في الأرض سبعة مليارات إنسان، ما منهم واحد على وجه الأرض إلا وهو حريص على سلامة وجوده، وحريص على كمال وجوده، وحريص على استمرار وجوده- سلامة الوجود وكمال الوجود واستمرار الوجود- السلامة تتحقق بالخضوع لمنهج الله، لأنك أيها الإنسان أعقد آلة في الكون، هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، لأنك آلة في الكون فلها صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، انطلاقاً من حرصك اللا محدود على سلامتك، وانطلاقاً من حرصك اللا محدود على سعادتك، وانطلاقاً من حرصك اللا محدود على استمرار وجودك. سلامة الوجود بالاستقامة، فأنت حريص على سلامة وجودك بالاستقامة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ ، وعلى كمال وجودك بالعمل الصالح، قال تعالى: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾، وحريص على استمرار وجودك بتربية أولادك.
الاستقامة طابعها سلبي، ترك، ما أكلت مالاً حراماً، ما غششت، ما اغتبت، الاستقامة ترك المعاصي والآثام، نشاط لا أفعل هذا، هذا حرام، لا يجوز، الترك، الامتناع، الامتناع هو الاستقامة، ويحقق السلامة. والعمل الصالح طابعه إيجابي، عطاء، عطاء من وقتك، من خبرتك، من علمك، من مالك، من جاهك. العمل الصالح عطاء، والاستقامة امتناع. الاستقامة سلبية تحقق السلامة، والعمل الصالح إيجابي يحقق السعادة. أنت بالعمل الصالح ترقى إلى الله، تتصل بالله، تقبل على الله، جمعت مكارم الأخلاق عند الله، فالله إذا أحب عبداً منحه خلقاً حسناً.
الاستقامة حدية، معنى حدية لا تفاوت بينها، أنت لا تستطيع أن تقول اسم تفضيل من فعل غير قابل للتفاوت، الموت حدي، لا يوجد إنسان أموت من إنسان، مات، الموت حدي، أما العمل الصالح فنسبي. أي مستودع للوقود محكم، معنى محكم أي إذا ملأته وتركته عاماً لا ينقص ميلي، محكم.
أما الملء فنسبي، فالعمل الصالح نسبي، والاستقامة حدية، لا يوجد نصف مستقيم، لا يوجد نوعاً ما مستقيم، المستقيم مستقيم. قال سيدنا عمر لراعي غنم: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها. قال: ليست لي. قال: قل لصاحبها ماتت - لها حل - أو أكلها الذئب. فقال هذا الراعي: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، لكن أين الله؟ هذا الراعي وضع يده على جوهر الدين.
الشرع الإسلامي فيه نقاط تتفق مع القوانين، ونقاط ينفرد بها الدين. تتفق مع القوانين؛ السرقة في الشرع حرام، وفيها حد كبير جداً، والقوانين تمنع السرقة. إذا الواحد ما سرق، يا ترى خوفاً من القوانين أم خوفاً من الله؟ لا نعرف؟! لكن غض البصر لا يوجد قانون في الأرض يمنع غض البصر، يأمر بغض البصر إلا الدين. فأنت لا تسرق صح، لماذا؟ لا نعلم، والله هذه بعلم الله، فلذلك الله يمتحنك في أوامر تتفق مع القوانين، وأوامر ينفرد بها الدين. فلذلك الاستقامة سلبية، ما أكلت مالاً حراماً، ما غششت، ما كذبت، كلها فيها ماءات. الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه حرم الخمر، لأن هذا الدين دين علم، فاكتشفوا أن أكثر نصف ثروات البلد تذهب بحالة السكر، والأخطاء الناتجة عن السكر، فالاتحاد السوفيتي قبل سقوطه حرم الخمر، أتذكرون ذلك؟ حرم الخمر، الملحد، الشيوعيون حرموا الخمر.
أما العمل الصالح ففيه بذل، أعطيت من علمك، أعطيت من مالك، أعطيت من جاهك، فأنا أقول كما النبي الكريم: ((المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خير)) لماذا؟ لأن المؤمن القوي خياراته لا تعد ولا تحصى، يقدر أن يحل مليون مشكلة. العمل الصالح جهد تقدمه، مال تبذله، خبرة تؤديها، نصيحة تقدمها، ولاء تعتنقه، العمل الصالح عطاء، العمل الصالح إيجابي، العمل الصالح هو حجمك عند الله. قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾، العمل الصالح هو الذي ينفع الإنسان بعد الموت العمل الصالح هو الذي ينزل مع الإنسان في القبر، إن كان كريماً أكرمه، وإن كان لئيماً أسلمه، ألا وهو عمله، ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾ . ومن اللطيف أن نذكر أن كلمات الذين آمنوا في القرآن الكريم اقترنت بالعمل الصالح في أكثر من مئتي موضع: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ، والإيمان من دون عمل لا قيمة له إطلاقاً: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ ما لم تتحرك، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلبك حتى تعبر عن ذاتها بحركة نحو الخلق، لا يوجد مؤمن سكوني، مؤمن سلبي ، مؤمن عنده إعجاب بالإسلام سلبي، مؤمن يشيد بالإسلام ولا يفعل شيئاً، هذا ليس مؤمناً، ومن أراد أن يكون من خير البرية فليؤمن بالله و ليعمل صالحاً: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾.
الذي عمل الصالحات مسدد، محفوظ، الله عز وجل يلهمه الصواب، يلهمه العمل الجيد، يسدد خطاه، يدعمه، يعينه، يوفقه، ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾. طريق فيه خطر يصرفك عنه، إنسان خطر فاسد يبعده عنك، صفقة يلهمك ألا تعقدها، بينما الذي لا يعمل عملاً صالحاً يخضع لوساوس الشيطان، هذا الذي حصل من عمل الشيطان ـ قال سيدنا موسى. وكلما وجدت إنساناً في أعلى درجة، في أكبر ثروة، في أوجه مكانة، جمع وطرح وقسم وارتأى أن يقتل فنانة، وقتلها، ودفع مليوني دولار لتقتل، وحكم بالإعدام، أين عقله؟ هذا من عمل الشيطان، الشيطان له توريطات مع الإنسان، إنسان راكب بسيارة عمومي، أشارت له إنسانة أن توقف، فسألها إلى أين؟ قالت له: خذني أينما تريد، اعتبرها مغنماً كبيراً، وأخذها، وقضى حاجته، قدمت له ظرفاً، تصوره شكراً، قالت له في الرسالة: مرحباً بك في نادي الإيدز، إن هذا من عمل الشيطان، لو كنت مع الله تفتح الباب وتنزلها عندما قالت لك: خذني إلى أين تشاء . إنسان سائح بإيطاليا وهو في الفندق طرق الباب عليه، فاستقبل التي طرقت الباب، وقضى حاجته، ثم نام، وعندما استيقظت قبله كتبت بالأحمر الذي تستخدمه للمكياج: مرحباً بك في نادي الإيدز، انتحر في الغرفة، هذا من عمل الشيطان، الذين يتورطون بالسرقات، وبالجرائم، وبالزنا، وبمعاقرة الخمر، والمتاجرة بالمخدرات، هذا من عمل الشيطان، المؤمن محفوظ، يعيش عمراً مديداً في أمن، في سلام، في طهر، في عفاف، في تألق، في عزة، في كرامة، في رؤية صحيحة. قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ﴾.