كلمة الإيمان كلمة متداولة كثيراً بين أوساط المؤمنين وقد تفهم فهماً مختصراً محدوداً ضيقاً لا يقدم ولا يؤخر ولا ينجي.
الإيمان تصديق وإقبال:
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ هذه العقيدة، الآن الإيمان: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحً﴾ صار الإيمان تصديق وإقبال، يقابله الكفر تكذيب وإعراض. تصديق بأن الله موجود حقيقة الوجود، وبأن الله واحد حقيقة التوحيد، وبأن الله كامل حقيقة التنزيه، موجود وواحد وكامل، وأسماؤه جميعاً حسنى، وصفاته كلها فضلى، أن تصدق بالله خالقاً، ورباً، ومسيراً، وموجوداً، وواحداً، وكاملاً، وأنه صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، وأن الله سبحانه وتعالى خلقنا لعبادته، وخلقنا لجنته، إلى ما لا ينتهي من حقائق الإيمان. إذاً أنا أصدق بما جاء في القرآن الكريم تصديقاً تاماً وكاملاً، وأصدق بما جاء في صحيح السنة النبوية تصديقاً كاملاً وتاماً.
الإيمان حركة:
أول حقيقة الإيمان تصديق وإقبال، لا يكفي أن نصدق لأن إبليس قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾ ، ﴿خَلَقْتَنِي﴾ قال: ﴿أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ لا يكفي أن أصدق ما لم يترجم هذا التصديق إلى حركة، الإيمان حركة الدليل: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ الهجرة حركة من بلد لا تستطيع أن تقيم فيه شعائر الله إلى بلد تستطيع أن تعبد الله فيه حركة. الإيمان عمل، أكثر من مئتي آية في كتاب الله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ إبليس من الذين آمنوا لكن ليس له عمل صالح، تأكيد آخر: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ اعتقد يقيناً أن إيمانك وتصديقك أن هناك إلهاً عظيماً، وأن هناك دار آخرة، وأن هناك موتاً، وأن هناك عذاباً في القبر، وأن هناك جنة عرضها السماوات والأرض، كل هذا الإيمان لا قيمة له، ما لم تتحرك الإيمان غير صحيح، هناك قانون يضبط علاقتك بالمحيط إدراك، انفعال، سلوك، تمشي في بستان رأيت أفعى علامة صحة إدراكك أنها أفعى وأن لدغتها قاتلة تضطرب و قد تصرخ، علامة صحة الإدراك الانفعال وعلامة صحة الانفعال الحركة، إما أن تقتلها وإما أن تهرب منها، علامة صحة الإدراك الانفعال وعلامة صحة الانفعال الحركة، فما لم تتحرك لست مؤمناً. ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن حتى تعبر عن نفسها بحركة، يذهب لإطعام فقير، يذهب لزيارة أخته في طرف المدينة صلة رحم، حركة، ينفق من ماله حركة، يسأل عن قضية في التجارة حركة، المؤمن متحرك، مؤمن سكوني لا يوجد، الإيمان إعجاب سلبي غير صحيح، الإيمان إعجاب إيجابي، إعجابه حركي.
الإيمان يقتضي العبادة:
الإيمان يقتضي العبادة حينما تدرك حقيقة أنك المخلوق الأول، المخلوق المكرم، المخلوق المكلف بعبادة الله، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية. فإن لم يقتضِ العبادة لا قيمة له إطلاقاً، لذلك الآية الكريمة: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ﴾ ويا أهل الإسلام لستم على شيء حتى تقيموا القرآن، ما لم تعطِ وتمنع، تغضب وترضى، تصل وتقطع لله، فلست مؤمناً الإيمان الذي ينجي، أذكركم بهذا المثل دائرة كل إنسان أنكر وجود الله عز وجل خارج هذه الدائرة، كل إنسان آمن بالله ضمن هذه الدائرة، إن آمن بالله ولم يقبل عليه، آمن بالله ولم يعبده، آمن بالله ولم يأتمر، آمن بالله ولم ينتهِ، هذا الإيمان لا قيمة له إطلاقاً، ضمن هذه الدائرة هناك دائرة ثانية، كل من آمن بالله وحمله إيمانه على طاعة الله دخل في الدائرة الثانية، هذا الإيمان المجدي، ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.
الإيمان يقتضي أن توقن أن الله سوف يحاسب :
الإيمان يقتضي أن توقن أن الله سوف يحاسب، وسوف يعاقب، ولا تنسى هاتين الآيتين: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى*أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى*ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى*فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى*أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾. الله عز وجل خلق لك عقلاً من أجل ماذا؟ معظم الناس يستخدمون عقولهم لكسب أرزاقهم، ولدنياهم، ولتحقيق مصالحهم، ولجمع الثروة والإيقاع بين الناس، اسمحوا لي بهذا المثل لكن دقيق قليلاً، هناك حواسيب للمعامل الحاسوب ثمنه خمسين مليوناً، ممكن تشتري حاسوباً بخمسين مليوناً وتجعله طاولة في المعمل؟ هو بحجم الطاولة، خمسين مليوناً كطاولة؟ إن فعلت هذا ألست محتقراً له؟ ممكن ورقة شيك بمليون ليرة تستخدمها كورقة مسودة تكتب على ظهرها بعض الكلمات ثم تمزقها؟ فلما الإنسان يستخدم عقله لدنياه فقط كأنه استخدم شيك بمئة مليون كورق مسودة أو كأنه استخدم حاسوب بخمسين مليوناً كطاولة، هذا معنى قوله تعالى: ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ إذاً ما دام الله عز وجل قد خلق فينا العقل إذاً ينبغي أن نستخدمه لمعرفة الله، والدليل أن الله نصب في هذا الكون آيات لا تعد ولا تحصى، لذلك: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ الآية الثانية: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يكون غافلاً عن الله، يعيش بلا هدف والآية الكريمة: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾. لذلك أهم شيء أن تعرف لماذا أنت في الدنيا؟ لا أن تكتشف الحقيقة على فراش الموت.