قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا
هذا الحديث منهج، نحن في أمسّ الحاجة إليه.
إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ
تسعة أعشار تصوراتنا عن الأطراف الأخرى غير صحيحة، ظن يتعلق بكلمة، يتعلق بتصرف لم يسأل عن تفسيره، يتعلق بإهمال زيارة، ويبني عليه بناءً شامخاً، وهذا البناء لا أصل له، كم من طلاق تم على أساس ظن لا على أساس حقيقة، كم؟ وكم من فصم شركة بسبب ظن؟ وكم من شريك ترك شريكه بسبب ظن؟ يقول عليه الصلاة والسلام : إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، ابحث، دقق، تأكد، اطلب الدليل، لا تقبل بدليل غير كاف، هناك أدلة غير كافية، مثلاً طرقت الباب، ما فتح، قلت: هو في البيت، قال: نعم، قلت: ما الدليل؟ قال: سيارته، هذا دليل غير كاف، أراد أن يمشي هذا اليوم، قد تكون السيارة معطلة، عوّد نفسك ألاّ تتهم قبل الدليل الكافي، كان صلى الله عليه وسلم لا يلوم أحداً فيما يكون العذر في مثله حتى يعلم ما اعتذاره.
إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ
يقابل هذا الظن السيئ: إياك، ثم إياك، أن تعمل عملاً له تفسيران، وقد علّمنا هذا نبينا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ : أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ !! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا بعلاقتك مع زوجتك، مع أولادك، مع شريك، بعملك، مع رؤسائك، مع مرؤوسيك، مع أي إنسان، إياك أن تتسرع في الحكم، لا تتسرع، و عوّد نفسك، البيان يطرد الشيطان .
وَلَا تَحَسَّسُوا
ما التحسس؟ هو تتبع الأخبار الطيبة، يريد أن يفهم كل شيء، يفهم أسباب كل شيء، ودوافع كل شيء، وأهداف كل شيء، بالمناسبة الناجحون في الحياة ليس عندهم وقت لهذه السفاسف كلها، والله توظفت، مبارك، كم المعاش؟ ليس لك علاقة بهذا الشيء، هو قبل بهذه الوظيفة، وعمل حساباته، إن قلت له: قليل، ماذا أنت مجنون؟ قلت له: كثير، هل هناك محل آخر عندكم في الشركة؟ يريد أن يفعل مشكلة، هذا كله بالتحسس، وليس بالتجسس، لا تسأله، دعك خفيف الظل.
وَلَا تَجَسَّسُوا
الأخبار السيئة، لماذا طلقها؟ أغلب الظن أنها تخونه، دخلت في تهمة، وقذف محصنة يهدم عمل مئة سنة، لماذا الشركة فصمت؟ أحدهم حرامي، فوراً.
ولا تنافسوا
كم باعك إياها؟ أنا عندي أرخص، هذا التنافس القذر، الأفق الضيق، والنظرة المادية، والبعد عن الله، والشرك الخفي غير المعلن يحمل الإنسان على هذه الأفعال، كان السلف الصالح إذا استفتح، وجاء زبون آخر يقول له: أنا استفتحت، انظر جاري، لا تنافسوا، أو يكتم معلومات .
ولا تحاسدوا
الحسد ثلاثة مستويات، المستوى الأول أنك تتمنى فقط أن تتحول النعمة التي عند أخيك إليك، تتمنى أن يفتقر، وأن تغنى، المستوى الثاني أسوأ أن تتمنى أن تحول النعمة عنه دون أن تأتي إليك تحب الضرر، المستوى الثالث جريمة أن تكتب تقريرًا من أجل أن تصيبه بمصيبة كبيرة، الأولى تمنٍّ مع مصلحة، أما الثانية فشرّ للشر، أما الثالثة فجريمة، هذه مستويات الحسد، وأنا أؤكد لكم، إن لم تفرح لأخيك بنعمة أصابته فلست مؤمناً، والدليل قال تعالى : إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ هذا شأن المنافقين، قال تعالى : وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا أنت لمجرد أن تنزعج من خير أصاب أخاك فأنت في خندق المنافقين، لا تحابِ نفسك أبداً، كن صريحاً، وكن واقعياً، وحينما تفرح فرحاً لخير أصاب أخاك فأنت في خندق المؤمنين. من خصائص الإنسان أنه يتمنى أن يكون كمن رآه كبيراً، فأنت إنسان لك دخل محدود، التقيت مع إنسان من أهل الغنى، تتمنى أن تكون مثله، عندك هذه الخصيصة، هذه الخصيصة وظفتها في الخير، فإذا قال النبي الكريم : وَلاَ تَحَاسَدُوا فليس الحسد أصلاً في العلاقات، أما الأصل أن تحسد كما قال عليه الصلاة والسلام، أي أن تغبط أن تغبط غنياً ينفق ماله آناء الليل وأطراف النهار، فالغيرة من سمات النفس البشرية، لأنك إنسان تتمنى أن تكون كزيد، وكعبيد، أو كفلان أو كعلان .
ولا تباغضوا
البغض ليس بيدك، البغض شعور لا إرادي، والحقيقة أن المعنى: لا تعمل عملاً يستوجب أن يبغضك الناس، دخلت، ما سلمت، تكلم أحدهم استهزأت. لا تقل كلمة فيها استهزاء، فيها ازدراء، فيها تهكم، فيها تصغير، فيها تحقير، أنت عندئذ لست مؤمناً.
ولا تدابروا
أي تدير وجهك عنه، ألاّ تسلم عليه، أن تقاطعه.
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا