بحث

أهمية التعلم ومكانة العلماء في الإسلام

أهمية التعلم ومكانة العلماء في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     قال تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، هذه هل حرف استفهام لكن هذا الاستفهام خرج عن الاستفهام وصار استفهاماً إنكارياً أي هل يعقل أن يستوي عند الله وعند الناس عالم وجاهل؟ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ وقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾. العلماء باقون ما بقي الدهر، فإذا شئت أن تخلد فبالعلم يبقى اسمك متألقاً إلى قيام الساعة، إلى نهاية الدوران. هناك رتب المال، وهناك رتب توضع على الكتف، وهناك رتب الشهادات، وهناك رتب الوجاهات، وهناك رتب الحرف، حتى المعلم هذه رتبة، هناك في الحياة رتب لا تعد ولا تحصى، هذه الحكمة تقول: رتبة العلم أعلى الرتب، والشيء الذي يحزن أن العلم مبذول لكل الناس، العلم الدنيوي الذي هو فرض كفاية مبذول بأجر باهظ، أما سبحان الله دروس العلم الديني فمبذولة بلا مقابل، هذا من حكمة الله عز وجل لأن الذين يدرسون العلوم الدينية يطمحون بأجر خيالي ولكن ليس من الحاضرين من الله عز وجل. ابن عباس يقول: "للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمئة درجة"، أي المؤمن الذي آمن بالله، واستقام على أمره، وعمل صالحاً، ووقف عند الحدود، وفعل ما يرضي الله عز وجل، فهؤلاء عند الله مقربون، والباب مفتوح لكل واحد منكم، كل واحد منكم مفتوح له باب أن يكون معلماً للناس، يكفي أن تطبق ما تعرف حتى تغري الناس أن يتعلموا منك، فإن لم تطبق لا تغري أحداً، الإمام علي كرم الله وجهه يقول: " قوام الدين والدنيا أربعة رجال عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم.... أي فضلك عند الله إن كنت عالماً لا يزيد عن فضل الجاهل الذي يحب أن يتعلم منك - يطلب العلم - لذلك النبي الكريم قال: ” تواضعوا لمن تعلمون ” تواضع، قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

     وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾، أي العلماء وحدهم وليس أحد سواهم يخشون الله، إنما أداة حصر، أي الخشية محصورة بالعلماء، وموضوع العلماء ليس كل إنسان قرأ كتاباً يسمى عالماً، ولا كل إنسان حفظ كتاباً يسمى عالماً، العلماء بالله تعالى علامتهم أنه يطيعونه كفى بالمرء علماً أن يخشى الله، ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) أي إذا سمح لك أن تجلس في مجلس علم، أو بإمكانك أن تحتل مساحةً من المسجد تكفي لجلوسك، هذا سماح من الله عز وجل، الله سمح لك أن تجلس في هذا المجلس علم فيك خيراً، قال تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ)) .

     وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)). لا يوجد إنسان أقدس من شاب همه أن يعرف الله. 

     قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ جَاءَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ لِيُحْيِيَ بِهِ الإِسْلامَ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ دَرَجَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ)) الإنسان عطاؤه محدود أي إذا الإنسان درس بالجامعة حتى آخر سنة فيها ولأمر قاهر لم يتمكن من أن يكمل يقولون: هذا ليس معه شهادة، ربنا عز وجل معاملته غير هذه المعاملة، إذا الإنسان بدأ بطريق وجاءته المنية في أول الطريق يعطى الثمار كما لو بلغ آخر الطريق. أي شيء أدرك من فاته العلم؟ وأي شيء فاته من أدرك العلم؟ ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء. 

     وقال الحسن رضي الله عنه: "لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم" هناك أناس مثل البهائم تراه دابة تسير، كيفما تكلم يؤذي الناس، كلام بذيء، يحتقر الآخرين، طبعاً الإنسان عندما يتعرف إلى الله عز وجل يصبح ملكاً، كلما ارتقيت تزداد عندك المشاعر والحساسيات والرقة، أحياناً يكون الإنسان متزوجاً زوجة ليست على مزاجه إذا ما عرف الله معه الحق أن يحترق قلبه لأنه شاهد نفسه أنه سوف يعيش معها إلى الأبد أما المؤمن فيحسن لها، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ يحسن لها ويكسب أجراً والله يهنئه في حياته، لو كانت هي وسط أو دون الوسط سبحان الله مكافأةً له على الرضا بقضاء الله، الله عز وجل يجعلها ودودة له مودة بالغة، ويراها جميلة وقد يقول بعد أن يرضى بها: والله ليس في الأرض إنسانة أنسب إلي منها، إذا رضي بقضاء الله وقدره، وكان صادقاً وعاملها بالإحسان، أما إن قال دائماً: لم نوفق في هذا، دائماً كاسر خاطرها، هكذا أهل الدنيا. النبي الكريم صلى الله عليه وسلم دعي هو وأصحابه الكرام إلى وليمة وكان هناك لحم جزور ظهرت رائحة غير مقبولة أذن العصر فقال عليه الصلاة والسلام: كل من أكل لحم جزور فليتوضأ فقالوا: كلنا أكلنا لحم جذور، قال: كلكم فليتوضأ، ما هذه الدقة؟ ما هذه الحساسية؟ لكيلا يخجل هذا الذي انتقض وضوءه، بأسلوب جميل قوموا توضؤوا، هكذا النبي الكريم بحياته، النبي ما صافح إنساناً وسحب يده منه حتى يكون المصافح هو الذي يسحب يده، بحياته ما أكرم نفسه أمام ضيفه، دخل عليه عدي بن حاتم وهو ملك فناولنه وسادةً من أدم محشوةً ليفاً وقال: اجلس على هذه، قلت: بل أنت، قال: بل أنت، قال: فجلست عليها وجلس هو على الأرض. بحياته ما تميز عن أصحابه، كان إذا دخل عليه رجل يقول: أيكم محمد؟ مع أصحابه جالس ليس له أي مظهر من مظاهر الفخامة، في نزهة قال: وعليّ جمع الحطب، قالوا: نكفيك يا رسول الله، قال: أعلم ذلك ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على خلقه، في المعركة قائد جيش ونبي مرسل ما أخذ ناقة بمفرده وركبها قال: أنا وعلي وأبو لبابة، ولما جاء دوره في السير الصحابة شعروا بالحرج قال: لا ما أنتم بأقوى مني على السير ولا أنا بأغنى منكم على الأجر، هكذا النبي الكريم.  

     قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: " تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة " يوجد شخص لا يستطيع أن يكون بمفرده إطلاقاً، أما الذي له وجهة إلى الله وله حظ من العلم لا يريد أحداً، يستطيع أن يجلس عشر ساعات بمفرده، العلم لا يمل، الإنسان عندما يتعلم إذا قرأ قرآناً، القرآن ربيع القلب، ألا بذكر الله تطمئن القلوب والاستئناس بالناس علامات الإفلاس، علامة المؤمن له جلسات مع ربه، يحب الخلوة، هذا إحياء علوم الدين خمسة أجزاء يعد من أهم الكتب الدينية نتيجة خلوة استمرت عشر سنوات في دمشق من قبل الإمام الغزالي، كان يختلي في الأموي. 

     وقال كعب رحمه الله: " أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن تعلم يا موسى الخير وعلمه الناس فإنه منور لمعلم الخير ومتعلمه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم ". 



المصدر: موضوعات فقهية متفرقة - الدرس : 12 - العلم - فضيلة التعلم .