حق القوة: الإيمان
الإيمان أقوى قوة في الأرض
ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة ؟ بنى الإيمان ، الإيمان أكبر كلمة ، ذلك أنك إذا سألت ما هي أقوى قوة في الأرض ؟ قد يقول أحدهم : القنبلة الذرية أو النووية ، في ثوانٍ تبيد ملايين ، حرقاً وضغطاً ، ولا تبقي ولا تذر ، لا من البشر , ولا من الحيوان ، ولا من النبات ، ولا أي كائن حي ، من هو الأقوى منها ؟ الذي صنعها بما آتى الله الإنسان من عقل ، استطاع بهذا العقل أن يصل إلى الكواكب الأخرى ، سافر إلى القمر ، أرسل مركبة إلى المشتري ، وبقيت هذه المركبة تسبح في الفضاء ست سنوات بأسرع سرعة صنعها الإنسان ، 40 ميلا في الساعة ، أسرع الطائرات الآن بين الـ900 والـ 1000 كم في الساعة ، أما هنا 60 ألف كم في الساعة ، إذاً الذي صنع القنبلة بقدراته العقلية هو أقوى منه ، الآن القوة التي تحرك هذا الإنسان وتجعله يضحي بالغالي والرخيص والنفس والنفيس ، هي قوة الإيمان ، الإيمان أقوى قوة في الأرض ، يعني هل هناك أغنى من الحياة ؟ هل هناك أغلى على الإنسان من حياته ؟ حياة المؤمن يضحى بها رخيصة في سبيل الله ، معنى ذلك أقوى قوة في الأرض قوة الإيمان ، جئناكم بأناس يحبون الموت كما تحبون الحياة .
ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة ؟ بنى الإيمان في نفوس أصحابه ، قوّى الإيمان ، لذلك الإيمان كلمة كبيرة جداً ، فمنهج النبي أن الإيمان قوه وتمكن وتعزز في مكة المكرمة ، لكنهم ضعاف ، وقد جاء توجيه الله لهم ألا يقاتلوا :
قال الله في القرآن الكريم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ)
الإيمان حب واتصال بالله
إخواننا الكرام ، الإسلام من دون حب فهو جسد من دون روح ، جثة ، إذا أفرغت الإسلام من الحب ، من الود ، من خفقان القلب.
قال الله في القرآن الكريم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )
قال رسول الله: (( أولياء الله تعالى الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى )) .
لاتصالهم بالله عز وجل ، الإيمان اتصال ، الإيمان حال ، الإيمان حب ، الإيمان تضحية ، الإيمان انضباط .
فلذلك كان أصحاب النبي رضوان الله عليهم في أعلى درجات الحب .
حينما يفرغ الإيمان من معناه
وحينما يزول الحب بيننا وتبقى المساجد الضخمة ، وتبقى المكتبات العامرة ، والمؤتمرات الباذخة وتبقى المظاهر الصارخة.
هناك مسجد زرته في الدار البيضاء بني فوق البحر ، وكلف مليار دولار ، مئذنته جامعة ، أعلى مئذنة في العالم ، وهي بناء أُعد ليكون جامعة بكل ما في الكلمة من معنى , جوامع كبيرة جداً فيها بذخ ، وفيها زخرفة ، ومؤتمرات ، فنادق خمس نجوم ، ومكتبات ومظاهر ، وألقاب علمية ، لكن ليس بيننا حب ولا اتصال بالله .
إخواننا الكرام ، دققوا في هذا المثل :
التجارة فيها مئات ، بل ألوف ، بل عشرات الألوف من النشاطات ، تاجر كبير يشتري محلا تجاريا ، يشتري مكتب استيراد ، يشتري مستودعًا ، يعين موظفين ، يعين محاسبة ، إدارة ، يعلن عن بضاعته ، يسافر ، يستورد ، يعرض ، يجول ، أكثر من مئة نشاط ، من ألف نشاط ، من بضعة آلاف من النشاطات ، كل هذه النشاطات تضغط في كلمة واحدة ، بدءاً من شراء المحل والمستودع ، مكتب الاستيراد ، تعيين موظفين ، السفر إلى الخارج ، أخذ وكالات ، استيراد بضاعة ، عرض البضاعة ، بيع البضاعة ، نقل البضاعة شحن البضاعة ، ثمن البضاعة ، تحويل الثمن إلى المعامل نشاطات لا تعد ولا تحصى , وجلسات تحكيم بين التجار ، وخلافات ، وحسم أسعار ، ومشكلات تنشأ في أثناء البيع والشراء , كل هذه التجارة تضغط بكلمة واحدة ، فهي الربح، فإن لم تربح فلست تاجراً.
بالمقابل النشاطات الدينية : إنشاء مساجد ، إنشاء مكتبات ، تعيين خطباء ، إلقاء خطب ، نقل خطب عبر الإذاعة ، عقد مؤتمرات ، نشاطات لا تعد ولا تحصى ، كتب في السيرة ، كتب في التاريخ ، كتب في اللغة ، كتب في التجويد ، كتب في الأحكام الفقهية كتب في أصول الفقه ، كتب في الفقه المقارن ، كتب في تاريخ الفقه الإسلامي ، كتب في أحكام المواريث ، كتب في العلاقات العامة ، كتب في العقيدة ، كتب في الحديث ، في علم مصطلح الحديث ، مليون نشاط ديني ، بين تعلم ، وتعليم ، وتأليف ، وإنشاء مساجد وإدارات عامة ، وجمعيات خيرية ، الدين كله يضغط في كلمة واحدة الاتصال بالله ، فإن لم يكن هناك اتصال بالله كل هذه المظاهر لا قيمة لها .
حق القوة بالمفهوم الغربي
عند الغربيين ، الحق عندهم يعني القوة ، والقوة تصنع الحق ، لذلك يكيلون بألف مكيال ومكيال ، معهم حق القوة ،فالدول العظمى اخترعوا حقا لهم لأنهم أقوياء ، اسمه " الفيتو " ، أيّ قرار لا يعجبهم يستخدمون الفيتو فيلغى، هذا ما أنزل الله به من سلطان ، هذا من اختراعهم، هذا من حق القوة، فالقوي يملي الشروط، والضعيف يقبلها .
لكن الحق عند المؤمنين ما جاء في وحي السماء هذا الحق ، ما جاء بالوحيين ، الكتاب والسنة ، ولكن هذا الحق يحتاج إلى قوة .
قوة الحق :
لكن هذا الحق القوي يحتاج إلى قوة ، قوة الحق تحتاج إلى حق القوة ، لما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، دخل في مرحلة أخرى ، في مرحلة ثانية ، دخل في مرحلة تأسيس كيان إسلامي ، تأسيس دولة إسلامية ، تأسيس دولة إسلامية ، وحارب قريشاً حروباً ثلاثة ، وبعض الغزوات إلى أن انتزع منهم اعترافاً بالكيان الإسلامي في صلح الحديبية
في مكة المكرمة : كنا في مرحلة تقوية الإيمان.
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا)
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ)
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ )
أما في المدينة : فصار لهم كيان ، وتشريع ، وقوة
الجمع بين قوة الحق وحق القوة :
فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام بنى الإيمان في مكة ، وبنى كيان ، مدني قوي في المدينة ، فامتلك قوة الحق وحق القوة . إذاً المسلمون اليوم ما لم يؤسسوا إيماناً قوياً كما فعل النبي بمكة ، ثم يدعمونه بقوة كما فعل النبي الكريم بالمدينة ، فلن يستطيعوا أن يحققوا رسالتهم .
الآن لماذا قتل قابيل هابيل ؟ قابيل معه قوة ، الأخ الأقوى ، وهابيل معه الحق لكنه الأخ الأضعف ، لكنه قُتل ، ماذا كان ينقص هابيل ، إضافة أنه على حق ، وقدم قرباناً وتقبله الله منه ، وأطاع الله وتزوج أخت قابيل ، ينقص هابيل قوة قابيل ، وماذا ينقص قابيل ؟ إيمان هابيل ، فقابيل ملك حق القوة ، وهابيل ملك قوة الحق .
لذلك النبي جمع بين قوة الحق في مكة ، وبين حق القوة في المدينة .
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن قوة الحق لا تكفي ، كان في مكة يملك قوة الحق ، لكن كان يرى أصحابه يُعذبون أمامه ، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً ، أما في المدينة بنى كياناً إسلامياً ، امتلك حق القوة .
لذلك أنت كمؤمن لا يكفي أن تكون مؤمنًا ، صافي النفس ، سليم الصدر ، تقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، ماذا نعمل ؟ الأمر ليس بيدنا ، كله ترتيب سيدك ، هذه الكلمات الفارغة التي ينطق بها المؤمنون أحياناً ، ضعيف ، مستسلم ، يقبل الضغط ، يقبل الذل ، ما بيدنا شيء ، نحن ضعاف ، هكذا الله شاء ، ماذا نفعل ؟ هكذا كان أصحاب رسول الله ؟ لا .
لما انتقل النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة أسس كيانًا ، وامتلك حق القوة ، لذلك حارب قريشًا في بدر ، وفي أحد ، وفي الخندق ، وفي الغزوات إلى أن انتزع من قريش القبيلة القوية المتغطرسة ، المستكبرة ، الجامحة ، الطاغية ، المنحلة ، ربا على خمر ، على زنا ، على فوضى جنسية ، هذه الفوضى العاتية المتكبرة انتزع منها اعترافاً بالكيان الإسلامي .
والعالم الإسلامي الآن ما لم يقتد برسول الله في انتزاع حق القوة فلن يستطيع أن يقيم الإسلام في بلاده ، في الأرض هبابلة ، وقبابلة ، هبابلة أمثال هابيل ، وقبابلة أمثال قابيل ، الهبابلة مؤمنون والحمد لله ، إن شاء الله مصيرهم إلى الجنة ، لكن مذبوحون ، أما القبابلة فكفار ، وقتلة ، ومجرمون ، لكنهم أقوياء ، فليت الهبابلة يأخذون من خصائص القبابلة ، وليت القبابلة يأخذون من خصائص الهبابلة .
من أين نبدأ
على كلٍ ، أيها الإخوة ، انطلق من الحب ، أتحب أخاك ؟ كان أصحاب رسول الله يصلون العشاء في المسجد النبوي ، فإذا انطلقوا إلى البيت عانق الأخ أخاه وودعه ، العشاء بالشتاء الساعة العاشرة ، الفجر الساعة الرابعة ، أو الثالثة ، لما يلتقي الصحابي مع أخيه الذي ودعه قبل خمس ساعات يعانقه ويقول : وا شوقاه ، غاب عنه خمس ساعات ، هناك حب بينهم ، وكان الصحابة الكرام إذا مشى الأول مع الآخر ، وافترقا لشجرة بينهما ، فإذا التقيا بعد الشجرة يقول الأول للثاني : السلام عليكم ، نريد حباً كهذا الحب ، نريد أن يكون المؤمنون أخوة .
قال الله تعالى في الحديث القدسي : ((وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتجالسين فيّ ، والمتباذلين فيّ ، والمتزاورين فيّ ، والمتحابون فيّ ، على منابر من نور يغبطهم عليها النبيون والصديقون والشهداء يوم القيامة )) .
إذا استقام الواحد منكم ، وانضبط ، واصطلح مع الله فهو معزز ، مكرم ، فالإسلام حملك ، ورفع ذكرك ، وأكرمك ، وإذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك .