بحث

معاملة الأولاد للوالدين في الإسلام

معاملة الأولاد للوالدين في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     الوالدان يجب أن تحسن إليهما، يجب أن تؤثرهما على نفسك، يجب أن تكون في خدمتهما طوال حياتك، هذا هو الإحسان. قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ العبادة لله، والإحسان للوالدين، أما أن يُعبد الوالدان من دون الله، فإذا أمر الوالدان بما يغضب الله عز وجل، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،  قالت أم سعد لابنها: يا بني إما أن تكفر بمحمد، وإما أن أدع الطعام حتى أموت، فقال يا أمي: لو أن لكِ مئة نفس, فخرجت واحدةً واحدة, ما كفرت محمد، فكلي إن شئت أو لا تأكلي . أن يحملك أبوك على كسب مال حرام، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. هذا المفهوم ينبغي أن يكون واضحاً.   

     الإحسان للوالدين ينبغي أن يكون بالذات مباشرة، وبالوالدين إحساناً هذه الباء باء الإلصاق،  معنى ذلك: الإحسان للوالدين ينبغي أن يكون بالذات مباشرة، وكأنك ملصق به. قد يكون الإنسان مشغولاً، وقد يكون عنده سائق، يقول له: خذ أبي إلى المكان الفلاني، هذا لا يجوز، يجب أن تأخذه أنت، يجب أن تخدمه بذاتك، أو يكلف إنساناً, يسأل عن حاجات أمه فيأتيها بها، يجب أن يكون إحسانك إلى والديك بالذات مباشرة، يجب أن تلتصق بهما إذا أحسنت إليهما، السبب: أن الأب والأم أحياناً, يتجاوزان أمور الدنيا، يحتاجان إلى وجودك، إلى مؤانستك، إلى أن تكون معهما، لا إلى أن تقدم لهما كل الحاجات، يتمنى الأب أن يرى ابنه أمامه، وهذا أفضل عنده ألف مرة, من أن يرسل له فاكهة، أبوك يريدك أن تكون أمامه. العالم الغربي الآن يعاني ما يعاني، إنسان مرض يؤخذ إلى مأوى العجزة مباشرة، هذا المتقدم في السن, يسعده أن يكون بين أولاده. هناك امرأة ثرية جداً، ولها أولاد كثر، أصيبت بالشلل، فالأولاد تبرموا منها بضغط من زوجاتهم، كل واحد منهم رفض أن يستقبلها، فاتفقوا على أن يضعوها في مأوى العجزة. والآن: هناك مستويات عالية جداً، فندق خمس نجوم، كل هذا الرفاه لا يعدل أن يكون هذا الإنسان العاجز بين أولاده، فهذه المرأة الثرية, وجدت نفسها في مأوى العجزة، في رفاه عال جداً، طلبت كاتب العدل، وكتبت كل أموالها من دون استثناء للجمعيات الخيرية، وانتقمت من أولادها. هناك الآن علم اسمه: علم نفس الشيوخ، صار للإنسان المتقدم في السن نفسية خاصة، علم نفس الشيوخ, يبيّن أن هذا الإنسان عنده حساسية بالغة جداً، ما الذي يسعده؟ أن يكون بين أولاده، فالخدمة من الدرجة العاشرة, وهو في بيت أولاده أفضل عنده من خدمة من الدرجة الأولى, وهو في مأوى العجزة.   

     قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً إذا كان والد أحدنا شاباً, فهيماً، مثقفاً، يكون إرضاؤه سهلاً جداً، ليس بحاجة إليه بالهاتف والزيارة، يسأل عنه، أما إذا كبر الأب، وتقدمت به السن، وضعفت ملكاته، ويحتاج إلى خدمة عالية المستوى، وإلى تنظيف، وإلى طعام خاص، صار الأب عبئاً، الرضا هنا، قال تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا هو كبير، وهو عندك. ما المراد بكلمة : ( أُفٍّ ) في هذه الآية؟ وما هو الأمر الإلهي الموجه إلينا من خلال هذه الآيات؟ الأف زفير، صوت مرتفع، تأفف، هذا أقلّ شيء ممكن، فما دامت كلمة أف محرمة، فما قولك فيما فوق الأف؟ قال بعض العلماء: لو أن في اللغة كلمة أقلّ من أف, لذكرها الله عز وجل.   

     لا تجد آية قرآنية, يوصي الله فيها الآباء بأولادهم، لماذا؟ لأن محبة الأولاد فطرة وطبع، هل يمكن أن يصدر مرسوم جمهوري, أنّ على المواطنين تناول طعام الفطور، وإلا فهم تحت طائلة السجن؟ لا داعي، كل الناس جائعون، ولا بد أن يأكلوا، فكل شيء مركب في الفطرة, لا يحتاج إلى قوانين، حب الأبناء مركب في فطرة الإنسان، أيّ أم مسلمة، فاجرة ، فاسقة، منحرفة، تحب ابنها، ولكن ليس كل ابن يحب أباه، لذلك: جاء الأمر ببرّ الآباء، لا ببرّ الأبناء. قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ سبحان الله! موضوع الجنين، الجنين يحتاج إلى كلس، الأم لا تشرب الحليب، والجنين يأخذ حاجته من الكلس من عظام أمه، فأغلب النساء الحوامل اللواتي لا يأكلن الحليب والجبن بكميات معقولة, يصبن بنخر في أسنانهن، وهشاشة عظامهن، لأن الجنين أخذ حاجته من الكلس من عظام أمه، قال تعالى:  حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ورد في بعض الآثار: ليعمل العاق ما شاء أن يعمل, فلن يدخل الجنة، وأنا أنصحك, ألاّ تشارك عاقًّا، لو كان فيه خير, لكان لأمه وأبيه، لا تشاركه، ولا تعامله، هذا عديم الخير. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوكَ. وقال صلى الله عليه وسلم: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ, أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ تعالى, قَالَ: هَلْ لك من وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ, بَلْ كِلَاهُمَا, قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ تعالى؟ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا.  خدمة الوالدين جهاد في سبيل الله.  



المصدر: رياض الصالحين - الدرس : 069 - بر الوالدين وصلة الرحم2 – حديث بر الوالدين - أي العمل أحب إلى الله تعالى قال الصلاة لميقاتها وبر الوالدين