بحث

الوفاء من حقوق الأخوة في الإسلام

الوفاء من حقوق الأخوة في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     الوفاء من الحقوق التي تجب على الأخ الذي يعقد أخوَّته مع أخٍ في الله، والوفاء هو الثبات على الحبِّ وإدامته إلى الموت وبعد الموت مع الأولاد والأصدقاء، وإنما الحب بين الأخوين في الله إنما يُراد للآخرة وليس للدنيا. ومن آثار الوفاء:

1. ألا يتغير حال الأخ مع أخيه في التواضع وإن ارتفع شأنه:

     من الوفاء ألا يتغيَّر حال الأخ مع أخيه في التواضع وإن ارتفع شأنه. فالإنسان في الدنيا قد ينتقل من مكانٍ إلى آخر، من منصب إلى آخر، من عمل إلى آخر، فإذا ارتفع شأنه فمن باب الوفاء مع إخوانه في الله ألا يبتعد عنهم، وألا يزوَّرَّ عنهم، وألا يرى نفسه فوقهم، فمن صفات الكرماء المؤمنين أنه هو هو مع إخوانه، ومن صفات المنقطعين عن الله عزَّ وجل أنه إذا ارتفعت مكانته نسي إخوانه. فالتَرَفُّع عن الإخوان بما يتجدَّد من الأحوال لؤمٌ، أي أن أحد أنواع اللؤم أن تترفَّع عن إخوانك إذا عَلَت منزلتك،  

     سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما فَتَحَ مكَّة، ودانت له الجزيرة العربيَّة بأكملها، وخضعت له القبائل، وصار قمَّة هذا المجتمع الجديد، خشي الأنصار رضوان الله عليهم أن يؤثر النبي عليه الصلاة والسلام البقاء في مكَّة بلده، فلمَّا أعلنوا عن قلقهم قال:  ((إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، قَالَ: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا قُلْنَا الَّذِي قُلْنَا إِلا الضِّنَّ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذُرَانِكُمْ ))  وقال صلى الله عليه وسلم: ((لو سلك الناس فجَّاً وسلكت الأنصار فجَّاً لسلكت فَجَّ الأنصار، اللهمَّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناءِ الأنصار))    هذا هو الوفاء . 

     لمَّا وصل النبي الكريم إلى مكَّة فاتحاً تنازع أصحابه في أي بيتٍ سيبيت فقال: " انصبوا لي خيمةً عند قبر خديجة " وفاءً لهذه الزوجة التي صَدَّقته حين كذَّبه الناس، وقامت معه لمَّا قعدوا، وواسته بمالها، وحدبت عليه بعطفها، وأيَّدته وآمنت به، وكان وحده، فيكاد يكون الوفاء خُلُقَ المؤمن الأول. 

     وهذا الذي يتزوَّج امرأةً وتصبر عليه، فإذا أغناه الله بَحَثَ عن أُخرى، هذا والله عين اللؤم، رضيت بكَ حينما كنت فقيراً فلمَّا اغتنيت لم ترض بها؟! قد يلقى الله وهو عليه غضبان. وأوصى بعض السَلَف ابنه فقال: " يا بني لا تصحب من الناس إلا من إذا افتقرت إليه قَرُبَ منك، وإذا استغنيت عنه لم يطمع فيك، وإن عَلَت مرتبته لم يرتفع عليك" 

2. ألا توافق أخاك على شيءٍ لا يرضي الله:

     واعلم أنه ليس من الوفاء أن توافق أخاك فيما يخالف الحق في أمرٍ يتعلَّق بالدين، ليس من الوفاء أن تسكُت عن معصيته، ليس من الوفاء أن توافقه على معصية، ليس من الوفاء أن تعرف أن دخله حرام فلا تنصحه، ليس من الوفاء إذا ضَيَّع فرض صلاةٍ أن تسكت عنه، هذه خيانة، من وفائك لأخيك المؤمن أنه إذا انحرف أو أخطأ أو قَصَّر أن تنبِّهه وأن تُذَكِّره من دون أن يكون هذا أمام ملأ من الناس لأن في هذا تشهيراً وليس في هذا نصيحةً. أي من تمام الوفاء ألا توافق أخاك على شيءٍ لا يرضي الله أبداً، المقصود من هذا أن الوفاء بالمحبَّة من تمامها النصح لله تعالى.  

3. أن تكون شديد الجزع من المفارقة:

     ومن آثار الوفاء بل من آثار تمام الوفاء أن تكون شديد الجزع من المفارقة، كما قيل:  

وجدت مصيبات الزمان جميعها   سوى فرقة الأحباب هينة الخطب 

     فرقة الأحباب من أشدُّ أنواع المصائب في الدنيا.   قال ابن عُيينة:  "لقد عهدت أقواماً فارقتهم منذ ثلاثين سنةً ما يُخَيَّلُ إلي أن حسرتهم ذهبت من قلبي "   الأخ الراقي، الأخ الوفي، المؤمن، الصادق، المحب، المتواضع، هذا إذا فارقك فإن حسرةً سوف تلسع القلب

4. ألا تستمع إلى أقوال الناس في صديقك:

     من الوفاء أيضاً ألا تستمع إلى أقوال الناس في صديقك، لاسيما من يُظْهِرُ أولاً أنه محب، فالناس يفسدون هذه العلاقات على الشكل التالي: يقول لك من أصدقاؤك؟ تقول له: فلان صديقي، والله إنسان طيِّب، والله أحسنت الاختيار، نِعم هذا الصديق، حينما يمدحه لك تسَر، تستأنس، يقول لك: فعلاً صديق جيد، وفي، أخلاقه عالية، سبحان الله لكن من يومين وجدت له موقفاً أحزنني، سبحان الله وجدت له موقفاً ما كنت أصدِّقه عنه، تقول له: غير معقول، ماذا فعل؟ يقول لك بعض عيوبه، هذا اسمه فخ، حينما أثنى عليه من أجل أن تصغي إليه، لو بدأ بهذه المنقصة لما استمعت إليه، من أجل أن يضمن أن تستمع إليه بدأ بالثناء، وثنىَّ بالنقد، فمن تمام الوفاء لصديقك ألا تستمع إلى أقوال الناس فيه. 

5. ألا تصادق عدوَّ صديقك:

     الآن من الوفاء ألا تصادق عدوَّ صديقك، لك عدوٌ لدود، يتكَّم عنك أشياء غير صحيحة، يلفِّق عليك، صديقك المُحِب الوفي يصادقه، سيدنا عليٌّ رضي الله عنه قال: " أصدقاؤك ثلاثة: صديقك، وصديق صديقك، وعدوِّ عدوِّك، وأعداؤك ثلاثة: عدوُّك، وصديق عدوِّك، وعدوُّ صديقك ". فالإنسان ليس له حق أن يصاحب عدو صديقه لأن هذا من عدم الوفاء هذا.  

     قال الأحنف: " الإخاء جوهرةٌ رقيقة إن لم تحرسها كانت معرَّضةً للآفات، فاحرسها بالكظم حتَّى تعتذر إلى من ظلمك، وبالرضا حتَّى لا تستكثر من نفسك الفَضلَ، ولا من أخيك التقصير" أي أن الأخوَّة جوهرة رقيقة، سريعة العطب، احفظها من أن تنكسر بالانتقاد، أو بالشعور بأنك ممتنٌّ عليه، أو بإحساسك أن أخاك مقصِّر في حقِّك، أو أنه إذا أساء إليك اعتذر عنه حفاظاً على هذه الجوهرة.



المصدر: موضوعات فقهية متفرقة - الدرس : 26 - حقوق الأخوة في الإسلام .