بحث

حق الزوجة على الزوج

حق الزوجة على الزوج

بسم الله الرحمن الرحيم

أساس العلاقة الزوجية المودة والرحمة   

      والإنسان قد ينزعج من بيته، بإمكانه أن يغيره، وقد ينزعج من عمله، وفي إمكانه أن يبدله، وقد ينزعج من مركبته، وفي إمكانه أن يبدلها ولكن الحياة الزوجية حياة مصيرية، بمعنى ؛ أنك إذا رزقت من هذه الزوجة بأولاد فإن الفراق يعني تشرد الأولاد، فلهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام حريصاً حرصاً لا حدود له على أن يكون الوفاق بين الزوجين تنفيذاً للمخطط الإلهي الذي يبدو  من قوله تعالى : ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾  

      إن الأصل في العلاقات الزوجية المودة والرحمة، هذا هو التخطيط الإلهي هذا هو الوضع الطبيعي، هذه هي الصحة النفسية بين الزوجين، فلو أن بين الزوجين مشاحنة أو بغضاء، أو جفاء، إن هذا حالة مرضية تقتضي المعالجة .  

 حرص النبي عليه الصلاة والسلام على سلامة الحياة الزوجية  

      إن النبي عليه الصلاة والسلام حرصاً منه، وقد أنبأنا الله عز وجل بأنه حريص علينا .   

      قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ 

      من حرصه صلى الله عليه وسلم على أن يكون في كل بيت مسلم، أن يكون في كل بيت من بيوت المسلمين سعادة مظللة، من حرصه هذا عليه الصلاة والسلام وجهنا توجيهات كثيرة فيما يتعلق من حقوق الزوج على زوجته، وحقوق الزوجة على زوجها .  

عليك أن تعرف أيها الزوج كما أنه لك حق عليك واجب  

      الحقيقة أن الأزواج دائماً يتحدثون عن حقوق الزوج على زوجاتهم، هذا من قبيل أن الأحاديث في مصلحتهم، ولكن لكل حق واجب، فإذا كنت تعتز بما قاله النبي عليه الصلاة والسلام من حق على امرأتك، فيجب أيضاً أن تلقي أذناً صاغية، أن تصيغ السمع إلى الأحاديث الأخرى التي تتحدث عن حق الزوجة على زوجها، كما أنك تبدي اهتماماً بالغاً بالأحاديث التي تتعلق بحق الزوج على زوجته يجب أن تلقي بالاً، وأن تصيغ السمع، وأن تلقي أذناً مصغية لحقوق الزوجة على زوجها .  

حقوق الزوجه على زوجها  

الحق الأول: حق النفقة   

      النبي عليه الصلاة والسلام بيّن في بعض الأحاديث الشريفة أن أول حقٍّ للزوجة على زوجها أن يحسن إليها في كسوتها، وطعامها.  

عليك إطعامها مما تأكل  

      عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَأَلَهُ رَجُلٌ : مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ ؟   

      قَالَ :  تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ  

      لكن العلماء قنّنوا أن هذا الإحسان في الكسوة وفي الطعام يجب أن يكون في الحدود المعتدلة، تطبيقاً  لقوله تعالى : ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ﴾  

      الإنفاق له حد معتدل، إذا زاد عن هذا الحد انقلب إلى الضد، وكان الفساد في الأرض .  

      في الحديث إشارة خطيرة جداً، هؤلاء الذين يتحملون معصية ربهم من أجل إرضاء زوجاتهم ما قرؤوا هذا الحديث، ما كلفك الشرع أن تطعمها طعاماً لا تستطيعه، أن تطعمها إذا طعمت، إذا طعمت فأطعمها،،  لذلك كانت الصحابيات الجليلات يخاطبن أزواجهن قبل أن يغادر أزواجهن البيت، تقول له : يا فلان، نصبر على الجوع، ولا نصب على الحرام .  

      إنّ أيّ إنسان يأخذ ما ليس له مثلاً ويبررذلك بأنه يفعل ذلك من أجل زوجته من أجل أن يرضيها، لا،  

      النبي عليه الصلاة والسلام يقول :  أن تطعمها إذا طعمت ، يعني لا ينبغي للزوج أن يأكل ما لذا وطاب، وأن يجعل طعام زوجته في مستوى أدنى، أن يطعمها إذا طعم، أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت .  

      وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ :  لأن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان في وجهه، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ضرب الوجه،   

      وَلَا تُقَبِّحْ :  ولا تقبح بالكلام، هذا من حقها عليك  

      وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ :  في حال الخلاف يجب أن تبقى في البيت، لأنها إذا بقيت في البيت فالقضية سهلة الحل، أما إذا انطلقت إلى بيت أهلها، طردتها من البيت فالأمر يتفاقم، وقد ينتهي إلى الطلاق .  

الإنفاق بحسب الإمكانية  

      والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم :﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراًلِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾  

      إذاً : الله عز وجل أمر الزوج أن ينفق على زوجته بقدر ما أعطاه الله، إذا وسع الله عليه ينبغي أن يوسع على عياله،   

      لهذا قال عليه الصلاة والسلام : (( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله )) .  

الإثم العظيم أن تُضيع من تُقيت  

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ  

      يعني يكفيه هذا الإثم العظيم أن يضيع من يقوت، هؤلاء عيالهم مَن لهم ؟ ليس لهم إلا الزوج، فإذا ضيع هذا الزوج من يقوت فقد ضيع أهله، وقد ألجأهم إلى التطلع إلى غيره، وقد حملهم على بغضائه، وقد حملهم على كراهيته، لذلك العاقل إذا آتاه الله مالاً.  

      من غير إسراف، ولا تبذير، ولا مخيلة . 

أفضل الإنفاق هو الإنفاق على الأهل  

      قَالَ رَسُولُ  اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ ...   

      و قَالَ : دينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، دِينَارٌ فِي الْمَسَاكِينِ، وَدِينَارٌ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ فِي أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الدِّينَارُ الَّذِي تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِكَ   

      أي في عتق عبد اشتريته ثم قلت له أنه حر لمحه الله، ودينار تصدقت به على مسكين، باب ثالث ودينار أنفقته على أهلك، من منكم يظن أو يتوقع أي هذه الدنانير الأربعة هي أفضل عند الله ؟   

      قال عليه الصلاة والسلام :  أَعْظَمُهَا أَجْرًا الدِّينَارُ الَّذِي تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِكَ   

      الدينار الذي أنفقته على أهلك، لماذا ؟ لأنك إذا أنفقت دينارا في سبيل الله، ربما أنفق غيرك هذا الدينار، إن لم تنفق أنت أنفق غيرك، وإذا أنفقت دينار في عتق رقبة ربما أعتقها غيرك، وإذا أنفقت دينار على مسكين ربما أنفقه عليه غيرك، ولكنك إذا امتنعت على إنفاق المال على أهلك فمن ينفق عليهم ؟ من لهم غيرك ؟   

      فهنيئًا للذي يسعى، ويجد، ويكد، وينفق على أهله، هذا نفقة هي عند الله أفضل من الأنواع الأربعة التي وصفها النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث .  

      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله  

كسب المال باب للعمل الصالح  

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بات كالاً في طلب الحلال بات مغفور له  

      من أجل أن تنفق على زوجتك وعلى أولادك، من أجل أن تجعلهم يطمئنون، هذا كله من العمل الصالح. الزوج الصالح الذي يكسب مالاً حلالاً ينفق على أهله، يلبي لهم حاجاتهم، التدفئة، الأثاث المعقول، اللباس المعقول، الطعام المعقول، أنا أقول : المعقول من دون إسراف، ولا تبذير، ولا مخيلة، الشيء المعقول .  

لك أجر حتى في شربة الماء و اللقمه تضعها في فم زوجتك  

      سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنْ الْمَاءِ أُجِرَ  

      هذا تشجيع للزوج أن يقيم مودة بينه وبين زوجته، من خلال أن يرعاها، وأن يحفظها، وما إلى ذلك .  

      وفي حديث آخر قال :وأن يضع الرجل اللقمة في فم زوجته هي له صدقة   

الإنفاق على الزوجه واجب حتى ولو كانت موسِرة  

      يجب على الزوج أن ينفق على زوجته الموسرة، هذا حق، وإنْ كانت موسرة غنية هذا ليس من شأنك، وإذا طابت لك عن شيء فكُلْهُ هنيئاً مريئاً .  

      و يُسمح للزوجة أن تدفع زكاة مالها لزوجها الفقير، لكنَّ الزوج لا يحِقُّ له أن يدفع زكاة ماله لزوجته، لكنَّ الزوجة الموسِرة يُمكِن أن تدفع زكاة مالها لزوجها .  

الإنفاق على الزوجه أفضل الصدقات  

      قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ  

      صدقة بكلِّ ما في هذه الكلمة من معنى .  

      مثلاً : زوجته بحاجةٍ إلى معطفٍ في الشتاء، معطفها السابق لا يليق، يجعلها تشعر بأنها وضيعة، فاشتريت لها معطفاً يتناسب مع دخلك، ومع مستواها، إن هذا الذي تفعله يُعدُّ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نصِّ هذا الحديث صدقةً.  

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  

      إذا كان أخوك المؤمن بحاجة إلى شيء، هذا عمل طيِّب جدّاً، لأنَّ المؤمن له مكانته، له كرامته، له مروءته، له حياؤه، له خجله، فإذا لبَّيت له حاجته، وحفِظت له ماء وجهه، وكففته عن السؤال، هذا عمل عظيم، فأفضل دينارٍ يُنفقه الرجل دينارٌ ينفقه على عياله، ودينارٌ يُنفقه على دابَّته في سبيل الله، ودينارٌ يُنفقه على أصحابه في سبيل الله .   

 الحق الثاني: حق حُسن المعاملة والعشرة   

      لكنَّ الحقَّ الثاني والذي يبدو لي أخطر من الأوَّل، لأنَّه ما من بيتٍ إلا والطعام والشراب متوافرٌ فيه - في الأعمِّ الأغلب - ولكن المشكلة الآن في إساءة المعاملة،   

      الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يقول في آيةٍ محكمةٍ واضحةٍ صريحةٍ:  

       ﴿  وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾  

      قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  :... أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ...  

      العوان : جمع عانية أي ضعيفة، المرأة في الأصل ضعيفة   

المعنى الأول: و عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ : العفو والمسامحة  

      العفو والمُسامحة، هناك زوجٌ لا يعفو، استُرضيَ ولم يرضَ، اعتذَرَتْ له، توسَّلتْ إليه، رَجَتْهُ، هو حقود، إن كنتَ حقوداً، إن لم تُسامح، إن لم تعف، فأنت عاصٍ لله عزَّ و جلّ في نصِّ هذه الآية .   

المعنى الثاني: و عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ : نسيان الهفوات  

      نسيان الهفوات، وترك تتبّع العثرات   

المعنى الثالث: و عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ : العقوبة على قدر الذنب  

      العقوبة على قدرِ الذنب تماماً، تأديباً لا انتقاماً، أحياناً أزواج يستخدمون سلطتهم استخداماً تعسُّفيّاً لسببٍ تافه، لذنبٍ صغير، يطردها من البيت في منتصف الليل، لا، لا يجوز هذا، أساساً الحمقى لهم ردود فعلٍ عنيفة جدّاً، ردّ الفعل عنيف لا يتناسب مع الفعل، أمّا الموفَّقون في حياتهم الموصولون بالله، يُلقي الله في قلبهم الحكمة، فلا يُعاقب إلا بقدر الذنب،   

      فإذا كنت زوجاً ناجحاً جداً يجب أن يكون إعراضك عن زوجتك أكبر عقابٍ تعاقبها به، الإعراض فقط، أمّا السُباب والشتائم فإنك ستتلقَّى المثيل، ليس هذا من الحكمة، وليس من المعروف والإحسان، ولا من هذه الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة التي توصي الرجال بالنساء.  

المعنى الرابع: و عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ : احتمال الأذى منها  

      ليست المُعاشرة بالمعروف كفُّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، فصبرُ الزوج على زوجته بابٌ من أبواب الجنّة، هذه الدُّنيا دار ابتلاء لا دار استواء، منزِلُ تَرَحٍ لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عُقبى، فجعل بلاء الدُّنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدُّنيا عِوَضاً، فيأخُذُ ليُعطي، ويبتلي ليجزي.  

      إذاً : ليست المعاشرة بالمعروف كفَّ الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحِلم عند طيشها وغضبها، في بعض الأيام يختلُّ توازن الزوجة، فتتكلَّم بكلامٍ منه ما يُسمَع، ومنه ما لا يُسمَع .  

      النبي عليه الصلاة والسلام هو المثل الأعلى، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ :   

      (( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ : غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ )) .  

      هو قدوتُنا، لا تصدِّق أن إنساناً لا يوجد بينه وبين زوجته بعض المشكلات، هذه سُنَّة الله في الخلق، ليمتحِن عفوك وحِلمك، وحكمتك وصبرك، واتّزانك وضبط نفسك، النبي عليه الصلاة والسلام كان قدوةً لنا، فكان يقف موقِف الحليم الرحيم من زوجاته، لا تُصدِّق أن النبي الكريم عنده زوجات لم يسمع منهن كلمة، بل كانت زوجاته يُراجِعنه الكلام، ويهجُرنَهُ إلى الليل أحياناً، وكان يحلُم عليهم، هكذا ورد في السيرة .  

      وكان النبي عليه الصلاة والسلام ينزل إلى مستوى زوجاته، إلى مستوى عقولهنَّ، و قد ذكرت لكم من قبل كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام تسابق مع زوجته عائشة فسبقته لأنها شابّة، بعد سنوات تسابق معها فسبقها فقال : هذه بتلك، تعادُل، هذه بتلك .  

النبي عليه الصلاة و السلام إذا دخل بيته بسَّاماً ضحّاكاً، فإذا كنت مرحاً، وكنت لطيفاً، وكنت ليّن العريكة مبتسماً، والله هذا شيء جميل، هذه أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام .  

المعنى الخامس: و عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ : تنظر إلى مزاياها إذا نظرت إلى مساوئها  

      من حُسن المُعاشرة التي أمر الله بها أن تنظر إلى مزاياها إذا نظرت إلى مساوئها، لا يوجد إنسان كامل، وهناك أزواج يركِّزون على المساوئ فقط، بعض العيوب في شكلها، بعض العيوب في أخلاقها، في طباعها، لكنها حَصَان، عفيفة، شريفة، نظيفة، مِطواعة، يتجاهل ميِّزاتها، ويُبرز أخطاءها، ليس هذا من حُسن المُعاشرة .  

      من حُسن المُعاشرة إذا نظرتَ إلى عيوبها، أو إلى بعض عيوبها، انظر إلى مزاياها أيضاً، هذا هو العدل والإنصاف،   

      لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:  لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ   

      قال الله تعالى في القرآن الكريم:﴿ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً   

      قد لا يُعجبك شكلها، لكن قد تُنجب لك أولاد أذكياء، موفَّقين، قد تكون الزوجة طيِّعة، قد تكون صبورة، قد تكون متواضعة، طلباتها معقولة .  

المعنى السادس: و عَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ : أن لا تُسيء الظنَّ بها  

      من حُسن مُعاشرة الزوجة  أن لا تُسيء الظنَّ بها، هناك أزواج عندهم سوء ظنّ بالزوجة، لأنّ إساءة الظنِّ بالزوجة يُحطِّمها، يُفقدها معنويَّاتها، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن سوء الظنِّ بها، وأن يتَّبَّع زوجها عوراتها .  

      مثلاً : دخل إلى البيت فجأةً من دون أن يطرق الباب، جاء من سفر فداهم البيت مُداهمةً فجأةً، هذا يعني أنه يشُكُّ بها ؟     

      هذا يفعله من يُسيء الظنَّ بزوجته، فالنبي كان إذا قَدِمَ من سفر أعلم أهله قبل أن يدخُل البيت، هكذا علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام، الآن هناك هاتف، أخبرهم من المطار أنك وصلت، أمّا المُداهمة، والمُفاجأة فتعني أنَّك تشُكُّ بها،   

      لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ :  (( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلًا )) .  

      أن يطرُق أهله ليلاً يتخوَّنهم - كأنّه يتخوَّنهم - أو يطلب عثراتهم، لأن هذا يوَفِّر الأمن للزوجة والسلام، ويوَفِّر لها كرامتها ومودَّتها معك .  

      ربَّما كان هذا الحقّ أبلغ من حقِّ الطعام والشراب، لا يوجد بيت ليس فيه طعام وشراب، والزوجة تأكل طعاماً خشناً، ولا تحتمل أن تُسيء الظنَّ بها، تأكل طعاماً خشناً، ولا تحتمل أن تكون قاسياً معها، تأكل أخشن الطعام، ولا تحتمل أن تهجرها، لذلك حُسنُ العُشرة مع الزوجة ربّما كان مُقدَّماً على واجب الطعام و الشراب .  

نماذج نبوية عن حسن معاملة الزوجة  

      النموذج1     عَن عَائِشَةَ قَالَتْ :  لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحِرَابِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ  

      تطييباً لخاطرها .  

      النموذج2     عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   

إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قَالَتْ : فَقُلْتُ : مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ : لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ : لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَتْ: قُلْتُ : أَجَلْ ـ أي هذا الأمر صحيحٌ ـ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ.  

      النموذج3     عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى النِّسَاءِ، تَعْنِي فِي مَرَضِهِ فَاجْتَمَعْنَ فَقَالَ : إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدُورَ بَيْنَكُنَّ، فَإِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ تَأْذَنَّ لِي فَأَكُونَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَعَلْتُنَّ، فَأَذِنَّ لَهُ  

      انظر إلى الأدب، ما رضي أن يبقى عند عائشة إلا بعد أن جمع نساءه كُلَّهُنّ، واستأذنهُنَّ في ذلك، لأنها لها حقّ .  

      النموذج4     عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ  

      كان إذا فَرَغَ كان في خِدمة أهله - أي يُساعدهم في أعمال البيت - من دون أن يشعُر أنه مُهان، كان في مَهنة أهله، فكان يحلِبُ شاته، ويكنُسُ أرضه، ويخصِف نعله، وكان في مَهنة أهله .  

      النموذج5     فعَنْ أَنَسٍ قَالَ :   

      (( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ ـ أي انكسرت ـ  فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ : غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ )) .  

      كان عادلاً، تلك أرسلت صحناً جديداً فكُسر، فأرسل لها صحناً بدلاً عنه .  

      النموذج6     عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ :   

(( مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ : لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ )) .  

       كان عليه الصلاة والسلام لا يسمح لزوجةٍ من أمّهات المؤمنين بأن تقول عن الأخرى من زوجاته كلمة نقص في مجلسه، لا يسمح أبداً، هناك شخص يسمح لزوجته الأولى أن تتكلّم عن الثانية، يقول لها : والله معك حقّ، ثُمَّ يذهب مساءً إلى البيت الثاني فتتكلم زوجته الثانية عن الأولى، فيُصغي لها، النبي عليه الصلاة والسلام لا يسمح لزوجةٍ من أمّهات المؤمنين بأن تقول عن الأخرى من زوجاته كلمة نقص في مجلسه  

      النموذج7     عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  خِيارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ  

نماذج عن صحابة النبي و حسن معاملة الزوجة  

      كان أعرابيٌّ يُعاتِبُ زوجته، فعلا صوتُها صوتَه، فساءه ذلك منها، وأنكره عليها،   

      ثُمَّ قال : و الله لأشكوَنَّكِ إلى أمير المؤمنين عُمَر،   

      وما أن كان بباب أمير المؤمنين ينتظر خروجه حتى سمِع امرأة أمير المؤمنين تستطيل عليه،  

      وتقول له: اتَّقِ الله يا عُمَر فيما ولاّك، و هو ساكتٌ لا يتكلَّم،  

      فقال الرجل في نفسه و هو يهُمُّ بالانصراف : إذا كان هذا هو حال أمير المؤمنين، فكيف حالي أنا ؟   

      و فيما هو كذلك خرج عمر، ولمّا رآه   

      قال :  ما حاجتك يا أخَا العرب ؟   

      فقال الأعرابي : يا أمير المؤمنين، جئتُ إليك أشكو خُلُق زوجتي، واستطالتها عليّ، فرأيت عندك ما زهّدني إذ كان ما عندك أكثر مما عندي، فهممتُ بالرجوع، وأنا أقول : إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته، فكيف حالي ؟ فتبسَّم عمر رضي الله عنه   

وقال :  يا أخَا الإسلام، إنّي احتملتها لحقوقٍ لها عليّ ـ إنّي احتملتها، أنا قادر أن أكون لئيماً، وأن أحطِّمها، ما أكرمهُنَّ إلا كريم، ولا أهانهُنَّ إلا لئيم، يغلِبنَ كلَّ كريم ويغلبهُنَّ لئيم، وأنا أحبُّ أن أكون كريماً مغلوباً لا أن أكون لئيماً غالباً ـ  قال له : يا أخا العرب، إنّني احتملتها لحقوقٍ لها عليّ، إنّها طبّاخةُ لطعامي، خبّازةٌ لخُبزي، مُرضعةُ لأولادي، غاسلةٌ لثيابي، وبقدر صبري عليها يكون ثوابي.  

  الحق الثالث: حفظ الدين والسلوك وحسن التوجيه  

      أن تحافظ على دينها، وأن ترعى سلوكها، وأن تحسن توجيهها، لأن الأزواج في هذه الأيام ما دامت الزوجة تروق له، وتقدم له خدمات جيدة , نظيفة , مرتبة  , تعرف ما ينبغي أن تفعله الزوجة , فهذا في المرتبة الأولى، أما أمر دينها ففي المحل الثاني، إذا خرجت بطريقة لا ترضي الله يتساهل , لكنه قد لا يتساهل في أمر يمسّ علاقته بها، أو نصيبه منها، هذه المرأة إذا تركتها مع رقة في دينها، و تقصير في معرفة ربها، هذه لها حق عليك كبير يوم القيامة، وربما صدق على هذا الزوج أن هذه المرآة تقول : يا رب، لا أدخل النار حتى أُدخل زوجي قبلي، لأنه لم يوجهني، ولم يبصرني، ولم يعرفني، ولم يأخذ بيدي إليك .  

      يجب أن تكون حريصاً على سلامة دين زوجتك، وعلى حسن معرفتها بالله، وعلى حسن علاقتها بالله ... وإلا فأنت تخونها، هي شريكة حياتك، لماذا هي شريكتك في الطعام، في المسكن ؟ وفي نصيبك منها ؟ وليست شريكتك في معرفة الله ؟   

      لذلك فهذا الذي يهمل دين زوجته، ويهمل معرفتها بالله، هذا مقصر أشد التقصير في حقها.  

الأدلة القرآنية على وجوب حفظ الزوج دين الزوجة  

      ولكن أين الدليل ؟ وكما عودتكم ما من إنسان بعد النبي عليه الصلاة والسلام يقبل منه أن يقول كلاماً بلا دليل، كلام طيب، ولكن هل له دليل ؟ نعم :  

      يقول الله تعالى :   ﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ   

      أي أنت مأمور أن تقي نفسك نار جهنم، ومأمور أيضا وفي الدرجة نفسها، وبالمستوى نفسه أن تقي أهلك نار جهنم، وكيف تقي أهلك، والأهل هم الزوجة والأولاد ؟ تقيهم بتوجيههم، بتعريفهم، بإرشادهم.  

الأدلة النبوية على وجوب حفظ الزوج دين الزوجة  

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ  

      شيء رائع جداً فوق مستوى الروعة أن ينهض الرجل ليصلي قيام الليل، وأن يقيم زوجته معه .  

      هذه المشاركة .... فقد تكون الزوجة أكثر نشاطا من زوجها، وقد يكون الزوج أكثر نشاطا من زوجته، فلا بد من التعاون، لا يقلّ قدرك، ولا يقلل من شأنك أن توقظك زوجتك  على الصلاة ، فهذا شيء لطيف .. فإما أنت وإما هي، فأنت تشتهي زوجتك بالطعام، فالذي ذاق حلاوة الطاعة، وحلاوة القرب ألا يشتهي زوجته بهذا القرب ؟  

  الحق الرابع: التزين لها  

      حق الزوجة على زوجها أن يتزين لها كما تتزين له، فهذا أمر الشرع، فكما أنك تريد أن تظهر لك بمظهر حسن فهي إنسان أيضا تتمنى أن تكون أنت في مظهر مقبول، ومظهر حسن، والدليل:  

      قوله تعالى :﴿  وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ   

      أتت امرأة إلى سيدنا عمر بن الخطاب، وزوجها أشعث أغبر،   

      فقالت : يا أمير المؤمنين، خلصني منه، فنظر إليه عمر، وكان لماحا فطنا، فعرف ما كرهت منه، فأشار إلى رجل،  

      وقال له :  اذهب بهذا، وحممه، وقلم أظافره، وخذ من شعره، وائتني به ، فذهب، و فعل ذلك، ثم أتاه به، فأومأ عمر إليه، أن يأخذ بيدها    

      فقالت : يا عبد الله، سبحان الله ! أبين يد أمير المؤمنين تفعل هذا ؟ فلما عرفته أنه زوجها ذهبت معه  

      فقال عمر رضي الله عنه :  هكذا فاصنعوا لهن، فإنهن يحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزين لكم .      

      فهذه القصة تبين أن للزوجة حقا في أن يتزين لها زوجها،   

      والنبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلا أشعث الشعر، فقال : احلق، فإنه يزيد في جمالك   

      قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ  

      والنظافة من الإيمان، فالمؤمن نظيف ؛ نظيف في أخلاقه، نظيف في البدن، نظيف في الملبس،  

      وسيدنا على كرم الله وجه يقول :إن الله يكره من عباده القاذورة  

      و يقول ابن عباس : إنني ألبس، وأتجمل، فان الله جميل يحب الجمال  

      والنبي صلى الله عليه و سلام كان يعرف بريح المسك إذا مر .  

      وكان يقول صلى الله عليه وسلم :  إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ  

      يقول أبو الحسن : " هيئة الرجل لامرأته مما يزيد في عفتها "  

      فتراك في مظهر حسن , نظيف , شعرك مرجّل، فهذا مما يصونها، ويجعلها تعتز بك، و تعف عن الآخرين .   

  الحق الخامس: عدم الزهد فيها وهجر مضجعها  

      فهذا الذي قال لزوجته : أنت علي كظهر أمي، هذا عاقبه الله عز وجل بأنه حرَّمها عليه ما لم يصم ستين يوما، أو يطعم ستين مسكينا، فكما أن له عندها حاجة فلها عنده حاجة، ومن الظلم أن تتجاهل حاجتها  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ :   

      (( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ، فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )) .  

  الحق السادس: إرشادها إلى الخير وإبعاده عن الشر وصيانة نفسها  

       ومن حق الزوجة على زوجها أن يرشدها إلى طريق الحق، وأن يبعدها عن مواطن الشر .   

      ومن حقها عليه أن يأمرها بأن تصون نفسها، فمثلا : هناك شرفة في المنزل، خرجت الزوجة إليها بملابس البيت، والمارة ينظرون، فلم يتأثر الزوج، فرأته ساكتا، فاستمرت، و إذا رأته تساهل استمرأته، فمن حقها عليك أن تأمرها أن تستر نفسها، فلو لم تفعل لحوسبت حسابا شديدا،   

      والدليل قوله تعالى :﴿  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ   

      و قوله تعالى :﴿  وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ   

      يعني هذا أن المركز الأساسي أن تبقى في البيت لتقدم للمجتمع أكبر خدمة، فما من وظيفة أخطر من أن تربي أولادها، تماما كالطيار الذي لا بد من التزامه بغرفة القيادة للحفاظ على أرواح الركاب، فالبيت مركز قيادة المرآة،   

      ويقول النبي عليه الصلاة و السلام : أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة  

      و قوله تعالى :﴿  لَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ   

  الحق السابع: إعانتها على صيانة نفسها  

      عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :   

      كَانَتْ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ تَخْتَضِبُ، وَتَتَطَيَّبُ، فَتَرَكَتْهُ، فَدَخَلَتْ عَلَيَّ فَقُلْتُ لَهَا : أَمُشْهِدٌ أَمْ مُغِيبٌ ؟ فَقَالَتْ : مُشْهِدٌ كَمُغِيبٍ، قُلْتُ لَهَا : مَا لَكِ ؟ قَالَتْ : عُثْمَانُ لَا يُرِيدُ الدُّنْيَا، وَلَا يُرِيدُ النِّسَاءَ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ، فَقَالَ : يَا عُثْمَانُ، أَتُؤْمِنُ بِمَا نُؤْمِنُ بِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ : فَأُسْوَةٌ مَا لَكَ بِنَا ... فَاصْنَعْ كَمَا نَصْنَعُ   

      فاعتنى بزوجته، وأعطاها حقها ، فجاءت الزوجة في اليوم الثاني إلي السيدة عائشة، وقالت : لقد أصابنا ما أصاب النساء، فإهمال الزوجة مسؤولية  .   

  الحق الثامن: الغيرة على الزوجة  

      ومن حق الزوجة على زوجها أن يكون غيوراً عليها، إذ إن هناك بعض الأزواج ليس لديهم الغيرة على زوجاتهم، اذهبي وحدك، تعالي وحدك، عند الطبيب وحدها، عند البائع وحدها، ومن حق الزوجة أن يغار عليها، وأن يوجهها إلى ما يحفظ عليها شرفها وشرفه، ولكن ليس معنى هذا أن يشتطّ الزوج في الغيرة عليها، فالشطط في الغيرة مرض فلا بد من غيرة سوية،   

      والنبي عليه الصلاة والسلام قال : أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ  

      فالغيرة مطلوبة، ولكن هناك غيرة سوية، وغيرة مَرَضية، والنبي عليه الصلاة والسلام فصل،   

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يَكْرَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا مَا يُحِبُّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا مَا يَكْرَهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ  

      فهناك غيرة يحبها الله ورسوله، وهناك غيرة يكرهها الله ورسوله .  

      فأما ما يحب الله فالغيرة في الريبة، مثلا : أنت ارتبت، جاءتك معلومات مقلقة ، شعرت أن هناك تصرفات عير صحيحة، تدعو للشك، فما دام دخل الريب إلى قلبك فالغيرة الآن يحبها الله ورسوله، وأما الغيرة التي يكرهها الله ورسوله فالغيرة من غير ريبة، فليس هناك دليل، ولا داع، ولا عبارة، ولا أي  شارة، ولا تصرف مقلق، والأمور كلها طبيعية، فالآن إذا غرت فهذه الغيرة يكرهها الله ورسوله .  

      هناك حالات كثيرة اطلعت عليها لغيرة في غير موضعها تسبب نفور الزوجة ومنها أن تسألها : هل دخل أحد في غيابي ؟ ما هذا الكلام ؟ فغيرة من دون ريب، من دون سبب، من دون دليل، من دون إشارة، من دون تنبيه، من دون لفت نظر، هذه غيرة يكرهها الله ورسوله، أما الغيرة مع الريب، مع تصرف مشبوه فمطلوبة .  

      وهناك شيء آخر، إذا كنت ماشيا مع زوجتك، وكنت تنظر إلى النساء من حولك، أو أن امرأة زارت زوجتك، فاستقبلت ورحبت، ونظرت، فأنت قمت بعمل خطير، فزوجتك رأتك، وأنت تخالف الشرع، فأنت الآن تعطيها مبررا لتعاملك بالمثل، فإذا رأتك في عفة وفي حشمة، وفي ورع وفي غض بصر اقتدت بك   

  الحق التاسع: عدم التحدث عن الأسرار الزوجية   

      شيء آخر، لا يجوز، ولا بأي شكل من الأشكال، ولا بأي تلميح أو تصريح، لا يجوز تحت طائلة أشد العقوبات أن يتحدث الزوج عن أسرار الحياة الزوجية للناس، فهذا الذي يفعل ذلك لا يغار على عرضه، ما كان بين الزوج والزوجة يجب ألا يعلمه إلا الله ، فالنساء في بعض المجالس يتحدثن عن أزواجهن، وعن أسرار الحياة الزوجية، والزوج أحيانا يتحدث عن زوجته، وأسرار العلاقة الزوجية، هذا الذي يفعل هذا فاقد للمروءة،   

      قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ  

      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا.  

      أيها الإخوة المؤمنون، ويبدو أن الإنسان إذا أدى ما عليه من حقوق وجد الطريق إلى الله سالكا، فأيّ تقصير أو أيّ مخالفة إنما هي عقبة في الطريق إلى الله، فإذا أديت ما عليك من حقوق لزوجتك أو لأولادك أو لجيرانك، أو لمن حولك، لعل الله سبحانه وتعالى بتأدية الحقوق يزيل كل العقبات التي في طريق الإنسان إلى الله عز و جل .  



المصدر: التربية الإسلامية : الحقوق - حق الزوجة على الزوج - الدرس ( 1 - 2 ) : حق الإنفاق عليها وحقها بعدم الإساءة لها وحسن المعاشرة.