بحث

آثار الإيمان في تحقيق سعادة الإنسان

آثار الإيمان في تحقيق سعادة الإنسان

بسم الله الرحمن الرحيم

السعادة والسلامة مطلبان لكل إنسان:  

      السلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان في أي زمان ومكان السلامة من الشقاء بكل أنواعه، والسعادة بكل مستوياتها ومناحيها السلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان في كل زمان وفي كل مكان، من الفيلسوف في قمة تفكيره إلى العامي في سذاجة، من الملك في قصره الكبير إلى الصعلوك في كوخه الصغير، وليس في الأرض كلها إنسان واحد يبحث عن الشقاء أو الحرمان أو يتمناه.  

السعادة ومصادرها:  

      هذه حقيقة لا ريب فيها، ولا شك فيها، ولكن الإنسان حينما يطلب اللؤلؤ في الصحراء يضل الطريق، مشكلة الناس البعيدون عن منهج الله الذين لم يستنيروا بنور الله، ولم يهتدوا بالوحي الإلهي إنهم يبحثون عن السعادة في غير مظانها، وفي غير مواضعها، فالحريص على جني اللؤلؤ لا يمكن أن يذهب إلى الصحراء ليجني اللؤلؤ، اللؤلؤ في البحار، المشكلة أن الناس يبحثون عن السعادة في غير موضعها وفي غير مظانه، أما أن يبحث الإنسان عن سعادته، وعن سلامته هذان مطلبان ثابتان لكل إنسان في كل زمان ومكان.  

      أيها الإخوة الكرام:   

      السعادة بالتأكيد ليست في وفرة المال، ولا في سطوة الجاه، ولا في كثرة الولد، ولا في نيل المنفعة، ولا في العلم المادي، مع أن الواقعية تقتضي أن لا ننكر أن للجانب المادي نصيباً من السعادة   

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْجَارُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ    

      من سعادة المرء في الدنيا، من للتبعيض.  

      لها جانب يسير، ولكن ليست للنواحي المادية كل الجوانب.  

      أيها الإخوة الكرام:  

      قال عليه الصلاة والسلام وهو من أدق الأحاديث المتعلقة بالسعادة:  

      قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا    

      أمن الإيمان، والصحة والعافية، والكفاية من الحاجة، إذا توافر لك أمن الإيمان، وعافية تعينك على طاعة الله، وتوافرت لك حاجاتك، فأنت في قمة السعادة في مقياس النبي عليه الصلاة والسلام.  

السعادة لا تأتي من الخارج:  

      أيها الإخوة الكرام:  

      الحقيقة المحورية هي أن السعادة الحقيقية لا تأتينا من الخارج، بل تنبغ من الداخل، إذا أيقنت بهذه الحقيقة انقلبت حياتك رأساً على عقب، من قلق إلى سكون، من شقاء إلى سعادة، لا يمكن أن تأتيك السعادة من خارجك، إنها تنبع من داخلك، تنبع من إيمانك تنبع من استقامتك، تنبع من اتصالك بالله، تنبع من تقربك إليه تنبع من وجدانك، تنبع من راحة ضميرك بالتعبير الحديث.  

لقد فجر الإيمان في قلب الإنسان ينابيع السعادة، من هذه الينابيع السكينة، من هذه الينابيع الأمن،  من هذه الينابيع الأمل، من هذه الينابيع الرضا، من هذه الينابيع الحب.  

      الأيمان يفجر هذه الينابيع في نفس الإنسان، الشيء العجيب أنك ترى مؤمناً بدخل محدود، وبيت صغير، وحياة خشنة، تراه أسعد الناس في حين أنك ترى من كان غائصاً في المتع الحسية إلى قمة رأسه، ومنشغلاً بوجاهته ومكانته، لا يملك هذه السعادة التي يسعد بها المؤمن   

       لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف..  

       ماذا يفعل أعدائي بي ؟ وبستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة..  

       مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وخرجوا منها ولم يذوقوا أطيب ما فيها..  

       في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة..  

      ابحثوا عن السعادة، لا في البيت الفخم، ولا في المركبة الفارهة ولا في الدخل الكبير، ابحثوا عنها في اتصالكم بالله:  وجعلت قرة عيني في الصلاة    

       أرحنا بها يا بلال    

       الصلاة طهور   

       الصلاة نور    

       الصلاة حبور    

       الصلاة ميزان    

السكينة من الإيمان والسعادة من السكينة:    

      أيها الإخوة الكرام:  

      ذكرت لكم قبل قليل أن الإيمان يفجر ينابيع السعادة، من هذه الينابيع السكينة:  هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً(4)  

      قال تعالى:  لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18)  

      فعلم ما في قلوبهم من إخلاص، من صدق، من تضحية..  

      لذلك قالوا:  لا سعادة بلا سكينة، ولا سكينة بلا إيمان..  

      إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.  

      أيها الإخوة الكرام:  

      السكينة هي ينبوع السعادة الأول، ولكنها شيء ـ كما قلت قبل قليل لا يرتبط لا بالذكاء ولا بالعلم، ولا بالصحة، ولا بالغنى، ولا بالمال ولا بالشهرة، ولا بالجاه، ولا بغير ذلك من متع الحياة الدنيا،   

      إن السكينة مصدراً واحداً، هي الإيمان بالله واليوم الآخر.الإيمان الصادق العميق الذي لا يكدره شك، ولا يفسده نفاق،   

للسكينة مصدر واحد، لا علاقة لها بالذكاء ولا بالمال ولا بالعمل ولا بالجاه ولا بالقصور، ولا بالمزارع، ولا بالبساتين، ولا بالسيارات علاقة السكينة بالإيمان العميق الصادق الذي لا يكّدره شك ولا يشوبه نفاق.  

فقدان الإيمان:  

      أيها الإخوة الكرام:  

      إن أكثر الناس قلقاً وضيقاً واضطراباً وشعوراً بالتفاهة والضياع هم المحرومون من حرارة الإيمان، وبرد اليقين، قال تعالى:  وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى(128)  

      هذا كلام خالق الكون، هذا كلام رب العالمين   

       وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)  

السكينة التي غمرت قلب النبي:  

      أيها الإخوة الكرام:  

      هذه السكينة غمرت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار يتعقبه الكفار وقد أهدروا دمه، وجعلوا مائتي ناقة، لمن يأتي به حياً أو ميتاً، لم يستبد به خوف، ولا وجل، ولم يخالج صدره شك ولا قلق، قال تعالى:  إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)   

      أيها الإخوة الكرام:   

      من منكم لا يعرف حوار البني مع سيدنا الصديق ؟   

       قال يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا،   

       قال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما.  

      إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان الله عليك فمن معك.  

       الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله لقد رأونا،  يعني وقعت العين على العين،   

       قال النبي عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر، ألم تقرأ قوله تعالى:  وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ  

الأسباب التي تجعل الإيمان مصدر سعادة للإنسان:   

      السكينة روح من الله، ونور من الله، يسكن إليها قلب الخائف ويطمئن بها القلق، ويتسلى بها الحزين، ويستروح بها المتعب يقوى بها الضعيف، يهتدي بها الحيران.  

      هناك تحليلات كثيرة، من أوجه هذه التحليلات:  

أولا:  السبب الأول: توافق المؤمن مع فطرتة:   

      السكينة سبب إسعادها للإنسان هو أن الإنسان حينما يصطلح مع الله يهتدي إلى فطرته التي فطره الله عيها، وهذه الفطرة متسقة، ومتناغمة مع الوجود الكبير، يعش المؤمن مع فطرته في وئام وسلام، بينما يعيش الكافر مع فطرته في حرب وخصام.. حرب مستمرة، الإنسان فطرته عالية، فإذا خالف فطرته، فإذا كذب وغش، فإذا احتال، إذا ظلم، إذا اعتدى، هو في حرب لحظية مع نفسه، لأن فطرته عالية:  

      قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم   

       فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ   

      فالمؤمن توافق مع فطرته، هو معها في سلام وأمان، بينما الكافر مع فطرته في حرب وخصام، هذه الحرب اليومية، اللحظية الساعية بين الكافر ونفسه أحد أسباب شقائه، انهيار من الداخل، والمؤمن بناء من الداخل.  

      النفس الإنسانية إذا عرفت ربها تستريح من تعب، وتأمن من خوف وتحس بالهداية بعد الحيرة، وبالاستقرار بعد التخبط، وبالاطمئنان بعد القلق، فإذا لم يجد الإنسان ربه الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد ما أشقى حياته، وما أتعس حظه، وما أخيب سعيه، لأنه لم يجد السعادة والسكينة، ولم يجد الحقيقة.  

       نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ  

      مرةً ثاني، ما من إنسان من بين خمسة آلاف مليون إنسان الآن إلا ويبحث عن السلامة والسعادة، ولكن أسباب الشقاء هو أن الإنسان الضال الذي ابتعد عن منهج الله، يبحث عنها في غير مظانها كمن يبحث عن اللؤلؤ في الصحراء، يبحث عن السعادة في المال يكتشف الإنسان بعد حين أن المال شيء ولكنه ليس كل شيء، ثم يكتشف حينما يأتيه ملك الموت أن المال ليس بشيء، يبحث عنها في المرأة يكتشف بعد حين أن المرأة شيء ولكنها ليست كل شيء، إذا جاء ملك الموت يرى أنها ليست بشيء، يبحث عنها في العلو في الأرض بعد حين يرى أن العلو شيء ولكن ليس كل شيء، فإذا قارب الموت لم يره شيئاً، هذه خيبة الأمل التي تصيب قلب المؤمن في الحياة الدنيا هي سبب شقائه الأبدي، قال تعالى:  يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)  

      أيها الإخوة الكرام:  

      قد يتراكم على الفطرة صدأ الشبهات، وأو غبار الشهوات، وقد تنحرف، وقد تتدنس باتباع الظن، واتباع الهوى، أو التقليد الجاهل للآباء والأجداد، أو الطاعة العمياء للسادة الكبراء، وقد يصاب الإنسان بداء الغرور والعجب، فيظن نفسه شيئاً مذكوراً، يقوم وحده ويستغني عن الله.  

      أنا حينما تحدثت عن الفطرة قلت الفطرة النقية، الفطرة السليمة الفطرة الطاهرة، لكن الفطرة قد تشوه، بالشبهات، بالعقائد الفاسدة بالشهوات، بالتقاليد العمياء، بالعادات والتقاليد المخالفة لمنهج الله قد يُصاب الإنسان بالغرور فيستغني عن الله، كيف يعالجه الله عز وجل؟  

      هذه الفطرة من حقائقها الرائعة أنها تذبل ولا تموت، تكمن ولا تزول، فإذا أصاب الإنسان من شدائد الحياة وكوارثها ما لا يستطيع أن يتحمله، ولا يستطيع أن يدفعه، فسرعان ما تزول هذه القشرة السطحية المضللة، وتبرز الفطرة العميقة الكامنة، وينطلق الصوت المخنوق المحبوس داعياً ربه منيباً إليه، هذه القشرة المضللة التي تعلو الفطرة، الشدائد المزلزلة التي لا يحتملها الإنسان تقوده إلى باب الله عزوجل.  

      لكن البطل هو الذي لا يحيج نفسه لتلك الشدائد، يعرف الله في الرخاء، يعرفه في الغنى، يعرفه في الشباب، يعرفه وهو حي قبل أن يموت.  

      بعض الفلاسفة الملحدين تألقت فطرته وآمن بالله عز وجل، وقال:  

      ماذا لو قال الإنسان عن نفسه أنه لا يحب نفسه أو لا يحب الحياة هل نصدقه ؟.. أو هل هو يصدق نفسه، قال هذا الفيلسوف: إن الحقائق الكبيرة لا يمكن أن تسقطها الألفاظ، كذلك حقائق الإيمان لو نفيناها، ولو قللنا من قيمتها، لو تجاوزناها، لو أغفلناها، لو عتمنا عليها، إن كل هذه المحاولات لا شيء.  

      أيها الإخوة الكرام:  

      هذا العنصر الأول أن الإنسان تأتيه السكينة ويسعد بها، وأنه اصطلح مع نفسه، توافق مع فطرته،   

ثانيا: السبب الثاني: اهتداء المؤمن إلى سرِّ وجوده:  

      ألا وهو اهتداء المؤمن إلى سرِّ وجوده، الإنسان له سر بوجوده، في أعماق كل منا أصوات خفية تناديه، ما العالم ؟.. ما الإنسان ؟.. من أين جاءا ؟.. من صنعهما ؟.. من يدبرهما ؟.. ما الهدف ؟.. كيف بدءا ؟ كيف ينتهيان ؟.. ما الحياة ؟.. ما الموت ؟.. أي مستقبل ينتظر الإنسان ؟.. هل هناك حياة بعد الحياة ؟.. ما علاقتنا بهذا الخلود ؟ هذه أسلة ملحِّة، هذه أسئلة يومية، الإنسان لا يستريح إلا إذا عرف أجوبتها الصحيحة المقنعة، المتوافقة مع العقل، ومع الفطرة، ومع الواقع، ومع النقل.  

      أيها الإخوة الكرام:  

      بكل بساطة، بكل يقين الدين وحده هو الذي يحلُّ عقدة والجود الكبرى، قد تكون ذكياً، قد تحصل على أعلى الشهادات، ولا تكون عاقلاً، إلا إذا عرفت الله عز وجل، والدين وحده وأقول وحده هو الذي يحل عقدة الوجود الكبرى، الدين هو المرجع الوحيد الذي يستطيع أن يجيبنا عن كل تلك الأسئلة مما يرضي الفطرة ويشفي الصدور، قال بعض العلماء وهذه كلمة رائعة قال: لو أن العقل السليم، ولو أن الفطرة الصافية تُركت بلا مؤثر خارجي لاهتديا إلى حقائق الإسلام، العقل السليم والفطرة السليمة لو أنهما تُركا بلا مؤثر خارجي لاهتديا إلى حقائق الإسلام لقول النبي عليه الصلاة والسلام: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم   

       فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تبديل لخلق الله    

      العقل السليم والفطرة السليمة تقول هذا الكون لا يُعقل أن يكون من غير خالق عظيم، وبالتأكيد أيضاً الإنسان لن يستطيع أن يخلق هذا الكون، قال تعالى:  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ (36)  

      العقل السليم والفطرة السليمة تؤكدان أن الله سبحانه وتعالى هو الذي جعل الأرض قراراً، والسماء بناءً، وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات.  

      العقل السليم والفطرة السليمة تؤكدان ما أكده القرآن:  وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)  

      العقل السليم والفطرة السليمة تؤكدان ما أكده القرآن الكريم:  وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (26)  

ثالثا: السبب الثالث: الصلاة:  

      الصلاة نور، الصلاة سرور، الصلاة ذكر، قال تعالى:  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)   

      الصلاة مناجاة  

       لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل  

      الصلاة ميزان فمن وفى استوفى.  

      إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر ما فيها.  

      أيها الإخوة الكرام:  

      الفرض الوحيد الذي لا يمكن أن يسقط بحال، يسقط الحج عن الفقير وعن المريض، ويسقط الصيام مؤقتا عن المريض والمسافر تسقط الزكاة عن الفقير، الشهادة تؤدى مرةً واحدة، أما الفرض الذي لا يسقط بحال هو الصلاة، إنها عماد الدين، وعصام اليقين، سيدة القربات، وغرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، لا خير في دين لا صلات فيه.  

الصلاة  عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين،  

       أول ما يحاسب المرء عن صلاته، فإذا صحت نجح وأفلح وإن لم تصح خاب وخسر.  

      أيها الإخوة الكرام:   

      ألحُّ على أن الصلاة وميزان، يمكن أن تزن عملك بالصلاة، فإن رأيت الطريق إلى الله سالكاً، إن استطعت أن تقبل عليه فالعمل طيب أما إذا خجلت من عملك لن تستطيع أن تتصل به، فالصلاة ميزان وقد قال الله عز وجل: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)  

      إذا اعتنيت بصلاتك نجوت من شقاء الدنيا، وامتلأ القلب سكينة وطمأنينة، وثقة، ورضى، وهدى، ونوراً.  

رابعا: السبب الرابع: المؤمن ليس عنده تحسُّر على الماضي أوسخط على الحاضر، أوخوف من المستقبل:  

      أحد عوامل السعادة عند المؤمن، أنه ليس في قاموسه كلمتان ليس في قاموسه (ليت)، وليس في قاموسه (لو) المؤمن لا يقول لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن يقول قدر الله وما شاء فعل، فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان.  

      غير المؤمن عنده ثلاث مشاعر مضنية، التحسُّر على الماضي والسخط على الحاضر، والخوف من المستقبل.  

      أما القرآن الكريم فقد طمأن كل مستقيم أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، خوف المستقبل ملغى بتطمين الله عز وجل:   

       قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)  

       وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)   

       مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)  

       قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)  

       قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)  

       أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)  

      القرآن يطمئن..  

       أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)  

      ما أروع القرآن، المستقبل مغطى من بتطمين الله عز وجل.  

       الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ   

       أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)  

       إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)  

       إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)   

      آيات كثيرة، إذا قرأتها يطمئن قلبك، ينتهي خوف المستقبل، بقي الحاضر   

       ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني  

      كلمة قالها الإمام الغزالي   

       كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق،  

      انتهى الحاضر..  

      الماضي:  لو جئتني بملء السماوات والأرض خطايا غفرتها لك ولا أبالي    

      الماضي مُغطى بالمغفرة، والحاضر مغطى بالرضا، والمستقبل مغطى بتطمين الله عز وجل.  

      بينما غير المؤمن، ندم على الماضي، وتحسر على الماضي وسخط على الحاضر، وخوف من المستقبل، فلذلك كلمة لو ساقطة في قاموس المؤمن، وكلمة ليست ساقطة من قاموس المؤمن، اهتداؤه إلى فطرته، وصلحه مع فطرته، ووئامه مع فطرته، ثم الإجابة على أي سؤال.  

      وعدم السخط على الحاضر، هذه بعض عوامل السعادة التي هي أحد ثمار الإيمان.  

احتياجات الإيمان:  

      أيها الإخوة الكرام:  

      مرتبة الإيمان مرتبة عالية جداً، طبعاً قد تقول لإنسان أنه دكتور وهو أمي مثلاً، فهذه اللفظة هل تجعله عالماً، وقد يقول الإنسان أنا مؤمن، هذه الكلمة التي أطلقها على نفسه هل تجعله مؤمناً حقاً، شتان بين من يدعي أنه يحمل دكتوراه، وبين من يحمل هذه الشهادة، فرق كبير، فالدعوى لا قيمة لها، الدعوى لا تلغي حقيقة.  

      الإيمان يحتاج إلى طلب علم، الإيمان يحتاج إلى انضباط، الإيمان يحتاج إلى صدق، الإيمان يحتاج إلى سعي، فيا أيها الإخوة الكرام قال تعالى:  وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)  



المصدر: خطبة الجمعة - الخطبة 0593 : آثار الإيمان في تحقيق سعادة الإنسان