بحث

حاجة الناس للأنبياء والرسل

حاجة الناس للأنبياء والرسل

بسم الله الرحمن الرحيم

     أولاً: تعريف الناس بربهم: 

     قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أي علة الخلق أن نعبده، سبب وجودنا على هذه البسيطة أن نعبده، والعبادة لا تكون إلا بعد أن نعرفه، وإذا عبدناه سعدنا به في الدنيا والآخرة، والعبادة في أدق تعريفاتها طاعة طوعيه تسبقها معرفة يقينية، وتفضي إلى سعادة أبدية، فمن أجل أن نعرفه جاء الأنبياء ليُلفتوا نظر البشر إلى ربهم، ليعرفوا الناس بخالقهم، ليبصروهم بحقيقة وجودهم، فكيف نعرفه من دون دليل؟ وهل يقوم تعليم من دون معلم؟ فهؤلاء الأنبياء بمثابة المعلمين في المدارس، فلذلك مهمة النبي في قومه مهمة إرشادية تعليمية، فالناس بحاجة ماسّة إلى معلمين.  

      ثانياً: معرفة أوامر الله ونواهيه:

     إذا كانت علة الخلق أن نعرفه فنعبده فنسعد بقربه، فالأنبياء عرفونا بربنا أولاً، وبيّنوا أوامره ونواهيه ثانياً، فقد جاء الأنبياء بالأوامر والنواهي، بمنهج قوامه افعل ولا تفعل، ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ هذا المنهج هو العبادة، في كل علاقاتك، في بيتك، مع جسمك، في طعامك، في شرابك، في نومك، في قضاء حاجتك، في علاقتك بزوجتك، في علاقتك بأولادك، في علاقتك بجيرانك، في علاقتك بمن حولك، في علاقتك بمن تتعامل معهم، افعل ولا تفعل.هذا المنهج الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام هو العبادة فكيف نعبده ولا نعرف أمره؟ عن طريق مَنْ جاءنا أمره؟ عن طريق النبي عليه الصلاة والسلام، إذاً أولاً: النبي عرّفنا بربنا من خلال ملكوت السماوات والأرض، وعرّفنا بأوامره ونواهيه. قال الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا. 

     ثالثاً: معرفة الخير والتحذير من الشر يكون عن طريق الأنبياء:

    علّة الخلق أيضاً الابتلاء، قال الله: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ إذاً نحن مبتلون، أي تستطيع أن تقول: إن جوهر الحياة الدنيا أن ينكشف الإنسان على حقيقته، الصالح والطالح، الخيّر والشرير، لابد من أن تنكشف النفوس على حقيقتها، قال الله: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ فالوجه الآخر من أحقية النبي عليه الصلاة والسلام هو أن علّة الحياة الابتلاء، وهذا الابتلاء يقتضي أن تُعرّف المُبتلى بالخير وبالشر، أن تُعرّفه بالخير حتى يأتيه، وأن تُعرّفه بالشر حتى يجتنبه، وينبغي أن تُعَرفه أيضاً بطريق الخير، وبطريق الشر، ومن أجل أن يسلك طريق الخير، وأن يحيد عن طريق الشر، ويجب أن تحببه بالخير وأن تحذره من الشر، فمهمة النبي عليه الصلاة والسلام تعريفٌ بالخير، وبيان لطريقه، وترغيب فيه، وتعريف بالشر، وبيان لطريقه، وتحذير منه. قال الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ خطوات الشيطان طريق الشر، قال الله: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ لم يكن النهي عن الزنا، بل كان النهي عن الاقتراب من الزنا، ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ فللخير طريق وللشر طريق . والعلة الثانية للحياة هي الابتلاء، والابتلاء يقتضي أن نعرف الخير من الشر، لذلك لولا أنَّ الله سبحانه وتعالى أرسل رسله ليُعَرّفوا الناس بالخير وبالشر لكانت الحجة مع الناس، وليست مع الله عزّ وجل، هكذا قال الله عزّ وجل: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ لِئلا يكون على الله حجةٌ بعد الرسل. فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وخلق في الإنسان استعداداً للخير والشر، استعداداً للضلال والهدى، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وفيه استعداد للخير واستعداد للشر، بمعنى أنه خلق فيه شهوات، هذه الشهوات حبّ الطعام، الحاجة إلى الطعام، الحاجة إلى بقاء النوع، هذا الميل الجنسي، بقاء الفرد يحتاج إلى طعام، بقاء الفرد-النوع-يحتاج إلى زواج، والحاجة إلى بقاء الذِّكر، الأهمية، كل إنسان يحب أن يكون له أهمية، هذا دافع أساسي بالإنسان، هناك إنسان يثبت قيمته من خلال عمله، هناك إنسان يثبت قيمته من خلال عطاءاته،  فهناك ميول أو حاجات أو دوافع أو دلائل، هذه المسميات لأشياء واحدة، حاجات، ميول، دوافع، غرائز، هذه بشكل أو بآخر الشهوات، قال الله: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ﴾ أي الله سبحانه وتعالى ركّب فينا هذه الشهوات لنرقى بها إلى ربّ السماوات، لولا الشهوات لما كنت شيئاً تستحق الذكر، كيف ترقى إلى الله؟ قال الله: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾  لذلك هذه الشهوات التي خلقها الله فينا سبب لرقينا، وسبب لتحركنا، وسبب لدخولنا الجنة، ماذا تملك أنت لو أنك لا تحب شيئاً ولا تكره شيئاً، ماذا تملك؟ لولا دافع الطعام والشراب لما كان هذا البنّاء، ولا النجار نجر، ولا الحداد صنع، ما من حاجة للعمل، هذه الأرض المعمورة لولا دافع الطعام والشراب لما كان الإنسان، تجد الإنسان يسعى ويكد ويُنشئ مشروعاً حتى يكسب قوت يومه . مثال بسيط؛ هذا الوقود السائل البنزين، سائل كهذا الماء؟ لا، هذا البنزين فيه طاقة، لو أنك أخرجت هذا السائل وصببته على محرك السيارة، وأعطيته شعلة من النار لاحترقت السيارة، أما إذا سار هذا السائل من المستودع في الأنابيب الدقيقة المُحكمة المخصصة له حرّك السيارة، فبين أن يكون البنزين قوة مُحركة وبين أن يكون قوة مدمرة، هذه الشهوة؛ إما أن تكون هذه الشهوة قوة محركة إلى الله عز وجل، وإما أن تكون هذه الشهوة قوة مدمرة. من الذي يُعَرفنا كيف نمارس هذه الشهوات؟ كيف نحقق شهوة بقاء النوع؟ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ ،   دخل في هذا كل أنواع الانحرافات، إذاً هذه الشهوات قوى مُحركة أو مدمرة، من الذي يبين لنا كيف نستفيد منها؟ وكيف نتقي شرها؟ الأنبياء. هل تعرف أنت أنه لا يجوز أن تتزوج أختك من الرضاع إلا بعد نزول الشرع على هذا النبي الكريم؟ شخص يتسامر مع إنسان قال له: عندي أول ولد أعمى، والثاني كسيح، والثالث معه هُشاشة في العظام، قال له: عجيب! ما هذا الحظ الذي لك، قال له: هكذا، قال له: ما السبب؟ قال له: ليس هناك سبب، قال له: غير ممكن، قال له: يقولون أن زوجتي أختي من الرضاعة، هذا شرع مبني على أُسس علمية، يوجد علاقات بيولوجية، من بيّن لنا أن هذه العمة والخالة لا يجوز، وابنة الأخ، وابنة الأخت، فالمحارم من النساء: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ لذلك هذه الشهوة من الذي يُبيّن لك كيف تمارسها؟ النبي عليه الصلاة والسلام، من الذي يقول لك يجب أن تبتعد عن زوجتك في الحيض؟ أكثر من سبعين مرضاً ينشأ عن اللقاء الزوجي في أثناء الحيض، قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ أي ينقطع الدم، ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ أي اغتسلن ﴿فَأْتُوهُنَّ﴾ إذاً هذه الشهوة سلاح لك أو عليك، قوة محركة أو مدمرة، نافعة أو ضارة، من الذي يبين لك وجه استعمالها؟ الأنبياء، إذاً نحن بحاجة ماسة إلى الأنبياء. 

     رابعاً: القدوة الحسنة:

     الحق مهما كان ناصعاً، ومهما كان واضحاً، ومهما كان منطقياً، ومهما كان متماسكاً، ما دام الحق كلاماً بكلام، كلام في هواء أو حبر على ورق، لا يطبقه الإنسان إلا أن يجد إنساناً أمامه مطبقاً للحق، هذا اسمه الأسوة الحسنة، القدوة الحسنة، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ فالأنبياء عليهم صلوات الله هم المثل العليا، والقدوة الحسنة للبشر، أسرع طريق إلى نشر الحق القدوة الحسنة، فالأنبياء كانوا قدوة حسنة قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ما رأيت أحداً يحب أحداً كحبّ أصحاب محمدٍ محمداً، لماذا أحبوه؟ لأنه كان أرأف بهم من أنفسهم، أرحم بهم من أنفسهم.  



المصدر: العقيدة الإسلامية - الدرس : 26 - حاجة الناس للأنبياء والرسل