بحث

فضل طلب العلم

فضل طلب العلم

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل العلم على العبادة : 

      يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن ماجة : (( يَا أَبَا ذَرٍّ لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ وَلأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ)) 

      هذا الحديث الشريف يبيِّن فضل العلم على العبادة . . لأَنْ تَغْدُوَ . . أي لأن تذهب، والعلم له مواطن، وموطنه في المسجد.  

      ((لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ)) 

      إذا تعلَّمت آيةً، تعلَّمت قراءتها، وتعلَّمت معناها، وعملت بها، ارتقيت، والله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ 

      فالإنسان له عند الله مقام يحدِّده علمه، ويحدِّده عمله، فالذي يتعلَّم آيةً شيء، والذي يتعلَّم آيتين شيء، والذي يتابع مجالس العلم بحيث يستمع إلى تفسير سورٍ طويلة هذا شيءٌ آخر، فكلَّما ازددت علماً ازددت من الله قُرباً، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:  

      (( لا بورك لي في شمسِ يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً)) 

      وهناك قول آخر : (( لم أزدد فيه من الله قرباً)) 

      إذاً هذا الحديث الذي رواه ابن ماجة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يؤكِّد فضل العلم على العبادة، لأن العالِم ربَّما كان.

      ((فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ)) 

      لكن العابد لأتفه سببٍ، أو لأقل ضغطٍ، أو لأقلِّ إغراءٍ تنهار مقاومته، العابد مقاومته هَشَّة، قد ينتكس بسرعة، قد يترك بسرعة، قد يعود كما كان عليه، لأنه باني سلوكه على أحوال طارئة، على فورة عاطفيَّة، لكنَّه لو بنى سلوكه على تحقيقٍ، ويقينٍ، وحقيقةٍ، وبحثٍ، ودرسٍ، إن العلم سلاح المؤمن، فلهذا هذه الملاحظة الأولى المستنبطة من هذا الحديث الشريف: (( يَا أَبَا ذَرٍّ لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ . . .)) 

      أي أنك تعلَّمت هذه الآية، فاستفدت منها، فارتقيت عند الله . . (( . . . وَلأَنْ تَغْدُوَ فَتعلّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ)) 

      لأنه بالتعلُّم تستفيد أنت وحدك، لكنَّك في التعليم تُفيد، والذي يفيد أفضل من الذي يكتفي بأن يستفيد . 

العلم سبب رفعة الإنسان : 

      يقول عليه الصلاة والسلام : (( ما أعزَّ الله بجهلٍ قط ولا أذلَّ بعلمٍ قط)) 

      مستحيل إلا أن يكون العلم سبباً للرفعة عند الله، وعند الناس، وعند نفسك، لأن رتبة العلم أعلى الرتب، ولا أذلَّ بعلمٍ قط، فالجهل قبيح وصاحبه ذليل، والعلم جيِّد وصاحبه عزيز، فإذا أردت عزَّ الدنيا والآخرة فعليك بالعلم، وعليك بطلب العلم . .  

      (( ما أعزَّ الله بجهلٍ قط ولا أذلَّ بعلمٍ قط)) 

      فحتَّى في الدنيا، حتَّى الذين تَعَمَّقوا في علوم الدنيا لهم مكانةٌ رفيعة، قد يكون حولهم أناسٌ متقدِّمون في السن ولكن يقفون أمامهم كالأطفال، فالعالِم شيخٌ ولو كان حدثاً والجاهل حدثٌ ولو كان شيخاً، فإذا أردت عزَّ الدنيا والآخرة، إذا أردت أن يعزِّك الله عزَّ وجل فاطلب العلم، فبين أن يموت الإنسان ولا يدري به أحد، بين أن يموت الإنسان ولا يكترث لموته أحد ؛ وبين أن يموت العالِم فتهتزُّ لموته بلدةٌ بأكملها، هذا شأن العلم، وهذا مقام العلم، وهذه رفعة العلم، وهذا   فضل العلم . 

      ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام الطوسي : (( طالب العلم بين الجُهَّال كالحي بين الأموات )) 

      أي أن الجاهل ميِّت، جسده حي لكنَّ نفسه ميِّتة، والعالِم حي، ليس العالِم بل طالب العلم، طالب العلم فقط، فإذا جلس طالب العلم بين إخوةٍ له، أو بين زملاء له، أو بين أقرباء، أو بين جيران، في جلسة، في نُزهة، في سهرة، في نَدوة، طالب العلم متفتِّح، طالب العلم مستنير، طالب العلم متوازن، طالب العلم مُعْتَدِل، طالب العلم كلامه صحيح، وكلامه فيه دقَّة، طالب العلم لا تجمح به نفسه، طالب العلم عفيفٌ عن المحارم، طالب العلم عفيفٌ عن المطامع، فهذا طالب العلم كأنه حيٌّ بين الأموات، وشتَّانَ بين الحي وبين الميِّت، الميِّت جثَّة هامدة، لا يعلم، ولا يتكلَّم، ولا ينطق، ولا يتنفَّس، ولا يفكِّر، ولا يسأل، ولا يجيب، فالإنسان من دون علم كأنه هبط إلى مرتبة الحيوان ؛ جسم يأكل، ويشرب، وينام، ويعمل، ويستمتع فقط، لا يزيد الإنسان من دون العلم عن أن يكون في مستوى البهائم، لهذا قال عليه الصلاة والسلام : (( طالب العلم بين الجُهَّال كالحي بين الأموات )) 

      وقال عليه الصلاة والسلام : ((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا. قَالُوا : وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ ؟ حِلَقُ الذِّكْرِ)) 

      فإذا جاء الإنسان إلى مجلس العلم بقلبٍ مخلص، ونيَّةٍ عالية، وقد بذل جهداً ووقتاً وجلس وفق أصول المجالس ؛ بأدبٍ جم، وبإنصات، فمستحيلٍ إلا أن يكرمه الله سبحانه وتعالى لأنه :  

      " إن بيوتي المساجد. . . . . . . وحق على المزور أن يكرم زائره " . 

      أخ من الإخوة الأكارم قال لي : إنه وهو في مجلس العلم شعر بسعادةٍ لا توصف، شعر بالسكينة، شعر بالاطمئنان، شعر بالسرور، هذه كلُّها من نتائج مجالس العلم . 

      ((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قُالْوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: مجالس العلم)) 

توقير من نتعلم منه و توقير من نعلّمه : 

      يقول عليه الصلاة والسلام : (( وقِّروا من تعلمون منه العلم، ووقِّروا من تعلِّمونه العلم )) 

      أما توقير من تتعلَّمون منه العلم فالمعنى بديهي، ولكن توقير من تعلِّمه !! هنا إشارة دقيقة جداً إلى أن المتعلِّم إذا شعر أنه محبوب، وأنه مطلوب، وأنه مرغوبٌ فيه، وأن المعلِّم رحيمٌ به، متواضعٌ له، واسع الصدر، طويل النفس، يأخذه بالحلم، يصبر على أسئلته غير المتوازنة، يفسح له مجالاً ليسأل، إن هذا التواضع والتوقير لمن تُعَلِّمه هو أثمن من العلم نفسه، بهذه الطريقة يستفيد طالب العلم . أما إذا كان هناك استعلاء، أو كان هناك بعدٌ بين المعلِّم والمتعلِّم، أو كان هناك تكبُّر، أو كان هناك استخفاف بالمتعلِّم، أو كان هناك سخريةٌ منه، أو كان هناك إجابةٌ قاسية لاذعةٌ ؛ فإن المتعلَّم يستحي، وينكمش، ويبتعد، ويكون هناك حجابٌ كثيفٌ بين المعلِّم والمتعلِّم، عندئذٍ لا ينفع العلم . 

      فلذلك النبي الكريم عليه أتمُّ الصلاة والتسليم أشار إلى ضرورة أن توقِّر من تعلِّمه، أن يشعر المتعلِّم أن له مكانته عند المُعَلِّم، وأن طلب العلم شيءٌ يُشَرِّفه ويرفعه، فالذي يعلّم الناس ينبغي أن يتواضع لهم، وينبغي أن يوقِّرهم، وينبغي أن يُلَبِّي مطالبهم، وينبغي أن يصبر على أسئلتهم، وينبغي أن يكون طويل النفس معهم، وينبغي أن يكون واسع الصدر، وينبغي أن يكون حليماً، وينبغي ألا يردَّ سائلاً، هذه الصفات التي تؤهِّل المعلِّم أن يؤثِّر في المتعلِّم .  

طلب العلم يحتاج إلى جهد : 

      النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث المتعلِّقة بالعلم يقول : (( قيدوا العلم بالكتابة)) 

      هنا نقطة دقيقة جداً، الإنسان أحياناً يحضر مجالس علم، ويستمتع بها، ويستفيد بها، لا يبقى منها بعد حين إلا الانطباع، والله الدروس جميلة، فلو سألته : حدِّثنا، يجبك : والله حكى أحاديث جميلة جداً، وحكى قصصاً كذلك، لكنَّه لا يتذكَّر شيئاً، فالإنسان إذا ما كتب لا يذكر فيغني عن الكتابة أن تعلم أن الأستاذ يدرِّس من كتاب الجامع الصغير، فإذا أنت اقتنيت الجامع الصغير، وعدت إلى البيت ورجعت إلى هذه الأحاديث، تذكَّرت ماذا قيل حولها، فإذا كنت ذا همَّةٍ أعلى من ذلك تكتب بعض التعليقات، فمن الضروري أن تعرف ما الكتاب الذي يُدرَّس في المسجد . 
       شيءٌ آخر : لو أنَّك حضرت درس تفسير، في أثناء الدرس مسرور، لكن إذا ذهبت إلى البيت، وراجعت المصحف، ووقفت عند الآيات التي تمَّ شرحها، وناقشت من حولك في هذه الآيات، أو رجعت في بعض التفاسير، ووازنت بين ما سمعت وبين ما في التفاسير، أو كتبت بعض المُلاحظات حول بعض الآيات، إنَّ هذا الجهد الذي تبذله بعد مجلس العلم يثبِّت الحقائق التي تمَّ شرحها في مجلس العلم . 

      لذلك الآن تحصل حالة اسمها امتلاك، الآن أنت امتلكت هذه الآيات، هذه الآيات فُسِّرَت هكذا، وهذا الحديث شُرِحَ هكذا، وهذه القاعدة شُرِحَتْ وفق الأصول التالية، إنَّك إذا كتبت وتذاكرت ثَبَّتت هذه المعلومات، من أسبوعٍ إلى أسبوع، ومن شهرٍ إلى شهر، ومن عامٍ إلى عام تصبح عالِماً، أما أن يُكْتَفى بحضور مجالس العلم من دون جهدٍ إطلاقاً، لا جهد يسبق المجلس، ولا جهد يتبع المجلس، ولا مُذاكرة، ولا رجوع لكتاب، ولا كتابة، هذا الإنسان حضوره جيِّد نقول له: احضر هذه الدروس، ولكن لا يستطيع أن يرقى مع الأيَّام إلى درجة أن يعلِّم الناس، يبقى مستهلكاً، يستمع، يستمع، يستمع إلى ما شاء الله، متى تُعْطِي العلم ؟! أيعقل أن تمضي كل حياتك تستمع ؟! ألا ينبغي أن تضع حدَّاً للاستماع وأن تنتقل إلى التعليم ؟ ألا ينبغي أن تنصح من حولك ؟ ألا ينبغي أن تلقي على الناس حديثاً صحيحاً ؟ روى الطبرانيُّ في الكبير عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، تلقي حديثاً بشكل صحيح، ألا ينبغي أن تضبط ألفاظ الحديث ؟ لذلك طلب العلم يحتاج إلى جهد، وليس من جهدٍ على وجه الأرض أرقى عند الله من الجهد الذي تبذله في طلب العلم . فالحد الأدنى الأدنى إذا أحضر الإنسان الدفتر وكتب بعض الأحاديث، والله عمل طيِّباً، معه دفتر، من درس إلى درس صار معه دفتر ملئ بالأحاديث، فإذا لم يتمكن من ذلك، وتمكَّن أن يستعير شريط مثلاً للدرس، الدرس ترك فيه أثراً كبيراً، تمكن من شراء شريط أو استعار الشريط، سمع الدرس مرَّة ثانية، سجَّل، فلا يوجد علم من دون جهد . 

لماذا التعليم المدرسي مجدي ؟ لأنه يوجد كتاب، ومعلِّم، وامتحان آخر السنة، تضطر تقرأ الكتاب، وتعلِّق عليه، وتعمل هوامش، وتضع خطوطاً، وتعمل مذاكرة، وتعمل مراجعة، وتحفظ، وتبصم، وتؤدي امتحاناً فتنجح، أنت بذلك بذلت جهوداً كبيرة جداً حتَّى أصبح هذا الكتاب من ممتلكاتك العقليَّة. لكن الإنسان من دون جهد لا يرقى، يبقى في مكانه، مستقيم، مستقيم على العين والرأس، يغضُّ بصره، ويحرِّر دخله، ولا يخالف الشرع، هذا مستهلك، هذا ناج ؛ ولكنه لا يرقى إلى مستوى أن ينجي غيره، ألا تطمح أن تكون عالِماً ؟ ألا تطمح أن تكون مُعَلِّماً ؟ فلماذا تزهد في تعليم الناس ؟ يقول عليه الصلاة والسلام لسيدنا على كرَّم الله وجهه: ((فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ)) 

      الدنيا فيها شيء جميل جداً . . خيرٌ من الدنيا وما فيها ـ خيرٌ لك ممن طلعت عليه الشمس ـ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ، فالتعليم يحتاج إلى جهد، ولا يوجد جهد أرقى ولا أعظم عند الله من جهد التعلُّم ثم التعليم .  

أعظم جهد عند الله جهد التعلُّم ثم التعليم : 

      إذاً : (( قيدوا العلم بالكتابة)) 

      تقول لك زوجتك : ماذا سمعت في الدرس احك لنا ؟ والله كان الدرس جميلاً جداً، احك لنا حديثاً، والله لا أتذكَّر . الإنسان سمع خطبة، سمع حديثاً، المراجعة ضروريَّة، المراجعة والمذاكرة، وأنا أنصح الأخوة الأكارم لكي يستفيد فائدة صحيحة، دائماً الإنسان يهرب من الجهد، هكذا طبيعة الإنسان يميل إلى الراحة، لو لم يكن هناك مدارس، ولا فحوص، ولا مراكز، ولا شهادات لا أحد يتعلَّم، فعندما يحضر الإنسان الدرس يسر، ويقول لك : الذي عليَّ أديته، الأستاذ رآني فانتهى الأمر، ليس هذا هو القصد ؛ بل القصد أنك حينما تقاوم نفسك، وتبذل جهداً خلاف ما تشتهيه النفس النفس تميل للراحة، عندما تراجع أنت بعد الدرس الأحاديث، أو في أثناء الدرس تكتبها، وتكتب بعض التعليقات على الحديث، وشرح بعض الكلمات، وتحاول في البيت أن تحكيها لزوجتك، أو لأولادك، أو لإخوانك، أو لجيرانك، أو لزملائك، عندما ينطلق اللسان في شرح الأحاديث وشرح الآيات هذه بدايات التعليم، عندما يكون الإنسان في قلب عشرات الأشخاص، في قلب المئات، عندئذٍ يشبه أن تنطبق عليه هذه الآية : ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ 

      لا تكن فرداً، كن أمَّة، كيف تكون أمةً ؟ إذا علَّمت الناس، فأنا أشجِّعكم وأتمنَّى عليكم أنه إذا سمع الإنسان حقيقة وتأثَّرت نفسه بها ينقلها للآخرين، لا يكتفي بالسماع والتأثر الآني . .  

      (( قيدوا العلم بالكتابة)) 

المثل الأعلى في المجتمع من يجمع بين العلم و الخُلق : 

      يقول عليه الصلاة والسلام : ((ما جُمِعَ شيءٌ أفضل من علمٍ إلى حلم )) 

      أحياناً تجد إنساناً ذكياً يحصِّل معلومات ومعارف جيِّدة، لكن تتعامل معه تجد في معاملته سوءاً، كبراً أحياناً، حباً للذات، رغبة أن يستأثر بكل شيء، عندئذٍ تقول في أعماق نفسك : آه ليت أخلاق هذا الإنسان كعلمه، هذا الإنسان حصّل العلم جيِّداً لكن أخلاقه ليست في مستوى علمه، وأحياناً تجد إنساناً آخر معاملته من أرقى ما يكون، أفكاره محدودة، وله تفسيرات مضحكة فتقول: آه ليت علمه كأخلاقه، لكنَّك إذا جمعت بين العلم وبين الخُلُق، بين أن تكون عالِماً متفتِّح العقل، وبين أن تكون طيِّباً طاهر النفس فهذا هو المثل الأعلى الذي نصبو إليه، نصبو في الإنسان أن يجمع بين العلم وبين الخُلُق، بين الفطنة وبين الطيب . . 

      ((ما جُمِعَ شيءٌ أفضل من علمٍ إلى حلم )) 

      علم إلى حلم، الحلم كناية عن الأخلاق الفاضلة لأن الحلم سيِّد الأخلاق، والعلم تحصيل للعلم الشرعي الشريف هذا يرفع مكانة الإنسان . 

كتمان العلم خيانة كبرى : 

      يقول عليه الصلاة والسلام : (( تناصحوا في العلم ولا يكتم بعضكم بعضاً، فإنَّ خيانةً في العلم أشدُّ من خيانةٍ في المال )) 

لو أن أحد الشريكين قبض مبلغاً ووضعه في جيبه، أليست هذه خيانة ؟ طبعاً خيانة، ما ظنُّك أن الذي يكتم العلم، يكتم حكماً شرعياً، يكتم معنى لآية، يكتم توجيهاً نبوياً لمصلحةٍ يريدها، أو إتقاء شرٍ يخافه، إنَّ هذه خيانة لا تقلُّ عن خيانة المال، فإن العلم دين، والله سبحانه وتعالى أخذ على العلماء عهداً أن يبيِّنوا للناس ولا يكتموا العلم . . 

      ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ 

      فكتمان العلم خيانةٌ كبيرة .  

مجالسة العلماء نوع من العبادة : 

      يقول عليه الصلاة والسلام : (( مجالسة العلماء عبادة )) 

      نوعٌ من العبادة أن تجلس في مجلس علم، نوعٌ من العبادة، إنَّك بالعلم ترقى وربَّما لا ترقى بالعبادة . وهناك أحاديث أخرى       نُرِجِئها إن شاء الله في وقتٍ آخر . . 

      (( إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا )) 

      إن من إجلال الله تعالى إكرام العلم والعلماء وذي الشيبة . . . . 
      وهناك فرق كبير بين أن يهاب الإنسان من كل شيء، وبين أن يهابه كل شيء .  

      (( مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) 

      (( لا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ ولا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ )) 



المصدر: الفقه الإسلامي - موضوعات متفرقة - الدرس 29 : فضل طلب العلم وآدابه