بحث

حاجة الناس للأنبياء والرسل

حاجة الناس للأنبياء والرسل

بسم الله الرحمن الرحيم

مهمة الأنبياء في الأرض :  

أولاً: دورهم في توعية البشر بأن عرفوا الناس بربهم :  

      الذي تعرفونه أن الله سبحانه  وتعالى قال : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾  

      يعني علة الخلق أن نعبده,  سبب وجودنا على هذه البسيطة أن نعبده,  والعبادة لا تكون إلا بعد أن نعرفه,  وإذا عبدناه سعدنا به في الدنيا والآخرة,    

      وإن العبادة في أدق تعريفاتها : طاعة طوعيه تسبقها معرفة يقينية،  وتفضي إلى سعادة أبدية,  فمن أجل أن نعرفه جاء الأنبياء ليلفتوا نظر البشر إلى ربهم, ليّعرفوا الناس بخالقهم  ليبصروهم بحقيقة وجودهم,  فكيف نعرفه من دون دليل؟  وهل يقوم تعليم من دون معلم؟  وهل تنشأ مدرسة من دون أساتذة؟    

      فمن أجل أن نعرفه لابد لنا من معلمين,  والمعلمون هم الأنبياء هؤلاء عرّفونا بربنا,  ذكرونا بآياته التي بثها في السموات الأرض, عرفونا بمهمتنا,  بينّوا لنا ما نحن فيه،  وإلى أين المصير,  فهؤلاء الأنبياء بمثابة المعلمين في المدارس، لا تقوم المدرسة إلا على أكتاف المعلمين  لا البناء له قيمة, ولا المقاعد لها قيمة، ولا السبورة لها قيمة، ولا المكتبة لها قيمة، ولا أي موظف آخر له قيمة إن لم يكن في هذه المدرسة المعلم, أساس المدرسة المعلم .  

      فلذلك : مهمة النبي في قومه، مهمة إرشادية تعليمية, فالناس بحاجة ماسّة إلى معلم, لابد من أن نعرفه حتى نعبده, كيف نعرفه؟    

      كان الأنبياء والرسل،  والدعاة والعلماء من بعدهم مصابيح للناس, العلماء مهمتهم تبعية : هم نواب عن الأنبياء في تبليغ الناس الحق, فالأصل هم الأنبياء هم المعلمون الذين أوكل الله إليهم تعليم الناس .  

ثانياً: معرفة أوامر الله ونواهيه تكون بوساطة الأنبياء :  

      لو أنّ أحداً قال لك: أنا مستعد لطاعة الله عزّ وجل، أين أمره؟ هل كنّا نعرف أمره, لولا النبي عليه الصلاة والسلام؟ الأنبياء لهم دور آخر بينوا أوامر الله, إذا كانت علة الخلق أن نعرفه فنعبده فنسعد بقربه, فالأنبياء عرفونا بربنا أولاً،  وبينوا أوامره ونواهيه ثانياً,  جاء الأنبياء بالأوامر والنواهي بمنهج قوامه افعل ولا تفعل,  هذا المنهج هو العبادة،  في كل علاقاتك،  في بيتك،  في طعامك،  في شرابك، في نومك، في علاقتك بزوجتك,  في علاقتك بأولادك، في علاقتك بجيرانك، في علاقتك بمن حولك،  في علاقتك بمن تتعامل معهم ، هذا المنهج الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام هو العبادة،  فكيف نعبده ولا نعرف أمره؟    

      عن طريق مَنْ جاءنا أمره ؟ عن طريق النبي عليه الصلاة والسلام,    

       قال الله : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾  

      ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾  

      ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾  

ثالثاً: ما هي الوسيلة التي تقربك بها إلى الله ؟  

      بعد أن عرفته,  وبعد أن عبدته, الآن لك أن تقبل على الله عزّ وجل بمعيته:   

      عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي يَقُولُ إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ   

      النبي عليه الصلاة والسلام باب الله, ولا يدخل المرء على الله عزّ وجل إلا من باب رسول الله صلى الله عليه وسلم, من هنا كان   قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  

      فهذا المنهج الرباني المبني على أسس ثلاثة : المعرفة والعبادة والسعادة,  النبي عليه الصلاة والسلام في كل مرحلة هو الأصل فيها, إذن حاجتنا للنبي ولكل الأنبياء حاجة أساسية  وحاجة مصيرية .  

 رابعاً: معرفة الخير والتحذير من الشر يكون عن طريق الأنبياء :  

      قال الله :  ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾  

      إذن نحن مبتلون : ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾  

      يعني تستطيع أن تقول:  إن جوهر الحياة الدنيا أن ينكشف الإنسان على حقيقته, الصالح والطالح ، الخيّر والشرير، المعطاء والبخيل، الرحيم والقاسي،  المقسط والظالم،  فالابتلاء سبب لينكشف الإنسان على حقيقته   

      قال الله :  ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾  

      ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾  

      ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ﴾  

      ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾  

      فما دامت هنالك ابتلاء،  فمن الذي يبين لنا طريق الخير والشر؟  هو النبي عليه الصلاة والسلام,  كتاب شهير اسمه " الترغيب والترهيب " هو من أحاديث النبي  عليه الصلاة و السلام, كل أمر من أمور حياتنا كيف رغبّ به النبي؟  وكيف رهبنّا منه؟  رغبنا في الطاعة ورهّبنا من المعصية,   

      فالوجه الآخر من أحقية النبي عليه الصلاة والسلام، هو أن علّة الحياة الابتلاء  

      قال الله : ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا  

      وهذا الابتلاء يقتضي أن تُعرّف المبتلى بالخير وبالشر, أن تُعرّفه بالخير حتى يأتيه،  وأن تُعرّفه بالشر حتى يجتنبه،  من أجل يسلك طريق الخير ، وأن يحيد عن طريق الشر,   

      فمهمة النبي عليه الصلاة والسلام: تعريفٌ بالخير وبيان طريقه وترغيب فيه،  وتعريف بالشر وبيان طريقه وتحذير منه   

      قال الله : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾  

      خطوات الشيطان طريق الشر   

      قال الله : ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾  

      لم يكن النهي عن الزنا, بل كان النهي عن الاقتراب من الزنا,  فللخير طريق وللشر طريق :  

      ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾  

أولا: كيف سيحاسبنا الله بدون أن يُرسل من يبين لنا الخير والشر؟ 

      لولا أنَّ الله سبحانه وتعالى أرسل رسله ليعرفّوا الناس بالخير وبالشر،  لكانت الحجة مع الناس وليست مع الله عزّ وجل,   

      قال الله عزّ وجل :  ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾  

      لِئلا يكون على الله حجةٌ بعد الرسل, امرأة في أول لقاء مع زوجها قالت له: إنني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب وما تكره,  فقل لي: ما تحب حتى آتيه وما تكره حتى أجتنبه,  فكيف الله عزّ وجل؟  يحاسبنا يوم القيامة ولم يبين لنا أوامره ونواهيه!  

      لذلك قال تعالى : ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾  

      إيّاكم أن تفهموا هذه الآية كما يفهمها بعض الناس, ألهمها أن هذا العمل فجور, وألهمها أن تفجر, حاشا لله أن يُلهم الله عزّ وجل إنساناً أن يفجر,  يعني كأن تجد ابنك في طريق غير صحيح,  وتقرّع آذانه ليلاً نهاراً, يابني أنت مخطئ, أنت في طريق الهاوية,  أنت في طريق الدمار, الأب يُلهم ابنه الفجور،  ويبين له أنه يفجر,  فربنا عزّ وجل كيف يحاسبنا قبل أن يبين لنا؟ عن طريق من بين لنا؟  عن طريق النبي عليه الصلاة والسلام,  كيف نعرف الله إلا من خلال النبي عليه الصلاة والسلام   

      قال الله :  

      ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾  

      ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾  

      ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾  

      ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾  

      ﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾  

      قوم فعلوا الفاحشة,  فاستحقوا الهلاك فأهلكهم   

      إرسال الرسل لإقامة الحجة على البشر،  حينما ينبّه الأب ابنه مرات عديدة على مسمع من إخوته وأمّه،  ويحذّره مغبة عمله،  وبعد ذلك يقع هذا الابن في سوء عمله وفي شرّ عمله،  ويدفع الثمن باهظاً, لا يستطيع أن ينطق بكلمة .  

ثانيا: ليُعلمونا أن الشهوات طريقنا إلى الجنة ؟ 

      كما قلت لكم: أنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان,  وخلق في الإنسان استعداداً للخير والشر, استعداداً للضلال والهدى,  مثل بسيط : هذه السيارة صُنعت ويمكن أن تنقلك إلى حيث تريد,  ويمكن أن تدمر صاحبها, إذا أُحسن قيادتها تنقله إلى حيث يريد،  فإذا قادها إنسان جاهل قضت عليه وسببت هلاكه,  فهذه السيارة فيها إمكانية الخير والشر, إمكانية أن تنقلك إلى أي مكان تريد,  وإمكانية أن تنهي حياة صاحبها  إذا كان جاهلاً,  خلق الله الإنسان فيه الشهوات,  هذه الشهوات حبّ الطعام, الحاجة إلى الطعام،  الحاجة إلى بقاء النوع، بقاء الفرد يحتاج إلى طعام، بقاء النوع يحتاج إلى زواج،  والحاجة إلى بقاء الذِكر,  كل إنسان يحب أن يكون له أهمية ، هذا دافع أساس بالإنسان, إنسان يثبت قيمته من خلال عمله,  إنسان يثبت قيمته من خلال إيقاع الأذى بين الناس, على كلٍ الإنسان له أهمية,  إما أنه يُرجى خيره،  أو يُتقى شره,  ففي الإنسان ميول فطرية فهناك حاجات أو دوافع أو غرائز, هذه مسميات لأشياء واحدة بشكل أو بآخر الشهوات   

      قال الله : ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ ﴾  

      الله سبحانه وتعالى ركّب فينا هذه الشهوات لنرقى بها إلى ربّ السموات،  لولا هذه الشهوات التي رُكّبت فينا لما كانت جنة,  لولا الشهوات لما كنت شيئاً تستحق الذكر,  كيف ترقى إلى الله؟  لو أن المال لا قيمة له عندك,  لو أنفقت مئة ألف لا ترقى,  لأن الله سبحانه وتعالى أودع في قلبك حب المال,  فإذا أنفقت المئة ليرة وأنت في أمس الحاجة إليها، ارتقيت إلى الله عزّ وجل, كيف ترقى إلى الله إن لم يكن في قلبك حب للنساء،  ليس في الأرض كلها تشريع يحظر عليك ألا تنظر إليها؟  من يحاسبك؟  أنت في الطريق, امرأة مزينة من يمنعك أن تنظر إليها؟ قد تكون في غرفتك والنافذة مفتوحة,  تُفتح نافذة بيت الجيران تُطل منها امرأة، من الذي يدري من العالمين أنك تنظر إليها؟  لا أحد،  فإذا غضضت الطرف فهذا يؤكد أنك مخلص لله عزّ وجل, لأن هذا العمل لا يفعله إلا المخلص, خلق في نفسك حب الطعام   

      وقال لك :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾  

      تدخل المطبخ في أيام الصيف, وأنت صائم, وتفتح صنبور المياه الباردة من الذي يمنعك ألا تشرب؟ لولا هذه الشهوات لما ارتقيت إلى رب السموات, لولا أنك تعطش وتجوع،  وتحب الجمال والمال،  وتحب العلو في الأرض, لما ارتقيت إلى الله عزّ وجل   

      قال الله :﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾  

      ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾  

      بعض العلماء حاروا في هذه الآية  " الأرض " أية أرض هذه؟  ﴿أَوْرَثَنَا الأَرْضَ  

      ما علاقة الأرض بالجنة؟  قالوا:  حينما دخل أهل الجنة الجنة،  وسعدوا فيها،  عرفوا أنه لولا أنهم كانوا في الأرض،  ولولا أن الله أودع فيهم الشهوات,  لما كانوا في الجنة, هذه الشهوات التي خلقها الله فينا سبب لرُقينا،  وسبب لسعادتنا,  وسبب لدخولنا الجنة .  

  ثالثا: من الذي يدلنا على كيفية ممارسة الشهوات وفق نظامها الصحيح ؟ 

      هذه الشهوات إما أن ترقى بها إلى رب السموات,  وإما أن تكون سبباً في شقاء الإنسان  مثال بسيط: هذا الوقود سائل كالماء مثلاً, هذا البنزين فيه طاقة لو أنك أخرجت هذا السائل وصببته على محرك السيارة، وأعطيته شعلة من النار، لاحترقت السيارة,  أما إذا سار هذا السائل من المستودع في الأنابيب الدقيقة المحكمة المخصصة له إلى جهاز التنظيم،  إلى غرف الاحتراق  دُفعت هذه المكابس دار الساعد حرّك السيارة,  فبين أن يكون البنزين قوة محركة،  وبين أن يكون قوة مدمرة,  كذلك الشهوة إما أن تكون هذه الشهوة قوة محركة إلى الله عز وجل،  وإما أن تكون هذه الشهوة قوة مدمرة,  من الذي يعرفنا كيف نمارس هذه الشهوات في الطعام والشراب؟  جاءت الأحاديث الكثيرة في الاعتدال في الطعام والشراب:   

      قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا ملأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثُ طَعَامٍ وَثُلُثُ شَرَابٍ وَثُلُثٌ لِنَفْسِهِ  

      كيف نحقق شهوة بقاء النوع؟ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾  

      من الذي يبين لنا كيف نستفيد منها؟ الأنبياء, هل تعرف أنت أنه لا يجوز أن تتزوج أختك من الرضاعة إلا بعد نزول الشرع على هذا النبي الكريم؟  إنه الشرع مبني على أُسس علمية,  من الذي أخبرنا أن العمة،  والخالة،  وابنة الأخ،  وابنة الأخت لا يجوز الزواج منهن   

      قال الله  : ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾  

      معظم حالات الزنا في أوروبا وأمريكا,  تتم بين الأقارب وبين المحارم, العدوان على الأخت  والبنت شيء مألوف جداً في المجتمعات الغربية,   

      لذلك الشهوة من الذي يُبيّن لك كيف تمارسها؟  النبي عليه الصلاة والسلام،  من الذي يقول لك:  يجب أن تبتعد عن زوجتك في الحيض أكثر من سبعين مرضاً ينشأ عن لقاء الزوجة في أثناء الحيض؟   

      قال الله : ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾  

      هذه الشهوة سلاح لك أو عليك،  قوة محركة أو مدمرة,  نافعة أو ضّارة,  من الذي يبين لك وجه استعمالها؟ الأنبياء, إذن نحن بحاجة ماسة إلى الأنبياء .  

خامساً: القدوة الحسنة :  

      الحق مهما كان ناصعاً،  ومهما كان واضحاً،  ومهما كان منطقياً،  ومهما كان متماسكاً، ما دام الحق كلاماً بكلام لا يطبقه الإنسان إلاّ أن يجد إنساناً أمامه مطبقاً للحق,  هذا اسمه الأسوة الحسنة, أي القدوة الحسنة   

      قال الله : ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾  

      مثل واحد عملي أنفع للناس من عشرة مجلدات,  الناس لا يصدقون إلا المثل الحيّ, النبي الواحد بخلقه وجهاده أهدى للبشرية من آلاف الكتب الذين تكلموا بالفضائل في بطون المجلدات,  الناس يتعلمون بعيونهم ولا يتعلمون بآذانهم,  فالأنبياء عليهم صلوات الله هم المثل العليا،  والقدوة الحسنة للبشر, ما الذي يحملك على أن تستقيم؟ ما الذي يحملك على غضّ البصر؟  أسرع طريق إلى نشر الحق القدوة الحسنة,  فالأنبياء كانوا قدوة حسنة   

      قال الله : ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾  

       قال أحدهم: ( ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً ) لماذا أحبوه؟  لأنه كان أرحم بهم من أنفسهم,   

      عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ بَيْنَ كُلِّ ثَلاثَةِ نَفَرٍ بَعِيرٌ وَكَانَ زَمِيلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ قَالَ وَكَانَ إِذَا كَانَتْ عُقْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالا لَهُ ارْكَبْ حَتَّى نَمْشِيَ عَنْكَ فَيَقُولُ مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي وَمَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الأَجْرِ مِنْكُمَا   

      كانوا في نزهة أو غزوة، قال أحدهم: عليّ ذبحها (الشاة),  وقال الثاني: عليّ سلخها,  وقال الثالث: عليّ طبخها,  قال صلى الله عليه وسلم:  وعليّ جمع الحطب,  فقالوا : نكفيك ذلك يا رسول الله,  قال:  أعلم ذلك ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه    

      أسوة حسنة .    

خلاصة :  

      الله سبحانه وتعالى أرسل رسله ليعرفّوا به,  وليبينوا أوامره ونواهيه،  وليكونوا وسطاء في الإقبال عليه,  وأرسل رسله أيضاً كي يبينوا للناس الخير من الشر،  وطريق الخير من طريق الشر،  ويُحببوا الناس بالخير,  ويُبغضوا الناس بالشر,  وأرسل رسله ليعّرفوا الناس بأن هذه الشهوات التي أودعها الله في البشر,  كيف يأخذون خيرها,  ويجتنبون شرها,  إنها قوة محركة أو مدمرة, لولا الشهوات لما ارتقى الإنسان إلى ربّ السموات,  وفي الوقت نفسه قد تكون الشهوة مدمرة لصاحبها,  وهذا ما حصل مع أوروبا ودول الغرب, إنهم عدّوا الشهوة كل شيء في الحياة فدُمروا من أجلها, مرض الإيدز, هذا المرض سببه الانحراف الأخلاقي,  كل العلاقات خارج الحياة الزوجية, الزنا وما شابه الزنا,  المخدرات وما شابه المخدرات,  فهذا المرض يفتك بالناس  بسرعة فائقة،  بل إن منظمة الصحة العالمية قالت قبل يومين:  إن كل الجهود التي  بُذلت من أجل القضاء على هذا المرض باءت بالفشل,  من الذي يبين للناس أن هذه الشهوة استعملوها في في الزواج فقط؟  الأنبياء,  طبعاً شهوة المال أيضاً وكل الشهوات,  الأنبياء بيّنوا الحقائق العلمية، من الذي نهانا؟  كيف نُهينا عن اقتراب النساء بالمحيض ؟ الشرع الذي أُنزل على النبي الكريم, هذه الحقائق علمية .  

      لا بد للهدى من مُثل عليا,  من قدوة صالحة,  فالأنبياء بعصمتهم,  لو أنّ النبي فعل غلطة واحدة لسقطت عصمته وذهبت مكانته,  من فضل الله عزّ وجل أن الأنبياء معصومون عن الخطأ,  لذلك كانوا قدوة ومُثلاً عليا لبني البشر, فنحن بحاجة ماسة إلى الأنبياء, هذا بحثٌ علمي عن وجه الحاجة إلى الأنبياء والرسل,  والإيمان بالأنبياء والرسل حقٌ يقيني من لوازم العقيدة،  بل إنه من العقائد التي يجب أن نعلمها بالضرورة,  والآن بينّا لماذا كان الأنبياء, و لماذا أرسل الله الأنبياء والرسل لبني البشر؟.  



المصدر: العقيدة الإسلامية - الدرس (26-63) : حاجة الناس للأنبياء والرسل