في بحوث علم العقيدة على الذات الإلهية, لا بد من مراعاة حقيقة دقيقة: أن الله جل جلاله حينما صنف المعاصي في القرآن تصنيفاً تصاعدياً, ذكر الفحشاء والمنكر, والإثم والعدوان, والشرك والكفر, وجعل على رأس هذه المعاصي: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. فهناك مجموعة حقائق أضعها بين أيديكم في موضوع البحث عن الذات الإلهية، الحديث عن الذات الإلهية له خصوصية دقيقة جداً، وليس الخطأ فيه كالخطأ في أي موضوع آخر:
الحقيقة الأولى: ينبغي أن نثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه في كتابه: ينبغي أن نثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه في كتابه، أن نثبت له أسماء وصفات, لم ترد في كتاب الله, ولا في سنة رسوله, هذا انحراف خطير في العقيدة، أن نثبت لله ما أثبته الله تعالى لنفسه، وما أثبته له رسوله المعصوم، ففيما يتعلق بالذات الإلهية الأمر دقيق جداً، محاسبون على الحرف والكلمة والفكرة, من غير تحريف ولا تعطيل, ومن غير تكييف ولا تمثيل. إذا قال الله عز وجل: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ الاستواء معلوم والكيف مجهول، ولا تعطيل, أثبت الله لذاته السمع، أنا أقول: السمع ليس جزءاً مضافاً لذاته، العقل هنا لا يستطيع أن يقول كلمة واحدة. العقل متعلق بالمحسوسات، فالشيء إذا ظهرت آثاره وغابت ذاته, للعقل مجال كبير يصول ويجول. يقول الصديق رضي الله عنه: العجز عن إدراك الإدراك إدراك, أنت أمام البحر المتوسط، لو سألك إنسان كم لتر هذا البحر؟ أي رقم تقوله: معنى ذلك أنك جاهل، إذا قلت: لا أدري، فلا أدري هي العلم، فالله عز وجل أثبت لذاته في كتابه أسماء وصفات، وأثبت له النبي في سنته الصحيحة أسماء وصفات، وهذه أمور توقيفية, لا يجوز أن نثبت صفة لم ترد في الكتاب ولا في السنة, والحقيقة المطلقة: أنه لا يعرف الله إلا الله، بل إن أعرف الخلق بالله هو رسول الله, وهو معصوم، في موضوع الذات الإلهية لا يوجد ولا كلمة زائدة، نثبت ما أثبت الله لذاته في كتابه.
الحقيقة الثانية: نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو ما نفاه عنه نبيه في كتابه مع اعتقاد كمال ضده: نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو ما نفاه عنه نبيه في كتابه, مع اعتقاد كمال ضده لله تعالى. كيف؟ الله عز وجل نفى عن ذاته الموت, هو الحي الباقي، إذاً: يتضمّن كمال حياته، نفى عن نفسه الظلم، إذاً: يتضمّن كمال عدله، نفى عن نفسه التعب: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ هذا النفي يتضمن كمال قدرته، نفى عن نفسه, أنه لا يعذب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض لكمال علمه، ولا يظلم ربك أحداً، نفى عن نفسه الظلم لكمال عدله: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ لكمال حياته وقيّومته، لا تدركه الأبصار لكرامة جلاله وعظمة كبريائه، ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ إذا نفى عن نفسه شيء, يجب أن تعتقد كمال الضد، ليس الضد فقط، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾.
الحقيقة الثالثة: صفات الله عز وجل توقيفية، لا مجال للاجتهاد فيها: أكبر عبقري ومجتهد وعالم لا يستطيع أن يضيف ولا يحذف، معنى توقيفي؛ أي محدد تحديد كامل، فلا يثبت منها إلا ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله, ولا ينفى عن الله عز وجل إلا ما نفاه عن نفسه, ونفاه عنه رسوله، الموضوع ليس اجتهادياً، يقابل الاجتهادي التوقيفي، موضوع منته محدد محصور, ما أثبته الله لنفسه, وما نفاه عن ذاته العلية؛ إضافات, واستدراكات, وحذف, وتعديل, ومداخلة, هذا كله ممنوع، هذه الحقيقة الثالثة.
الحقيقة الرابعة: في كلمات تتعلق بالذات الإلهية لكنها مجملة، لم يرد شيء في إثباتها أو نفيها، أما معناها: فإذا كان يقصد بها باطل, تنفى أشد النفي عن ذات الله عز وجل، أما إذا كان المعنى الذي أريد من هذه الصفة المجملة كمال الله عز وجل, نقبلها قبولاً من دون تردد: فمثلاً: كلمة الجهة, الله عز وجل في أي جهة؟ إن أردنا بالجهة المكان, أعوذ بالله هو خالق المكان, لا يحويه مكان، المكان من خلقه، إن أردنا بالجهة مكان يحويه, هذا كفر، أما إن أردنا بالجهة العلو: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ﴾ إن أردنا بالجهة التعظيم والتقديس والعلو لا مانع، فالكلمات العامة بحسب الثوب الذي نلبسه إياها، فإن ألبست ثوباً لا يليق بكمال الله نرفضها أشد الرفض، أما إذا ألبست ثوباً يليق بكمال الله نقبلها من دون تردد.
الحقيقة الخامسة: هذه الصفات التي ثبتت بالنقل الصريح, العقل الصحيح يقبلها، لأن العقل مقياس أودعه الله فينا، وهذه الصفات ثبتت عن الله عز وجل، توافق العقل الصريح مع النقل الصحيح توافق حتمي: يجب أن تقطع أملك في أن تدرك الكيفية، هذا طريق مسدود استرح وأرح, الله كيف يعلم كل مخلوق ماذا في نفسه؟ الكيفية مستحيلة. يجب أن تقطع أملك في إدراك الكيفية، كيف يعلم ما سيكون؟ الله عز وجل أثبت في قرآنه أنه يعلم ما سيكون؛ كيف؟ لا أعلم, وأقولها بملء فمي، وأقولها مفتخراً, وأعد العلم الحقيقي لا أعلم. يجب أن تؤمن أن العقل محدود، هذا الميزان ميزان البقالية, ميزان حساس, لكن مصمم من خمسة غرامات لخمسة كيلو، مستحيل أن تزين به شاحنة لأنها ستكسره، لا تتهم المصنع, المصنع دقيق, لكنه خصص حدود من خمسة غرامات لخمسة كيلو، هذه طاقة الميزان.
الحقيقة السادسة: من الأدب مع الله عز وجل: أن نثبت الصفات التي أثبتها الله لنفسه تفصيلاً: أثبت لنفسه الرحمة, والعلم, والقدرة, والحياة, و ...... أما ليس كمثله شيء؛ ليس شبحاً, ولا جثة, ولا صورة, ولا دماً, ولا شخصاً, ولا جوهرة, ولا عرضاً, ولا لون له, ولا رائحة له، هذا شيء غير معقول، بالنفي إجمال بالإثبات تفصيل. الكمال يقتضي أنك إذا أثبت صفات أثبتها الله لذاته: أن تأتي بها مفصلة. إذا قال الله عز وجل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ انتهى، لا داعي لأن أحضر مائة ألف شيء, وأن أنفي عن الله هذه الأشياء، نحن عندنا اسم وصفة، كل اسم يقتضي صفة، لكن ما كل صفة تقتضي اسم. الله عز وجل قال: ﴿رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ يستنبط أنه رافع, لكن لا يقال: الله اسمه رافع، الله بنى, لا يقال: اسمه باني، كل اسم يتضمن صفة، لكن ما كل صفة يشتق منها اسم، هذه قاعدة أخرى. الرحمن يتضمن صفة الرحمة، اسم الكريم يتضمن صفة الكرم، اسم اللطيف يتضمن صفة اللطف وهكذا، أما الاستواء: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ لا يوجد عندنا اسم المستوي. ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ لا يوجد اسم الماكر، كل اسم يتضمن صفة, وما كل صفة تشتق من فعل تتضمن اسماً.
الحقيقة السابعة: صفات الله تعالى كلها صفات كمال مطلق, لا نقص فيها بوجه من الوجوه: لكن لضعف إيمان الإنسان أحياناً, ولضعف لغته وفهمه, الله منتقم، الانتقام من الله عين الكمال، ينتقم؛ أي يعاقب عباده الطغاة، يحجزهم عن إيذاء الخلق, مهما تصورت من كرمه فهو أكرم، من قوته فهو أقوى، جبار يجبر الانكسار، فأسماء الله وصفاته متعلقة بكمال الله حتماً.
الحقيقة الثامنة: صفات الله صفات ذات وصفات أفعال: صفات الله عز وجل, صفات ذات وصفات أفعال، صفات ذاته الحي القيوم، صفات أفعاله معطي مانع, رافع خافض, معز مذل، لا نهاية لصفات أفعاله, لأن أفعاله لا نهاية لها. الدليل: ﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ فيوجد أسماء متعلقة بالذات, وأسماء متعلقة بالأفعال، نقول: صفات ذات وصفات أفعال.
الحقيقة التاسعة: الصفات التي يمكن أن يوصف الله بها, جاءت في الكتاب والسنة، ولكن ثبوت هذه الصفات, قد يكون بالتصريح أو بالتضمين: الله أثبت لنفسه صفة الرحمة؛ الرحمن والعزة والقوة, تبارك اسم ربك, يريدون وجهه, أثبت أن له وجه، يد الله فوق أيديهم, قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، الله أثبت لنفسه هذه الصفات؛ لكن أحياناً: الله قال: سميع بصير, كلمة بصير: أثبت لنفسه من خلالها صفة البصر، سميع, صفة السمع؛ فإما أن يعطي الإثبات صريحاً أو متضمناً، وصفات الله عز وجل يستعاذ بها ويحلف بها. كان عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول: أعوذ برضاك من سخطك. الرضا صفة لله عز وجل, والسخط صفة, والكلام في صفة الله كالكلام في ذاته تعالى، كما أنه له ذات حقيقية لا تشبه ذواتاً أخرى, له صفات حقيقية لا تشبه الصفات الأخرى, كذلك إثبات الذات إثبات وجود لا كيفية، وكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا كيفية. فأسماء الله تثبت من دون كيفية، محبة الله؛ كيف يحب الله؟ الإنسان يحب أن يميل, يكون عنده نقص, شيء جميل, إن رأى يحبه, ليس كمثله شيء، الله أثبت لنفسه الحب قال: يحبهم ويحبونه، أما تفهم محبة الله كمحبة إنسان لفتاة, هذا مستحيل, ممنوع التمثيل والتشبيه، لكن كما أثبت الله لنفسه السمع والبصر, أثبت المحبة والكراهية والغضب, غضب الله عليهم ولعنهم.
الحقيقة العاشرة: صفات الله عز وجل لا يقاس عليها: الله عز وجل جواد، سخي, لا، لا تقيس، الله عز وجل قوي جلد, يعني يتحمل, هذا كلام باطل، صفات الله عز وجل لا يقاس عليها، صفات البشر شيء, وصفات الله عز وجل شيء آخر، الله قدير, هل يعني أنه يستطيع كل شيء؟ يستطيع، صفات الله عز وجل لا حصر لها, كل اسم يتضمن صفة، صفات الله عز وجل لا حصر لها, مستحيل أن تحصر, لأن كل اسم يقتضي صفة، وأسماء الله لا حصر لها، قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ أي يشركون في أسمائه كاللات من الإله، والعزة من العزيز، إشراك في الأسماء. قَالَ رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: ((لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ, إِلَّا وَاحِدًا لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ, وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ)).
هذه الحقائق يجب أن تكون واضحة بين أيديكم في الحديث عن الذات الإلهية.