فضائح أهل الأرض من فجر التاريخ حتى الآن فضائح جنسية أو مالية، لذلك أكبر كم من الأحكام الفقهية متعلق بالعلاقة بالمرأة، ومتعلق بكسب المال وإنفاقه. هناك ضوابط كثيرة جداً لتكون العلاقة بين الذكر والأنثى كما أرادها الله، علاقة زواج، علاقة إنجاب، علاقة أولاد، أحفاد، ذكرت هذه القصة مئات المرات، دعاني عالم جليل إلى طعام الغداء، قال لي: عندي ثمانية وثلاثون حفيداً، أكثر من ثلاثة عشر حفيداً من حفاظ القرآن الكريم، وعشرة أطباء، قلت في نفسي: تزوج امرأة فأنجب منها الأولاد و البنات، الأولاد جاؤوا له بالكنائن، والبنات جاؤوا له بالأصهار، من هذا الزوج والزوجة الأولاد والكنائن، والبنات والأصهار، أنجب ثمانية وثلاثين حفيداً، أليس سبب هذا الكم الرائع من العلماء والفقهاء علاقة جنسية، هذا الأصل. إذاً: هذه الشهوة ترقى بك إلى أعلى عليين، وتهوي بالإنسان العاصي إلى أسفل سافلين. النقطة الدقيقة أن الله عز وجل ما بنى منهجه على العقاب، بنى المنهج على تقديم بدائل، تقديم علاقة نظيفة بين الذكر والأنثى، تقديم علاقة تزهو بها. لذلك ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، والآية الدقيقة: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ عند علماء الأصول المعنى المخالف، المعنى العكسي: أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه.
لذلك من أعظم الضمانات الوقائية ـ ودرهم وقاية خير من قنطار علاج ـ التي وضعها الإسلام سياجاً منيعاً واقياً للمرأة المسلمة، ولأفراد المجتمع، أنه حرم الخلوة بين المرأة الأجنبية والرجل، أكثر المشكلات التي تعرض عليّ مشكلات انحراف أخلاقي، خيانة زوجية، سببها الأول هو الاختلاط، فالإنسان بسذاجة، أو بجهل، أو بتجاهل، أو بخبث، يدفع من حوله إلى أن تزل أقدامهم بسبب عدم مراعاة أحكام الشريعة.
الحقيقة أن المرأة جبلت على حبّ التزين، وعلى حبّ التجمل، هذا شيء طبيعي، والإسلام أقرها عليه، بل أثنى عليها حينما تتزين لزوجها، بل مدحها حينما تحصن زوجها، بل أكرمها حينما تعبد الله فيما أقامها، أقامها زوجة ثم أقامها أم ثم أقامها جدة، المرأة حينما تعبد الله فيما أقامها ترقى عند الله عز وجل، فالإسلام دين الفطرة مسموح للمرأة أن تتزين لزوجها الزينة المطلقة وبعض الزينة لمحارمها، من قال لك إن المرأة التي آمنت بالله، وابتغت رضوانه، منعت من أن تظهر رغبة عميقة في حياتها، ألا وهي أن تكون امرأة محترمة تنعم بشيء يلفت النظر.
المرأة درة مصونة ولؤلؤة مكنونة، لا يريد الإسلام أن تعبث بها الأيدي الآثمة، ولا تمتد إليها النظرات السامة. ((لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم، وجاء رجل فقال: إن امرأتي خرجت إلى الحج، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فاحجج مع امرأتك)) تعليق لطيف، لو أن هذا الإنسان معاصر ماذا يقول للشيخ؟ يقول: معقول أن أدع الجهاد في سبيل الله وأذهب لمرافقة زوجتي؟ أنأ أثق في أخلاقها، تصور إنساناً معاصراً جاءت الفتوى بالتحريم، فجاءت المبررات، أنا لا أشك في تربيتها، كيف تأمرني بهذا وهي بنت التقى والعفاف والروع والدين والالتزام؟ ((قال انطلق فاحجج مع امرأتك)) لأن هناك خطورة، فالمرأة في السفر مطموع بها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)) ما قال: ما خلا فاسق بامرأة، ما قال: ما خلا كافر بامرأة، ما قال: ما خلا منحرف بامرأة، وما قال: ما خلا مؤمن، قال: ((لا يخلون رجل بامرأة)) أي رجل خلا بامرأة الشيطان ثالثهما، وأي امرأة كائنة من كانت إذا خلت برجل كان الشيطان ثالثهما، لأن الإنسان يضعف أمام ضغط الشهوة إذا كانت الخلوة، وكذلك المرأة. معظم الشكاوى المتعلقة بالانحراف الأخلاقي، بالخيانة، بالفاحشة، سببها الخلوة، هذا توجيه خالق السماوات والأرض: ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) لأن الشيطان يزينها في قلوب الرجال، ولأن الشيطان يزين الرجال في قلبها، وربما كانت المرأة تقية، نقية، طاهرة، أي هذه الشهوة ليس لها علاقة بالطهر والعفاف لها علاقة بظروف ينبغي ألا تكون. للتوضيح، تيار توتر عال، وزير الكهرباء يضع الإعلان التالي: ممنوع مس التيار، مستحيل، قبل ثمانية أمتار الإنسان يغدو فحمة، يكتب ممنوع الاقتراب من التيار، لذلك الشرع العظيم جعل منطقة أمان بينك وبين المعصية، والدليل: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾ والآية الكريمة: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾. من أقوال السيد المسيح: " الشريف يهرب من أسباب الخطيئة ". و لو أجريت دراسة علمية دقيقة لألف حالة من حالات الزنا، التسعمئة حالة لم يكن في ذهن الطرفين أن تقع هذه الفاحشة إلا أن الخلوة دفعتهما إلى هذا الزلل. ((إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟)) أي امرأة أخي، هذا أخي، وهذه زوجته مثل أختي، لا ليست أختك، هذه امرأة أجنبية يمكن أن تزل قدمك معها.
هناك صور من الخلوة كثيرة جداً، أول أنواع الخلوة حينما تستقبل المرأة رجلاً في بيتها وزوجها غائب، وهو ليس من محارمها، لا أخوها، ولا أبوها، ولا ابنها، ولا عمها، ولا خالها، حينما تستقبل امرأة متزوجة في بيت زوجها رجلاً ليس من محارمها، من أقارب الزوج، أو من أصدقاء الزوج، ما دام الزوج غير موجود لا تستقبل أي رجل مهما كلف الأمر ولو لدقيقة. من صور من الخلوة أحياناً مع السائق لمسافة بعيدة خارج المدينة، أحياناً مع الخادمة، الخادم مع السيدة، فكل خطأ فاحش سببه جهل فاحش، أو مثلاً امرأة شابة تدخل إلى طبيب لا تعرف من هو، من دون محرم، من دون مرافق، هذه خلوة أيضاً، أي أصحاب المهن طبيب، مهندس، محامي، الأولى ألا تذهب المرأة إلى الطبيب إلا مع ذي محرم، أو مع ابنتها.
سيدنا يوسف قصته رائعة جداً، تتحدث عن عفة هذا النبي الكريم، هذا النبي الكريم مثل أعلى للشباب، لكن هذا النبي الكريم عبر عن افتقاره لله فسيدنا يوسف وهو نبي كريم ما اغتر بعصمته كنبي فقال: ﴿وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾ لا من الخطيئة نفسها، ربما لا يستطيع الإنسان لو تورط وتجاوز المنطقة المحرمة أن يبتعد عن العمل النهائي، أنا أشبه العملية كصخرة على رأس جبل ما دامت على الرأس مستقرة متمكنة، لو اقترحت أن تدفعها باتجاه الوادي عشرة أمتار فقط، لن تستقر إلا في أعماق الوادي، هي في قمة الجبل مستقرة ما دام بينك وبين الفاحشة هامش أمان كبير، لا يوجد اختلاط، لا يوجد خلوة، لا يوجد صحبة أراذل، لا يوجد إطلاق بصر، فأنت في مأمن، أما حينما تتجاوز هذا الحد، وتريد أن تزحزح هذه الصخرة عشرة أمتار فقط، لن تستقر إلا في أعماق الوادي. الشيء الذي يلفت النظر، قال تعالى: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ وقال: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ . تصور بين الآيتين، الشيطان بكامله، الشيطان الذي يتولى غواية البشر، كيده ضعيف، أما المرأة لك عندها حاجة، فإذا تجاوزت الحدود، وألغيت السدود، وتجاوزت السدود، وتجاوزت الممنوعات، وتجاوزت هامش الأمان، فالفاحشة تكاد تكون محققة. إذا كان هناك فساد اجتماعي مستشرٍ صدقوا ولا أبالغ إن أحد أكبر أسبابه هو الاختلاط، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾ ، ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾، ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾. أي حب الطرف الآخر، حب الرجل للأنثى، وحب الأنثى للرجل مزروع في أعمق أعماق الإنسان.
الضوابط الشرعية التي رسمها الشرع للقاء الرجال بالنساء:
- لقاء النساء والرجال جائز إذا كان الهدف المشاركة في هدف كبير يحتاج إلى جهود متضافرة بين الرجال والنساء، ولكن وفق الضوابط الشرعية التي رسمها الشرع، أي وجود سبب خطير جداً وضروري لهذا اللقاء.
- الضابط الثاني: عدم التوسع والإسراف في خروج المرأة من بيتها لقوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾.
- الشيء الثالث: الالتزام بغض البصر: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ*وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ﴾.
- الشيء الرابع: التزام المرأة بالحجاب الشرعي والثياب المحتشمة، أي المرأة تحتشم.
- الالتزام أثناء اللقاء بآداب الإسلام في الحركات والسكنات، وفي الوقوف والمشي وفي الكلام والصمت.
الالتزام بآداب الإسلام، تجنب الزينة كلياً، التزام المسلمة بالزي الشرعي والحجاب الشرعي، والتزام الرجال بغض البصر.