كما أن خلق السموات والأرض آية كبرى دالة على عظمة الله عز وجل، يقول الله جل جلاله في كتابه العزيز: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ويقول أيضا: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ كذلك أنه خلق من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل بيننا مودة ورحمة، آية دالة على عظمة الله عز وجل، يقول الله جل جلاله: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ . الأصل في العلاقة بين الزوجين أن يسكن كل منهما إلى الطرف الآخر، وأن تكون المودة والرحمة بينهما، هذا هو الأصل، والحقيقة أن تماسك الأسرة له دور خطير في تماسك المجتمع، ونمو الأسرة له أثر واضح في نمو المجتمع، لذلك الشرائع السماوية دعّمت الأسرة، وصانتها من الخطر والزلل. ولكن الإنسان العاقل الواعي إذا بدا عن بُعدٍ أن هناك ملامح للشقاق الزوجي ينبغي أن يستعد لمعالجة الخلل، فقد قال الله عز وجل: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾ أي إنه ينبغي أن تكتشف بوادر الشقاق قبل أن يقع، وهذا من البطولة أن تكتشف الشيء قبل أن تعاينه. النبي عليه الصلاة والسلام جعل خيرية الإنسان داخل بيته، أصل خيريته العامة، ذلك أن الإنسان خارج البيت يحرص على مكانته وسمعته، لذلك يظهر من التصرفات ما هو مقبول عند المجتمع، أما إذا دخل إلى البيت فلا رقابة، ولا مسؤولية، لذلك حقيقة الإنسان وتدينه وأخلاقيته تتبدى في بيته، من هذا المنطلق قال عليه الصلاة والسلام: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ)) . لذلك أصعب شيء أن تكون أخلاقياً في بيتك، حيث لا رقابة، ولا خشية، ولا سمعة. وإذا حللنا أسباب الشقاق الزوجي هناك أسباب عديدة منها:
- يقع في رأس قائمة أسباب الشقاق الزوجي الجهل الذي يهيمن على الأسرة، فالجهل هو أعدى أعداء الإنسان، فالجاهل عدو نفسه، ويفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، حقوق الزوجة وواجباتها، وحقوق الزوج وواجباته، الحدود التي ينبغي أن يقفوا عندها، هذا كله مفقود في أسرة تفقد العلم الشرعي. ما من عقد قران وإلا ويقول العاقد: على كتاب الله وسنة رسوله، فهل عرف الزوجان ما في كتاب الله وفي سنة رسوله من أحكام الزواج؟ النبي عليه الصلاة والسلام يخاطب النساء عامة من خلال امرأة قال: ((اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله)) . لابد من أن تعرف واجباتك أيها الزوج، ولابد من أن تعرفي أيتها الزوجة واجباتك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((أكرموا النساء، والله ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً)) .
- السبب الآخر هو ضعف الإيمان، ذلك أن الزوجين المؤمنين يشعران أن الله بين الزوجين، فكل طرف منهما يخاف الله أن يظلم الآخر، وكل منهما يتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر، فإذا كان الزوجان مؤمنين فإيمانهما بالله، وأنه يراقبهما، وبأن الله سبحانه وتعالى سيكافئهما على عملهما، هذا أكبر ضمانة لنجاح الزواج في ظروف الإيمان. وقد قال بعضهم: زوِّج ابنتك للمؤمن، إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لن يظلمها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَقَالَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ، وَمَا تَوَادَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إِلَّا حَدَثٌ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ)) .
- هناك سبب ثالث للشقاق الزوجي هو سوء التصرف، المؤمن له عطاء من الله لا يقدر بثمن، هذا العطاء قد لا يبدو جلياً واضحاً لعامة الناس، إنه الحكمة، فقد قال الله عز وجل: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً﴾ الحكمة أن تضع الشيء في موضعه، وأن تقول الكلمة المناسبة في الوقت المناسب، مع الشخص المناسب، بالقدر المناسب، الحكمة أعظم عطاء إلهي على الإطلاق، إنه خاص بالمؤمنين. ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ ، الحكمة لا تؤخذ، لكنها تؤتى، تؤتى للمؤمن كنتيجة لطاعته لله عز وجل، وكانصياع لأمر الله، ألم يقل الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾ أي إنه من يتق الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من الشقاق الزوجي، من يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوق أولاده، فحينما تطبق منهج الله إنك تطبق تعليمات الصانع، وما من جهة يمكن أن تلتزم بتعليماتها إلا الجهة الصانعة، لأنها الخبيرة، قال تعالى: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ .
- شيء آخر من أسباب الشقاق الزوجي هو التعالي، أحياناً يتعالى الزوج على زوجته، أو تتعالى الزوجة على زوجها، والتعالي معول يهدم السعادة الزوجية، إذا دخلتَ إلى البيت فأنت واحد من أهل البيت. أراد الله أن يكون بين الزوجين الود والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ فالود هو تصرف يعبر صاحبه به عن الحب، والرحمة هي الشفقة.
- التقليد الأعمى معول آخر يهدم الحياة الزوجية، حقيقة دقيقة جداً أنه في حياتنا سعادة ولذّات، اللذّات منبعها خارجي، فتأتي من طعام نفيس، من بيت واسع، ومناظر خلابة، لكن السعادة تنبع من الداخل، اللذّات تحتاج إلى مصادر خارجية، أما السعادة فتنبع من قلب الإنسان، ويملكها، وفي متناول يده، وتسعده، ولا علاقة لها بالشروط المادية التي تحيط بالإنسان، فحينما توازن امرأة نفسها مع امرأة أخرى، والفرق الاقتصادي كبير، هذا معول آخر يهدم الحياة الزوجية، ذلك أن أساس الحياة الزوجية السكن، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ ولحكمة أرادها الله جعل الزوجين متكاملين، وليسا متشابهين، فكل طرف يكمل نقصه بالطرف الآخر، فيسكن إليه، الزوجة تكمل نقصها بزوجها القوي الأمين، فتسكن إليه، والزوج يكمل نقصه العاطفي بزوجته الجياشة العاطفية، فيسكن إليها، وهذا من حكمة الله، أما حينما تأتي امرأة لتقلد امرأة أخرى لها وضع ومستوى آخر فإنها بهذا التقليد الأعمى تهدم السعادة الزوجية فيما بينها وبين زوجها.
- شيء آخر من أسباب الشقاق الزوجي الغياب الطويل، مادامت الزوجة بحاجة لزوجها كي تسكن إليه، وما دام الزوج بحاجة إلى زوجته كي يسكن إليها، متى تكون هذه السكنى؟ إذا كان غيابه عن البيت طويلاً، العشرة الزوجية أصل في الزواج، فالغياب الطويل عن المنزل له مضاعفات خطيرة، قد تكون له مضاعفات معتدلة بين زوجين منضبطين، وقد تكون له مضاعفات خطيرة بين زوجين غير منضبطين، حينما تفتقر الزوجة إلى الأنس وعطف زوجها ووجوده إلى جانبها فقد تضعف نفسها أمام خبيث من خبثاء الأرض.
- شيء آخر، الأزواج أحياناً لا يهتمون لشأن زوجاتهم، عدم الاهتمام بالزوجة، بمظهرها، وبعملها، وبإدارة بيتها، وبطعامها، وبنظافة وتربية أولادها، هذا يضعف العلاقة بين الزوجين.
- شيء آخر في العلاقة الزوجية، ألم يقل الله عز وجل: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ أيهما أحق بكلامك الطيب الناس عامة أم هذه التي هي في البيت أم شريكة حياتك؟ الكلمة الطيبة صدقة. كان عليه الصلاة والسلام زوجاً ناجحاً، كانت السيدة عائشة تسأله من حين لآخر: يا رسول الله كيف حبك لي؟ فعبر النبي عن حبه الشديد لها بمثلٍ قال: حبي لك كعقدة الحبل، فأصبح هذا رمزاً بينهما، تسأله من حين لآخر: كيف العقدة؟ فيقول: على حالها . إذا كان هناك ود بينهما، فلمَ يبخل الزوج بكلمات الحب والود لزوجته؟ ولم تبخل الزوجة بكلمات الحب لزوجها؟
- من أسباب الشقاق الزوجي الطمع المالي، هذا العقد بين الزوجين هو أقدس عقد في الأرض، يقول الله عز وجل: ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ هذا الميثاق الغليظ يفسده الاتجاه المالي، فحينما يطمع الزوج بمال زوجته، أو حينما تطمع الزوجة بما عند زوجها لتقتنصه لأهلها هذا يفسد العلاقة بين الزوجين.
- ومن أشد معاول هدم السعادة الزوجية بخل الزوج، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله)) وقد قال بعض الصحابة الكرام: " حبذ المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي " ، إلا أن الصحابية الجليلة حينما تودع زوجها تقول : اتقِ الله فينا نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام، أما المرأة التي تضغط على زوجها كي يكسب المال الحرام فهي شريكته في الإثم.
- من أسباب الشقاق الزوجي سوء الظن، وهو حزم إذا كان هناك دليل، وإن لم يكن هناك دليل فهو إثم، فينبغي أن نحسن الظن إن لم يكن هناك دليل على سوء الظن، أما إن كان هناك دليل فالحزم سوء الظن.
- خروج المرأة من دون إذن زوجها، يقول الله عز وجل: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾ أصغر مشكلة إذا خرجت الزوجة من بيت زوجها ونشزت تغدو أكبر مشكلة، وقد تنتهي بالطلاق، وأكبر مشكلة بين الزوجين إذا بقيت الزوجة في بيت الزوجية قد تنتهي إلى الوفاق.
هذه بعض أسباب الشقاق الزوجي، فالشقاق الزوجي معول يهدم الأسر، وإذا ضاعت الأسر ضاع المجتمع، بل إن بعض أقطاب الحضارة الغربية يقول: نحن مهددون بتفكك الأسرة، وشيوع الجريمة، وبالانحراف الأخلاقي. عظمة هذا الدين أنه منهج قويم يبدأ من الأسرة، وينتهي بالعلاقات الدولية، فالزوج والزوجة إذا بنيا بيتهما على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، أما إذا بنيا منزلهما على معصية فيتولى الشيطان التفريق بينهما.