلى الله الباقي، على الله أن يهبك خلقاً أصيلاً أساسه الحلم، فإذا الإنسان في بيته حليم، في عمله حليم هادئ حكيم، يفكر، يخطط، يوجه ينصح، يتابع الأمر، يعاتب فهو حكيم، أما الصدام والموقف العنيف هذا لا يأتي إلا بالعنف وأنا لا أبالغ إذا قلت أن الشيطان مناسبته الوحيدة أن يجعلك تغضب فإذا غضبت أصبحت إنساناً آخر أقرب إلى مخلوق ليس إنساناً .